الأسبوع:
2024-08-27@21:27:28 GMT

باب إلى جحيم الأسئلة

تاريخ النشر: 29th, August 2023 GMT

باب إلى جحيم الأسئلة

حين كنت في المرحلة الثانوية، ذهبت أنا وأحد الأصدقاء إلى مدرس الرياضيات بمعضلة هندسية من بنات أفكارنا الشيطانية، كان الرسم مفبركا والمعطيات اعتباطية والمطلوب مستحيلا، وبعد شرود دام أكثر من دقيقتين، وعدنا المعلم أن يأتينا بحل لهذه الأحجية في اليوم التالي. وفي اليوم التالي، غاب المعلم كما توقعنا، وحين عاد بعد يومين لم تكن الورقة معه، أذكر أنه تعلل بأنه قد نسيها فوق إحدى الطاولات وأنه لم يجدها حين عاد للبحث عنها، وأذكر أيضا أنه لم يطل الحديث معنا حتى لا نفاجئه بنسخة منها.

ترى، هل حاول غسان كنفاني أن يفعل الشيء نفسه حين طرح أسئلة بحجم الجبال في مسرحية "الباب" ليلقيها فوق أدمغة قرائه دفعة واحدة فتتحول إلى صداع لا يهدأ وأرقا لا تصلح معه الإجابات المهدئة؟

يرتفع ستار «الباب» فنرى رجلا حاد الملامح يرتدي زي الحرب. تدخل أمه لتسأله عن سبب استيقاظه على غير عادته في ذلك الوقت المبكر، فيطلعها على نواياه المخيفة، حيث قرر أن يتحدى إلهه وإله آبائه الأولين، وأن يذهب بنفسه لمنازلته والقضاء عليه. ويخبرنا كنفاني أن هذا الرجل العنيد هو حفيد عاد، وأنه قد أمر أتباعه ببناء جنة في إرم بها غرف من فوقها غرف معبدة بالزبرجد والياقوت، الجوهر حصاها والماء الزلال يجري من تحتها تحديا للإله، حتى يثبت له أن جنة دنياه (دنيا شديد) خير من جنة آخرته (جنة هبا)، ورغم ذلك، نراه يعترف في لحظة صدق، أنه حين اطلع على جنته من عل، لم يجد فيها ما يستحق عناء الخضوع وذل الطاعة. تذكره أمه بتحذير الكاهن الأعظم، ويحاول ولده أن يثنيه بما لديه من منطق عن الخروج، لكنه أبدا لا يلين.

يخرج شديد كما خرج أبوه من قبل ليمارس نفس الحماقة الأولى التي أثارت غضب "هبا"، لا لأنه يدرك في أعماقه أنه سينتصر في معركة محسومة سلفا، ولكن لأنه يؤمن أن الموت هو التمرد الوحيد الممكن لكائن فرضت عليه الحياة، ولأن الحياة مملة جدا ولا خير فيها، فقد أكل شديد من متع الحياة حتى شبع وشرب من مسكراتها حتى ثمل، ولم يعد يغريه كأس ولا طاس ولا حسناء، ولا حتى جنة بربوة. الوسيلة الوحيدة إذن لرجل أجبر على ممارسة حياة تافهة أن يتمرد على "هبا" بأن يسعى إلى الموت بقدميه. وكما هو متوقع، خرج شديد ثائرا في وجه الإله لكنه لم يعد، وبعد انتظار لم يدم أكثر من يومين، ارتدى "مرثد" الابن ثياب أبيه، وبدأ في إعداد خطبة عصماء حول فساد والده الملحد إرضاء لكبير الكهنة.

