لماذا يخترق الحزب الشيوعي الشركات الكبرى في الصين؟
تاريخ النشر: 29th, August 2023 GMT
مقدمة الترجمة
منذ نجاح الرئيس الصيني الحالي "شي جين بينغ" في تعديل قواعد النظام الصيني وبدء فترة رئاسية ثالثة، يسود الحديث عن تغيُّرات في سياسات الدولة الصينية واتجاهها نحو درجة أكبر من "السلطوية"، وخاصة بعد تشديد سياسات الإغلاق بذريعة موجات جائحة كوفيد حتى نهايات العام الماضي. بيد أن التحوُّلات الاقتصادية الجارية بموجب سيطرة "شي" على الحزب الشيوعي لا تقِل أهمية، ورغم أن تداخل سلطة الحزب الشيوعي في شتى قطاعات الاقتصاد الصيني وشركاته الكُبرى يحدث منذ وقت طويل، فقد جدَّ جديد في الفترة الأخيرة يُظهِر تنامي اختراق الحزب الحاكم، التنظيم السياسي الأكبر في العالم، للقطاع الخاص في بلاده، ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
بدأ الاختراق المتزايد من طرف الحزب الشيوعي الصيني الحاكم للقطاع الخاص في إثارة قلق واسع وفقا لما نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية. فقد نُظِر إلى قرار تأسيس وحدات للحزب داخل الشركات الخاصة بوصفه ذراعا للتأثير داخل تلك الشركات، ووسيلة مالية وتنظيمية تتيح للحكومة أن توجِّه دفة الشركات كي تلتزم بالنهج الذي يريده الحزب الحاكم. وبينما تظهر بجلاء سياسة المركزية المتنامية للحزب الشيوعي في إدارة الشركات المملوكة للدولة، يبدو أن دوره في الشركات الخاصة ليس بالوضوح نفسه.
إن وجود وحدات تابعة للحزب الحاكم في الشركات الخاصة ليس ظاهرة جديدة، فمنذ الثمانينيات أكَّد الحزب رغبته في ترسيخ حضوره داخل اقتصاد القطاع الخاص النامي آنذاك، لا سيَّما المشاريع المشتركة مع أطراف أجنبية. ففي عام 1992، شمل ميثاق الحزب الشيوعي "الشركات" في قائمة المؤسسات التي يجب تأسيس وحدات حزبية فيها إن استضافت بين جنباتها ثلاثة أعضاء بالحزب أو أكثر. كما فرض قانون الشركات لعام 1993 على جميع الشركات التي لها مقرات في الصين أن تسمح بتأسيس وحدات تتابع أنشطة الحزب الحاكم.
إن اختراق الحزب الشيوعي للقطاع الخاص سرعان ما اكتسب زخما جديدا في مطلع الألفية إبَّان دعوة الرئيس السابق "جيانغ زَمين" للحزب الحاكم بأن يُمثِّل "القوة الإنتاجية المتطورة"، وأن يُرحِّب برُوَّاد أعمال القطاع الخاص الصاعدين في البلاد. ولا يزال يُنظر إلى القطاع الخاص في الصين بوصفه جبهة لتوسيع عضوية الحزب، وقد تحوَّل ذلك إلى أولوية على يد الرئيس الحالي "شي جين بينغ". ففي عام 2012 دعت لجنة التنظيم الحزبية إلى تغطية القطاع الخاص "بشكل شامل"، وشملت هذه الموجة من الجهود الحزبية إرسال "مستشارين في توسيع عضوية الحزب" إلى الشركات الخاصة التي لا يوجد بها وحدة حزبية، وتأسيس هيئات للإشراف على تلك الجهود.
