تركيا و39 عاما من النضال الداخلي والخارجي ضد الإرهابيين وحلفائه
تاريخ النشر: 29th, August 2023 GMT
تخوض تركيا معركة غير مسبوقة في العالم ضد الإرهاب، إذ ليس هناك دولة أخرى تواجه المنظمات الإرهابية وتحاربها على العديد من الجبهات كتركيا. فمن جهة، هي تحارب تنظيم داعش ومن جهة أخرى تواجه منظمة فتح الله غولن (FETO) الإرهابية، بالإضافة إلى الصراع المستمر منذ 39 عاما ضد منظمة حزب العمال الكردستاني (PKK) الإرهابية التي تهدف إلى تقسيم الأراضي التركية، وكل ذلك بينما تواصل نضالها القانوني ضد العديد من المنظمات اليسارية المتطرفة.
وبالإضافة إلى تنوع المنظمات الإرهابية التي تحاربها تركيا، فصراعها مع منظمة حزب العمال الكردستاني لمدة 39 عاما لا مثيل له في العالم. فلا توجد دولة أخرى تحارب منظمة إرهابية لفترة طويلة بهذا الشكل.
وتشير خريطة نُشرت على موقع "بيزنس إنسيدر" (businessinsider)، والتي توضح الهجمات الإرهابية حول العالم خلال الفترة من 1970 إلى 2015، إلى أن تركيا تحتل المرتبة الأولى من حيث عدد الهجمات الإرهابية بين الدول. النقاط الحمراء على الخريطة تعبر عن الأماكن التي شهدت حوادث إرهابية. وعند التركيز، نلاحظ تكثيف هذه الهجمات في مناطق شرق وجنوب شرق الأناضول في تركيا، وهي المناطق التي تحدها كل من سوريا والعراق وإيران. الجزء الشرقي والجنوب الشرقي من تركيا، الذي يظهر باللون الأحمر على الخريطة بسبب تركيز الحوادث الإرهابية هناك، هو المنطقة التي يسعى تنظيم حزب العمال الكردستاني الإرهابي الانفصالي لفصلها عن تركيا.
تشير خريطة نشرها موقع بيزنس إنسيدر إلى أن تركيا تحتل المرتبة الأولى بين الدول التي تتعرض لأكبر عدد من الهجمات الإرهابية (بيزنس إنسايدر)ومن الجوانب المعقدة في مواجهة تركيا مع حزب العمال الكردستاني؛ أن الحزب يتلقى دعما من الولايات المتحدة، وهي من الدول الأعضاء في حلف الناتو كما هي تركيا. بالإضافة إلى ذلك، يتلقى الحزب دعما من دول أوروبية أخرى أعضاء في الناتو، منها: ألمانيا، بلجيكا، فرنسا، هولندا، السويد، واليونان. ويظل الأمر غريبا، خصوصا عندما نعلم أن الاعتراض الوحيد لتركيا على طلب السويد الانضمام إلى الناتو كان دعم السويد لتنظيم حزب العمال الكردستاني ومنظمة غولن الإرهابيتين، مطالبة إياها بوقف هذا الدعم.
الوضع ليس فقط غريبا، بل هو خطير أيضا؛ حيث توجه تركيا بنداء إلى السويد، التي تصف نفسها بأنها دولة تحترم القانون وتعتز بالديمقراطية، طالبة منها ألا "يدعموا الإرهاب". وما يثير الدهشة هو أن العالم يقتصر على مجرد مشاهدة هذا الوضع. وتركيا بدأت معركتها ضد حزب العمال الكردستاني منذ 39 عاما، وتحديدا في 15 أغسطس/آب 1984، عندما شنّت منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية هجماتها الأولى على الدولة، استهدفت خلالها مدينة شمدينلي في محافظة هكاري ومدينة إيروه في محافظة سيرت.
