أحدث اللقاء الذي عقدته وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش مع نظيرها الإسرائيلي إيدي كوهين في روما، الأسبوع الماضي، زلزالا رسميا وشعبيا في ليبيا، فقد ثارت مختلف القوى الوطنية والسياسية والقبائل والفعاليات المدنية على الخطوة التي سربها وكشفها وزير خارجية الكيان الصهيوني وتسببت في الإطاحة بالوزيرة المنقوش وإحالتها على التحقيق.
بعد حوالي 5 ساعات من إذاعة الاحتلال الإسرائيلي لخبر لقاء كوهين مع المنقوش في العاصمة الإيطالية، انفجرت احتجاجات شعبية عارمة وتهاطلت بيانات التنديد من الفعاليات السياسية والحزبية ودور الإفتاء وأعيان القبائل ومن جماهير مختلف المحافظات، تنديدا بكل خطوة أو تقارب مع الكيان الصهيوني، وسط دعوات لإسقاط الحكومة.
وفيما كان الإعلام العبري يروج لتنسيق مسبق "عالي المستوى" بين إسرائيل وبين أعلى السلطات في ليبيا، أصدر رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا عبد الحميد الدبيبة، أول أمس، قرارا يقضي بإيقاف وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش عن العمل احتياطيا، وإحالتها للتحقيق، "بعد لقائها وزير الخارجية الإسرائيلي إيدي كوهين في إيطاليا الأسبوع الماضي"، مع تكليف الدبيبة وزير الشباب فتح الله عبد اللطيف الزاني بتسيير شؤون الخارجية والتعاون الدولي.
وفيما كانت وتيرة الاحتجاجات الشعبية في تصاعد، أعلن الدبيبة تشكيل لجنة تحقيق برئاسة وزيرة العدل حليمة البوسيفي، وعضوية وزير الحكم المحلي بدر الدين التومي، ومدير إدارة الشؤون القانونية والشكاوى بمجلس الوزراء للتحقيق الإداري مع المنقوش.
الخارجية تنفي ترتيبات مسبقة
بالموازاة مع ذلك، أكدت وزارة الخارجية الليبية "التزامها الكامل بالثوابت الوطنية تجاه قضايا الأمتين العربية والإسلامية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية"، كما شددت على "تمسكها بالقدس عاصمة أبدية لفلسطين، وهذا موقف راسخ لا تراجع عنه"، مشيرة إلى أن "ما حدث في روما هو لقاء عارض غير رسمي وغير مُعَدّ مسبقا، أثناء لقاء مع وزير الخارجية الإيطالي".
وجددت الخارجية الليبية "رفضها التام والمطلق للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وأكدت أن موقفها ثابت تجاه القضية الفلسطينية".
وكتعبير عن رفضهم لخطوة نجلاء، اقتحم عشرات المتظاهرين مقر وزارة الخارجية، بينما خرجت مظاهرات غاضبة في مدينة الزاوية وتاجوراء في طرابلس والمدن المجاورة غرب العاصمة طرابلس، فيما صدرت عدة بيانات من أحزاب ومؤسسات مدنية رافضة لأي علاقة مع إسرائيل.
ولم يتأخر المجلس الرئاسي الليبي في مطالبة رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة بتقديم توضيح. جاء ذلك في رسالة وجهها المجلس الرئاسي إلى الدبيبة، وفق تصريح متحدثة المجلس نجوى أوهيبة لوكالة الأنباء الليبية.
وقالت أوهيبة إن "المجلس الرئاسي طالب الدبيبة بتقديم توضيح بشأن لقاء المنقوش مع نظيرها الإسرائيلي في روما الأسبوع الماضي"، وأضافت: "إن ما ورد بشأن إمكانية التعاون والتنسيق مع الكيان الإسرائيلي لا يعبر عن السياسية الخارجية الليبية ولا يمثل الثوابت الوطنية"، معتبرة ذلك "خرقا للقوانين التي تجرم التطبيع مع الكيان الصهيوني".