وفقا لاتحاد الصناعة والتجارة لعموم الصين (ACFIC) ارتفعت نسبة الشركات الخاصة التي تحوي وحدة للحزب الشيوعي من 27% في عام 2002 إلى 48% في عام 2018، وهي نسبة تتركَّز في شمالي البلاد وفي القطاع الصناعي خاصة. إن معظم الشركات التي لا تزال بلا وحدة حزبية لم تفي حتى اللحظة بشرط استضافة ثلاثة أعضاء فأكثر من الحزب الحاكم. ولكن وفقا لإحصائيات الحزب نفسه، أسَّست 73% من الشركات الخاصة وحدات حزبية بالفعل بحلول عام 2017. ويُمكن تفسير هذا التباين في الإحصائيات الرسمية بين اتحاد الصناعة والتجارة من جهة والحزب من جهة أخرى بوجود أكثر من طريقة لتمثيل وجود الحزب، حيث توجد وحدات مشتركة تغطي أكثر من شركة كي تُشرِف على الشركات التي لا تملك وحدتها الحزبية الخاصة. بالنظر إلى الشركات الأكبر حجما، نجد أن أكثر من 92% من أكبر 500 شركة خاصة في الصين تستضيف وحدة حزبية بالفعل. ومنذ عام 2018، بات لزاما على أي شركة محلية أن تؤسس وحدة حزبية.
الوحدات الحزبية تفرد أجنحتها تحت قيادة "شي"ارتبطت الوحدات الحزبية تاريخيا بتجنيد أعضاء للحزب من بين موظفي الشركات وإدارة شؤونهم. وعلى عكس الشركات المملوكة للدولة، منح ميثاق الحزب لتلك الوحدات دورا محدودا داخل شركات القطاع الخاص، حيث أوكِلت إليها مهمة التأكُّد من أن الشركات ملتزمة بالقوانين وتُعزِّز تطوُّرها بشكل صحي. ففي معظم الشركات، تميل الوحدات الحزبية للتركيز على النشاطات التي تساعد بيئة الأعمال، ولا يتعدَّى دورها تنظيم دورات تدريبية أو لقاءات اجتماعية لأعضاء الحزب.
بيد أن هذا الدور المحدود بدأ في التغيُّر بعد أن دعا الرئيس "شي" القطاع الخاص إلى التوحُّد والالتفاف حول الحزب الشيوعي. وإثر تمرير تعديلات جديدة عام 2015 تسري على الشركات المملوكة للدولة أكَّدت دور الوحدات الحزبية، بدأ عدد متزايد من الشركات الخاصة أيضا في تطبيق تلك التعديلات، لا سيَّما الشركات ذات المِلكية العامة-الخاصة المختلطة أو الشركات الخاصة صاحبة الصلات السياسية بالنخبة الحاكمة. إن هدف الحزب الشيوعي هو "زرع فريق من الأشخاص أصحاب الخلفية الاقتصادية الخاصة والعازمين على السير وفقا لخط الحزب.. والذين يُمكن الاعتماد عليهم في أوقات الأزمات". ويُنتظَر من رُوَّاد الأعمال أن يخضعوا للمزيد من التدريب والرقابة للتأكُّد من التزامهم بأهداف الحزب.
لقد صرَّح "يِه تشينغ"، نائب رئيس اتحاد الصناعة والتجارة لعموم الصين، بأن الشركات الخاصة لا يكفيها أن تقِر بالدور الريادي للحزب الحاكم في صياغة لوائح الشركات، بل يجب عليها أن تُخصِّص تمويلا منفصلا لنشاطات الوحدات الحزبية، فعلاوة على رسوم العضوية التي تجمعها الوحدة من أعضائها، يمكن لها الاعتماد على تمويل إضافي من الشركات يكافئ نحو 1% من نفقات طاقم الوحدة.
وقد دعا اتحاد الصناعة والتجارة أيضا الحزب الحاكم نفسه إلى "لعب دوره القيادي في إدارة الكوادر.. لتجنُّب أن يقوم مُدير ما بترقية أي شخص يحلو له"، كما أوصى بأن تؤسس الشركات هيئة رقابية تحت قيادة الحزب لمراقبة الموظفين ورصد أي سلوك غير طبيعي في الشركات والتعامل مع الخروقات القانونية. ويصعُب تقييم الحد الذي وصل إليه تطبيق تلك القواعد بخصوص توسيع عضوية الحزب وحضوره في القطاع الخاص، لا سيَّما أن العمل الميداني لإجراء بحث من هذا النوع في الصين يواجه تحديات متزايدة.