وعلى مدى 39 عاما، واصلت تركيا كفاحها بشكل متواصل داخليّا وخارجيّا ضد منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية. وبالمقابل، تستمر هذه المنظمة في شن هجماتها بدعم ممن يُطلق عليهم "الحلفاء"، وهم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وبدأ التنظيم الإرهابي، الذي تأسس باسم "مجموعة آبوجلار" (Apocular) في أنقرة عام 1973، في مواصلة أعماله تحت اسم"بي كي كي" (PKK) ابتداء من 27 نوفمبر/تشرين الثاني 1978 في قرية "فِيس" (Fis) التابعة لمدينة "لِيجا" (Lice) بمحافظة ديار بكر. وشنّ هذا التنظيم هجماته أول مرة باستهداف الجمعيات وبقتل السياسيين الأكراد في المنطقة. وأطلق حزب العمال الكردستاني، الذي بدأ عملياته بقتل الأكراد، الرصاصة الأولى على الدولة في 15 أغسطس/آب 1984. ثم انطلق في عمليات قتل جماعي ضد المواطنين ذوي الأصل الكردي الذين يقيمون في المنطقة، وبذلك زرع خوفا مستمرا في نفوس المواطنين القاطنين هناك حتى اليوم.
لقد مر 39 عاما على الهجمات الأولى التي نفذها إرهابيو حزب العمال الكردستاني مساء 15 أغسطس/آب 1984 في منطقة إيروه في سيرت وشمدينلي في هكاري، والتي استشهد فيها العَرّيف سليمان آيدن وأصيب 9 جنود و3 مدنيين. وفي الحرب المستمرة منذ 39 عاما ضد إرهاب حزب العمال الكردستاني، كان إجمالي الذين استشهدوا 14 ألفا و851 مواطنا تركيّا بينهم رجال من القوات المسلحة التركية ومن الشرطة والأمن.
ووفقا لبيانات وزارة الدفاع الوطني، تجاوز عدد المسؤولين الحكوميين والمدنيين الذين أصيبوا خلال الحرب المستمرة مع حزب العمال الكردستاني 32 ألفا و685 شخصا، وأصبحوا من قدامى المحاربين. ومنذ الهجوم الأول للحزب، مضت 14 ألفا و235 يوما، وشهدنا استشهاد 14 ألفا و851 من مواطنينا. وإذا قورنت هذه الأرقام، يُظهر ذلك أن ما يقارب الشهيد الواحد قد استشهد يوميا على مدى 39 عاما.
وتشير بيانات وزارة الدفاع الوطني إلى أن حزب العمال الكردستاني، الذي أصبح غير قادر على العمل داخليا، تكبد خسائر كبيرة. وخلال الفترة المذكورة، لقي 45 ألفا و667 عضوا من الحزب مصرعهم، وأصيب 6370 عضوا، بينما استسلم 8136 وتم اعتقال 12 ألفا و10 آخرين في مختلف العمليات. وفي المجمل، تم تحييد 72 ألفا و183 من أعضاء الحزب الإرهابيين.
إرهاب حزب العمال الكردستاني يكلف تركيا تريليوني دولاراليوم، وتحت حماية ودعم من الولايات المتحدة والدول الأوروبية، الأعضاء في حلف الناتو، وصلت التكلفة المباشرة وغير المباشرة للأنشطة الإرهابية للمنظمات التي تعمل في سوريا -وهي وحدات حماية الشعب (YPG)، حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، حزب العمال الكردستاني (PKK)، وخصوصا قوات سوريا الديمقراطية التي تتلقى دعما ماديا وعسكريا علنيا من الولايات المتحدة -على الاقتصاد التركي إلى حوالي تريليونَي دولار.
في حين أن القوات المسلحة التركية والشرطة وجهاز الاستخبارات وقوات الدرك والأمن قد ألحقوا خسائر فادحة بمنظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية، التي بلغت تكلفتها الاقتصادية تريليونَي دولار على مدى 39 عاما، وهناك سببان مهمان لاستمرار تهديد الإرهاب:
السبب الأول: هو دعم هذه المنظمات الإرهابية من قبل دول أجنبية، مثل الولايات المتحدة وأوروبا. ولا يمكن القضاء بشكل كامل على أي منظمة تتمتع بدعم دولي، مثل منظمة غولن الإرهابية، حيث العامل المشترك بين المنظمتين هو دعم الولايات المتحدة والدول الأوروبية.
