يتساءل الكثيرون ما علاقة فنِّ الدبلوماسيَّة بعِلْمِ الفلك والتنجيم؟ وهل بعض السَّاسة على مختلف مُسمَّياتهم والدبلوماسيون وكبار الشخصيَّات وغيرهم يعتمدون على عِلْم الفلك والتنجيم في خططهم الاستراتيجيَّة والتكتيكيَّة؟ وهل رجال الأعمال وبقيَّة شرائح المُجتمع من كلا الجنسَيْنِ مهتمون بعِلْمِ الفلك والتنجيم في تحرُّكاتهم وسلوكهم اليومي وعواطفهم وعلاقاتهم مع الآخرين؟
والجواب هو بسيط جدًّا لهذه الأسئلة والاستفسارات بخصوص علاقة فنِّ الدبلوماسيَّة وتفرُّعاته بعِلْمِ الفلك والتنجيم.


في مقال اليوم نغوص في مفاهيم ونظريَّات وتاريخ عِلْمِ الفلك والتنجيم على أمل أن نتطرَّقَ بالمقال القادم على علاقتهما بفنِّ الدبلوماسيَّة وكيفيَّة اعتماد بعض من الرؤساء، كبار القادة، الدبلوماسيين، كبار الشخصيَّات، وشرائح أخرى من النَّاس بعِلْمِ التنجيم والفلك في تحرُّكاتهم وأهدافهم. وبكُلِّ تأكيد فإنَّ المستقبل لا يعرفه إلَّا الله سبحانه وتعالى.
في البداية نتعرَّف على مفهوم وتاريخ عِلْمِ الفلك والتنجيم، فعِلْمُ الفلك يُعرَّف بأنَّه مدار النجوم، ويبحث في الأجرام العلويَّة وأحوالها، بالإضافة إلى أنَّه يدرس الفيزياء الفلكيَّة والذي يتعامل مع السُّلوك والعمليَّات الديناميكيَّة للأجرام والظواهر السماويَّة وتأثيرها على سلوك البَشَر، ويدرس الفضاء الكوني ككُلٍّ. وهو من أقدم العلوم الطبيعيَّة التي درست منهجيَّة السَّماء ودَوَران الكواكب والأقمار والنجوم والمجرَّات والمُذَنَّبات وعلاقتها بالأبراج وحياة وعواطف البَشَر. وقدَّمت حضارات البابليون واليونانيون والهنود والمصريون دراسات ونظريَّات متنوِّعة مِنْها عِلْمُ القياسات الفلكيَّة والمِلاحة الفلكيَّة، وعِلْمُ الفلك الرصدي وصنع التقويمات، وعِلْمُ التنجيم.
واشتُهرت بابل القديمة بعِلْمِ التنجيم؛ بسبب وجود مكان الملكَيْنِ (هاروت وماروت) كما ذكرهما القرآن الكريم واللَّذيْنِ نزَلا من السَّماء إلى الأرض وهما موجودان في بئر في مدينة بابل الأثريَّة، وكان المُنجِّمون يُفسِّرون الظواهر بمختلف أنواعها مستندين إلى عِلْمِ التنجيم وحركة الأبراج ومدار الكواكب.
خلال القرن الخامس قَبل الميلاد، يعتمد النَّاس في حياتهم على دائرة بروجٍ مُكوَّنة من (12) برجًا يمتدُّ كُلٌّ مِنْها على (30) درجة، وإذا كان البابليون قَدْ أعطَوا هذه البروج أسماءً لها دلالات معيَّنة في حضارتهم، فإنَّ الفضل في ربط النجوم بأحداث كوكب الأرض يَعُودُ إلى الكلدانيِّين الذين اعتمدوا النجوم وحركاتها في تفسير ظواهر معيَّنة، أو التنبُّؤ بأحداث مستقبليَّة أو كوارث طبيعيَّة.
ويُمكِن القول إنَّ بطليموس وهالي، ومن بعدهما نيوتن، أسهموا في تعزيز سطوة عِلْم التنجيم من خلال ربط ما يجري على الأرض بالنجوم والكواكب، خصوصًا الشمس والقمر وبقيَّة الأبراج، وإن كان الاعتقاد السَّائد بما أنَّ المدَّ والجَزْرَ بسبب حركة الأرض، فلا بُدَّ من أن تكُونَ حظوظ النَّاس ومستقبل البلد بيد النجوم والتي أيضًا تؤثِّر على صحَّة الإنسان.