ورغم أن توسيع نفوذ الحزب في صفوف الشركات يتراوح وفقا للقطاع الذي تعمل فيه الشركة وحجمها والمحافظة التي تتمركز فيها، يبدو أن جلَّ أعضاء الوحدات الحزبية في معظم الشركات هُم موظفون بتلك الشركات، ما يعني أن تأثير الحزب الحاكم قد يكون محدودا بالنظر لعدم قدرة هؤلاء الموظفين على تحدي إدارة شركتهم بسهولة. إن تعيين سكرتير للحزب الشيوعي داخل بنية الشركة سيُحدِث فارقا كبيرا، فحين يصبح مالك الشركة أو مديرها التنفيذي هو نفسه سكرتير الحزب بالشركة، سينشأ بطبيعة الحال انسجام واضح بين الوحدة الحزبية وأولويات الشركة، وقد يؤدي ذلك إلى تحوُّل الوحدات إلى أندية عائلة بالنظر إلى أن رؤساء الشركات عادة ما يُعيِّنون أقاربهم في أعلى المستويات في الحزب.
تصبح الأمور أكثر تعقيدا حين يُعيَّن شخص آخر من إدارة الشركة سكرتيرا للحزب الشيوعي، إذ يُمكن أن يؤثر ذلك على توازن القوى الداخلي بتعزيز موقع ذلك الشخص في الشركة. في النهاية، يُعَدُّ توازن القوى داخل الشركات الصينية مُهما لفهم نهج الحزب الشيوعي الذي يُطبَّق من أعلى إلى أسفل حيال الشركات الخاصة، وكيف يتبلور ذلك النهج على الأرض في الآونة الأخيرة.
___________________________________
ترجمة: ماجدة معروف
هذا التقرير مترجم عن East Asia Forum ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الصناعة والتجارة الشرکات الخاصة الحزب الشیوعی الحزب الحاکم للقطاع الخاص القطاع الخاص فی الشرکات فی الصین أکثر من فی عام
إقرأ أيضاً:
بمناسبة مرور (١٧٧) عاما على صدور البيان الشيوعي
بقلم : تاج السر عثمان
1
مرت في ٢١ فبراير الماضي الذكرى ١٧٧ لصدور البيان الشيوعي الذي أصدره ماركس وانجلز في 21 فبراير 1848 ، في ظروف أكدت صحة المبادئ العامة للبيان ، فقد اشتدت الأزمة العامة للرأسمالية مع تصاعد الفاشية والنزعات العنصرية، كما في تصاعد المخطط الصهيوني الأمريكي لابادة وتهجير الشعب الفلسطيني، ولا سيما بعد إعادة انتخاب ترامب ، جاء ذلك بعد أن تفاقمت الأزمة و فشل الاصلاحات لمواجهة أزمة الرأسمالية في العام 2008 /2009م، التي لم تكن جذرية، و بعد الحرب الروسية - الاوكرانية التي بلغت تكلفة الحرب فبها أو خلال 3 سنوات حوالي 820 مليار دولار، وتحول هذا الانفاق على الحرب الي
ديون على أوكرانيا يطالب الرئيس الأميركي ترامب بتسديدها وعينه في ذلك على المعادن الثمينة التي تمتلكها أوكرانيا الخائفة على مصير ثرواتها.
،إضافة لحرب غزة والسودان بهدف نهب الموارد بعد إبادة وتهجير السكان الأصليين، أدت الأزمة لزعزعة النظام المالي الرأسمالي العالمي، وتتفاقم المشاكل مثل: تراجع معدلات النمو الاقتصادي العالمي بسبب ارتفاع معدلات البطالة والتضخم والمديونية العامة، و الاستقطاب الطبقي، وشدة استغلال العاملين وتشريدهم ، وارتفاع الأسعار والتضخم، والإنفاق العسكري على حساب خدمات الصحة والتعليم والضمان الاجتماعي،وتفاقم الصراع بين أقطاب الرأسمالية" اليابان، الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة ، وصراعها مع الدول الرأسمالية أو الرأسمالية الدولية الصاعدة مثل : " الصين، روسيا، الهند ، جنوب أفريقيا ، البرازيل،.الخ"، واحتدام حدة الصراع الموارد في البلدان النامية ومنها السودان، هذا اضافة لنهوض الحركة المطلبية والجماهيرية ضد البطالة ، وأزمة “كورونا” التي حصدت الالاف من المواطنين، وضد العنصرية، وتنامي الأحزاب الثورية بمختلف منطلقاتها المطالبة بالضمان الاجتماعي والعدالة والدفاع عن البيئة ووقف سباق التسلح والحرب ، واحترام حقوق الانسان، وحقوق المرأة، وضد الاحتباس الحراري الذي يهدد كوكبنا، ومجانية التعليم ، الصحة، الدواء، وضد الخصخصة وتشريد العاملين ، والإضرابات الواسعة لتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية والثقافية، فضلا عن تنامي دور الأحزاب الاشتراكية والشيوعية.
