احتدم الصراع في سنوات الإنقاذ الأخيرة بين عدة تيارات داخل الحركة الإسلامية السودانية حيث لم يكن الجميع على قلب رجل واحد .فقد برزت أصوات عدة تطالب بعدم دعم البشير كمرشح للحركة الإسلامية في الانتخابات باعتباره قد استنفد اغراضه واصبح عبئا ثقيلا على المشروع الإسلامي الذي يتبناه الإسلاميين كشعار للفوز بالانتخابات.

فمجموعة رأت في البشير حجر عثرة في طريق تطور مشروعهم الإسلامي ( الهلامي ) والوصول به الى التصور الذي كانوا يحلمون به لسنوات عدة و قد عملت هذه المجموعة و التي كان يقودها الدكتور غازي صلاح الدين على تبني خطاب إصلاحي داخل قواعد الإسلاميين و تحالفت مع بعض العسكريين الذين كانوا يرون في البشير مجرد شخص انتهازي جاءت به الظروف في مرحلة ما لتنفيذ مخطط الحركة الإسلامية لكنه استحلى السلطة و تشبث بها و رفض تسليمها. و مجموعه أخرى كانت ترى في البشير المظلة التي تستمد منها شرعية البقاء في السلطة وكانت تعتبر ان أي غياب له عن المشهد سيعني افول نجمها و ذهابها الى غياهب التاريخ لذا كانت تعمل على المحافظة على وجوده دوما كمركز تدور حوله الحركة والدولة وسعت الى تكريس كل السلطات في يده كي يسهل لها استخدامه كمطرقة ضد خصومها فاصبح هو رئيس الحركة و رئيس الحزب و رئيس الدولة والقائد العام للجيش و قد تزعم هذه المجموعة علي عثمان محمد طه وقد أدى اشتداد الصراع و التنافس في أروقة الدولة بين المجموعتين الى قيام مجموعة الإصلاح بالتخطيط لقلب نظام الحكم و الاستيلاء على السلطة والاطاحة بكل رموز الصف الأول من الإسلاميين بمن فيه الرئيس البشير و إعادة الحركة والدولة المختطفتين على حد زعمهم وهو الانقلاب الذي شارك فيه الفريق صلاح قوش والعميد ود إبراهيم. و في سبيل القضاء على مجموعة الإصلاح واستئصال شافتها نهائيا اصر علي عثمان بعد انكشاف الانقلاب والقبض على مدبريه على ضرورة التخلص منهم واعدامهم جميعا لولا تدخل بعض قيادات الإسلاميين الذين طالبوا بمحاكمتهم وايداعهم السجن . لكن تيار الإصلاح وبالرغم من انحناءه للعاصفة و التظاهر بالانهزام امام تيار الرئيس الا انه وبمجرد ما سنحت له الفرصة بعد ذلك بسنوات قام عبر الفريق صلاح قوش بالانتقام من مجموعة الرئيس والاطاحة بها في تحالف مرحلي مع الحرية والتغير مع المضي قدما في خطته الإصلاحية حسب تصوره بعد ابعاد البشير و مجموعته عن المشهد و خلق مرحلة تاريخية جديدة في شكل ثورة شعبية فصلت ما بين نظام الانقاذ والنسخة الجديدة من الحركة الإسلامية التي سيطرحونها .تعتبر هذه المقدمة مهمه جدا كي يفهم السودانيين كيف يفكر الإسلاميين ويعوا تماما السياقات التي دارت فيها الصراعات بين اجنحة الحركة الإسلامية السودانية والتي افضت الى هذا الواقع المعقد الذي وجدت الدولة السودانية نفسها غارقة فيه .فالإسلاميين كانوا ومازالوا يعتقدون بملكيتهم للدولة السودانية و وصايتهم على الشعب السوداني لذا فان وعيهم الجمعي يقوم على افتراض ارتباط مصيرهم بمصير الدولة السودانية الى الابد ويتصرفون على هذا الأساس مع كل المتغيرات في المشهد السوداني .وهم لا يؤمنون ابدا بمبدأ السلمية او التداول السلمي للسلطة بل يرون ان القوة هي المنطق الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه في الوصول للحكم وحتى ولو اضطروا لاتخاذ الديمقراطية كوسيلة او شعار للوصول للحكم يجب ان يعقب ذلك مباشرة مرحلة تمكين يتم فيها تقريب اهل الولاء و السبق والتحكم في مفاصل الدولة لقطع الطريق امام أي تغيير محتمل وقد صرح على عثمان في التسريبات التي نشرتها قناة العربية ان السبب الذي أدى بالإطاحة بالإخوان المسلمين في مصر هو تأخرهم في تطبيق سياسة التمكين . كما أشار الرئيس البشير في نفس التسريبات الى ان كل مفاصل الدولة السودانية تتحكم فيها الحركة الإسلامية من منصب الرئيس والحكومة والبرلمان و ولاة الولايات و أعضاء المجالس التشريعية و مدراء المؤسسات العامة حتى ادنى مستوى.