كما أبدى المجلس الأعلى للدولة الليبي استغرابه من لقاء المنقوش مع إيدي كوهين، واعتبر تلك الخطوة "مخالفة لقواعد مقاطعة العدو الصهيوني ومسيئة لتاريخ نضال الشعب الليبي الداعم للقضية الفلسطينية العادلة".
وفي سياق متصل، استنكر حزب العدالة والبناء الليبي هذا اللقاء، وطالب الحكومة بإقالة المنقوش من منصبها، وأكد أن دفاع الفلسطينيين عن أرضهم وحقوقهم هو حق دولي وثابت وطني تتبناه كل الاتجاهات السياسية الليبية.
بيان دار الإفتاء الليبية
وسارع مجلس البحوث والدراسات الشرعية، التابع لدار الإفتاء في ليبيا، إلى التنديد بلقاء المنقوش مع كوهين، وأكد المجلس في بيان أنه "قد انعقدَ إجماع علماءِ المسلمين على تحريم إقامة أي علاقاتٍ مع العدوِّ الصهيوني، الذي احتلَّ فلسطين وسفك دماء أهلها، واعتدَى على الحرماتِ، وأخرجَ المسلمين من ديارهم، وانتهكَ حرمةَ المسجدِ الأقصى".
وحسبما نقلته وكالة الأنباء الليبية، اعتبرت دار الافتاء أن ما قامت به وزيرة الخارجية اعتداء صارخ على ثوابتِ الوطن والدين، ويدعُو المجلسُ رئيسَ حكومة الوحدة الوطنية إلى إقالة الوزيرة مِن منصبِها. كما دعا المجلس "الشعبَ الليبي قاطبة إلى المطالبة بإقالتها، ومحاسبتِها على ارتكاب هذه الجريمة التي لا تمثل الليبيين، الذين لم يتغير موقفهم تجاهَ هذا العدو المحتل منذ أن تأسست ليبيا إلى يومنا هذا".
منع المنقوش من السفر
ونقلت وكالة الأنباء الليبية عن جهاز الأمن الداخلي الليبي، التابع لحكومة الوحدة الوطنية، إدراجه وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش ضمن قائمة الممنوعين من مغادرة ليبيا إلى حين امتثالها للتحقيقات.
وجاء قرار منع المنقوش من مغادرة ليبيا بعد شائعات عن فرارها بطائرة خاصة عقب وقفها عن العمل إثر الكشف عن عقدها لقاء مع وزير الخارجية الإسرائيلي إيدي كوهين.
وقال الجهاز في بيان نشره عبر صفحته الرسمية على فيسبوك إنه ينفي "ما يتم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي بشأن السماح أو تسهيل سفر وزيرة الخارجية الموقوفة عن العمل، والتي لم تمر عبر القنوات الرسمية بمنفذ مطار معيتيقة سواء الصالة العادية أو الخاصة أو الرئاسية وفق السياق المتعارف عليه، وستوضح كاميرات المراقبة ذلك".
وأكد الجهاز وقوف "جميع السلطات صفا واحد مع تطلعات الشعب الليبي واحترام مشاعره تجاه كافة القضايا، لا سيما القضية الفلسطينية."
حديث عن فرار المنقوش
قالت وسائل إعلام محلية ليبية إن وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش غادرت البلاد متجهة إلى تركيا، مؤكدة وصول طائرتها إلى مطار إسطنبول الدولي، وذلك بعدما أوقفها رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة عن العمل احتياطيا، وأحالها للتحقيق على خلفية لقاء أجرته مع وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين في إيطاليا الأسبوع الماضي.
يذكر أن نجلاء المنقوش أول امرأة ليبية تتولى حقيبة الخارجية في بلادها في شهر مارس 2021 ضمن الحكومة الانتقالية الجديدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة.
