كمن يفتح "أكثر من جبهة" في آنٍ واحدة، تبدو "القوات اللبنانية" متأهّبة من كلّ الاتجاهات هذه الأيام، ففي الوقت الذي ترفع فيه السقف إلى أعلى مستوياته في المواجهة مع "حزب الله"، رافضة أيّ حوار "في ظلّ السلاح"، وفق ما يقول المتحدّثون باسمها، تمضي في الهجوم على "التيار الوطني الحر"، وهو هجوم لم يتراجع حتى في ذروة ما سُمّي بـ"التقاطع" على ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور، والذي يقول "التيار" إنّه لم ينسحب منه بعد.


 
وبين هذا وذاك، تقاتل "القوات" على "جبهة ثالثة"، فتستهدف بين الفينة والأخرى النواب "الوسطيين"، أو "الرماديّين" كما يحلو للبعض وصفهم، في إشارة إلى أولئك الذين يرفضون الانخراط صراحة في أيّ من المحورين المتقاتلين، أو "الناس الذين في النصف" كما وصفهم النائب "القواتي" جورج عقيص قبل أيام، مطلقًا عليهم نعوتًا قد تبدو "صادمة" للوهلة الأولى، على غرار "المائعين والمرتبكين والمحتارين والمتردّدين والخانعين".
 
وفي حين يلفت في كلام عقيص دعوته الشعب اللبناني إلى التركيز على هؤلاء النواب، بل "مقتهم ولفظهم كالمياه الفاترة"، وفق تعبيره ووصفه، تُرسَم علامات استفهام بالجملة، فهل هكذا تستقطب "القوات" هؤلاء النواب، وهي التي تدرك أنّها تحتاج إلى أصواتهم لإحداث "الخرق"، ولا سيما أنّها تصرّ على مبدأ "الجلسات المتتالية"، لا الحوار والتوافق، أم أنّها بكل بساطة، فقدت الأمل بالقدرة على جذبهم إلى مربعها، ما يفسّر هذا الخطاب ذات السقف العالي؟!
 
امتعاض "القوات"
 
لا شكّ أنّ تغريدة النائب عقيص حول النواب "الرماديين" ليست "معزولة"، ولا يمكن وضعها في خانة "عفوية"، بمعنى أن يكون النائب قد "بالغ" مثلاً في الكلام، أو أنّ التعبير قد "خانه" في مكانٍ ما، لأنّ هذا الهجوم ليس الأول من نوعه، إذ سبق لـ"القوات" بشخص رئيسها سمير جعجع نفسه أن هاجمت في أكثر من مناسبة هؤلاء النواب، كما فعل مثلاً حين انتقد النائبين "التغييريين" إبراهيم منيمنة وحليمة قعقور مثلاً، ولو أنّ عقيص وسّع "البيكار" هذه المرّة.
 
يقول العارفون إنّ "القوات" توجّه رسالة "امتعاض" واضحة من هؤلاء النواب، الذين وضع جعجع أغلبهم "في جيبه" يوم أعلن "الانتصار الكبير" في ليلة الانتخابات النيابية الأخيرة، وهو "انتصار" لم يجد ترجمة تثبّته على أرض الواقع في أيّ من استحقاقات ما بعد الانتخابات، بعدما كان الاعتقاد لدى "القواتيين" أنّ "الأكثرية الجديدة" ستسمّي هي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، بل حتى رئيس مجلس النواب، كما قال يومها.
 
وفيما ترفع "القوات" السقف في وجه "حزب الله"، فهي تدرك أنّها لا تستطيع فعل شيء إن لم يضع هؤلاء النواب "مثاليّاتهم" جانبًا، ويكفّوا عن اعتبارها "جزءًا من المنظومة"، شأنها شأن "حزب الله" و"التيار الوطني الحر"، ولا سيما بعدما أضحى واضحًا أنّ "جبهة النواب المعارضين" لا تزيد عن 31 نائبًا، شاملة بعض النواب المستقلين الذين حدّدوا تموضعهم، كما فعل مارك ضو ووضاح الصادق وميشال الدويهي.
 
