اكتسبت قمة البريكس 2023 زخمًا كبيرا نظرًا لكونها القمة الفعلية الأولى منذ جائحة كورونا، كما أنها تأتي في سياق دولي مُغاير عن القمم السابقة، ولهذا حملت تصريحات الدول الأعضاء بالبريكس خلال القمة رسائل سياسية واقتصادية تؤكد أن التكتل يسعى إلى إعادة تشكيل النظام العالمي وهو الأمر الذي تُرجم في اتفاق رؤساء مجموعة بريكس في القمة المنعقدة بجنوب إفريقيا لرسم مسار مستقبل تكتل الدول النامية.

 
ففي الوقت التي تتشارك فيه الدول الأعضاء الأهداف الاقتصادية فقد تباينت الأهداف على الصعيد الوطني حيث فرضت التحديات السياسية والأمنية أهدافاً وغايات استراتيجية مختلفة لدى تلك الدول، لذلك آثارت مسألة توسع العضوية نقطة تباين رئيسة بين دول الأعضاء حيث رحب كلا من الصين وروسيا بجذب أكبر عدد من الدول حول العالم في جبهتهما لتعزيز مواقفهم في مواجهة الغرب بقيادة الولايات المتحدة من جهة ولتعميق النفوذ العالمي للبريكس لتصبح منافسا قويا لمجموعة السبع من جهة آخري وخاصة بالنسبة إلى روسيا التي تتزايد لديها أهمية مجموعة بريكس في وقت يواجه فيه اقتصادها عقوبات غربية بسبب الحرب في أوكرانيا، لذلك تعمل روسيا علي بناء علاقات دبلوماسية وتجارية جديدة مع آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية. 
رغم تأييد كامل الأعضاء لاستقطاب دول جديدة تتمتع باقتصادات قوية ومواقع استراتيجية، عارضت الهند مسألة توسيع عضوية البريكس وانضمام دول جديدة إلى البريكس نتيجة تخوفها من طموحات بكين في أن تقود التكتل بما يتماشى مع أجندتها الجيوسياسية في صراعها مع الولايات المتحدة على الهيمنة العالمية.

ومن هذا المنطلق، سيركز هذا المقال علي الإجابة عن (3) تساؤلات رئيسية ، الأول ما هي مجموعة البريكس، الثاني ما هي فلسفة اختيار الدول الملتحقة ، اما السؤال الثالث ما هي المكتسبات لمصرية من الانضمام إلي مجموعة البريكس؟

السؤال الأول: ما هي مجموعة البريكس؟

تحول اسمها من "بريك" إلى "بريكس" في 2011، بعد انضمام جنوب أفريقيا إليها و يضم هذا التكتل (5) دول الاسرع نمو اقتصادي في العالم ،و وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا.
لذا يعد البريكس أحد أهم التكتلات الاقتصادية في العالم، فقد تظهر الأرقام القوة الاقتصادية التي وصلت إليه دول بريكس، فوفقا لبيانات صندوق النقد الدولي بلغت مساهمة مجموعة بريكس في الاقتصاد العالمي إلى 31.5%، كما بلغت حصة البريكس من الناتج المحلي الإجمالي العالمي عام 2022 نحو 25% وطبقا لبيانات منظمة التجارة العالمية، تسيطر مجموعة بريكس على 17% من التجارة العالمية.
وتضم اكثر من 40% من إجمالي سكان العالم وهي بذلك تهدف إلى أن تصبح قوة اقتصادية عالمية قادرة على منافسة "مجموعة السبع" (G7) التي تستحوذ على 60% من الثروة العالمية. وهو ما اتثبته الأرقام الصادرة عن مجموعة بريكس، التي تكشف عن تفوقها لأول مرة على دول مجموعة السبع، فقد وصلت مساهمة مجموعة بريكس في الاقتصاد العالمي إلى 31.5%، بينما توقفت مساهمة مجموعة السبع عند 30.7%.

وبالتالي يحمل الانضمام إلي مجموعة البريكس في طياته شراكة اقتصادية استراتيجية بين هذه الدول ومجموعة بريكس، كونها تعمل على تحقيق آطار تكاملي يعزز الترابط بين الدول الاعضاء، من خلال توسيع حجم السوق وتحقيق الاستفادة لكافة الدول من فائض القوى العاملة لديها، ويخلق الفرص في مواقع اقتصادية مختلفة، ويعمل على تزويد المستهلكين بسلع أرخص. فضلا عن زيادة التجارة المتوقعة بين أعضاء بريكس الجدد، وزيادة التداولات والتسويات بالعملات المحلية، ناهيك أن خطوة الانضمام إلى تكتل كبير مثل بريكس يعمل على الحد من تأثير الصدمات الاقتصادية الخارجية على الاقتصاد الداخلي لكل دولة في التكتل، وذلك بسبب التنويع الذي يحققه التعاون بين الدول في الإنتاج ونقل الفائض.