الفلك والتنجيم كانا يتعاملان كعِلْمٍ واحد، ولكن أخَذَا بالانفصال تدريجيًّا عن بعضهما البعض، وتحديدًا في عصر التنوير (القرن الثامن عشر) وهو قرن الأفكار والعلوم الحديثة، وكان من ضِمْنها عِلْمُ الفلك الذي عُدَّ هو الأساس، وعِلْمُ التنجيم يعمل من خلاله.
عِلْمُ التنجيم يُعرف بأنَّه العِلْمُ الذي يدرس تأثير الأجرام السماويَّة والأجسام الكونيَّة، ومواقع النجوم والشمس والقمر والأبراج، وتأثيرها على حياة وسلوك وشخصيَّة وصحَّة الإنسان. وبشكلٍ عامٍّ يختلف عِلْمُ التنجيم باختلاف الثقافة التي ينشأ من خلالها، وينقسم عِلْمُ التنجيم إلى ثلاثة أقسام رئيسة وهي:(عِلْمُ التنجيم الدنيوي): وهو العِلْمُ الذي يتحقَّق من الأحداث العالَميَّة والتنبُّؤ بالحروب والكوارث الطبيعيَّة والاقتصاديَّة.. وغيرها من الأمور، و(عِلْمُ التنجيم الاستجوابي): يقوم هذا النَّوع من التنجيم على التنبُّؤ وتحليل حدَثٍ شخصي، و(عِلْمُ تنجيم الولادة): يقوم هذا النَّوع من التنجيم على التنبُّؤ والتحليل استنادًا إلى تاريخ ولادة الشَّخص.
يؤكِّد بعض العلماء أنَّ للقمر عِند اكتماله تأثيرًا مباشرًا على السُّلوك الإنساني، وجعله أكثر اضطرابًا وميلًا للعنف، ويؤثِّر على الحالة النَّفْسيَّة والمزاجيَّة والعقليَّة للإنسان، والسَّبب في ذلك أنَّ حالة المدِّ وزيادة الدم التي ذكرها الأقدمون عِند اكتمال القمر، وتأثير القوى الكهرومغناطيسيَّة وقوى الجاذبيةَّ عِند اشتدادها في الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من الشهر القمري على الجهاز العصبي. وإنَّ تأثير القمر والأبراج والأجرام السماويَّة القريبة من الأرض على صحَّة وسلوك الإنسان واضحة جدًّا في منتصف كُلِّ شهر قمري. وأكَّدت البحوث العلميَّة الطبيَّة أنَّ النجوم والأبراج لها تأثير مباشر على سلوكيَّات البَشَر، وبدأ المنجِّمون يفتحون أبواب السِّياسيِّين ورجال الأعمال وكبار الشخصيَّات بقراءة بعض من مفردات المستقبل استنادًا إلى حركة الكواكب.. (نكمل الجزء الثاني بالمقال القادم إن شاء الله).
❋ (المصادر: الأبراج وصحَّة وسلوك الإنسان، د. صبيح بن رحمان الساعدي ـ دكتوراه بعلوم الفضاء والفلك)

د. سعدون بن حسين الحمداني
دبلوماسي سابق والرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: تأثیر ا

إقرأ أيضاً:

مئوية يوسف شاهين في ندوة بمهرجان الجونة بحضور النجوم

في اليوم الرابع من فعاليات الدورة الثامنة لمهرجان الجونة السينمائي، عقدت جلسة حوارية بعنوان "رحلة مع الأستاذ: من عدسته إلى عوالمهم الخاصة – مئوية يوسف شاهين"، أدارها أحمد شوقي، وشارك فيها المخرج فريد بوغدير، والمخرج داوود أولاد السيد، والمنتج جابي خوري، والفنانة يسرا، بحضور لبلبة وحسين فهمي وخالد يوسف ومفيدة فوزي ويسرا اللوزي والمنتج محمد العدل وانتشال التميمي وبوسي شلبي ومحمود حميدة وخالد سليم وعمرو جمال وإنجي علي وإلهام شاهين وهالة صدقي وسارة عبد الرحمن وداليا شوقي النقاد طارق الشناوي، محمد طارق، محمد نبيل ومجموعة كبيرة من الفنانين وصناع السينما.