بمناسبة مرور ١٧٧ نعيد نشر هذا المقال عن البيان الشيوعي.
2
علي انقاض المجتمع البورجوازي القديم بطبقاته وتناقضاته الطبقية يبرز مجتمع جديد يكون فيه تطور الفرد الحر هو الشرط لتطور المجموع الحر) ( البيان الشوعي).
بهذه الفقرة ختم ماركس وانجلز البيان الشيوعي ، والتي تؤكد جوهر البيان الشيوعي، الهادف الي تحرير الناس من كل اشكال الظلم والاستلاب والاضطهاد الطبقي، واستكمال الحقوق السياسية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتحقيق الفرد الحر.
صدر البيان الشيوعي عام 1848م، وقام بصياغته ماركس وانجلز بتكليف من تنظيم الشيوعيين الذي كان عبارة عن جمعية اممية للعاملين ، كان ذلك في مؤتمرها الذي عقدته في لندن في نوفمبر 1847م، وكان الهدف وضع برنامج مفصل للحزب يوضح رؤى وأهداف الشيوعيين، ثم نشره ، علي أن يكون عمليا ونظريا في الوقت نفسه.
فقد صدر أول الأمر باللغة المانية ، وبعد ذلك صدرت منه مئات الطبعات باللغتين الانجليزية والفرنسية والروسية والبولونية وترجم الي بقية اللغات.
أشار ماركس وانجلز في مقدمة الطبعة الصادرة في 24/ يونيو/1872م، الي أن (الظروف تبدلت منذ صدور البيان ، الا أن المبادئ العامة الواردة في البيان لاتزال بالاجمال تحتفظ برونقها وصحتها ودقتها ، وان كانت هناك فصول يجب ادخال بعض التعديل عليها ، وأن البيان نفسه يوضح أن تطبيق المبادئ يتعلق دائما وفي كل مكان بالظروف والاوضاع التاريخية في وقت معين ، فلا يجب اذن أن تعليق اهمية كبرى علي التدابير الثورية المذكورة في نهاية الفصل الثاني ، ونحن لو عمدنا الي انشاء هذا المقطع اليوم ، لاختلف في اكثر من نقطة عن الأصل ، وقد شاخ هذا البرنامج اليوم في بعض نقاطه ، نظرا للتطور الكبير الذي تم في الصناعة ، والتجارب التي راكمتها الطبقة العاملة في تنظيمها الحزبي وتجارب كومونة باريس التي وضعت لأول مرة السلطة في ايدي الطبقة العاملة لمدة شهرين).
يواصل ماركس وانجلز: (ان نقد الأدب الاشتراكي الوارد في البيان غير كامل ، اذ انه يتوقف عند عام 1847م ، ولذلك الملاحظات الواردة في الفصل الرابع عن موقف الشيوعيين من مختلف الاحزاب المعارضة، فهي وان كانت صحيحة اليوم من حيث مبادئها ، الا أنها اصبحت عتيقة من حيث تطبيقها ، اذ أن الحالة السياسية قد تغيرت بتمامها، وقضي التطور التاريخي علي معظم الأحزاب المذكورة فيها) .
يواصل ماركس وانجلز ( والبيان مع كل هذا، وثيقة تاريخية لانملك حق تعديلها، وربما ارفقنا احدي طبعاته بمقدمة تستطبع ملء الفراغ بين عام 1847م واليوم، اما الطبعة الحالية فقد فوجئنا بها مفاجأة، ولم يكن لدينا الوقت الكافي لكتابة مقدمة لها وافية بهذا الغرض).
