ماذا تخبأ مقابر الأسرة العلوية المنقولة من جبّانة الإمام؟
تاريخ النشر: 29th, August 2023 GMT
كشف الفنان محمد شافعي، باحث الفنون العثمانيّة والخطوط العربية، لـ » الوفد«، محتويات المقبرتين الخاصتين بأفراد من أسرة محمد عليّ باشا الكبير، والمقرر نقلهما إلى المدافن المسجلة التابعة لضريح الخديوي محمد توفيق باشا، والمعروفة باسم » قبة أفندينا «.
قال شافعي، إن المقبرة الأولي لـ نشئه دل قادين زوجة الخديوي إسماعيل وتضم رفاتها وكذلك ابنتها الأميرة نعمة الله مختار والأميرة أمينة عزيزة، مبينًا أن هذه المقبرة تضم 3 تركيبات وشواهد من الرخام الأبيض المجلوّب من إيطاليا.
وبيّن الباحث أن مقبرة نشئه دل قادين، بما تحويه من تراكيب وشواهد تحمل الطراز العثماني خطًا وزخرفةً، وإنه تم إسناد العمل بها إلى الخطاّط التركي أحمد الكامل وهو أخر الخطاّطين فى الإمبرطورية العثمانية الذين لقبوا بلقب كبير الخطاّطين، كاشفًا أن الكامل، لم يعش فى مصر وإنه حضر إليها مرتين لتنفيذ أعمال، وتوفي سنة 1940 فى تركيا.
والأميرتين نعمة الله مختار وأمينة عزيزة هنّ شقيقات الملك فؤاد وعمات نجله الملك فاروق، وتقع مقبرة نشئه دل قادين بجباّنة الإمام الشافعي المسماة بالقرافة الصغري على مقربة من مقبرة الأمير يوسف كمال، وتقع المقبرة على مساحة كبيرة من الأرض وتضم استراحات وحديقة، ومقر لإقامة حرّاس المقبرة، فضلا عن مبني الدفن.
مقبرة الأمير يوسف كمال
وعن مقبرة يوسف كمال وأسرته، أبرز محمد شافعي، إنها تضم شواهد وتركيبات 4 قبور، للأمير أحمد باشا كمال وزوجته الأميرة ناز برو ، والأمير يوسف كمال وقبر رابع من المُرجح إنه يخص مربية الأمير أحمد كمال والد يوسف كمال مؤسس كلية الفنون الجميلة.
وأضاف شافعي، إن مقبرة الأمير يوسف كمال وأسرته تضم شاهدين غاية فى الفخامة من المرجح إن يوسف كمال، أشرف على إنشاءهما فى حياته وهما الخاصين بوالده أحمد باشا كمال والأميرة ناز برو.
وتابع أن الشاهدين أقيما على مستويين من الرخام الأبيض المجلوّب من إيطاليا، واستدعي للعمل بهما الخطاّط المصري محمد إبراهيم الأفندي، أحد أمهر الخطاّطين الأكاديمين المصريين والمدرس بمدرسة الخطوط الملكية التي أقامها الملك فؤاد سنة 1922، واستخدم الخطاط محمد الأفندي خطي الثلث والفارسي فى الكتابة على 8 واجهات بكل شاهد قبر من القبرين.
وعن قبر بالأمير يوسف كمال، علل الفنان محمد شافعي، سبب بساطة شاهد وتركيبات قبره مقارنة بباقي محتويات المقبرة ، لكونه وفاته وقعت بعد قيام حركة الجيش فى سنة 1952، إذ توفي يوسف كمال فى النمسا ونُقل جثمانه للدفن فى الإمام الشافعي.
وبدأت الأحدالماضي، الجهات المختصة التي توالي تحريك بعض عمائر الدفن؛ التي تتعارض مع مشروعات قومية بمنطقة الإمام الشافعي والسيدة نفيسة، فكّ شواهد وتركيبات محتويات مقبرة الأمير يوسف كمال ومقبرة الأميرة ناشئه دل قادين .
الأمير عباس حلمي الثالث يتدخل لنقل المقبرتين
وقال الأمير عباس حلمي، أحد أقطاب أسرة محمد على باشا الكبير، والمقيم فى القاهرة، فى تصريحات خاصة لــ » الوفد«، إن أسرة محمد علي باشا الكبير، قررت نقل المدافن المهددة بالإزالة، وهي مدفن الاميرة نعمة الله مختار ومدفن الأمير يوسف كمال من الإمام الشافعي، الي المدافن المسجلة التابعة لضريح الخديوي محمد توفيق باشا.
وبيّن الأمير أن ذلك القرار بسبب مشروع توسعات الطرق و الكباري، و أن الأسرة اتخذت القرار بعد استيفاء الإجراءات المطلوبة من طرف وزارتي الأوقاف والسياحة والآثار، والإدارة المحلية والحي، ومديرية الأمن.
وأضاف أن نقل الرفات والتركبيات والشواهد احتراما لجثامين أفراد الأسرة العلوية، وللحفاظ علي التراكيب القيمة، و التي تمثل جزءا في غاية الأهمية من تراثنا الثقافي والاجتماعي.