وفي مشهد لاحق، نرى شديد جالسا في حالة إعياء في غرفة منمقة مضاءة بشكل متوهج وهو لا يحمل سيفه، ونعلم فيما بعد أنه قد مات وأن رفيقيه في تلك الغرفة الوثيرة كانا عاشقين لفتاة واحدة، وأن أحدهما قد قتل على يد صاحبه بعد اكتشاف خيانته. كما نرى الرجلين يمارسان روتينا مملا، حيث ينهمك أحدهما في حياكة ثوب أحمر للمرأة التي خانته ليفوز بها هنا في دار البقاء، بينما يحاول الآخر إحصاء غرز الثوب ليفوز بوصالها بدلا من صاحبه، ونعرف أن من شرع لهما هذا السباق البليد هو "هبا" لا غيره. وهنا تثور عدة أسئلة وجودية عن جدوى أن يحرم المرء هنا بأمر الإله ما سيناله هناك برضاه. ويتمنى شديد لو يلتقي وجها لوجه بهبا. وبالفعل، يحدث ما تمنى، لكن إجابات هبا التي كنا نتوقع أن تأتي لتخمد عاصفة الأسئلة التي أثارها شديد لم تكن عند مستوى توقعاتنا. وهو ما يدل على أن كنفاني لم يحسم حتى وقت كتابة المسرحية موقفه تجاه الكثير من القضايا الوجودية، حيث أتت معظم الإجابات غامضة وملغزة.

من الأسئلة التي بادر شديد بطرحها على هبا قوله: "من أين أتيت؟" ليجيبه هبا: لن تفهم الأمر، لقد حدثت القصة منذ وقت طويل. ثم يعترف شديد أنه لم يكن يريد الانتحار بقدر ما كان يريد أن ينازل الإله حتى يتيقن من وجوده. ثم ينتقل كنفاتي إلى قضية فلسفية معقدة، وهي أن الكون لا وجود له إلا في عقل الإنسان، وأنه بمجرد موت الإنسان، تموت كل الموجودات، ولهذا، فنيت إرم بفناء شديد وليس العكس. وحين يعترض شديد على إملاءات هبا، يؤكد له أنه لا يفرض شيئا على أحد بل يقترح فقط وهو بالضبط ما فعله مع رفيقيه في السجن. وفي النهاية يتهم شديد هبا بالعبث وأنه يتسلى بمآسي الناس. وأخيرا، نصل إلى مأساة الباب أو البرزخ الذي يفصل عالم الأحياء عن المقبورين، وأن الموتى الذين يستطيعون العودة للحياة بكامل وعيهم وإرادتهم هم الذين يستطيعون كسر الحاجز بين الناسوت واللاهوت، حيث يمثل الميلاد بداية الإنسان، بينما يمثل الموت بداية الإله التي يجهلها الجميع. وقد أجاد كنفاني إدارة الحوار بين شديد وهبا (الأنا والآخر) والتي قد تكون مغلوطة ويشوبها الكثير من الخلط في كثير من الأحيان.

كثيرة هي الأسئلة التي يطرحها كنفاني، وقليلة وغير مقنعة في كثير من الأحيان هي الأجوبة. وكأن غسان الخارج للتو من عباءة القمع إلى باحة منظم التحرير كان يتعمد ترك الفراغات بين سطور المسرحية التي خلت إلى حد مخيف من الفعل ومن الحبكة، وكأن غسان الذي كان حديث عهد بالعمل المسرحي قد أراد أن يحول أفكاره إلى صيحات غير مغلفة يقذفها الممثلون في أوجه النظارة ليشاركوه الأرق الوجودي والقلق الفلسفي الذي كان يعتريه. [email protected]

غسان كنفاني

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: المرحلة الإعدادية المرحلة الثانوية مرحلة الجامعة مقال

إقرأ أيضاً:

طلاب الثانوية العامة دور ثان يؤدون امتحان الاقتصاد والإحصاء


يؤدي طلاب الثانوية العامة الامتحان اليوم في مادتي الاقتصاد والاحصاء وذلك في رابع ايام امتحانات  الدور الثاني بلجان الإسماعيلية المنعقدة داخل لجنة واحدة بمدرسة السادات الثانوية العسكرية بمدينة الإسماعيلية وسط إجراءات أمنية لتأمين سير العملية الامتحانية.