"هجوم واستفزاز"
 
رغم ذلك، يبدو التصعيد الهجومي من جانب "القوات" مثيرًا للاستغراب في بعض الأوساط السياسية، فهل تعتقد "القوات" أنّها بـ"الهجوم والاستفزاز" يمكن أن تستقطب النواب "المتردّدين"، سواء التغييريين منهم، أو "الوسطيين والمعتدلين"، إن جاز التعبير؟ وألا تدرك أنّ مثل هذا الأسلوب قد "يقلب السحر على الساحر"، ويجعل هؤلاء النواب يتمسّكون بموقفهم، بل ربما يختارون الطرف الآخر، علمًا أنّ بينهم من سارع لمطالبتها بـ"الاعتذار"؟!
 
ولأنّ الإجابات على هذه الأسئلة تدفع إلى التأكيد بأنّ "القوات"، إن كانت تراهن على "استقطاب" هؤلاء النواب، فهي بأسلوبها هذا ارتكبت "خطيئة"، وجعلت ما كان صعبًا حتى الأمس القريب "سابع المستحيلات"، يصبح من المشروع البحث عن احتمالات أخرى تفسّر هذا المنحى الذي أخذت إليه الأمور، ومنها شعور لدى "القوات" بأنّ بعض النواب "الوسطيين" قد يصوّتون لصالح رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، وبالتالي يرفعون أسهمهم.
 
قد لا يكون هذا "الاجتهاد" مُستبعَدًا، وفق بعض المتابعين، خصوصًا أن أحد النواب "المعتدلين" قال صراحةً الأسبوع الماضي، إنّ حظوظ فرنجية ترتفع في ضوء الحوار بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر"، وإنّ كتلته مع التسوية والتوافق بمعزل عن الأسماء، علمًا أنّ هناك في أوساط هذا الفريق من انتقد ترشيح أزعور سابقًا، باعتبار أنّ الأخير لم يجلس معهم، ولم يشرح لهم ما هو برنامجه وما هو مشروعه، ولا سيما أنه بعيد عن السياسة منذ سنوات.
 
فقدت "القوات" الأمل بهؤلاء النواب، وهي تدرك أنّهم إن لم يقفوا في صفّ الطرف الآخر، فإنّهم لن يقفوا في صفّها. ثمّة من يعتبر أنّه حتى في حال تبنّت "القوات" مرشحًا للرئاسة مثلاً يؤيده هؤلاء النواب، فإنّهم لن يتردّدوا في "الانقلاب عليها" حتى لا يُسجَّل عليهم أنّهم صوتّوا بوجهة واحدة. لكن، ثمّة من يقول، إنّ الهجوم "مُبالَغ به" حتى في هذه الحالة، خصوصًا أنّ ما تقوله "القوات" بحق نواب وسطيّين لا تقوله بحقّ خصومها أنفسهم! المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

الثانوية الدولية والتفرقة الطبقية

تناولت الأسبوع الماضى جانبا من ردود أفعال أولياء أمور طلاب الثانوية الدولية البريطانية والأمريكية والمعروفة باسم iG  ونقلت مشاعر غضبهم من إضافة مادتى العربى والتاريخ، ليدرسوا 12 مادة بدلا من عشر، بحجة تعميق الانتماء للوطن، وكأن هؤلاء غرباء ولا ينتمون لبلد ولدوا فوق ترابه ودرسوا اللغة العربية والتاريخ منذ نعومة أظفارهم فى مراحل متقدمة قبل الثانوية.

وتساءل أولياء الأمور لماذا هذه التفرقة بين أبناء وطن واحد، شاء الله أن تكون فئة منهم مقتدرة تحرص على تعليم أبنائها تعليما جيدا ولا تحمل الدولة جنيها واحدا، وأصبحوا مجبرين على دراسة مادتين فى آخر سنة ثانوية، ليسوا فى حاجة إليهما فى مسار علمى اختاروه طريقا لمستقبلهم العملى؟! وتعجب الطلاب وآباؤهم من إصرار وزارة التعليم على هذه الخطوة الفجائية المكلفة والمربكة.