وشكر الأمير عباس حلمي المساهمين في هذا المشروع الدقيق، وقال .. ندعو المولي عز وجل بالرحمة والغفران للمتوفين، وأن يحفظ الطيبين والأفاضل الذين قاموا بالواجب مهما كانت الظروف، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
حملة شعبية تُطالب نقل مقبرة يوسف كمال إلى قنا
وفي مايو الماضي، حثت الحملة الشعبية المطالبة بفتح مُتحف نجع حمادي الإقليمي الكائن بالمجموعة المعمارية للأمير يوسف كمال بمدينة نجع حمادي، شمال قنا، المسؤولين نقل تركبيات وشواهد قبور الأمير يوسف كمال وعائلته الكائنة بمقابر الإمام الشافعي بصحراء المماليك، إلى مجموعته المعمارية فى مدينة نجع حمادي شمال قنا، لتضاف كقطع متحفية فى حديقة المجموعة المعمارية المفتوحة جزئيًا للزيارة أمام المصريين والأجانب، أو بأحد ملحقاتها كضريح الشيخ عمران.
وقال بيان للحملة إن نقل هذه التركيبات والشواهد وإعادة تركيبها في المجموعة المعمارية للأمير في نجع حمادي، يُذخر الموقع السياحي بمزيد من القطع المُتحفية اللازمة لإعادة التسويق السياحي للمجموعة، فضلا عن قيمتها الفنية العالية.
وأضاف البيان، نقل شواهد وتركيبات أسرة الأمير يوسف كمال إلى موقع آخر في القاهرة لن يضفي تأثيرًا ما على الموقع بسبب زخمه من القطع والشواهد الأخرى، بعكس نقله إلى مجموعته في نجع حمادي التي تحتاج إلى تدعيمها بمثل تلك القطع المتحفية.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مقابر الأسرة العلوية جبانة الامير يوسف كمال الإمام الشافعی نجع حمادی
إقرأ أيضاً:
د. محمد بشاري يكتب: الإمام أحمد الطيب .. خمس سنوات من ترسيخ الأخوة الإنسانية والتسامح
تحل الذكرى الخامسة لتوقيع وثيقة الأخوة الإنسانية، التي شكلت علامة فارقة في مسيرة الحوار بين الأديان، وساهمت في إرساء مبادئ التفاهم والتعاون بين مختلف الشعوب والثقافات.
في هذا السياق، يبرز دور فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، كأحد الشخصيات الدينية العالمية التي كرست جهودها لتعزيز قيم التسامح والسلام، ليس فقط من خلال المبادئ والخطابات، بل عبر مبادرات عملية تعكس التزامًا حقيقيًا بترسيخ هذه القيم على أرض الواقع.
منذ توليه مشيخة الأزهر، أدرك الإمام الطيب أن العالم الإسلامي والعالم أجمع في حاجة ماسة إلى بناء جسور التفاهم بين الأديان والثقافات، وأن الحوار بين الحضارات هو السبيل الأمثل لتعزيز التعايش السلمي.
جاءت وثيقة الأخوة الإنسانية، التي وُقّعت في 4 فبراير 2019 برعاية كريمة من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، كتتويج لهذه الجهود، حيث وقعها الإمام الطيب إلى جانب قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، في خطوة أكدت على أن الإنسانية بمختلف أديانها ومذاهبها يمكن أن تتوحد حول قيم السلام والتعاون، بدلًا من الصراع والانقسام.
لم تكن الوثيقة مجرد بيان نظري، بل أصبحت خارطة طريق عالمية تدعو إلى نشر ثقافة الاحترام المتبادل، ونبذ العنف، ومواجهة التعصب والتطرف، والعمل على تعزيز العدالة الاجتماعية والمساواة بين البشر. ومنذ توقيعها، استمرت جهود الإمام الطيب في دعم هذه المبادئ، من خلال لقاءاته الدولية، وحضوره الفاعل في المؤتمرات العالمية التي تسعى إلى إرساء قيم التفاهم المشترك.
على المستوى الوطني، لم تتوقف جهود شيخ الأزهر عند حدود تعزيز الحوار بين الأديان على الصعيد الدولي، بل تجسدت أيضًا في مبادرات داخل المجتمع المصري لتعزيز روح المواطنة والتسامح. ولعل أبرز هذه المبادرات هو مشروع “بيت العائلة المصرية”، الذي أسسه الإمام الطيب بالتعاون مع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، بهدف تعزيز الوحدة الوطنية، والتصدي لمحاولات بث الفرقة بين المسلمين والمسيحيين. يعتمد بيت العائلة المصرية على حوار مؤسسي بين ممثلي الديانتين، ويعمل على نشر ثقافة التعايش السلمي، وتصحيح المفاهيم المغلوطة التي قد تؤدي إلى التوترات المجتمعية.