ويؤدي امتحانات الدور الثانى اليوم 119 طالبا وطالبة على مستوى المحافظة بالشعبيتن العلمية والأدبية الامتحان وبدأت الامتحانات في التاسعة  صباحا على فترة واحدة وتنتهي في الثانية عشر والنصف  ظهرا.

وأكد الدكتور محمد بحيري وكيل وزارة التربية والتعليم بالإسماعيلية، على جاهزية لجنة مدرسة السادات، لأداء 620 طالبا وطالبة الامتحانات والتي تنتهي 3 سبتمبر المقبل.

ولفت إلى أن غرفة العمليات بديوان عام المديرية تتابع عن كثب سير العمل وتواصل لحظة بلحظة مع غرف العمليات المشكلة بإدارة شمال التعليمية.

وأضاف أنه جرى اتخاذ كل الإجراءات اللازمة من تجهيز اللجنة وتوفير الخدمات والاحتياجات اللازمة حرصا على حسن سير العمل وانضباطه.

واطمأن وكيل الوزارة، على انتظام دخول الطلاب ووصول أوراق الأسئلة للجنة سير الامتحانات بمدرسة السادات الثانوية العسكرية.

وأكد محمد بحيري وكيل وزارة التربية والتعليم، أن المديرية أتمت استعداداتها لبدء أعمال ‏امتحان الدور الثاني لطلاب الثانوية العامة، مشيراً إلى عقده اجتماعاً حضره قيادات المديرية ومديرى الإدارات التعليمية، ورئيس مركز توزيع الأسئلة، ضمن الاستعداد والتجهيز لعقد امتحانات الدور الثاني، التى تبدأ غدا السبت بمادة اللغة العربية فترة أولى و التربية الدينية فترة ثانية.

وأضاف وكيل الوزارة، أنه أكد مراجعة تجهيزات المدرسة المنعقدة بها اللجان الامتحانية، وأماكن إقامة رؤساء اللجان والمراقبين والملاحظين، والاطمئنان على آلية توزيع أوراق الأسئلة على اللجان وتجميع أوراق الإجابات لتأمينها، مع التواصل الدائم بين غرفة عمليات المديرية، لتلقى أية بلاغات عن سير الامتحانات، والعمل على سرعة حلها بهدف خروج الامتحانات بالشكل اللائق بها.

وشدد وكيل الوزارة، على تكثيف أعمال النظافة بمحيط اللجان، تأكيد حظر اصطحاب الهواتف المحمولة أو أية أجهزة حديثة داخل اللجان سواء مع الطلاب أو الملاحظين، واتخاذ كل الإجراءات القانونية اللازمة حيال أية محاولة للغش بكل أشكاله ووسائله.

مقالات مشابهة

  • طلاب الثانوية العامة دور ثان يؤدون امتحان الاقتصاد والإحصاء
  • الجالية المغربية تعاني جحيم الانتظار .. 10 ساعات في معبر مليلية - فيديو
  • نقابة الموسيقيين توقف حسن شاكوش وبيان شديد اللهجة من مصطفى كامل
  • فوضي "التوك توك" حولت حياة أهالي الشرقية إلى جحيم
  • «تعليم كفر الشيخ»: لا شكاوى من امتحانات الدور الثاني للشهادة الثانوية اليوم
  • شديد الحرارة نهاراً معتدل ليلاً.. حالة الطقس بالبحيرة
  • صفقة تبادلية غريبة تنقذ سانشو من جحيم مانشستر يونايتد
  • أشرف زكي يوجه تهديدًا شديد اللهجة على الهواء: يوريني نفسه وهوقفه (ما القصة؟)
  • طلاب الثانوية العامة: امتحان الفرنساوى بين السهل والصعب
  • «أمطار وحر شديد».. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم الأحد 25 أغسطس 2024