3
هكذا عالج ماركس وانجلز بمنهجهما الديالكتيكي المتغيرات التي حدثت منذ صدور البيان الشيوعي وضرورة اخذ الخصائص والظروف والاوضاع المحلية في الاعتبار، وضرورة اعادة التحليل والدراسة بعد كل متغيرات تحدث، فالبرنامج ليس جامدا، بل يأخذ المتغيرات العالمية والمحلية في الاعتبار ويفقد جوانب قديمة ويكتسب جوانب جديدة.
كانت الفكرة الرئيسية في البيان الشيوعي كما أشار انجلز في مقدمة له في 28/يونيو/1883م، بعد وفاة ماركس: أن الأوضاع الاقتصادية والبناء الاجتماعي الذي ينشأ منها، يؤلفان في كل عهد التاريخ السياسي والفكري لهذا العهد، ولذا فالتاريخ بأسره منذ زوال المشاعة البدائية وظهور الطبقات ، كان تاريخ الصراع بين الطبقات السائدة والمسودة في مختلف مراحل تطورها الاجتماعي ، ولكن هذا النضال وصل في المجتمع الرأسمالي الحالي الي مرحلة اصبحت فيها الطبقة العاملة (البروليتاريا) لاتستطيع ابدا أن تتحرر من نير الطبقة التي تستغلها ( البورجوازية) دون أن تحرر في الوقت نفسه ، والي الابد المجتمع كله من الاستغلال والاضطهاد ، ومن نضال الطبقات.
كما استعرض انجلز التحولات التي حدثت في نضال الطبقة العاملة في مقدمة طبعة اول مايو 1890م، وأشار الي صحة الشعار الذي رفعه البيان الشيوعي (ان تحرير الطبقة العاملة يجب أن يكون من صنع الطبقة العاملة نفسها)، وليس بالنيابة عنها، كما اشار الي نمو وتقوية الروابط الأممية بين العمال منذ صدور شعار "ياعمال العالم اتحدوا"، وكذلك نضال العاملين في امريكا من اجل تخفيض ساعات العمل الي ثماني ساعات.
3
فما هي اهم الأفكار التي طرحها البيان الشيوعي؟
يشمل البيان الشيوعي المواضيع التالية: مقدمة، البورجوازيون والبروليتاريون، البروليتاريون والشيوعيون، موقف الشيوعيين من مختلف احزاب المعارضة.
يبدأ ماركس وانجلز البيان بتوضيح الآتي: هناك شبح يجول في اوربا هو شبح الشيوعية، وقد اتحدت كل قوى اوربا العجوز في حلف مقدس لملاحقته والتضييق عليه، بحيث اصبحت اى معارضة يتهمها خصومها القابضون علي زمام السلطة بالشيوعية، ومن كل ذلك استخلص ماركس وانجلز شيئين:
أ- أن الشيوعية اصبحت قوة معترفا بها من جميع الدول الاوربية.
ب- أن الشيوعيين قد آن لهم أن يعرضوا أمام العالم بأسره مفهوماتهم واهدافهم وميولهم، ويدحضوا شبح الشيوعية ببيان من الحزب، ولهذه الغاية اجتمع في لندن شيوعيون من مختلف القوميات ووضعوا البيان الشيوعي.
يبدأ ماركس وانجلز في البيان بتحليل اسلوب الإنتاج الرأسمالي الذي يختلف عن اساليب الإنتاج الاستغلالية السابقة ( العبودي، الاقطاعي) بتوضيح: أن البورجوازية لاتعيش الا اذا ادخلت تغييرات ثورية مستمرة علي أدوات العمل ، أي علي اسلوب الإنتاج ، أي علي العلاقات الاجتماعية بأسرها.
