عربي21:
2025-03-09@13:59:47 GMT

نعم يمكن التمرد على فرنسا الاستعمارية

تاريخ النشر: 29th, August 2023 GMT

انقلاب النيجر يحرضنا أن نقول إنه يمكن التمرد على فرنسا وطرد سفيرها وإنهاء دور شركاتها المحتلة لأفريقيا والناهبة لخيراتها. نراقب عن كثب ونرى الانقلاب لا يزال هشا ومهددا بتدخل بلدان الجوار التي نامت عسكرية وقامت ديمقراطية، كما نتابع آثار الحصار الاقتصادي الذي أمرت به دول الجوار، والنيجر لا تملك منفذا بحريا يسمح لها بتدبر أمرها، كما نراقب عدد النصحاء الخائفين فجأة على النيجر وشعبها من الحرب والذين يفرطون في نصحها بالديمقراطية وخاصة عدم الثقة في الدعم الروسي؛ كما لو أنهم ولدوا ديمقراطيين، وكثير منهم يصدر في نصحه للنيجر عن خوف غريزي ركبه من مجرد تخيل العالم الذي يعيش فيه بدون خضوع لفرنسا المحتلة.

لكن رغم ذلك فإن احتمال النيجر (أثر الفراشة النيجرية) يعد بالتحرر وإنهاء دور فرنسا في أفريقيا إلى الأبد.

لا يجب تلقي نصائح من تونس

أربأ بنفسي أن أتحدث لشباب النيجر بلغة الينبغيات ولو كانوا يقرؤون لي (فرنسا قضت على العربية في النيجر المسلمة منذ احتلتها)، لكن إذا بلغهم قولي فإن عليهم ألّا يتلقوا نصائح من التونسيين بمن فيهم الإسلاميون. فالتونسيون بكل أطيافهم السياسية وكل نخبهم مصابون بلوثة فرنسية تخالط دمهم وتفسد خيالهم، وأزعم أنهم أكثر مجموعة بشرية ترهب فرنسا ولا تتخيل العالم دون الخضوع لها، لذلك فنصائحهم في هذا الباب هي مثل إدارتهم لثورتهم. لقد كانوا على أبواب التحرر من فرنسا ذات شتاء ساخن لكنهم سلموا أمر بلدهم وثورتهم إلى حكومة شكلتها لهم فرنسا وأرسلت إليهم وزراء "مفتاح في اليد"، وما حدث بعد ذلك كان بتخطيط فرنسي كامل هدف إلى الإبقاء على تونس مدجنة تربي فيها فرنسا كتاكيت.

كل نصيحة تونسية أو تحليل يتظاهر بالحياد وينتهي إلى التشكيك في الدور الروسي أو الصيني في النيجر وفي أفريقيا عامة ويخوف من الانقلابات العسكرية؛ هو تحليل مرعوب من صورة العالم دون فرنسا. ونذكر أن كثيره يصدر عن نخب تقف مساندة لانقلابات في تونس وفي مصر ولا ترى غضاضة في ذلك، لكنها بكل وقاحة تتحدث عن أن الدبابة لا تجلب الديمقراطية في النيجر
المالكون للمعرفة الاقتصادية في تونس يعرفون أرقام الشركات الفرنسية العاملة في تونس في كل القطاعات، وقد كان دور كل الحكومات بعد الثورة (دعنا مما قبلها فذلك معروف ومكشوف) هو الحفاظ على حقوق هذه الشركات ورفع أرباحها. وكانت النقابة أكبر حام لهذه الشركات فلم تحرك فيها أي احتجاج، بل خربت الشركات العمومية وهيّأتها للتصفية، والجميع يعرف أن أول من يتقدم لشرائها هو الفرنسي المتربص والعارف بخفايا الاقتصاد التونسي.

لذلك فإن كل نصيحة تونسية أو تحليل يتظاهر بالحياد وينتهي إلى التشكيك في الدور الروسي أو الصيني في النيجر وفي أفريقيا عامة ويخوف من الانقلابات العسكرية؛ هو تحليل مرعوب من صورة العالم دون فرنسا. ونذكر أن كثيره يصدر عن نخب تقف مساندة لانقلابات في تونس وفي مصر ولا ترى غضاضة في ذلك، لكنها بكل وقاحة تتحدث عن أن الدبابة لا تجلب الديمقراطية في النيجر.