استهلت ماريان خوري الجلسة بتقديم المتحدثين مشيرة إلى أن يوسف شاهين هو الأب الروحي للسينما الجديدة، وقد ألهم أجيالًا كاملة من المبدعين، فيما أوضح أحمد شوقي أن يوم 25 يناير 1926 سيصادف مرور قرن على ميلاده في عام 2026، لذلك قرر مهرجان الجونة أن يبدأ الاحتفال بمئويته قبل شهر ونصف من الموعد الرسمي.

بدأ المنتج جابي خوري حديثه قائلاً إن يوسف شاهين غيّر حياته تمامًا، حيث قال: “كنت مهندس كهرباء وعدت إلى مصر من الخارج لأكمل عملي، وفوجئت يومًا بشاهين يطلب من كل من في المكتب الخروج ليتحدث معي. قال لي: أنت زهقتني، فقلت له ليه؟ رد: بقالك 3 شهور عمال تتكلم في الكهرباء وأنا عايزك تشتغل معايا، هقعد معاك 3 ساعات كل يوم أعلّمك.” وأضاف خوري مبتسمًا: “كان الأجر 2000 جنيه في الشهر ولم نتحدث بعدها عن الأمور المادية، ولما سألته يسرا مازحة فضلت تاخد 2000 جنيه لحد ما مات؟ ضحك قائلاً لا، أخدت أكثر بس مقولتولوش.”

أوضح خوري أن يوسف شاهين كان يمتلك خبرات فنية هائلة ويعرف ما يفعله كل فرد في موقع التصوير، حيث كان يلم بكل التفاصيل حتى أنه قام بالتلحين من قبل، رغم أن الأعمال التي لحنها لم تُكتب باسمه. علقت يسرا على ذلك بقولها: “دخلت المعمل مع شاهين مرة ولم أدخله بعد ذلك اليوم. وضع يده على الشريط وقال ده كده كفاية على تحميض الفيلم، كان يقدر يعرف تفاصيل محدش يعرفها.”

واصلت يسرا حديثها عن علاقتها بشاهين قائلة: “يوسف شاهين كان ملهمي طول الوقت وهو حالة لن تتكرر أبدًا في العهد الحالي على الأقل. هو خلطة كبيرة من الإنسانية، ديكتاتور في عمله، وجدع، بيحب الشغلانة ويخليك تعرف تحبها زيه، وكان بيحب الممثل لأنه هو اللي بيوصل الرسالة للمتلقي. لما زرت معرضه في مهرجان الجونة ما قدرتش أتمالك نفسي من البكاء.”

أما داوود أولاد السيد فقال: “خيال يوسف شاهين يعجبني، وعندنا في المغرب ممثلين شباب يسيرون على خطى الكبير يوسف شاهين.” وأكمل فريد بوغدير حديثه عن أثر شاهين في السينما العربية قائلاً: “مقابلتي مع يوسف شاهين غيرت حياتي ونظرتي إلى السينما كما غيرت حياة عدد كبير من المبدعين العرب. اكتشفنا في تونس من خلال نوادي السينما ونقاشات الأفلام أن الفيلم ليس للتسلية فقط، وكل الأفلام التي كنا نراها كانت غربية، لكن عندما شاهدنا فيلم باب الحديد أدركنا أنه درس في الحرية. ومن خلال عملي كمدرس للسينما في الجامعة، أعرض الفيلم كل سنة على الطلاب، وكل عام يكتشفون شيئًا جديدًا فيه. تعلمنا من شاهين أنه يمكن أن تكون فنانًا وتعالج قضايا المجتمع أو حتى مشاكلك الشخصية. علمنا يوسف شاهين أن أنبل درس في الإبداع هو الحرية.”

