فن الدبلوماسية.. وعلاقته بعلم الفلك والتنجيم «1»
تاريخ النشر: 29th, August 2023 GMT
يتساءل الكثيرون ما علاقة فنِّ الدبلوماسيَّة بعِلْمِ الفلك والتنجيم؟ وهل بعض السَّاسة على مختلف مُسمَّياتهم والدبلوماسيون وكبار الشخصيَّات وغيرهم يعتمدون على عِلْم الفلك والتنجيم في خططهم الاستراتيجيَّة والتكتيكيَّة؟ وهل رجال الأعمال وبقيَّة شرائح المُجتمع من كلا الجنسَيْنِ مهتمون بعِلْمِ الفلك والتنجيم في تحرُّكاتهم وسلوكهم اليومي وعواطفهم وعلاقاتهم مع الآخرين؟
والجواب هو بسيط جدًّا لهذه الأسئلة والاستفسارات بخصوص علاقة فنِّ الدبلوماسيَّة وتفرُّعاته بعِلْمِ الفلك والتنجيم.
في مقال اليوم نغوص في مفاهيم ونظريَّات وتاريخ عِلْمِ الفلك والتنجيم على أمل أن نتطرَّقَ بالمقال القادم على علاقتهما بفنِّ الدبلوماسيَّة وكيفيَّة اعتماد بعض من الرؤساء، كبار القادة، الدبلوماسيين، كبار الشخصيَّات، وشرائح أخرى من النَّاس بعِلْمِ التنجيم والفلك في تحرُّكاتهم وأهدافهم. وبكُلِّ تأكيد فإنَّ المستقبل لا يعرفه إلَّا الله سبحانه وتعالى.
في البداية نتعرَّف على مفهوم وتاريخ عِلْمِ الفلك والتنجيم، فعِلْمُ الفلك يُعرَّف بأنَّه مدار النجوم، ويبحث في الأجرام العلويَّة وأحوالها، بالإضافة إلى أنَّه يدرس الفيزياء الفلكيَّة والذي يتعامل مع السُّلوك والعمليَّات الديناميكيَّة للأجرام والظواهر السماويَّة وتأثيرها على سلوك البَشَر، ويدرس الفضاء الكوني ككُلٍّ. وهو من أقدم العلوم الطبيعيَّة التي درست منهجيَّة السَّماء ودَوَران الكواكب والأقمار والنجوم والمجرَّات والمُذَنَّبات وعلاقتها بالأبراج وحياة وعواطف البَشَر. وقدَّمت حضارات البابليون واليونانيون والهنود والمصريون دراسات ونظريَّات متنوِّعة مِنْها عِلْمُ القياسات الفلكيَّة والمِلاحة الفلكيَّة، وعِلْمُ الفلك الرصدي وصنع التقويمات، وعِلْمُ التنجيم.
واشتُهرت بابل القديمة بعِلْمِ التنجيم؛ بسبب وجود مكان الملكَيْنِ (هاروت وماروت) كما ذكرهما القرآن الكريم واللَّذيْنِ نزَلا من السَّماء إلى الأرض وهما موجودان في بئر في مدينة بابل الأثريَّة، وكان المُنجِّمون يُفسِّرون الظواهر بمختلف أنواعها مستندين إلى عِلْمِ التنجيم وحركة الأبراج ومدار الكواكب.
خلال القرن الخامس قَبل الميلاد، يعتمد النَّاس في حياتهم على دائرة بروجٍ مُكوَّنة من (12) برجًا يمتدُّ كُلٌّ مِنْها على (30) درجة، وإذا كان البابليون قَدْ أعطَوا هذه البروج أسماءً لها دلالات معيَّنة في حضارتهم، فإنَّ الفضل في ربط النجوم بأحداث كوكب الأرض يَعُودُ إلى الكلدانيِّين الذين اعتمدوا النجوم وحركاتها في تفسير ظواهر معيَّنة، أو التنبُّؤ بأحداث مستقبليَّة أو كوارث طبيعيَّة.
ويُمكِن القول إنَّ بطليموس وهالي، ومن بعدهما نيوتن، أسهموا في تعزيز سطوة عِلْم التنجيم من خلال ربط ما يجري على الأرض بالنجوم والكواكب، خصوصًا الشمس والقمر وبقيَّة الأبراج، وإن كان الاعتقاد السَّائد بما أنَّ المدَّ والجَزْرَ بسبب حركة الأرض، فلا بُدَّ من أن تكُونَ حظوظ النَّاس ومستقبل البلد بيد النجوم والتي أيضًا تؤثِّر على صحَّة الإنسان.
الفلك والتنجيم كانا يتعاملان كعِلْمٍ واحد، ولكن أخَذَا بالانفصال تدريجيًّا عن بعضهما البعض، وتحديدًا في عصر التنوير (القرن الثامن عشر) وهو قرن الأفكار والعلوم الحديثة، وكان من ضِمْنها عِلْمُ الفلك الذي عُدَّ هو الأساس، وعِلْمُ التنجيم يعمل من خلاله.