وتعرضت المنقوش في وقت سابق إلى الملاحقة من طرف المجلس الرئاسي في نوفمبر 2021، حين صدرت مطالب بإحالتها على التحقيق بسبب "انفرادها بالسياسة الخارجية"، وصدور بيانات رسمية لها بتعاونها مع واشنطن وإشرافها على صفقة لتسليم مواطن ليبي متهم في قضية طائرة لوكربي. غير أن حكومة الوحدة بقيادة الدبيبة رفضت إيقاف الوزيرة وأبقتها ضمن الطاقم الحكومي، إلى غاية صدور قرار أول أمس بتوقيها احتياطيا وإحالتها على التحقيق.
المصدر: الخبر
كلمات دلالية: حکومة الوحدة الوطنیة عبد الحمید الدبیبة الخارجیة اللیبیة الکیان الصهیونی المجلس الرئاسی الأسبوع الماضی وزیرة الخارجیة نجلاء المنقوش وزیر الخارجیة المنقوش مع مع الکیان فی لیبیا عن العمل
إقرأ أيضاً:
الدبيبة: لن نسمح بأن تكون ليبيا مأوى للعناصر العسكرية الهاربة من بلدانها
قال رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة، السبت، إن بلاده لن تسمح بأن تكون ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية ومأوى للعناصر العسكرية الهاربة من بلدانها.
وأضاف الدبيبة أن "ليبيا تواجه تحديات أمنية كبيرة في الداخل حيث نسعى بكل جهد لاستعادة الأمن والاستقرار في كافة أنحاء البلاد".
حديث الدبيبة جاء خلال افتتاح المؤتمر الأول لقادة الاستخبارات العسكرية لدول جوار ليبيا، الذي افتتح بالعاصمة طرابلس السبت ويستمر حتى الأحد، بحضور وفود رسمية من تونس والجزائر والسودان وتشاد والنيجر، وفق منصة “حكومتنا” الرسمية على فيسبوك، دون أن تشير إلى مشاركة وفد من مصر أو غيابه.
وأوضح، أنه بات من المؤكد بشكل حازم وواضح أن ليبيا لن تكون ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية، مبينا أن "حكومته لن تسمح بأن تتحول الأراضي الليبية إلى مأوى للعناصر الهاربة والخارجة من بلدانها أو الخارجة عن القانون، ولا أن تستخدم ليبيا كورقة ضغط في أي مفاوضات أو أي صراعات دولية".
وتزامن حديث الدبيبة مع تقارير أكدت وصول قيادات أمنية وعسكرية في نظام بشار الأسد، الذي أطيح به في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر الجاري، إلى الأراضي الليبية وتقارير أخرى تتحدث عن نقل أنظمة دفاع جوي وأسلحة روسية متطورة من سوريا إلى شرق ليبيا.
والخميس الماضي، أعلن رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة، الخميس، رفضه دخول أي عتاد عسكري أو قوات روسية إلى بلاده، بعد انسحابها من القواعد في سوريا.
وقال الدبيبة: "لا يوجد شخص وطني يقبل بدخول دولة أجنبية وتفرض هيمنتها، أي جهة تدخل ليبيا من دون إذن أو اتفاق سنحاربها لا يمكن أن نرضى بأن تكون ليبيا ساحة حرب دولية".
وبشأن الوضع السياسي في ليبيا، قال الدبيبة إن "أعضاء مجلس النواب لا يريدون سوى الاستمرار في السلطة عندما رأى البرلمان أن مصالحهم لا تتوافق مع الدستور وضع مسودة الدستور في الأدراج".
وأضاف: "نريد إخراج الدستور من غياهب الجب ويجب التشاور بشأنه".
وحول الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي طال انتظارها، قال الدبيبة: "نريد قوانين انتخابية لإجراء انتخابات لا بد من العمل للوصول إلى قوانين انتخابية عادلة".