استعادت يسرا ذكريات أخرى مع شاهين فقالت إنها ترجته أن يمثل في فيلم "إسكندرية كمان وكمان" موجهة كلامها إلى جابي خوري قائلة: “فاكر؟”، فرد ضاحكًا: “أنا مكنتش اتولدت وقتها.” وأشارت إلى أن شاهين كان يقف خلف الكاميرا في بعض المشاهد ليمنح الممثل القوة والإحساس أثناء الأداء، وكان يتأثر عندما يرى ممثلًا يؤدي دون شغف. واستذكرت مشهدًا في الفيلم نفسه عندما قال لمهندس الإضاءة رمسيس: “أنا عاوز نور رباني مش عاوز إنت اللي تنور.” وبعد تصوير المشهد بحثت عنه ولم تجده، لتكتشف لاحقًا أنه كان حزينًا بسبب الإضاءة، فأعادوا المشهد في اليوم التالي بعد أن قاموا بعمل خرم في السقف ودهان الحيطان، وقالت يسرا: “دهنت معاهم بنفسي علشان المشهد يطلع بالشكل اللي يتمناه شاهين، وبعدها قال: هو ده النور الرباني.”

وأضافت يسرا عن فيلم “حدوتة مصرية”: “قالي في أول لقاء إنتي طويلة أوي، قولتله مين قدامي؟ قالي نور الشريف، قولتله ما هو أطول مني، قالي إنتِ لمضة، قالي وشقرا، اصبغي شعرك أسود وماتكلميش حد. فاعتذرت عن الفيلم لأن دور الأخت مكنش عاجبني، قرأت السيناريو عشر مرات ومفهمتش، وبعد مرور 3 شهور زارني في البيت وبعدها نفذ اللي في دماغه وعملت الفيلم.”

وعلّق جابي خوري على حديث أحمد شوقي بأن يوسف شاهين كان مؤسسة قائلاً: “نعم، شركته مستمرة منذ عام 1952 حتى الآن، وهذا أكبر دليل على النجاح، وقد تخرج منها مخرجون كثيرون، وكان يضمن بعضهم أمام جهات مانحة على ضمانته الشخصية.”

وفي ختام الجلسة، تحدث الفنان حسين فهمي قائلاً: “عرفت يوسف شاهين عام 1960 وأنا طالب بمعهد السينما، وفي العام الأخير من دراستي كان يخرج فيلم فجر يوم جديد، واختارنا مساعدين له. كنا بنروح ننضف شاشة السينما بالصابون علشان العرض كان بعد يومين، وده يرجعنا إلى كلام يسرا إنه كان عارف كل حد بيعمل إيه. هو اللي أقنعني بالعودة من أمريكا علشان أخرج أول فيلم ليا، وكان يزورني في منزل أهلي علشان نكتب سوا سيناريو مسلسل.” وأضاف مبتسمًا: “كان ليا خمس شخصيات في فيلم إسكندرية كمان وكمان يعني خمس يوسف شاهين، قولتله لا يمكن.”

طباعة شارك مهرجان الجونة السينمائي مئوية يوسف شاهين أحمد شوقي

مقالات مشابهة

  • السفير نبيل فهمي: ترامب استحدث نوعا جديدا من الدبلوماسية على مدار عامين
  • مئوية يوسف شاهين في ندوة بمهرجان الجونة بحضور النجوم
  • فلكية جدة: نجم الشِّعْرَى اليَمانِيَّة يتلألأ بألوان متعددة فجر غد
  • د. منال إمام تكتب: الدبلوماسية المصرية في حرب أكتوبر.. صوت الحكمة وقوة الموقف
  • "فلكية جدة": نجم الشعرى اليمانية يتلألأ بألوان قوس قزح قبل الفجر
  • مشاركة واسعة من النجوم في جلسة كيت بلانشيت بمهرجان الجونة السينمائي
  • الواكد يكتب: الدبلوماسية الاردنية تجوب العالم
  • الشيباني: تحركاتنا الدبلوماسية هادئة ومخطط لها
  • الشيباني يتحدث عن تحول الدبلوماسية السورية: نقطة لتحسين العلاقات الدولية
  • وزير الخارجية: العلاقات الدبلوماسية بين مصر والمالديف تعود إلى عام 1969