التحرر من فرنسا باب للتحرر من كل قوة

إذا كان قدر شعب من الشعوب أن يتحرر من فرنسا فإنه يصير قادرا على التحرر من كل قوة خارجية ولو تظاهرت بالمساعدة، يشبه الأمر أن نقول إن من صعد الإفريست لن تعجزه قمة أخرى أدنى منها. (ونذكر أن الحديث عن دور روسي في النيجر ليس مبنيا على موقف رسمي من قادة الانقلاب، وإنما هو استنتاج إعلامي من مشاهد المظاهرات الشعبية وكثير منها عفوي وهي تحمل العلم الروسي، وقد يكون ذلك طلب نجدة من شعب مقهور أكثر منه نتيجة دعم عسكري روسي على الأرض).

إذا تجرأ شعب ركب دبابة أو تجمهر في الشوارع على التخلص من الخوف من فرنسا فإن كل احتمالات التحرر تنفتح أمامه، بما فيها طرد قوة أخرى تتظاهر بالمساعدة وتخفي نواياها الاستعمارية كما نتوقعه الآن من فعل الروس والصين في أفريقيا
تاريخ الغزو الاستعماري الأوروبي ترك لنا فجوات مقارنة فوجدنا أن أشد أنواع الاحتلال هو الاحتلال الفرنسي. لقد كان الإنجليز ينهبون الهند لكنهم يتركون للهنود عشاءهم على طرف المائدة، أما الفرنسيون في أفريقيا فقد كانوا يأكلون كل الوجبة ويأمرون الأفارقة من تونس إلى الكاميرون بغسل الأواني. الفرنسيون يحتلون عقل البشر ويكيفونه بثقافتهم وشعارهم كان دوما "ثقافتنا تمهد الطريق لشركاتنا"، وهذا سر قصور خيال المحتلين عن تخيل العالم دون خضوع للثقافة الفرنسية ومن ورائها الشركات.

وهنا يكمن الأمل في انقلاب النيجر فحركة محاصرة السفارة وطرد السفير (ولنفترض أنها مسرحية موجهة من الانقلاب) تكشف أن طريق الخلاص يمر من هناك إسقاط صورة فرنسا المخيفة من نفوس الناس، وعلى هذا تبنى سياسات تحررية ولو بعد حين.

إن الحراسة المشددة على سفارة فرنسا في تونس تظهر على خرائط جوجل من فرط كثافتها، وقد جرّم القضاء التونسي عمليات حرق العلم الفرنسي التي تجرأ عليها بعض الشباب بينما وجهت حكومات الثورة كل المظاهرات بعيدا عن موقع السفارة، وهي بالمناسبة نفس مقر المقيم العام الفرنسي منذ بداية الاحتلال في القرن التاسع عشر.

وليس ذلك في تأويلنا إلا صورة للرعب الساكن في نفوس التونسيين وخيالهم (المكبل بثقافة فرنسا)، فيملي عليهم خوفهم وقصورهم الذهني ما يحفظ مصالح المحتل، حتى أنهم بكل ثورييهم وإسلاميين لم يجرؤوا على تغيير اسم شارع واحد من شوارع تونس العاصمة يحمل أسماء المحتلين.

نختصر: إذا تجرأ شعب ركب دبابة أو تجمهر في الشوارع على التخلص من الخوف من فرنسا فإن كل احتمالات التحرر تنفتح أمامه، بما فيها طرد قوة أخرى تتظاهر بالمساعدة وتخفي نواياها الاستعمارية كما نتوقعه الآن من فعل الروس والصين في أفريقيا.