عِلْمُ التنجيم يُعرف بأنَّه العِلْمُ الذي يدرس تأثير الأجرام السماويَّة والأجسام الكونيَّة، ومواقع النجوم والشمس والقمر والأبراج، وتأثيرها على حياة وسلوك وشخصيَّة وصحَّة الإنسان. وبشكلٍ عامٍّ يختلف عِلْمُ التنجيم باختلاف الثقافة التي ينشأ من خلالها، وينقسم عِلْمُ التنجيم إلى ثلاثة أقسام رئيسة وهي:(عِلْمُ التنجيم الدنيوي): وهو العِلْمُ الذي يتحقَّق من الأحداث العالَميَّة والتنبُّؤ بالحروب والكوارث الطبيعيَّة والاقتصاديَّة.. وغيرها من الأمور، و(عِلْمُ التنجيم الاستجوابي): يقوم هذا النَّوع من التنجيم على التنبُّؤ وتحليل حدَثٍ شخصي، و(عِلْمُ تنجيم الولادة): يقوم هذا النَّوع من التنجيم على التنبُّؤ والتحليل استنادًا إلى تاريخ ولادة الشَّخص.
يؤكِّد بعض العلماء أنَّ للقمر عِند اكتماله تأثيرًا مباشرًا على السُّلوك الإنساني، وجعله أكثر اضطرابًا وميلًا للعنف، ويؤثِّر على الحالة النَّفْسيَّة والمزاجيَّة والعقليَّة للإنسان، والسَّبب في ذلك أنَّ حالة المدِّ وزيادة الدم التي ذكرها الأقدمون عِند اكتمال القمر، وتأثير القوى الكهرومغناطيسيَّة وقوى الجاذبيةَّ عِند اشتدادها في الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من الشهر القمري على الجهاز العصبي. وإنَّ تأثير القمر والأبراج والأجرام السماويَّة القريبة من الأرض على صحَّة وسلوك الإنسان واضحة جدًّا في منتصف كُلِّ شهر قمري. وأكَّدت البحوث العلميَّة الطبيَّة أنَّ النجوم والأبراج لها تأثير مباشر على سلوكيَّات البَشَر، وبدأ المنجِّمون يفتحون أبواب السِّياسيِّين ورجال الأعمال وكبار الشخصيَّات بقراءة بعض من مفردات المستقبل استنادًا إلى حركة الكواكب.. (نكمل الجزء الثاني بالمقال القادم إن شاء الله).
❋ (المصادر: الأبراج وصحَّة وسلوك الإنسان، د. صبيح بن رحمان الساعدي ـ دكتوراه بعلوم الفضاء والفلك)
د. سعدون بن حسين الحمداني
دبلوماسي سابق والرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: تأثیر ا
إقرأ أيضاً:
الهوية العُمانية في الميادين الدبلوماسية
د. إسماعيل بن صالح الأغبري
لكل دولة من الدول هويتها الدبلوماسية التي تميزها عن غيرها، تحدد آليات علاقاتها مع دول العالم وترسم خطواتها الدبلوماسية في كيفية معالجة الحوادث المستجدة، ولسلطنة عُمان هويتها في ميادين مختلفة ومنها الميدان الدبلوماسي، فالتخفيف من الاحتقانات التي قد تقع بين الدول أو بين أطراف الدولة الواحدة معلم من معالم الهوية العُمانية، ولذا فإنَّ دبلوماسيتها ذات بصمات إيجابية في حلحلة بؤر النزاع بين هذه الأطراف كما وإن هذه الهوية تتجلى في عدم تأجيج الفتن والنزاعات وذلك عن طريق إقامة علاقات طبيعية مع الدول خالية من المناكفات، بعيدة عن المزايدات، ثم استثمار علاقاتها الإيجابية للقيام بدور تصالحي بين الدول المتباينة في الرؤى ووجهات النظر متى ما تراضت الأطراف التحاكم إليها أو الاحتكام إلى دبلوماسيتها المشهود لها بالحكمة والحنكة.
دبلوماسية سلطنة عُمان لا تفرض نفسها على بقية الدول المتباينة ولكن إن طلب منها الفرقاء تسهيلا أو تذليلا لعقبات أو تصفية لأجواء أو استضافة لحوارات داخل الأرض العُمانية أو خارجها في حرمها الدبلوماسي فإنها تقوم بذلك خدمة للسلم الإقليمي والدولي معًا.
إيمان الدبلوماسية العُمانية بأنَّ أي اضطراب في علاقات الدول الإقليمية والعالمية سيؤثر سلباً على الاستقرار السياسي العالمي تماماً كاهتزاز طرف الحبل فإنَّ ذلك ينذر باهتزاز أول الحبل ووسطه وآخره.
الدبلوماسية العُمانية تنحاز لرجل إطفاء الحرائق المشتعلة أو الموشكة على الاشتعال، وتتجنب الاصطفاف مع أي فريق يصعد من خطاباته أو يعكر صفو الاستقرار السياسي والدبلوماسي بين الدول.