تقدم الدول التالية، وهي أعضاء في حلف الناتو، دعما كبيرا للمنظمات الإرهابية المعادية لتركيا:
الولايات المتحدة: تدعم الولايات المتحدة الأميركية قوات سوريا الديمقراطية، وهي تعد الجناح السوري لمنظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية، وتقدم لها المال والأسلحة والدعم التدريبي العسكري. ألمانيا: تقدم ألمانيا الدعم المالي وتمنح اللجوء لإرهابيي حزب العمال الكردستاني ومنظمة غولن الإرهابية وحزب التحرير الشعبي الثوري. ويقوم حزب العمال الكردستاني بجمع الإتاوات في ألمانيا، وتجنيد الإرهابيين وتهريب الأشخاص المطلوبين والمخدرات بمليارات اليورو. وتعد ألمانيا مركزا لأعضاء منظمة غولن الإرهابية في أوروبا، حيث تدار شركاتهم ومؤسساتهم الإعلامية من هناك. بلجيكا والدانمارك وهولندا: تمنح هذه الدول حق اللجوء السياسي لإرهابيي حزب العمال الكردستاني ومنظمة غولن الإرهابية وحزب التحرير الشعبي الثوري. اليونان: تعد بوابة لإرهابيي حزب العمال الكردستاني ومنظمة غولن الإرهابية وحزب التحرير الشعبي الثوري، وقد أقامت معسكرات للإرهابيين على أراضيها. فرنسا: هي واحدة من الدول التي تستضيف أكبر عدد من إرهابيي حزب العمال الكردستاني في أوروبا. المملكة المتحدة: تشتهر بحماية أعضاء منظمة غولن الإرهابية، وتسهل لأعضاء حزب العمال الكردستاني الدعاية لأفكارهم. النمسا: تُعد ملاذا آمنا لأعضاء حزب العمال الكردستاني ومنظمة غولن الإرهابية. كوادر حزب العمال الكردستاني في البرلمان التركيالسبب الثاني المهم هو الدعم السياسي الداخلي: بعد 6 سنوات فقط من حادثة 15 أغسطس/آب 1984، عندما أطلقت منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية الرصاصة الأولى على الدولة؛ ضمت أعضاءها إلى البرلمان التركي على قوائم حزب الشعب الجمهوري.
فقد عملت منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية في المجال السياسي تحت أسماء متعددة، منها: حزب العمل الشعبي (HEP)، حزب الحرية والديمقراطية (ÖZDEP)، حزب ديمقراطية الشعب (HADEP)، حزب المجتمع الديمقراطي (DTP)، حزب السلام والديمقراطية (BDP)، حزب الشعوب الديمقراطي (HDP)، حزب الديمقراطية (DEP)، حزب الشعب الديمقراطي (DEHAP).
وكانت هذه المنظمة تسعى سريعا إلى تأسيس حزب جديد كلما تم إغلاق أحد أحزابها. والآن، مع وجود قضية إغلاق مستمرة ضد حزب الشعوب الديمقراطي في المحكمة الدستورية، يظل الحزب ممثلا في البرلمان التركي تحت اسم "حزب الخضر والمستقبل اليساري"، محافظا على معظم أفكاره ودعايته السابقة.
ورغم أن هناك سياسيين يتجاهلون أعمال حزب العمال الكردستاني الإرهابية الدموية والذراع السياسي للحزب، بالإضافة إلى دعم الولايات المتحدة والدول الأوروبية، فإن هؤلاء السياسيين يعتبرون من أبرز العقبات التي تقف في وجه مكافحة هذا الإرهاب وإنهائه. ومع بداية العام 2024، ستدخل معركة تركيا ضد حزب العمال الكردستاني الإرهابية العام الـ40.
ونتيجة لهذا الصراع، فقد أصبح الحزب غير قادر على التحرك داخل تركيا. وبفضل جهود القوات المسلحة التركية وجهاز المخابرات الوطنية، يمر الحزب بأوقات صعبة أيضا في سوريا والعراق. حيث تم القضاء على أكثر من 100 من قياداته الإرهابية. ومن المتوقع أن يشهد عام 2024 تحديات أكبر لحزب العمال الكردستاني مقارنة بالسنوات السابقة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معناوظائف شاغرةترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الولایات المتحدة أعضاء فی
إقرأ أيضاً:
أمريكا تعتقل رئيس سجن عدرا سيء السمعة في سوريا.. هذه الأحكام التي تنتظره
وجهت السلطات الأمريكية، الخميس، تهما، إلى مشرف سجن عدرا سيئ السمعة في سوريا من عام 2005 إلى عام 2008 في عهد رئيس النظام السوري المخلوع بشار الأسد، سمير عثمان الشيخ، تخصّ: التعذيب والتآمر لارتكاب التعذيب.