الطريق طويلة لكن خطوة أولى قطعت

خطوة الجرأة على فرنسا أُعلنت وانطلقت وسيكون لها ثمن قاس، ولكن سيكون لها أيضا -وهذا يقين- مستقبل من الحرية، وللحرية ثمن تأجل دفعه في كل بلد احتله فرنسا. وقد تعلل قوم كثير بالشفقة على شعوبهم وتعلل آخرون بأن الخروج من الفقر يحتاج سندا، وكلها مبررات تبثها فرنسا وتتلقاها نخبها المرزوعة في الأجهزة والجامعات
لن تصبح النيجر أو أي بلد أفريقي يشبهها اقتصاديا وثقافيا دولة مستقلة حرة غدا صباحا، بل إن الطريق لا تزال طويلة وشاقة وستعمل القوة الاستعمارية الفرنسية على تخريب كل الاحتمالات التحررية، فما تعجز عنه بالعسكر تسعى فيه بطابورها المزروع في كل بلد احتلته. وهو ما تفعله مجموعة الإيكواس حاليا إذ تشن حربا بالوكالة، وهو ما قامت به في جزائر التسعينات لكسر مسار انتخابي مستقل، وما فعلته في تونس بعد ثورتها التحررية. لقد قامت نخب هذه البلدان بالدور الذي رغبته فرنسا وكسرت كل مسار تحرر من الهيمنة الفرنسية، وهذا وارد جدا في النيجر، خاصة إذا أفلحت سياسة التجويع التي تُشن الآن على النيجر (لن ننتظر جسرا جويا روسيا يمول النيجر بالقمح لمواجهة الحصار الفرنسي).

لكن خطوة الجرأة على فرنسا أُعلنت وانطلقت وسيكون لها ثمن قاس، ولكن سيكون لها أيضا -وهذا يقين- مستقبل من الحرية، وللحرية ثمن تأجل دفعه في كل بلد احتله فرنسا. وقد تعلل قوم كثير بالشفقة على شعوبهم وتعلل آخرون بأن الخروج من الفقر يحتاج سندا، وكلها مبررات تبثها فرنسا وتتلقاها نخبها المرزوعة في الأجهزة والجامعات وتتحول إلى كوامن لا واعية تعيق التفكير.

أول خطوات الحرية هي تحرير الوعي وتحرير المخيال، وما نراه في النيجر نقرأه كبداية تحرر ولو كان الانقلاب كامنا يتربص من وراء الخطاب الشعبوي. إنها الخطوة الأولى التي تستحق الإشادة في انتظار تبلور وعي تحرري شامل يضع كل القوى الاستعمارية هدفا للطرد أو دفعها إلى التعامل باحترام وندية مع شعوب المنطقة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه النيجر فرنسا أفريقيا تونس الإنقلاب فرنسا النيجر تونس أفريقيا مقالات مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العالم دون فی أفریقیا فی النیجر على فرنسا من فرنسا فی تونس

إقرأ أيضاً:

محكمة في كوريا الجنوبية تلغي اعتقال الرئيس يون مع استمرار قضية التمرد

مارس 7, 2025آخر تحديث: مارس 7, 2025

المستقلة/- ألغت محكمة في كوريا الجنوبية مذكرة اعتقال الرئيس يون سوك يول، مما مهد الطريق لإطلاق سراحه المحتمل.

تم احتجازه منذ منتصف يناير بتهمة قيادة تمرد يتعلق بمحاولته الفاشلة في ديسمبر لفرض الأحكام العرفية.

قبلت محكمة منطقة سيول المركزية التماس يون بإلغاء احتجازه، في حكم صدر يوم الجمعة، على الرغم من أن الرئيس لا يزال يواجه اتهامات جنائية خطيرة يمكن أن تؤدي إلى السجن مدى الحياة أو حتى عقوبة الإعدام إذا أدين.

شوهد رجال الشرطة وأنصار يون وهم يتجمعون حول المقر الرئاسي في العاصمة قبل عودته المحتملة.

على الرغم من قرار المحكمة، لن يتم إطلاق سراح يون على الفور. قال محاميه، سوك دونج هيون، إن الرئيس سيبقى قيد الاحتجاز بينما يقرر المدعون ما إذا كانوا سيستأنفون الحكم في غضون نافذة السبعة أيام. وقالت وزارة العدل إنها تنتظر قرار الادعاء بشأن إصدار أوامر الإفراج.

