الأسبوع:
2025-03-03@11:31:40 GMT

باب إلى جحيم الأسئلة

تاريخ النشر: 29th, August 2023 GMT

باب إلى جحيم الأسئلة

حين كنت في المرحلة الثانوية، ذهبت أنا وأحد الأصدقاء إلى مدرس الرياضيات بمعضلة هندسية من بنات أفكارنا الشيطانية، كان الرسم مفبركا والمعطيات اعتباطية والمطلوب مستحيلا، وبعد شرود دام أكثر من دقيقتين، وعدنا المعلم أن يأتينا بحل لهذه الأحجية في اليوم التالي. وفي اليوم التالي، غاب المعلم كما توقعنا، وحين عاد بعد يومين لم تكن الورقة معه، أذكر أنه تعلل بأنه قد نسيها فوق إحدى الطاولات وأنه لم يجدها حين عاد للبحث عنها، وأذكر أيضا أنه لم يطل الحديث معنا حتى لا نفاجئه بنسخة منها.

ترى، هل حاول غسان كنفاني أن يفعل الشيء نفسه حين طرح أسئلة بحجم الجبال في مسرحية "الباب" ليلقيها فوق أدمغة قرائه دفعة واحدة فتتحول إلى صداع لا يهدأ وأرقا لا تصلح معه الإجابات المهدئة؟

يرتفع ستار «الباب» فنرى رجلا حاد الملامح يرتدي زي الحرب. تدخل أمه لتسأله عن سبب استيقاظه على غير عادته في ذلك الوقت المبكر، فيطلعها على نواياه المخيفة، حيث قرر أن يتحدى إلهه وإله آبائه الأولين، وأن يذهب بنفسه لمنازلته والقضاء عليه. ويخبرنا كنفاني أن هذا الرجل العنيد هو حفيد عاد، وأنه قد أمر أتباعه ببناء جنة في إرم بها غرف من فوقها غرف معبدة بالزبرجد والياقوت، الجوهر حصاها والماء الزلال يجري من تحتها تحديا للإله، حتى يثبت له أن جنة دنياه (دنيا شديد) خير من جنة آخرته (جنة هبا)، ورغم ذلك، نراه يعترف في لحظة صدق، أنه حين اطلع على جنته من عل، لم يجد فيها ما يستحق عناء الخضوع وذل الطاعة. تذكره أمه بتحذير الكاهن الأعظم، ويحاول ولده أن يثنيه بما لديه من منطق عن الخروج، لكنه أبدا لا يلين.

يخرج شديد كما خرج أبوه من قبل ليمارس نفس الحماقة الأولى التي أثارت غضب "هبا"، لا لأنه يدرك في أعماقه أنه سينتصر في معركة محسومة سلفا، ولكن لأنه يؤمن أن الموت هو التمرد الوحيد الممكن لكائن فرضت عليه الحياة، ولأن الحياة مملة جدا ولا خير فيها، فقد أكل شديد من متع الحياة حتى شبع وشرب من مسكراتها حتى ثمل، ولم يعد يغريه كأس ولا طاس ولا حسناء، ولا حتى جنة بربوة. الوسيلة الوحيدة إذن لرجل أجبر على ممارسة حياة تافهة أن يتمرد على "هبا" بأن يسعى إلى الموت بقدميه. وكما هو متوقع، خرج شديد ثائرا في وجه الإله لكنه لم يعد، وبعد انتظار لم يدم أكثر من يومين، ارتدى "مرثد" الابن ثياب أبيه، وبدأ في إعداد خطبة عصماء حول فساد والده الملحد إرضاء لكبير الكهنة.

وفي مشهد لاحق، نرى شديد جالسا في حالة إعياء في غرفة منمقة مضاءة بشكل متوهج وهو لا يحمل سيفه، ونعلم فيما بعد أنه قد مات وأن رفيقيه في تلك الغرفة الوثيرة كانا عاشقين لفتاة واحدة، وأن أحدهما قد قتل على يد صاحبه بعد اكتشاف خيانته. كما نرى الرجلين يمارسان روتينا مملا، حيث ينهمك أحدهما في حياكة ثوب أحمر للمرأة التي خانته ليفوز بها هنا في دار البقاء، بينما يحاول الآخر إحصاء غرز الثوب ليفوز بوصالها بدلا من صاحبه، ونعرف أن من شرع لهما هذا السباق البليد هو "هبا" لا غيره. وهنا تثور عدة أسئلة وجودية عن جدوى أن يحرم المرء هنا بأمر الإله ما سيناله هناك برضاه. ويتمنى شديد لو يلتقي وجها لوجه بهبا. وبالفعل، يحدث ما تمنى، لكن إجابات هبا التي كنا نتوقع أن تأتي لتخمد عاصفة الأسئلة التي أثارها شديد لم تكن عند مستوى توقعاتنا. وهو ما يدل على أن كنفاني لم يحسم حتى وقت كتابة المسرحية موقفه تجاه الكثير من القضايا الوجودية، حيث أتت معظم الإجابات غامضة وملغزة.

