الاوضاع في السودان في سباق مع الزمن
تاريخ النشر: 29th, August 2023 GMT
طرفا النزاع اللذان يملكان السلاح ويتحكمان في مصير البلاد يقدمان تصورهما الذي يدل علي رغبتهما على الاستمرار في الحكم. قدم النائب المعين من البرهان ما سمى بخارطة طريق للحل وهذه بالطبع ليست من بنات افكاره وانما منتج للقوى التي يمثلها.
الجيش يحشد وهناك تجمع سيعقد في اركويت في شرق السودان في بداية سبتمبر القادم بهدف لتكوين حاضنة سياسية للحكومة المزمع تشكيلها من فصيل البرهان الانقلابي وهذا الحشد سيكتظ بالفلول والانتهازيين والمتسولين السياسين الذين يبحثون عن كراسي الحكم علي انقاض ما تبقي من وطن.
الدعم السريع قدم رؤية سياسية لا تشبه مشروعه أو طبيعة نشأته أو ممارساته علي الارض وهو بذلك يستجدي حاضنة علي الارض، وهى بالتأكيد ستكون مستحيلة علي الاقل في العلن بعد الممارسات علي الارض وفي دارفور وبعد الاتهامات الاممية وغيرها من مكونات المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية، بانتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان والجرائم متعددة التوصيف حسب القانون الدولي والقانون الدولي الانسانى وقوانين الحرب...بالطبع تلك الانتهاكات طالت الطرفين وإن بشكل مختلف نوعيا.
في هذا السياق نجد القوى السياسية المدنية في غاية التشرزم، فهناك قوى الحرية والتغيير في سعيها لتكوين جبهة لايقاف الحرب لكن دون نتائج ملموسة علي الارض حتي الان. هناك قوي الاطاري التي تعتبر تكتلا اكبر لكنها مختلفة الرؤى وغير متناسقة ومشوشة المواقف، وقد ظهر ذلك من خلال مواقفها حول مبادرات ومنابر التفاوض ومن خروج البرهان وتعويل البعض عليه في انهاء الحرب بل وفي مسار سياسي ربما وهذا يبدو سراب مأته.
من جانب آخر هناك مكون مهم ومؤثر من قوى الثورة يعمل بالداخل يتكون من طيف واسع من المكونات اهمها لجان المقاومة، قوى التغيير الجذري، تجمع المهنيين وتجمعات مهنية ونقابية ومجموعات نسوية وطيف واسع من القوي المدنية. هذه المكونات تتمسك باهداف الثورة وتقدم معظمها رؤي طموحة للتغيير، لكن لم تنتج حتي الان حراك جماهيري ملموس أو رؤية موحدة لانهاء الحرب ولكيفية الخروج من هذه الازمة المطبقة علي خناق الوطن وتهدد وجوده، وهذه الرؤية الطموحة في التغيير الجذرى تبدو غير ممكنة في ظروف الحرب والتفكك والنزوح والتشرد والمجاعة، اذ ان ذلك هدف طويل الأجل يحتاج لمسار نضالي طويل متعدد الوسائل والادوات غير المتاحة في هذه الظروف التي تتطلب التوافق علي الحد الادني الذي يضمن بقاء الوطن في عظمه.
بالتأكيد هذه القوى مشغولة بالتخفيف من هول المأساة والعمل قدر الامكان علي اغاثة ومساعدة المنكوبين وتوطين الملايين الذين نزحوا للولايات والذي بقوا تحت هول المعارك، ذلك في ظل غياب الدولة والخزلان الاممي غير المسبوق في تاريخ الشعوب. هذا عمل نبيل بالطبع لكن وحدة قوى الثورة بالداخل وامكانية خلق حراك جماهيري امر مصيري، لكن هذا لن يتم دون رؤية موحدة لانهاء الحرب ووضع خارطة طريق لحل سياسي يضمن مسار انتقال سياسي والتأسيس لسلام مستدام واستعادة زمام المبادرة.
في ظل عجز القوي المناهضة للحرب عن التوحد في الداخل والخارج وانتاج رؤية تجد قبول واسع جماهيريا وسياسيا علي المستوى الاقليمي والدولي بتعقيداته الشائكة، فإن حملة السلاح بتحالفاتهم الخارجية والحاضنة السياسية المصطنعة التى قوامها فلول النظام السابق والقوي التقليدية وجمهرة من الانتهازيين ومتصيدي الفرص، ستكون لها اليد العليا وستفرض اجندتها وعندها فان تكوين حكومة موازية تعمل من الخارج لن يكون له افق في الحل أو في قلب موازين القوة علي الأرض في بلد وصلت حد خطير من الانهاك والافقار. إذن في رأي ان مصير البلاد في سباق مع الزمن فالسياقات النظرية المعممة واصدار البيانات والظهور في القنوات الفصائية لم يعد ذي جدوة في ظل غياب رؤية موحدة لجميع القوى المناهضة للحرب والعاملة علي استعادة المسار السياسي باوسع طيف ممكن من قوى الثورة والقوى السياسية وقوى المجتمع المدني.