في السياق ذاته، تبنّى الإمام الطيب عددًا من المبادرات الاجتماعية التي تهدف إلى تحقيق التكافل بين أفراد المجتمع، مثل مبادرة “بداية”، التي تسعى إلى دعم الفئات الأكثر احتياجًا، وتحسين مستوى المعيشة، وإيجاد حلول للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تؤثر على استقرار المجتمعات. هذه الجهود تعكس رؤية الأزهر للتسامح بوصفه مفهومًا عمليًا، يتجاوز الأطر الدينية إلى الممارسات اليومية التي تعزز قيم التعاون والمساواة بين الأفراد.
على الصعيد الإسلامي، كان الإمام الطيب من أبرز الداعمين لفكرة تجديد الخطاب الديني، من خلال دعوته إلى قراءة النصوص الدينية برؤية معاصرة منفتحة، تحافظ على ثوابت الدين، لكنها تواكب التحولات التي يشهدها العالم. من خلال رئاسته لمجلس حكماء المسلمين، الذي تأسس عام 2014، قاد العديد من المبادرات التي تهدف إلى تعزيز السلم في العالم الإسلامي، ومعالجة التحديات الفكرية التي تواجه المجتمعات الإسلامية، خاصة فيما يتعلق بالتطرف والعنف باسم الدين. في هذا الإطار، قاد الإمام الطيب عدة جولات حوارية بين الشرق والغرب، التقى خلالها بزعماء دينيين ومفكرين عالميين، بهدف مد جسور التفاهم، والتأكيد على أن الإسلام دين سلام وتسامح، لا صراع وعداء.
رؤية الإمام الطيب للأخوة الإنسانية تتجاوز كونها مفهومًا نظريًا أو خطابًا دينيًا، بل هي مشروع مجتمعي يهدف إلى بناء مستقبل يقوم على الشراكة بين الأديان والثقافات، ويُكرس قيم العدالة والاحترام، ويُحقق التوازن بين الانتماء الديني والوطني. وهو يؤكد دائمًا أن التنوع الديني والثقافي ليس تهديدًا، بل هو عنصر إثراء يجب استثماره في بناء مجتمعات أكثر استقرارًا وانفتاحًا.
هذه الرؤية تجسدت عمليًا في الدور الذي لعبه الأزهر في مواجهة خطاب الكراهية والتطرف، من خلال منصاته الإعلامية والتعليمية، وبرامج التدريب الديني التي تهدف إلى نشر الفكر الوسطي، وتعزيز الفهم الصحيح لقيم الإسلام.
مع مرور خمس سنوات على توقيع وثيقة الأخوة الإنسانية، يتضح أن هذا المشروع لم يكن مجرد مبادرة رمزية، بل أصبح إطارًا مرجعيًا عالميًا لتعزيز الحوار والتسامح. ومع ذلك، فإن التحدي الأكبر لا يزال يتمثل في كيفية ترجمة هذه المبادئ إلى واقع عملي، ينعكس في سياسات الدول، وأنظمة التعليم، ومناهج التفكير الديني والثقافي. هنا، تتجلى أهمية مواصلة الجهود التي يقودها الإمام الطيب، لضمان استدامة هذا النهج، ونقله إلى الأجيال القادمة باعتباره ضرورة مجتمعية، وليس مجرد خيار فكري.
إن العالم اليوم، أكثر من أي وقت مضى، يحتاج إلى شخصيات دينية وفكرية تمتلك الشجاعة الأخلاقية والإرادة الحقيقية لتعزيز قيم التعايش والاحترام المتبادل.
الإمام الطيب قدم نموذجًا رائدًا في هذا السياق، ليس فقط من خلال مواقفه وكلماته، بل من خلال المبادرات التي تركت أثرًا حقيقيًا في المجتمعات.
إن استمرار هذه الجهود يتطلب دعمًا مشتركًا من الحكومات، والمؤسسات الدينية، والمجتمع المدني، لضمان أن تبقى الأخوة الإنسانية نهجًا مستدامًا، وليس مجرد لحظة تاريخية عابرة.
إذا كان الماضي قد شهد صراعات دينية وثقافية تسببت في أزمات متتالية، فإن المستقبل يمكن أن يكون مختلفًا إذا ما التزم الجميع بمبادئ الحوار والتفاهم، وهي المبادئ التي دافع عنها الإمام الطيب، وجعلها جزءًا أساسيًا من مشروعه الفكري والديني. إننا أمام مسؤولية تاريخية لترسيخ هذه القيم ونقلها إلى الأجيال القادمة، لضمان أن يكون التسامح والتعايش ثقافة سائدة، لا مجرد شعارات تُطرح عند الأزمات.
المضي قدمًا في تعزيز الأخوة الإنسانية لم يعد خيارًا، بل هو ضرورة تفرضها متغيرات العصر، وحتمية لبناء عالم أكثر استقرارًا وعدلًا. إن خمس سنوات من الجهود التي بذلها الإمام الطيب في هذا المجال تؤكد أن التسامح ليس مجرد قيمة دينية، بل هو أساس لمجتمع عالمي أكثر تكاملًا، حيث يجد كل إنسان مكانه، ويحظى بفرصة العيش بكرامة وسلام.