وقد احتجز يون في مركز احتجاز سيول منذ 15 يناير/كانون الثاني، عندما نفذ المحققون بشكل دراماتيكي مذكرة اعتقال بعد محاولة فاشلة أولية عندما منعت قوات الأمن الرئاسية الشرطة من دخول مقر إقامته.

ورحب فريق يون القانوني بقرار المحكمة باعتباره يؤكد “أن سيادة القانون لا تزال حية في هذا البلد” وطالب “المدعين العامين بإصدار أمر فوري بالإفراج عن الرئيس”. وزعم فريقه أن إبقاءه محتجزًا خلال فترة الاستئناف سيكون غير دستوري.

في يوم الجمعة، قضت المحكمة بأن المدعين العامين وجهوا الاتهام إلى يون بعد انتهاء فترة احتجازه القانونية، بحساب أن حد الاحتجاز البالغ 10 أيام قد انقضى عند حساب الساعات الفعلية وليس الأيام الكاملة.

كما استشهدت المحكمة بأخطاء إجرائية، بما في ذلك كيف قام مكتب التحقيق في الفساد والمدعون العامون بتقسيم فترة الاحتجاز بشكل غير صحيح بينهم دون أساس قانوني وفشلوا في اتباع إجراءات النقل المناسبة.

ستستمر القضية الجنائية ضد يون بغض النظر عن إطلاق سراحه من الاحتجاز.

أعرب الحزب الديمقراطي الحاكم عن استيائه من قرار المحكمة، وحث المدعين العامين على “الاستئناف الفوري” ضد الحكم.

وقال بارك تشان داي، زعيم الحزب، إن الحزب يشعر “بالأسف” إزاء القرار وأضاف: “إن حقيقة أن يون سوك يول انتهك القانون والدستور بشكل خطير تظل كما هي”.

تم القبض على يون بعد إعلان الأحكام العرفية في 3 ديسمبر ونشر القوات في الجمعية الوطنية، مدعياً أنه بحاجة إلى مواجهة “القوات المناهضة للدولة” والتحقيق في تزوير الانتخابات المزعوم. لم يستمر النشر العسكري سوى ساعات قبل أن يصوت البرلمان على إلغاء الإعلان.

تم اتهامه بقيادة تمرد، وهي واحدة من جريمتين فقط لا يتمتع الرؤساء الحاليون بالحصانة من الملاحقة القضائية بموجب القانون الكوري الجنوبي.

بصرف النظر عن الإجراءات الجنائية، من المتوقع أن تحكم المحكمة الدستورية في أقرب وقت من الأسبوع المقبل بشأن ما إذا كانت ستؤيد عزل يون في ديسمبر من قبل الجمعية الوطنية للبلاد.

وإذا تم تأييد هذا القرار، فسوف يؤدي ذلك إلى إبعاده عن منصبه بشكل دائم وإثارة انتخابات مبكرة في غضون 60 يومًا. وإذا تم رفضه، فقد يعود يون إلى مهامه الرئاسية على الرغم من أنه لا يزال يواجه اتهامات جنائية.

مقالات مشابهة

  • تونس.. قانون الصكوك البنكية الجديد يلقي بثقله على النمو الاقتصادي
  • العقاب الذهبي يعود للبراري التونسية بمبادرة لإنقاذ الأنواع المهددة
  • الثلاثاء .."المخططات الاستعمارية من التقسيم إلى مشروع ترامب ومحاولات التهجير" بنقابة الصحفيين
  • صناعة الحصير في تونس.. مهنة تقليدية تحاول الوصول للأسواق العالمية
  • «المخططات الاستعمارية من التقسيم إلى مشروع ترامب ومحاولات التهجير».. ندوة بنقابة الصحفيين
  • ايران تدعو لموقف إسلامي موحد لمنع المؤامرة الاستعمارية بفلسطين
  • جدل واسع في تونس بسبب مواعيد مباريات الدوري في رمضان
  • محكمة في كوريا الجنوبية تلغي اعتقال الرئيس يون مع استمرار قضية التمرد
  • إحالة أمين عام حركة النهضة في تونس إلى الدائرة الجنائية لمقاضاته
  • محاكمة سرية لأخطر قضية في تونس.. ما الذي يجري؟