طردت العصابات الصهيونية عام 1948 وبدعم بريطاني مطلق وبقوة المجازر (850) ألف فلسطيني من (531) قرية ومدينة فلسطينية، وسعت الدولة المارقة إسرائيل بعد ذلك إلى محاولة تهويد المكان والزمان، ولهذا كان الشغل الشاغل لعدد كبير من الفلسطينيين التوثيق بالصورة للقرى الفلسطينية المهجرة لربطها على الدوام مع ذاكرة النكبة واللاجئين في مناطق اللجوء القريبة والبعيدة، وفي هذا السياق نستحضر نموذجين للتوثيق عبر الصورة هما طارق البكري ومحمود معطان .



طارق البكري 

تعتبر عملية التصوير البصري للقرى والمدن على امتداد الوطن الفلسطيني مهمة جداً في سياق نبش ذاكرة النكبة والتوثيق في نفس الوقت؛ وقد تصدى لذلك عدد كبير من الفلسطينيين، ومنهم طارق البكري الباحث والموثق البصريّ لجغرافية وتاريخ فلسطين؛ وهو من مواليد مدينة القدس في 17 كانون الثاني / يناير 1986؛ درس المرحلة الثانوية في مدرسة المطران بالقدس، ليتخرج بعد ذلك من جامعة عمان الأهلية في الأردن حاصلاً على شهادة البكالوريوس في الهندسة.

ويشغل البكري  منصب مدير عام مؤسسة "يعاد للثقافة والفنون" حيث بدأ بتأسيسها عام 2011، ليفتتحها عام 2017، كما يشغل طارق منصب رئيس مجلس إدارة "حوش الفن الفلسطيني" في القدس، وهي مؤسسة تعنى بالفنون البصرية الفلسطينية.


                                                             طارق البكري

وقد بدأ البكري مهمة توثيق القرى المهجرة من شمالها إلى جنوبها في عام 2010، وعند عودته إلى فلسطين، وبعد أن اختبر علاقات وصداقات مع اللاجئين الفلسطينيين في المنفى، أطلق مبادرة شخصية في التوثيق البصري بمنظور جديد غير كلاسيكي، يركّز فيها على توثيق القرى الفلسطينية المهجّرة عام 1948؛ بيوتها، وأعلامها، وحكاياها ومعالمها الفلسطينية، التي كانت وما زالت فلسطينية، رغم احتلالها منذ عام 1948.

لكل قصة وحكاية توثيق يرافقه صور قديمة قبل النكبة، وأخرى حديثة التقطت بعد الاحتلال، تؤكد حق تلك العائلات في بيوتهم التي سرقت منهم. وثّق البكري، صوراً وقصصاً للعديد من القرى المهجّرة في مناحي فلسطين المختلفة.

وقد بذل البكري جهوداً مضنية حتى تبلورت فكرة التوثيق البصري، وقد عزز ذلك مقابلته والاحتكاك مع عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين في المهاجر المختلفة وصولاً لاختبار عملية بحث مضنية لتاريخ المكان الفلسطيني ولأسماء الأمكنة والقرى والمناطق، والوصول المباشر إلى أصحاب الأرض والبيوت والتواصل معهم، ليرسلوا له ما لديهم من صور ووثائق قديمة، ليتمكن من توثيق تلك الأماكن بشكلها الحاضر، وقد استطاع العديد منهم مرافقة البكري في رحلته التوثيقية، لتبدأ رحلة البحث عن منازلهم ومنازل آبائهم وأجدادهم التي هُجِّروا منها عام 1948، أو ما تبقى من أنقاضها، أو حتى تلك التي بقيت على ما كانت عليه ولم يغير فيها الاحتلال الإسرائيلي شيئًا.