واستناداً علي ما تم تناوله أعلاه، ينطلق التساؤل الثاني المتعلق بـ فلسفة اختيار الدول المنضمة حديثاً إلي البريكس؟ 
وفقا للتقديرات فقد تلقي تحالف بريكس رسمياً طلبات من 25 دولة للانضمام إلى المجموعة، هي أفغانستان والجزائر والأرجنتين والبحرين وبنغلاديش وبيلاروسيا ومصر وإندونيسيا وإيران وكازاخستان والمكسيك ونيكاراغوا ونيجيريا وباكستان والمملكة العربية السعودية والسنغال والسودان وسوريا والولايات المتحدة، والإمارات وتايلند وتونس وتركيا وأوروغواي وفنزويلا وزيمبابوي.
ومع تمحص فلسفة اختيار الدول المنضمة حديثاً، نجد أن انضمام دول عربية إلى المجموعة، محطة مهمة في تحوّل موازين القوى الاقتصادية العالمية، حيث أن مصر والإمارات والسعودية مرشحة لتصبح دولاً رائدة في إنتاج وتصدير الطاقات النظيفة خلال العقود القليلة القادمة، على غرار الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء، التي من المتوقع أن تنافس الوقود الأحفوري.
بالإضافة إلى ذلك فالإمارات والسعودية تمتلكان اقتصادا قويا متناميا ومؤثرا، كما تعد الدولتان من اللاعبين الرئيسيين في أسواق الطاقة العالمية، وانضمامهما إلى مجموعة بريكس يحقق العديد من المزايا للمجموعة باستقرار أمن إمدادات الطاقة لكبار المستهلكين وتحديدا الصين والهند، كما يفتح انضمام الدولتين الباب أمام آفاق جديدة من التعاون وتعزيز العلاقات مع الكثير من دول العالم، وخاصة دول المجموعة التي تعد من أسرع اقتصادات العالم نموا.
كما أن انضمام إيران يعكس أن الولايات المتحدة لم تحقق هدفها في عزل إيران، نتيجة لزيادة التبادل التجاري لإيران مع دول الجوار سواء في آسيا الوسطى، اوبلدان أمريكا اللاتينية، ومن جهة آخري إن إدراج المملكة العربية السعودية وإيران معاً، وهما من أكبر منتجي النفط في العالم خارج الولايات المتحدة، يأتي في أعقاب الوساطة الصينية لتطبيع العلاقات بين الرياض وطهران. 
وفيما يخص انضمام مصر، فهو ترجمة فعلية واعتراف ضمنى من كبرى الدول داخل البريكس بقوة مصر لما تمتلكه من أهمية جيوسياسية ومقومات تنموية شاملة، وكذلك ما تملكه من ثروات على الصعيد الطاقوي والمعدني. فضلاً عن مساحاتها الجغرافية وتعداد سكانها. 
السؤال الثالث والأخير الذي يركز المقال علي تناوله هو " ما هي المكتسبات المصرية من الانضمام إلي مجموعة البريكس"؟

وفيما يتعلق بالمكتسبات المصرية جراء الانضمام إلي مجموعة البريكس فسوف يسهم الانضمام في فتح أسواق جديدة في التكتل أمام الصادرات المصرية، والعمل على تخفيف مشكلات العملة الأجنبية لاسيما أن غالبية واردات مصر تأتي من الدول الأعضاء وبالتالي هناك احتمالية للقيام بالتجارة الثنائية وتسوية المدفوعات بعملاتها المحلية، مما يقلل الحاجة إلى التداول بالدولار الأميركي
علاوة على ذلك يساهم انضمام مصر إلى بريكس في جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية إلى اقتصادها والعمل على تعزيزه وتقويته، خاصة ان انضمام مصر إلى بريكس يأتي في وقت تمكنت من تعزيز شراكاتها الاقتصادية مع دول العالم، حيث وقعت العديد من اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة، ما ساهم في تعزيز تجارتها عالميا.
وبالتالي انضمام مصر يتيح لها الكثير من الفرص والمزايا المتمثلة في نقل التكنولوجيا والتصنيع من الدول الصناعية الكبرى مثل الصين والهند وروسيا. وعلى صعيد التنمية والتجارة والاستثمار، فحجم التبادل التجاري بينها وبين بريكس يتجاوز 31 مليار دولار، ويمنحها الانضمام متنفسا أوسع بتوسيع المعاملات التجارية بعملات محلية.
ختاماً إن خطوة الانضمام لـ بريكس مهمة وجاءت في توقيت حرج وسياق دولي مُغاير ساهم في تردي الأوضاع الاقتصادية العالمية، وبالتالي فالانضمام إلي البريكس .. حدث تاريخي ونجاح استراتيجي

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الولایات المتحدة مجموعة بریکس فی مجموعة السبع دول الأعضاء انضمام مصر

إقرأ أيضاً:

بالإجماع.. "الإيسيسكو" توافق على ميثاق الرياض للذكاء الاصطناعي

وافقت 53 دولة إسلامية من الدول الأعضاء في منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو) بالإجماع على "ميثاق الرياض للذكاء الاصطناعي في العالم الإسلامي" الذي أُعلن عنه خلال القمة العالمية للذكاء الاصطناعي، التي نظمتها الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي "سدايا" في شهر سبتمبر 2024 بالرياض، ووصف بأنه علامة فارقة في إنشاء إطار أخلاقي واستراتيجي مشترك للذكاء الاصطناعي في العالم الإسلامي.
جاء ذلك خلال أعمال الدورة الخامسة والأربعين للمجلس التنفيذي لمنظمة (الإيسيسكو) التي عقدت في تونس، بحضور جميع الدول الأعضاء، بمشاركة الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي "سدايا".