ولهذه الهوية العُمانية في الميدان الدبلوماسي نماذج كثيرة، ولا أدل على ذلك من المفاوضات الجارية حاليا بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة الأمريكية، فالبلدان ارتضيا مسقط عاصمة سلطنة عُمان موئلا ومكانا جامعاً لهما للقاء غير مباشر حسب المعلن عنه، ثم إن الطرفين يثقان بالدبلوماسية العُمانية لخبرتهما بها خاصة فيما يتعلق بالاتفاق النووي الموقع بين الطرفين عام 2015م.
مكان التفاوض بين البلدين مسقط، وهي تؤمن بضرورة تذليل العقبات وبذل ما أمكن من تسهيلات لأن المنطقة منطقة الخليج، شريان الذهب الأسود إلى قارات العالم، وشرارة واحدة ولو بالخطأ تعني تطاير ألسنة اللهب إلى كافة الدول، وتأخر تصدير قطرة منه يعني مساسا بالاقتصاد العالمي، وتعطل كثير من المصانع الإقليمية والدولية.
مسقط تدرك أن الطرفين ليسا نكرة بين دول العالم، فأمريكا تمثل القطب العالمي الأوحد حتى الساعة، ولديها من المقدرات والقدرات في مختلف المجالات ما يجعلها قادرة على إحداث ألم شديد سياسي وعسكري واقتصادي وسط هذا العالم المترامي الأطراف.
وبالنسبة لإيران فهي أيضاً قوة لا يستهان بها عسكريا على أقل تقدير، قادرة على وضع بصماتها المؤثرة على الدول القريبة والبعيدة معاً لامتدادها الجغرافي ولها تأثيرها الثقافي على عدد من دول العالم الإسلامي أما عن قدراتها العسكرية خاصة الصاروخية فهي في تنامٍ مستمر.
أما بالنسبة للدولتين المتفاوضتين فإنَّ الولايات المتحدة الأمريكية وفي عهد الجمهوريين تحديداً لا ترغب في ميلاد قوة خارجة عن ضبط إيقاعهم، ويتصورون إمكانية وقوع ذلك من إيران إن لم يصلوا معها إلى اتفاق خاصة وأنهم يعتقدون أن إيران ذات أيدولوجية ككوريا الشمالية مع اختلاف مرجعية الأيدولوجيتين، فالمجاهرة بعداء إسرائيل وعدم الاعتراف بها دولة قائمة بناء على منطلقات شرعية مع بقاء إيران الدولة الوحيدة المتمكنة حالياً من تهديد إسرائيل عسكرياً يعزز إصرار الأمريكيين على الضغط على إيران.
الطرفان: إيران وأمريكا لا يريد أي منهما أن يظهر وكأنَّ خصمه كسر إرادته مراعاة لمنطلقات كل منهما، فالجمهوريون حصدوا الأصوات بناءً على ما رفعوه من شعارات منها: أمريكا أولا، وكذلك إعادة الهيبة لأمريكا أو لنقل ترسيخ الهيمنة الأمريكية كقوة عظمى في هذا العالم.
والإيرانيون لهم نظام حكم ذو نزعة استقلالية، يتكئون في ذلك على مواريثهم الحضارية وعلى الأيدلوجية الإسلامية الحاكمة، ومن الصعب عليهم الظهور بمظهر المغلوب على أمره أو التنازل عن مبادئ قامت عليها الجمهورية الإسلامية في إيران، وعلى ذلك فإنَّ الطرفين لا بد لكل منهما التزحزح عن بعض ما يرفعه لتحقيق اختراق لازم، يسفر عن نتائج إيجابية مرتقبة من العالم.
وختاماً فإنَّ الدبلوماسية العُمانية بساط أخضر واسع، يمكنها احتواء الأطراف المختلفة، وكذلك فإن الإرادة العُمانية الجادة في سبيل إطفاء فتيل الأزمات تعين على التقريب بين وجهات النظر.
قلما دخلت الدبلوماسية العُمانية في معترك الوساطات إلا وأسفر ذلك عن توصل الأطراف إلى حل جامع لهذه الأطراف، وإن لم تصل الأطراف إلى المرجو من التفاوض فلا أقل من تهدئة بينهما.
إذا تنفس الصبح في مسقط، وانبلج فجر المفاوضات، وأشرقت شمس التقاء الأطراف، وبزغ النجم المرتقب فإنَّ ذلك حصاد الدبلوماسية العُمانية المشهود لها، وبذلك تكون سلطنة عُمان قد أسدت خدمة جليلة للخليج من حيث استقراره وإمكانية تصدير نفطه، وتكون كذلك أسدت للعالم خدمة جليلة من حيث تجنيب العالم ويلات الصدام المسلح أو الحروب الاقتصادية. الدول تنتظر بفارغ الصبر صبح مسقط بشرط أن يتخلى كل طرف من المتفاوضين عن بعض ما يُؤمن به ليلتقيا في نقاط مشتركة، ليس أحد منهما أُريق ماء وجهه.
رابط مختصر