احتدام الخلافات حول ميزانية الاتحاد الأوروبي تلقي بظلالها على تمويل أوكرانيا
تاريخ النشر: 29th, August 2023 GMT
أفادت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية، في عددها الصادر صباح اليوم /الثلاثاء/، بأن الخلافات بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بشأن الميزانيات الوطنية الجديدة البالغة 86 مليار يورو تلقي بظلالها على تمويل أوكرانيا ودعمها في جهودها لصد العمليات العسكرية الروسية.
وذكرت الصحيفة في سياق تقرير، نشرته عبر موقعها الإلكتروني، أن الخلافات الراهنة بين الدول الأعضاء يمكن أن تهدد تدفق الدعم الحربي إلى كييف، وبالفعل توقف بعض التمويل الأوروبي لدعم أوكرانيا بسبب هذه الخلافات، والتي تأججت في ضوء المخاوف بشأن الميزانيات الوطنية المتوترة وارتفاع التكاليف في بروكسل ما يهدد تدفق الدعم المالي إلى كييف.
وأدت طلبات بروكسل للحصول على تمويل إضافي بقيمة 86 مليار يورو، بهدف تخفيف الضغوط على ميزانية الاتحاد الأوروبي مع تأمين أربع سنوات من الدعم لأوكرانيا في الوقت نفسه، إلى انقسام الدول الأعضاء وأدت إلى دعوات لتخفيضات وجدول زمني أطول للموافقة، وفقا لمصادر مطلعة تحدثت إلى الصحيفة بشرط عدم ذكر هويتها.
واعتبرت الصحيفة أن الخلافات الراهنة تمثل اختبارًا رئيسيًا لعزيمة الغرب بشأن أوكرانيا، حيث بدأ المتشككون في الحرب في أوروبا والولايات المتحدة في الإشارة إلى المكاسب المحدودة التي حققها الهجوم المضاد الذي شنته كييف مؤخرًا ضد روسيا. وأضافت أن الجولة الأخيرة من التمويل الأمريكي لأوكرانيا قد تواجه هي الأخرى مسارًا صعبًا عبر الكابيتول هيل وسط تزايد المخاوف بشأن الحرب والنزاعات الأوسع حول الإنفاق الحكومي.
من جانبها، اقترحت بروكسل أحدث حزمة تمويل لأوكرانيا تمتد على مدى أربع سنوات، وذلك جزئيا لعزل كييف عن التقلبات السياسية، فيما سيستأنف وزراء الاتحاد الأوروبي مشاوراتهم في وقت لاحق من اليوم بعد إجازتهم الصيفية، مع وضع دعم أوكرانيا على رأس جدول أعمال اجتماعات وزراء الدفاع والخارجية.
وحتى الآن، تعقدت مفاوضات التمويل بسبب قيام المفوضية الأوروبية بتجميع الدعم المالي لأوكرانيا مع متطلبات إضافية لميزانية الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك مخصصات لتغطية تكاليف فوائد الديون وزيادة رواتب مسئولي الاتحاد الأوروبي. وقالت العديد من الدول الأعضاء إنه على الرغم من أن الدعم المالي الإضافي لأوكرانيا معقول، إلا أن العناصر الأخرى للحزمة هي نتاج لمشكلة داخلية تتعلق بإدارة ميزانية الاتحاد الأوروبي والتي لا تستحق أموالًا إضافية.
وقد قادت دول مثل ألمانيا وهولندا المقاومة، زاعمة أن تقشف الميزانية الوطنية بسبب ارتفاع أسعار الفائدة والمطالبات بالأجور لابد أن ينعكس أيضًا في بروكسل. وقال أحد كبار الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي في تصريح خاص للصحيفة: "التوقيت ليس مناسبًا.. ويتعين على الحكومات أن تتخذ قرارات صعبة بنفسها، والآن تطلب منها بروكسل المساهمة بشكل أكبر". وأضاف: "بصراحة عبارة أن بروكسل تحتاج إلى أموالنا لزيادة رواتب المفوضية بما يتماشى مع التضخم ليست منصة سياسية محلية رائعة يمكن لزعيم وطني أن يتخذها".
ويمهد النزاع -حسبما أفادت "فاينانشيال تايمز"- الطريق لما يُتوقع أن يكون واحدا من أكثر مفاوضات الاتحاد الأوروبي صعوبة في الفترة المتبقية من هذا العام. وفي يونيو الماضي، رصدت المفوضية مبلغ إضافي قدره 66 مليار يورو لميزانية 2021-2027، والتي مولتها الدول الأعضاء. واقترحت بروكسل بشكل منفصل 20 مليار يورو لإمدادات الأسلحة إلى أوكرانيا.
ويتضمن مبلغ 66 مليار يورو ما يقرب من 19 مليار يورو لتغطية تكاليف الفائدة المرتفعة بشكل غير متوقع على الاقتراض المشترك للاتحاد الأوروبي، وحوالي 2 مليار يورو لزيادة التكاليف الإدارية بما في ذلك زيادات رواتب المسئولين و15 مليار يورو للنفقات المتعلقة بتزايد الهجرة وتمويل البلدان الخارجية و10 مليارات يورو للمبادرات، بما في ذلك صندوق الابتكار الجديد.