بدعم من #المملكة.. " #الإيسيسكو" تناقش الاستراتيجية الجديدة للمنظمة في #جدة#اليوم
أخبار متعلقة بمعايير عالمية.. منظومة تشغيلية متطورة بالمسجد الحرام في رمضانضيوف خادم الحرمين يشيدون بجهود المملكة في خدمة الإسلام والمسلمينللتفاصيل..https://t.co/UFgDFoKwMk pic.twitter.com/yMk5SKJ1LX— صحيفة اليوم (@alyaum) January 16, 2024الذكاء الاصطناعيوناقشت الدورة "ميثاق الرياض للذكاء الاصطناعي في العالم الإسلامي" الذي يمثل إطارًا استراتيجيًا شاملًا؛ يهدف إلى تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي بما يتماشى مع القيم الإسلامية، وتعزيز التنمية المستدامة والتعاون الدولي في هذا المجال.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } مؤتمر "الإيسيسكو" في جدة - إكس "الإيسيسكو"
وأكدت الدول الأعضاء التزامها بتعزيز حوكمة الذكاء الاصطناعي، ودعم تبنّي الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي لدى دول العالم الإسلامي.
وقد تم خلال هذه الدورة تقديم الميثاق من مركز الاستشراف والذكاء الاصطناعي بالمنظمة من قبل الدكتور قيس الهمامي، حيث استعرض أبرز محاوره وأهدافه الاستراتيجية، مسلطًا الضوء على أهميته في توجيه تطوير الذكاء الاصطناعي بما يخدم المصالح المشتركة لدول العالم الإسلامي.ميثاق الرياضونوهت منظمة "الإيسيسكو" بـ "ميثاق الرياض"، نظير ما يمثله من إنجاز بارز يعكس التزام الدول الأعضاء بتسخير الذكاء الاصطناعي لصالح المجتمعات، بما يتوافق مع أطر الحوكمة الدولية والمبادئ الأخلاقية، مؤكدةً أن الميثاق يمثل إطارًا توجيهيًا للدول الأعضاء لمواكبة التطورات المتسارعة في الذكاء الاصطناعي وفق رؤية استراتيجية موحدة، ويشكل ركيزة أساسية لتمكين الدول الأعضاء من استخدامات الذكاء الاصطناعي، وحماية المبادئ الأخلاقية، وتأمين مستقبل رقمي مستدام للدول الأعضاء.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } مؤتمر "الإيسيسكو" في جدة - إكس "الإيسيسكو"
وتأتي موافقة الدول الإسلامية على "ميثاق الرياض" في إطار التعاون الإستراتيجي القائم بين منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) والمملكة ممثلة في الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي "سدايا" واللجنة الوطنية السعودية للتربية والثقافة والعلوم، لتؤكد الشراكة الدور الريادي للمملكة في تمكين الذكاء الاصطناعي المسؤول، من خلال وضع الأطر التنظيمية الداعمة لتطوير الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول ومستدام، بما يعزز من مكانة المملكة في هذا المجال، ويُبرز التزامها بقيادة الجهود الدولية لضمان استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل أخلاقي وفعّال.

مقالات مشابهة

  • أردوغان: انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي أولوية استراتيجية
  • «الشارقة الخيرية» تبدأ توزيع 300 ألف وجبة إفطار في 43 دولة
  • أسوان في 24 ساعة.. تنظيم حملات لإزالة الإشغالات والنظافة العامة.. ونجاح عملية جراحية بالمستشفى الجامعي
  • التضخم يلتهم موائد رمضان في الدول العربية وسط أزمات الاقتصادية
  • وزارة العمل تشارك في اجتماعات مجموعة عمل البريكس حول التشغيل
  • البرازيل: مجموعة البريكس لن تتوقف عن جهودها لإلغاء الدولرة رغم تهديدات ترامب
  • دول العالم تتفق على تمويل جهود حفظ الطبيعة بعد مفاوضات شاقة
  • تفاوت ساعات الصيام من 11 إلى 21 ساعة في دول العالم
  • الدور الاقتصادي للمرأة السعودية.. استثمار إستراتيجي في مستقبل الوطن
  • بالإجماع.. "الإيسيسكو" توافق على ميثاق الرياض للذكاء الاصطناعي