الغريب أن بعض الردود حملت ما صدمنى بالفعل، ومنها أن أحدهم طلب منى التوقف عن دعم ومساندة هؤلاء؛ لأنهم قادرون وأثرياء ولا ينتمون إلى طبقات الشعب الكادحة على حد تعبيره، فيما هددنى آخر بأنه لن يتابعنى وسيتوقف عن قراءة مقالاتى؛ طالما أننى أتبنى وجهة نظر هؤلاء، فيما قال آخر «صدمتنى يا استاذ أحسبك تدافع عن قضايا الفقراء غير القادرين على دفع الرسوم البسيطة لتعليم أبنائهم حكوميا، وإذا بك تخصص قلمك لمناصرة أصحاب الملايين والذين لا يفرق معهم ألف ولا حتى مئة أو خمسمائة ألف» بل تجاوز أحدهم وطالبنى بالعودة إلى طريق الصواب، بترك هؤلاء يدفعون للبلد فاتورة الثراء.

هكذا تكشف القرارات غير المدروسة جيدا مدى ما وصلنا إليه من انهيار مجتمعى، أصبحنا نصنف فيه بعضنا بعضا، وفقا لنوع التعليم وما نملك من أموال وسيارات وعقارات، فمن لديه كل هذه الأشياء ليس منا ولا من بلدنا ولا يستحق أن نقف معه فى أى أزمة.. (تخيلوا كيف افتقرنا فكريا واجتماعيا) نتلذذ بمعاناة وعذاب وظلم أبناء مصريين مثلنا شاء القدر أن يكونوا مرفهين؛ وبالتالى ليس من حقهم دخول الجامعات المصرية ولا كليات القمة طب وهندسة إلا بنسبة محدودة جدا لا تزيد عن 5% حتى ولو حصلوا على الدرجات النهائية؟!.

أعود لمن يتهمنى بأننى من الأثرياء، وأقول: هذا شرف لا أدعيه، علما بأننى لست ثريا، وأنتمى إلى الطبقة المتوسطة الشقيانة، نشأت عصاميا، صعدت إلى ما أنا فيه بفضل ربى، ثم بفضل ما غرسه والدى يرحمه الله من حب للعمل والكفاح والاعتماد على الذات، فقد كان موظفا بسيطا جدا، لا يملك إلا كرامته، شريفا نزيها، يدافع عن المظلومين وينتصر للحق مهما كلفه ذلك من عناء ومال، فتربيت وجميع إخوانى ومنهم مذيعين وإعلاميين على مبادئه وسأظل عليها حتى ألحق به فى الدار الآخرة حيث يتساوى الجميع، فقراء وأغنياء ولا تنفع شهادات ثانوية دولية ولا حكومية.

إن دفاعى عن طلاب الثانوية الدولية وآبائهم ينطلق من كونى مواطنا مصريا، تخيلت نفسى مكانهم، أعيش معاناتهم ومخاوفهم وشعورهم بالظلم والتفرقة والإجحاف، داخل وطنهم أو حتى خارجه، ثم ما ذنب طلاب ولدوا أثرياء؟ هل نذبحهم أو نمتص دماءهم ونثقلهم بمواد درسوها فى سنوات سابقة ونعيدها مرة أخرى فى السنة النهائية بحجة تعميق الهوية!؟

لا تظلموا مصريين مثلنا وانزعوا فتيل التفرقة الطبقية؛ لأن التعليم عبر الشهادات الدولية لم يعد نوعا من الترف والرفاهية والمنظرة كما يعتقد البعض، بل ضرورة حتمية لمواكبة العصر ومتطلبات سوق العمل داخليا وخارجيا. وربنا يوفق جميع أبنائنا.

[email protected]

 

مقالات مشابهة

  • إحباط هجوم حوثي في جبهة القرين شمال المسيمير
  • الثانوية الدولية والتفرقة الطبقية
  • الحق محفوظ في ذمة هؤلاء الرجال
  • دفاع النواب تُثمن إنقاذ القوات البحرية لـ3 سائحين بريطانيين بالبحر الأحمر
  • عقيلة صالح: التقارب المصري التركي فرصة لحل الأزمة وإخراج القوات الأجنبية
  • ‏مشعل لنيويورك تايمز: حماس لن تتنازل عن مطالبها الرئيسية المتمثلة في وقف الحرب وانسحاب القوات الإسرائيلية
  • تعرف على أبرز 10 شركات آسيوية ناشئة تستقطب ملايين الدولارات
  • الناتو يكشف عن طبيعة دوره في هجوم قوات كييف على كورسك الروسية
  • روسيا تعلن استعادة قريتين في منطقة كورسك
  • هجوم كبير على آلان عون