وكما يقال فإن الوقت كالسيف....
mnhassanb8@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: علی الارض
إقرأ أيضاً:
جامعة الخرطوم تستأنف مسيرة العطاء
الدكتور الخضر هارون
يثلج الصدر أن كثيرا من مؤسسات التعليم العالي في بلادنا قد حرصت علي ألا يفضي العدوان الغاشم علي بلادنا المتمثل في هذه الحرب الضروس التي اندلعت في ١٥ أبريل ٢٠٢٣ إلى تكليف البلاد ضياع أجيال من بنات السودان وأبنائه وذلك بأن تكيف أوضاعها وفقاً للضرورات بالحفاظ علي الحد الأدني مما يمكنها من الاستمرار عند توقف الحرب. وقد تسارعت الخطى هذه الأيام بعد أن لاحت بشائر النصر، نحو عودة الاستقرار بإنفاذ الخطط الموضوعة لفترة ما بعد الحرب. وفي هذا السياق نقول إنه قد بذلت إدارة جامعة الخرطوم الحالية جهدا كبيرا كبيراً في سبيل بث الحياة في الجامعة إثر الصدمة التي صُدٍمتها البلاد بنشوب الحرب فقد كانت الجامعة من أوائل المؤسسات التي حرصت على دفع المرتبات لمنسوبيها (في غضون شهرين من وقوع الحرب) وخفف ذلك من معاناة الناس شيئاً ما. كما سارعت إلى اعتماد الوسائل الاكترونية لاستئناف التدريس عن بعد وكانت ثمرة ذلك أن تخرجت دفعات من الطلاب متلمسةً طريقها نحو المستقبل وعلى هدى الجامعة سارت بقية الجامعات، حيث افتتحت لها مكتباً في سواكن بشرقيّ السودان واعتمدت نظاماً إلكترونياً مخدوماً مكّن خريجيها ومنسوبيها من الحصول على شهاداتهم التي فقدوها إثر الظروف المعلومة وهكذا صار بمقدور خريجي الجامعة استعادة شهاداتهم و مؤهلاتهم استئنافاً لحياتهم ومضياً في بناء مستقبلهم. كما إنها اعتمدت عدداً من المراكز لامتحان طلبتها داخل السودان وخارجه سابقة نظيراتها التي سلكت هذا الطريق بعد حين. ونسقت مع مؤسسات نظيرة لنقل مكتب خدمات الترجمة إلى بورتسودان فلاقى من النجاح النصيب الوافر خدمةً للبلاد وأهلها وانتظاماً في خدمة المجتمع المستمدة من رسالة الجامعة ومنهاجها .
واستناداً إلى هذا الجهد وانطلاقاً منه فإن وحدة الترجمة تسعى إلى ارتياد آفاقٍ أرحب وساحات أعلى بما يليق بماضيها التليد ويتسق ومستقبلها الزاهر والبلاد تتزيّا بزيّ العافية وتتزيّن بثياب السلام والاستقرار والأمان ماشيةً في درب النهضة وساعيةً في طريق العزً وماضيةً في سبيل النماء والازدهار والمنعة.