وقال مسئولان إن الدول الكبرى في الاتحاد الأوروبي تناقش حاليًا جوانب زيادة الإطار المالي المتعدد السنوات بهدف التوصل إلى موقف توافقي، مشيرين إلى أنه من المحتمل أن يستمر النقاش حتى نهاية العام. في الوقت نفسه، يُطلب من الدول الأعضاء السبع والعشرين في الاتحاد الأوروبي المساهمة مجتمعة بمبلغ 20 مليار يورو أخرى لصندوق الأسلحة الذي تديره بروكسل والمصمم لضمان الدعم العسكري لأوكرانيا على مدى السنوات الأربع المقبلة وهو ما تسبب في حالة الانقسام الراهنة.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبي أوكرانيا فی الاتحاد الأوروبی الدول الأعضاء ملیار یورو
إقرأ أيضاً:
أين تقف تركيا في معادلة الدفاع الأوروبي؟
إسطنبول- بينما يتحرك الاتحاد الأوروبي لإعادة رسم خريطته الدفاعية بعيدا عن المظلة الأميركية، تبرز تركيا في قلب نقاشات بروكسل كلاعب محتمل في معادلة الأمن الأوروبي الجديدة.
ففي 19 مارس/آذار الماضي، كشفت المفوضية الأوروبية عن "الكتاب الأبيض للدفاع – جاهزية 2030″، واضعة خطة طموحة لتعزيز الإنفاق العسكري والإنتاج الدفاعي عبر الدول الأعضاء، مدعومة بحزمة تمويلية قدرها 150 مليار يورو ضمن برنامج "العمل الأمني من أجل أوروبا".
وتسعى الإستراتيجية الأوروبية الجديدة إلى تقليص الاعتماد على الولايات المتحدة، في ظل التغيرات التي طرأت على السياسات الأميركية، وتزايد التهديدات الأمنية في أعقاب حرب أوكرانيا.
في السياق، تزداد التساؤلات حول موقع تركيا، الحليف الإستراتيجي في حلف شمال الأطلسي والدولة المرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي، وإمكانية انخراطها في مشاريع الدفاع الأوروبية رغم التعقيدات السياسية القائمة.
هامش محدودوحسب تقرير المفوضية الأوروبية، فإن تركيا مستبعدة من المنظومة الدفاعية الجديدة الممولة عبر برنامج "العمل الأمني من أجل أوروبا"، إذ أشار "الكتاب الأبيض للدفاع – جاهزية 2030" إلى أنقرة بوصفها "شريكا طويل الأمد" في سياسات الأمن والخارجية الأوروبية، دون أن يمنحها موقعا داخل آلية التمويل الدفاعي المشترك.
إعلانوسعيا في تعزيز التنسيق مع الحلفاء، أنشأ الاتحاد الأوروبي منصة "الدول ذات التفكير المماثل" لتبادل الأفكار والخطط الدفاعية، وانضمت تركيا إلى المنصة، مستندة إلى إنجازاتها المتسارعة في قطاع الصناعات الدفاعية.
بَيد أن إشراك تركيا بشكل أوسع يبقى مشروطا بمعالجة الملفات السياسية العالقة، وعلى رأسها قضية قبرص وتحقيق الاستقرار في شرق المتوسط. ووفق قواعد الاتحاد، فإن أي اتفاق شراكة دفاعية مع أنقرة يتطلب إجماع الدول الأعضاء الـ27، ما يمنح دولا مثل اليونان وقبرص القدرة على عرقلته، ما لم تتحقق الشروط السياسية اللازمة.
ورغم هذه القيود، أبقى الاتحاد هامشا محدودا للتعاون الفني، حيث تتيح المادة 17 من مقترح برنامج "العمل الأمني من أجل أوروبا" للدول المرشحة، مثل تركيا، المشاركة في مشاريع الدفاع المشتركة بنسبة لا تتجاوز 35% من مكونات المشروع، دون الحق في الحصول على تمويل مباشر من الصندوق الأوروبي.
وإذا رغبت تركيا أو شركاتها الدفاعية بتوسيع مساهمتها أو الاستفادة من التمويل، فسيتطلّب الأمر توقيع اتفاق شراكة دفاعية كاملة، كما هو معمول به مع دول كاليابان والنرويج وكوريا الجنوبية.
وفي هذا الإطار، أوضحت المفوضية الأوروبية أن الشركات الدفاعية العاملة ضمن أراضي الاتحاد، حتى لو كانت مملوكة لأطراف أجنبية، يمكنها المشاركة في المشاريع المشتركة بشرط استيفاء معايير الأمن الأوروبي، وهو ما يعني عمليا ضرورة إنشاء فروع "محوطة" للشركات التركية داخل أوروبا لضمان إدماجها بمرونة في برامج التسلح الأوروبية القادمة.