من الأسئلة التي بادر شديد بطرحها على هبا قوله: "من أين أتيت؟" ليجيبه هبا: لن تفهم الأمر، لقد حدثت القصة منذ وقت طويل. ثم يعترف شديد أنه لم يكن يريد الانتحار بقدر ما كان يريد أن ينازل الإله حتى يتيقن من وجوده. ثم ينتقل كنفاتي إلى قضية فلسفية معقدة، وهي أن الكون لا وجود له إلا في عقل الإنسان، وأنه بمجرد موت الإنسان، تموت كل الموجودات، ولهذا، فنيت إرم بفناء شديد وليس العكس. وحين يعترض شديد على إملاءات هبا، يؤكد له أنه لا يفرض شيئا على أحد بل يقترح فقط وهو بالضبط ما فعله مع رفيقيه في السجن. وفي النهاية يتهم شديد هبا بالعبث وأنه يتسلى بمآسي الناس. وأخيرا، نصل إلى مأساة الباب أو البرزخ الذي يفصل عالم الأحياء عن المقبورين، وأن الموتى الذين يستطيعون العودة للحياة بكامل وعيهم وإرادتهم هم الذين يستطيعون كسر الحاجز بين الناسوت واللاهوت، حيث يمثل الميلاد بداية الإنسان، بينما يمثل الموت بداية الإله التي يجهلها الجميع. وقد أجاد كنفاني إدارة الحوار بين شديد وهبا (الأنا والآخر) والتي قد تكون مغلوطة ويشوبها الكثير من الخلط في كثير من الأحيان.

كثيرة هي الأسئلة التي يطرحها كنفاني، وقليلة وغير مقنعة في كثير من الأحيان هي الأجوبة. وكأن غسان الخارج للتو من عباءة القمع إلى باحة منظم التحرير كان يتعمد ترك الفراغات بين سطور المسرحية التي خلت إلى حد مخيف من الفعل ومن الحبكة، وكأن غسان الذي كان حديث عهد بالعمل المسرحي قد أراد أن يحول أفكاره إلى صيحات غير مغلفة يقذفها الممثلون في أوجه النظارة ليشاركوه الأرق الوجودي والقلق الفلسفي الذي كان يعتريه. [email protected]

غسان كنفاني

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: المرحلة الإعدادية المرحلة الثانوية مرحلة الجامعة مقال

إقرأ أيضاً:

بيان عربي شديد اللهجة ضد إسرائيل بعد وقف إدخال المساعدات لغزة

القاهرة – أدان البرلمان العربي قرار الحكومة الإسرائيلية بوقف إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة بعد إعلان رئاسة الوزراء الإسرائيلية وقف دخولها اعتبارا من امس الأحد.

واعتبر البرلمان العربي قرار الحكومة الإسرائيلية “جريمة حرب جديدة وجريمة ضد الإنسانية تضاف إلى سجل جرائم كيان الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني”، بعد الحرب التي استمرت على مدار أكثر من 16 شهرا بحق الشعب الشعب الفلسطيني.

وأكد البرلمان العربي أن هذا القرار يمثل انتهاكا صارخا للقانون الدولي الإنساني وخرقا صريحا للمواثيق والاتفاقيات الدولية التي تضمن تدفق المساعدات الإنسانية للمدنيين في أوقات النزاعات.

وطالب البرلمان العربي المجتمع الدولي وخاصة مجلس الأمن والأمم المتحدة بتحمل مسؤولياتهم والتحرك العاجل لإلزام “كيان الاحتلال الإسرائيلي” بإدخال المساعدات بشكل فوري وغير مشروط وضمان الوصول المستدام لها.

وحذر البرلمان العربي من تعريض حياة الأبرياء للخطر من خلال استخدام كيان الاحتلال سلاح التجويع ضد الشعب الفلسطيني خاصة ونحن في شهر رمضان المبارك.

وأوقفت إسرائيل دخول شاحنات المساعدات إلى قطاع غزة امس الأحد في وقت تتصاعد فيه أزمة تواجه اتفاق وقف إطلاق النار الذي أوقف القتال على مدى ستة أسابيع ودعت حركة الفصائل الوسطاء القطريين والمصريين للتدخل.

وقال بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن رئيس الوزراء “قرر اعتبارا من صباح امس الأحد تعليق دخول السلع والإمدادات إلى قطاع غزة” وأن إسرائيل “لن تقبل بوقف إطلاق النار من دون إطلاق سراح رهائننا، إذا استمرت حركة الفصائل في رفضها، ستكون هناك عواقب أخرى”.

من جانبها علقت حركة الفقصائل على قرار الحكومة الإسرائيلية بوقف إدخال المساعدات إلى قطاع غزة، معتبرة أن هذا القرار يرقى إلى حد “الابتزاز الرخيص” و”جريمة حرب”، وناشدت الوسطاء الضغط على إسرائيل لإنهاء “إجراءاتها العقابية وغير الأخلاقية”.

المصدر: RT

مقالات مشابهة

  • بيان عربي شديد اللهجة ضد إسرائيل بعد وقف إدخال المساعدات لغزة
  • بيان أردني شديد اللهجة حول قرار إسرائيل وقف إدخال المساعدات
  • بيان شديد اللهجة من مصر بعد وقف إسرائيل إدخال المساعدات لغزة
  • الرئيس عون واللبنانية الأولى كرما الإعلامية هدى شديد
  • زنزانة 65.. دراما جريئة تفضح جحيم السجون في مصر (شاهد)
  • ما الواجب المباشر تجاه الفكر الحر في ظل استمرار السردية التكفيرية؟ (7/13)
  • انطلاق اختبارات الفصل الثاني..وهكذا ستكون الأسئلة
  • ما حكم الفطر بسبب مشقة العمل؟.. دار الإفتاء تُجيب
  • صحفي أميركي يهاجم زيلينسكي.. "لماذا لا ترتدي بدلة رسمية؟"
  • أبرز الأسئلة الخاصة بخدمة الشمولية الرقمية في الضمان الاجتماعي