ويلفت ماركس وانجلز النظر منذ وقت مبكر الي ظاهرة العولمة أو سيادة نمط الإنتاج الرأسمالي علي نطاق عالمي بتوضيح:أن البورجوازية تغزو الكرة الأرضية بأسرها بدافع الحاجة الدائمة الي اسواق جديدة، فينبغي لها أن تدخل وتتغلغل في كل مكان وتوطد دعائمها في كل مكان ، وتخلق وسائل للمواصلة في كل مكان ، وباستثمار السوق العالمية ، تصبغ البورجوازية الإنتاج والاستهلاك في كل الاقطار بصبغة كونية. وتنزع من الصناعية اساسها الوطني المحلي.فتنقرض الصناعات العتيقة أو تصبح علي وشك الانقراض وتخلي مكانها لصناعات جديدة يصبح ادخالها وتعميمها مسألة حيوية لكل الامم المتمدنة.
هذا ويؤكد تطور التشكيلة الرأسمالية بعد175 عاما صحة تحليل البيان الشيوعي، فقد جددت الرأسمالية نفسها باستمرار وخاصة بعد الثورة العلمية التقانية والتي طورت الإنتاج بشكل لامثيل له في السابق من ناحية الكم الكيف، وتم تدويل عملية الإنتاج بفضل نشاط الشركات متعدية الجنسية، علي سبيل المثال: اصبحت اجزاء العربة المارسيدس تصنع في اكثر من دولة، وظهر مايسمي باضراب العاملين في شركة واحدة من جنسيات وبلدان مختلفة، اضافة للعمالة الاجنبية مما يؤكد تدويل عملية الانتاج، وضرورة تضامن العاملين علي نطاق عالمي، فليس للعمال وطن كما يؤكد البيان الشيوعي، لأن عملية الانتاج في الراسمالية اصبحت كونية، وتم تحول في تركيبة الطبقة العاملة التي اصبحت تضم العاملين بايديهم وادمغتهم والذين يتعرضون للاستغلال الرأسمالي وامتصاص فائض القيمة منهم، كما تعمقت تناقضات الرأسمالية والتي اهمها: التناقض بين الطابع الاجتماعي للانتاج والملكية الفردية لوسائل الانتاج بواسطة الشركات متعددة الجنسية، كما اصبح مركز العالم الرأسمالي يصدر لبلدان العالم الثالث الصناعات الملوثة للبيئة ورخيصة الأيدي العاملة، اضافة لنهب فائض القيمة النسبي والمطلق من العاملين،كما ازداد تركز الثروة وتعمقت مشكلة البطالة وتصاعدت وتائر تدمير البيئة في الرأسمالية المعاصرة.وتأكد شعار: ياعمال العالم اتحدوا، الذي طوره لينين بعد دخول الرأسمالية مرحلة الاحتكارات وبرز نهب شعوب المستعمرات كمصدر من مصادر ارباح الشركات الرأسمالية، بشعار: ياعمال العالم وشعوبه المضطهدة اتحدوا.
كما يؤكد تطور الرأسمالية المعاصرة صحة ما أشار اليه البيان الشيوعي وهو:أن الشرط الاساسي للوجود والسيادة بالنسبة للطبقة البورجوازية هو تكديس الثروة في ايدي بعض الافراد وتكوين رأس المال وانمائه، وشرط وجود المال هو العمل المأجور، والعمل المأجور يرتكز بصورة مطلقة علي تزاحم العمال الذين يتجمعون في اتحادات ثورية للصراع اجل حقوقهم السياسية والنقابية وتحسين احوالهم المعيشية والثقافية.
ويختتم البيان الشيوعي هذا الجزء بقوله: ان البورجوازية تنتج قبل كل شئ حفاري قبرها،وأن التشكيلة الرأسمالية القائمة علي استغلال العاملين ونهب الشعوب مرحلة عابرة في التاريخ، وسوف يخرج من احشائها المجتمع الاشتراكي الذي يزيل استغلال الإنسان للإنسان والاستلاب، تحرر الطبقة العاملة نفسها والمجتمع بأسره من كل أشكال الاضطهاد والاستغلال.
4
أما الجزء الثاني من البيان الشيوعي فيوضح المبادئ العامة لعلاقة الشيوعيين بالطبقة العاملة، ويشير الي أن الشيوعيين لايؤلفون حزبا خاصا معارضا لأحزاب العمال الأخري، وليست لديهم مصالح تفصلهم عن مجموع الطبقة العاملة، وهم لايناضلون بالنيابة عنها ولايريدون صوغها وحشرها في مبادئ خاصة.