وكان المسؤولون الفيدراليون قد اعتقلوا الشيخ، البالغ من العمر 72 عامًا في تموز/ يوليو في مطار لوس أنجلوس الدولي، بتهمة الاحتيال في مجال الهجرة، وتحديدا أنه نفى في طلبات الحصول على التأشيرة والجنسية الأمريكية، واضطهد أي شخص في سوريا، وفقا لشكوى جنائية.
وسبق أن اشترى تذكرة طائرة ذهابا وإيابا لمغادرة مطار لوس أنجلوس الدولي في 10 تموز/ يوليو، في طريقه إلى بيروت، لبنان. ومن خلال منصبه كرئيس لسجن عدرا، يقال إن الشيخ أمر مرؤوسيه بإلحاق الألم الجسدي والعقلي الشديد بالسجناء وشارك بشكل مباشر في إلحاق الألم الجسدي والعقلي الشديد بالسجناء.
وبحسب مسؤولين فيدراليين، فإنه: أمر السجناء بالذهاب إلى -جناح العقاب-، حيث تعرضوا للضرب وهم معلقون في السقف، وأذرعهم ممدودة، وتعرضوا إلى جهاز يطوي أجسادهم إلى نصفين عند الخصر، ما يؤدي في بعض الأحيان إلى كسور في العمود الفقري.
وفي السياق نفسه، قالت محامية عثمان الشيخ، نينا مارينو، خلال بيان عبر البريد الإلكتروني: "ينفي موكلنا بشدة هذه الاتهامات الكاذبة ذات الدوافع السياسية"، فيما وصفت القضية بأنها "استخدام مضلل للموارد الحكومية من قبل وزارة العدل الأمريكية من أجل محاكمة مواطن أجنبي بسبب جرائم مزعومة وقعت في دولة أجنبية ضد مواطنين غير أمريكيين".
من جهتهم، قال عدد من المسؤولين إنّ: الشيخ بدأ حياته المهنية بالعمل في مناصب قيادية بالشرطة قبل أن ينتقل إلى جهاز أمن الدولة السوري، الذي ركز على مكافحة المعارضة السياسية. وأصبح فيما بعد رئيسا لسجن عدرا وعميدا في عام 2005.
وفي عام 2011، تم تعيين الشيخ محافظا لدير الزور، وهي منطقة شمال شرق العاصمة السورية دمشق، حيث كانت هناك حملات قمع عنيفة ضد المتظاهرين. فيما تشير لائحة الاتهام إلى أنّه قد هاجر نحو الولايات المتحدة في عام 2020 وتقدم بطلب للحصول على الجنسية في عام 2023.
كذلك، اتهمت السلطات الاميركية مسؤولين سوريين اثنين بإدارة سجن ومركز تعذيب في قاعدة المزة الجوية في العاصمة دمشق، وذلك خلال لائحة اتهام تم الكشف عنها، الاثنين، وكان من بين الضحايا سوريون وأمريكيون ومواطنون مزدوجون؛ بينهم عاملة الإغاثة الأمريكية، ليلى شويكاني، البالغة من العمر 26 عامًا، بحسب المدعين العامين وفرقة العمل الطارئة السورية.
وقال المدعون الفيدراليون إنهم قد أصدروا أوامر اعتقال بحق المسؤولين اللذين ما زالا مطلقي السراح. فيما قال المدير التنفيذي لفرقة العمل الطارئة السورية، معاذ مصطفى، ومقرها الولايات المتحدة: "إنها خطوة كبيرة نحو العدالة..".
وتابع: "محاكمة سمير عثمان الشيخ سوف تؤكد من جديد أن الولايات المتحدة لن تسمح لمجرمي الحرب بالقدوم والعيش في الولايات المتحدة دون محاسبة، حتى لو لم يكن ضحاياهم مواطنين أمريكيين".
تجدر الإشارة إلى أنه في حالة إدانة الشيخ، فإنه سيواجه عقوبة قصوى بالسجن 20 عاما بتهمة التآمر لارتكاب التعذيب بالإضافة إلى عقوبة قصوى تصل إلى 10 سنوات في السجن لكل من تهمتي الاحتيال في الهجرة.