ولما كنت ذا صلة بوحدة الترجمة في كلية الآداب إذ استضافتني الوحدة في مشاركات ثقافية ومعرفية كان أهمها مشاركتي في تدشين ترجمة طروحة العالم الجليل الأستاذ الدكتور عبدالله الطيب لنيل درجة الدكتوراة من جامعة لندن في قاعة الشارقة بجامعة الخرطوم قبل سنوات خلت. وقد ترجم الطروحة التي تحمل العنوان (أبو العلاء المعري شاعرا) الترجمان الفذ ابن القسم، الأستاذ عبد المنعم الشاذلي ترجمة لو أن شيئا يبلغ حد الكمال لحازت ذاك المرتقي الرفيع. نقول ذلك بمطالعة فاحصة مقارنين فيها بين أصل الرسالة في متنها باللغة الانقليزية وترجمتها إلي العربية. وكنت قد أفردت لذلك مقالة عقيب ذلك التدشين الذي نظمه الأديب الصديق الدكتور الصديق عمر الصديق رئيس مركز عبدالله الطيب والذي أمه لفيف من علماء السودان وأساطين البيان من أبنائه وتناول بالتعليق فيه علي ترجمة الطروحة الأساتذة البروفسور الحبر يوسف نور الدايم والبروفسير التجاني الجزولي المتعافي مدير معهد الخرطوم للترجمة رحمهما الله والبروفسور عبد الله محمد أحمد وجمع غفير من محبي الأدب ضاقت بهم القاعة علي سعتها وشرفته بالحضور الفضلى جوهرة الطيب حرم بروفسور عبدالله الطيب. كما أني قد قدمتُ لاحقاً في مقر الوحدة محاضرة لدارسين للترجمة من القضاة في القسم عن طرائف الترجمات والمترجمين. وصلتي بالترجمة سابقة لذلك كله فقد عملت مترجماً لخمس من السنين ووجدت في رحابها متعة لا توصف وهي مبتدأ للنهضة وسبيل إلى تحقيقها كيف لا وقد فتحت دار الحكمة التي أسسها الخليفة العباسي المأمون بن هارون الرشيد في بغداد التي كانت عاصمة الدنيا وزينة المدائن فانخرطت في الترجمة فنشأ علم الكلام وحوار الأديان وعلم الأديان المقارن في العصور الحديثة. وقد سرني أن الأستاذ عبدالمنعم الشاذلي قد أنجز مؤخرا مع صديقيه الدكتور مكي بشير مصطفى، كبير المراجعين بقسم الترجمة بمنظمة الأمم المتحدة وعضو هيئة التدريس السابق بجامعة الخرطوم، وخريج وحدة الترجمة والتعريب بجامعة الخرطوم، والدكتور البشير الصادق، الأديب والمترجم بدولة قطر، ترجمة لكتاب مهم للغاية هو قيد الطبع الآن عنوانه (Unstoppable) أو (عزائم لا تقهر) للكاتبة الأمريكية سينثيا كيرسي (Cynthia Kersey) • ومثلما كانت جامعة الخرطوم بادرة للمعارف التطبيقية يوم أن أسسها الغازي المستعمر هيربرت كتشنر حاكم عام السودان وسردار الجيش المصري تخليدا لذكري مواطنه شارلس غردون حاكم عام السودان السابق والمعيّن من قبل خديوي مصر الذي قتله ثوار المهدية عندما تحرر السودان بأسيافهم، باسم (كلية غردون التذكارية) كمدرسة لتخريج العمال المهرة وصغار الكتبة لكنها تطورت عبر الزمن فتبرع رجل البر والإحسان أحمد محمد هاشم بغدادي بتأسيس مدرسة الطب ثم سُمح بتدريس الانسانيات عشرينيات القرن العشرين وهكذا حتي غدت كلية الخرطوم الجامعية ثم جامعة الخرطوم بعد الاستقلال وأسهم خريجوها مع غيرهم من قطاعات الشعب في تحرير البلاد من قيود الاستعمار وتزويد السودان المستقل بالكفاءات في شتي المجالات. وحفاظا علي ميراث هذه المؤسسة الوطنية العريقة في ابتدار المبادرات الخيرة، تبادر اليوم وحدة الترجمة والتعريب وهي تستشرف انتصار البلاد وتحررها من قبضة المؤامرة الاقليمية والدولية التي تضطلع مليشيا الدعم السريع المتمردة والأجيرة بتنفيذها منذ أكثر من عام والخلوص إلى حقبة جديدة من التحرير، بمسعى علمي يفتح الطريق لاستئناف رسالته في ترميم ما خربته الحرب علي السودان وكانت جامعة الخرطوم من أول ضحاياه مبانيَ ومعداتٕ ومكتبات وأجهزة، ومعان تمثلت في وقف الدراسة في ربوعها. فكم سرني أن تفكر وحدة الترجمة والتعريب بهذا المستوى من التفكير الراشد بهذا المسعى الأكاديمي الخدمي مساهمة منها في إعادة إعمار هذه الجامعة، إذ سيذهب الريع المادي كله لهذا البرنامج (دورة الترجمة الفورية) للجامعة دون أن ينال منه أساتذة الوحدة شيئاً. وهي لعمري لفتة وطنية بارعة ما أحوج بلادنا إلى مثلها في هذه الظروف القاسية، وما أجدر أن تنحو هذا المنحى كل الإدارات والأقسام والوزارات في كل الدولة، لينهض كل قادر على دور إيجابي بأدائه. وهذه السطور بعض إعجاب بهذه اللفتة، وبهذا النهج في التفكير والشعور.
سدد الله الخطى وبلغ المقاصد.
abuasim.khidir@gmail.com