وقد أطلق البكري مبادرة شخصية دون دعم خارجي في التوثيق البصري في فلسطين يركّز فيها على توثيق القرى المهجّرة عام 1948 والبيوت والمعالم  الجغرافية الفلسطينية التي آلت للمحتلّين مرفقاً إياها بصور قديمة قبل النكبة؛ وثّق البكري حتى الآن صورا وحكايات للعديد من القرى المهجّرة في كافة أنحاء فلسطين، إلى جانب مشروع توثيق شفوي قام به في مخيمات الشتات مع الجيل الذي واكب النكبة.

وأطلق البكري مبادرة "كنا وما زلنا"، وثق خلالها القرى الفلسطينية التي طرد أهلها، ويعتبر ذلك  بمثابة محاكاة بين الماضي والحاضر لدحض ادعاءات الاحتلال المزيفة، كما قام بالتوثيق عبر الصورة للمباني الفلسطينية التي تم الاستيلاء عليها، وهذا يعتبر ايضاً  نافذة على جنبات فلسطين قبل النكبة الكبرى في شتى مجالات الحياة منها الاجتماعية، الثقافية، التجارية، العمرانية والفنية، والاهم من ذلك تعتبر مبادراته في التوثيق من خلال الصورة ترسيخ للرواية الفلسطينية الحقيقة والهوية الوطنية الفلسطينية بشكل عام، وقد تتبع فيلمه (حارس الذاكرة قصص العودة التي يقوم طارق بتوثيقها وقصص علاقة الفلسطينيين بتثبيت حقهم بأرضهم وعودة ثلاثة أجيال لزيارة منازلهم وقراهم التي أجبروا قسراً وبقوة المجازر الصهيونية على الرحيل منها الى المهاجر القريبة والبعيدة، الفيلم المذكور من إخراج سوسن قاعود، وانتاج الجزيرة الوثائقية وعُرض في عدة دول ومهرجانات؛ وفي فيلمه الوثائقي "مفقود 48" استطاع البكري توثيق ثمانية أضرحة لشهداء الجيش الأردني داخل أراضي فلسطين، الذين استشهدوا عام 48 في فلسطين في أحراش عمواس، بعد أن تم اعتبارهم في عداد المفقودين وسرد قصتهم خلال الفيلم.

ويذكر أن هناك أضرحة عشرات الشهداء العرب سقطوا دفاعاً عن فلسطين وشعبها وخاصة في مدينة جنين القسّام  .

محمود معطان

كما سطع اسم محمود معطان في مجال التوثيق البصري لجنبات الجغرافيا الفلسطينية، وهو من مواليد 1986 قرية برقة شرق محافظة رام الله والبيرة، فإضافة إلى عمله كتاجر فلسطيني دفعه حبه للتصوير وخدمة قضية شعبه العادلة إلى القيام بتصوير غالبية القرى والمدن الفلسطينية المختلفة منذ 14 عاماً، ليصبح موثقاً فلسطينياً هاماً فيما بعد، وسنحت له الفرصة لتنظيم معارض صور في دول عربية.


                                                               محمود معطان

ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن محمود معطان التحق في البداية بنشطاء ينظمون مسارات سياحية للتعرف على المناطق الفلسطينية في الضفة الغربية، قبل أن تتطور الفكرة لديه، ويتمكن من الوصول إلى القرى المهجرة عام 1948، ليقوم بتوثيقها بالصور الثابتة والفيديو، وهو يمتلك اليوم صورا لقرابة 75% في المائة من القرى والمدن الفلسطينية موثقة في أرشيفه كما أكد لقناة الجزيرة في 16/5/عام 2021 ، كما أحصى معطان قرابة 535 قرية مهجرة جرّاء العمليات العسكرية الصهيونية إبّان النكبة الفلسطينية خلال 20 شهرا (بين كانون الأول / ديسمبر 1947 ويوليو/ تموز 1949)، وقام بتوثيق قرابة 60 منها حتى تاريخه، من خلال تصوير ما تبقى من مبانيها العتيقة كالبيوت والمدارس والمساجد التي تتهالك مع الزمن، فضلا عن تصويره لكل المدن الفلسطينية الرئيسية في الداخل المحتل عام 1948.