إصرار أنقرةمن جانبها، حسمت الرسائل الرسمية لأنقرة الموقف ورفضت استبعادها من منظومة الدفاع الأوروبية الجديدة، فقد أكد وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، خلال مؤتمر صحفي عقده في أنقرة أواخر فبراير/شباط الماضي، أن تركيا يجب ألا تُستبعد من أي هيكل أمني أوروبي قيد التشكل، مشددا على أن تجاهل القدرات العسكرية التركية يجعل أي منظومة دفاعية أوروبية غير واقعية.
إعلانوأضاف فيدان أن موقع تركيا الإستراتيجي، إضافة إلى امتلاكها أحد أكبر الجيوش داخل (الناتو)، يجعلان من مشاركتها عنصرا -لا غنى عنه- في أي ترتيبات أمنية جديدة تسعى القارة الأوروبية إلى بنائها.
ولم يقتصر الموقف التركي على التصريحات الدبلوماسية، بل تزامن مع استعراض مكاسب ملموسة حققتها الصناعات الدفاعية التركية في السنوات الأخيرة.
وبرزت أنقرة كلاعب رئيسي في مجالات تطوير المسيّرات الهجومية والطائرات بدون طيار والصواريخ المتقدمة، مما أكسب الصناعات الدفاعية التركية مكانة مرموقة على الصعيد الدولي.
وترى الباحثة المتخصصة في السياسة الخارجية زينب جيزام أوزبينار، أن الاتحاد الأوروبي بات أكثر إصرارا في السنوات الأخيرة على بناء هيكل دفاعي مستقل، وتجلَّى ذلك بإطلاق إستراتيجية الصناعات الدفاعية الأوروبية، ومبادرة العمل الأمني من أجل أوروبا.
وتعتبر أوزبينار في حديثها للجزيرة نت، أن تركيا تمثل عنصرا لا غنى عنه في معادلة الأمن الأوروبي، مستندة إلى امتلاكها ثاني أكبر جيش في الناتو، وموقعها الجيوسياسي الحساس عند تقاطعات البحر الأسود والشرق الأوسط والبلقان.
لكنها ترى أن الخلافات السياسية حول قضايا مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون تضع عراقيل أمام اندماج تركيا الكامل في مشاريع الدفاع الأوروبية.
وحول السيناريوهات المحتملة لانخراط تركيا في برنامج العمل الأمني الأوروبي، تستعرض أوزبينار 3 مسارات رئيسية:
السيناريو الأول والأكثر إيجابية، يتمثل بتوقيع اتفاقية شراكة أمنية ودفاعية رسمية بين تركيا والاتحاد الأوروبي، تتيح لأنقرة الانخراط المؤسسي الكامل في مشاريع البرنامج، بما في ذلك إنتاج وتوريد المعدات بنسبة تصل إلى 35%.وتشير إلى أن هذا الخيار من شأنه فتح صفحة جديدة من الثقة بين أنقرة وبروكسل ويحقق مكاسب إستراتيجية للطرفين. السيناريو الثاني، يكون بمشاركة تركيا بشكل غير مباشر عبر تأسيس شركات تابعة في أوروبا أو شراكات مع كيانات أوروبية قائمة، دون توقيع اتفاقية رسمية.
غير أن هذا النموذج -حسب أوزبينار- يمنح تركيا دورا محدودا ويضعف من مكاسبها الإستراتيجية مقارنة بالشراكة المؤسسية الكاملة. أما السيناريو الثالث، فتعتبره الباحثة أوزبينار الأكثر سلبية، ويتمثل في نجاح اليونان و"قبرص الرومية" في عرقلة انخراط تركيا، ما قد يؤدي إلى استبعاد أنقرة من مشاريع الدفاع الأوروبية.
وترى أن مثل هذا السيناريو سيمثل خسارة كبيرة لمنظومة الدفاع الأوروبية، وإن كانت تركيا قادرة في هذه الحالة على مواصلة ارتباطها بأمن القارة عبر قناة الناتو.
من جهته، يرى المحلل السياسي أحمد أوزغور، أن إصرار الاتحاد الأوروبي على استبعاد تركيا من مشاريعه الدفاعية لا يعكس فقط "مخاطرة تكتيكية"، بل يحمل في طياته تناقضا بنيويا يهدد مشروع الاستقلال الإستراتيجي الأوروبي ذاته.
إعلانويقول أوزغور للجزيرة نت، إن الحديث عن بناء منظومة دفاع أوروبي مكتفية ذاتيا دون إشراك قوة إقليمية بحجم تركيا، وفي ظل تآكل الالتزام الأميركي التقليدي بأمن القارة، يكشف فجوة عميقة بين الطموحات المعلنة والموارد الفعلية المتاحة للاتحاد.
ويعتبر أن قدرة تركيا على المناورة، سواء عبر تعزيز تحالفاتها الثنائية مع دول أوروبية منفردة أو من خلال توثيق تعاونها مع حلف الناتو، تضع بروكسل أمام معادلة معقدة؛ فاستبعاد أنقرة قد يمنح انسجاما سياسيا لحظيا داخليا، لكنه قد يؤدي على المدى الطويل إلى "شلل إستراتيجي" عندما تجد أوروبا نفسها أمام تحديات أمنية لا تستطيع مواجهتها وحدها.