وأن الشيوعيين لايتميزون عن بقية احزاب العمال الا في نقطتين هما:
أ- في مختلف النضالات الوطنية التي يقوم بها العاملون يضع الشيوعيون في المقدمة المصالح المستقلة عن الجنسية والعامة لمجموع العاملين.
ب- في مختلف مراحل النضال بين العاملين والرأسماليين يمثل الشيوعيون دائما، وفي كل مكان المصالح العامة للحركة بكاملها.
بالتالي، فان الشيوعيين من الوجهة النظرية يمتازون عن بقية العاملين بادراك واضح لظروف حركة العاملين وسيرها واهدافها العامة، وأن هدف الشوعيين المباشر هو الهدف نفسه الذي ترمي اليه احزاب العمال ، اى تنظيم العاملين في طبقة والاستيلاء علي السلطة السياسية والغاء الملكية البورجوازية التي تقوم علي استغلال واستنزاف وافقار العاملين.وأن الشيوعية كما يوضح البيان الشيوعي: (لاتسلب احدا القدرة علي تملك منتجات اجتماعية، ولكنها لاتنزع سوى القدرة علي استعباد عمل الغير بواسطة هذا التملك).
ويدفع البيان التهم البدائية والمتخلفة عن أن الشيوعية تريد هدم العائلة واشاعة المرأة والملكية الشخصية الناتجة عن عمل وابداع الانسان، والغاء الوطن.
ويشير الي أن ازالة استغلال الانسان للانسان يمحو معه كل استغلال للنساء واشاعة لهن في البغاء، كما هو جاري الآن في الغرب الرأسمالي، حيث اصبحت الان التجارة في الجنس من النشاطات المدرة لارباح هائلة، ويخلق العائلة المتحررة من الخوف،فالرأسمالية باسلوب انتاجها الذي ينتج ويعيد انتاج الفقر هو الذي يهدم العائلة وينسف استقرارها، كما يقوى زوال الاستغلال الروبط الحقيقية لشعوب وقبائل الأرض لتتعارف ولتتبادل منافعها وثقافاتها، بدلا من اسلوب الرأسمالي الحالي الذي يهدف الي اشاعة ثقافة الرأسمالية التي تقوم علي الأنانية ومحو الهوية والثقافة الوطنية للشعوب،والغاء الحدود الوطنية من خلال نشاط الشركات عابرة القارات، فاسلوب الإنتاج الرأسمالي بطبيعته هو الذي جعل عملية الانتاج كونية، وقوى الروابط الاممية بين العاملين والتضامن العالمي ضد الاستغلال الرأسمالي الذي اصبح كونيا، كما يؤكد تطور الرأسمالية في مرحلة العولمة الحالية.
ويختتم البيان الشيوعي هذا الجزء: بأنه علي انقاض المجتمع البورجوازي القديم بطبقاته وتناقضاته الطبقية يبرز مجتمع جديد يكون فيه تطور الفرد الحر هو الشرط لتطور المجموع الحر.
تلك هي الأفكار والمبادئ العامة التي اوضحها البيان والتي تابعها ماركس وانجلز بالدراسة والبحث العلمي الشاق كما في مؤلف ماركس وانجلز: الايديولوجية الالمانية، والتي تم فيه وضع الاكتشاف الاساسي للماركسية: الفهم المادي للتاريخ والذي استخدمه ماركس وانجلز خيطا هاديا ومرشدا وبمنهجه الديالكتيكي في مؤلفه:رأس المال والذي اكتشف فيه نظرية فائض القيمة التي اوضحت جوهر الإنتاج الرأسمالي، وبذلك تحولت الاشتراكية الي علم ( الماركسية)، والتي شكلت الأساس النظري للعاملين في نضالهم من اجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
وفي الذكرى ال (١٧٧) لصدور البيان الشيوعي، ما أحوجنا للقراءة الناقدة للبيان الشيوعي والذي مازالت المبادئ العامة التي طرحها سليمة، وخاصة في ظل الواقع البشع الذي كرسته الرأسمالية في مرحلة العولمة الحالية.
alsirbabo@yahoo.co.uk