ويشير محمود معطان في مقابلاته الصحفية إلى أن الهدف من تصوير القرى والمدن المهجرة معرفة التغيرات الحاصلة فيها جراء السياسات الإسرائيلية إلى تغيير الجغرافيا بغرض تزييف التاريخ وفرض مقالات صهيونية زائفة لاحتلال الوطن الفلسطيني.

للتوثيق عبر الصورة لمناحي فلسطين أهمية فائقة مع استمرار المحاولات الإسرائيلية لشطب وطمس الهوية الوطنية المتجذرة .

*كاتب فلسطيني مقيم بهولندا

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي تقارير تقارير فلسطيني التوثيق النكبة الاحتلال احتلال فلسطين توثيق نكبة تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی التوثیق عام 1948

إقرأ أيضاً:

السيسي يوجه بإجراء متابعة دقيقة لكل تفاصيل مشروع الربط الكهرباء مع السعودية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

وجه الرئيس عبد الفتاح  السيسي بإجراء متابعة دقيقة لكافة تفاصيل مشروع الربط الكهرباء مع السعودية كونه نموذجاً لتكامل التعاون في مجال الطاقة على المستوى الإقليمي وبين مصر والمملكة خصيصاً، ويعتبر نموذجاً يحتذى به في تنفيذ مشروعات مماثلة مستقبلاً للربط الكهربائي.

واجتمع الرئيس عبد الفتاح السيسي اليوم مع الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، والمهندس محمود عصمت، وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، والمهندس كريم بدوي، وزير البترول والثروة المعدنية.

وصرح المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية أن الرئيس اطلع خلال الاجتماع على خطة العمل الحكومية لضمان توفير احتياجات قطاع الكهرباء من المنتجات البترولية، وانتظام ضخ إمدادات الغاز للشبكة القومية للكهرباء، بما يحقق استدامة واستقرار التغذية الكهربائية على مستوى الجمهورية وخفض الفاقد.

كما اطلع الرئيس في هذا الإطار على جهود الحكومة لزيادة الإنتاج المحلى من الثروة البترولية، وتنمية الآبار الجديدة المكتشفة ووضعها على خريطة الإنتاج، وتكثيف أعمال البحث والاستكشاف في مناطق مصر البرية والبحرية، وكذا مستجدات العمل مع الشركاء على زيادة الإنتاج من الشركات العالمية والمستثمرين المحليين، وصياغة خطط عمل جديدة لزيادة جاذبية الاستثمارات في قطاع البترول في ظل ما يملكه القطاع من فرص واعدة في هذا الصدد.
 

مقالات مشابهة

  • الشحات يضيف الهدف الثالث للأهلي في شباك استاد أبيدجان
  • منصة إيجار: لا تعديل على قيمة العقد بعد التوثيق والسداد الجزئي متاح
  • القبض على عاطل أنهى حياة شاب بطلق نارى فى مشاجرة بالإسماعيلية
  • الخارجية الفلسطينية: استشهاد ما يزيد عن 11979 امرأة و17492 طفل وطفلة منذ النكبة
  • باحث زراعي: مصر تستطيع أن تصبح نموذجا لإنتاج الغذاء المستدام
  • هاشم: اذا لم تستح فقل ما تشاء كأن ذاكرة الناس قد محيت
  • مصدر عسكري يكشف معلومات خطيرة عن معركة الكدحة التي وقعت قبل ساعات.. تفاصيل مدوية
  • السيسي يوجه بإجراء متابعة دقيقة لكل تفاصيل مشروع الربط الكهرباء مع السعودية
  • بلومبيرغ: ماليزيا تقدم نموذجا للصين لتحقيق نمو مستدام بنسبة 5%
  • محافظ القاهرة: قاطنو المدن الحضرية نموذجا لإرادة الدولة على تغيير واقع مصر للأفضل