yousufeissa79@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الحرکة الإسلامیة

إقرأ أيضاً:

ماذا يتوقع السودانيون من ترمب؟

بمجرد ظهور نتائج الانتخابات الأميركية وفوز دونالد ترمب واكتساح الجمهوريين لمجلسي الشيوخ والنواب، اتجهت التحليلات السياسية لمحاولة قراءة وتوقع سياسة ترمب الخارجية، وانعكاساتها على المناطق المختلفة من العالم. رغم أن هناك قدراً من الضبابية فيما سيفعله الرجل بالعالم، فإنه من المؤكد أن شعار «أميركا أولاً» الذي يرفعه سيدفعه لمراجعة موقف الولايات المتحدة وتعاملاتها مع الجميع، بما يجعل الحلفاء والخصوم في حالة من القلق الشديد.

كذلك يعتقد كثير من المراقبين والمتابعين للسياسة الأميركية أنه سيسير في النهج الجمهوري المعروف نفسه، الذي يركز على الداخل الأميركي، ويقلل من تورط واشنطن في النزاعات الخارجية بشكل مباشر، ويحاول دفع الحلفاء في كل منطقة للعب دور أكبر في هذه النزاعات. كما أنه، وكما هو متوقع، سيركز على أولوية المصالح الاقتصادية الأميركية في العلاقات الخارجية أكثر من مواقف الدول والحكومات من شعارات التحول الديمقراطي، ووضع حقوق الإنسان، والحريات العامة.

تثير سياسة ترمب المتوقعة حيال القضايا والنزاعات المتعددة في العالم قلق حلفائه الغربيين في حلف «الناتو»، بجانب حلفائه الآخرين. فمن المتوقع أن يمارس ضغوطاً على حلفائه الأوروبيين ليلعبوا أدواراً أكبر في النزاعات العالمية، ويزيدوا من إنفاقهم العسكري ليرفعوا الضغوط عن ميزانية «الدفاع الأميركية». كما أنه سيجعل مصالح أميركا في تحقيق نوع من الاستقرار يساعد الاقتصاد الأميركي على النمو، أولوية على كل التزاماتها الأخرى. لهذا يبدو أنه سيتجه لتحقيق ما وعد به بالعمل على إنهاء الحروب والنزاعات، لكن وفقاً للرؤية الأميركية. فهو غالباً سيتجه لإنهاء حرب أوكرانيا عبر صفقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وسيضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإنهاء الحرب على غزة ولبنان، لكن من دون الاتجاه نحو حل الدولتين، الذي لا يبدو أنه متحمس له. ومعروف عن الجمهوريين أيضاً أنهم لن يعولوا كثيراً على منظومة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وسيفضلون تنفيذ ما يقررونه عبر إقامة تحالفات خارج المنظومة الدولية، مثلما فعلوا في حرب الخليج.

فيما يتعلق بالسودان، فهو بالتأكيد ليس على جدول الأولويات في السياسة الخارجية في عهد ترمب، فهناك مناطق أكثر أهمية وأكثر التهاباً وأكثر تأثيراً في الاقتصاد العالمي. لهذا لن يكون الوضع الداخلي في السودان، والصراع العسكري - المدني حول التحول الديمقراطي، أو الأوضاع الإنسانية، هي المداخل للسياسة الأميركية تجاه السودان. ربما ينظر له ترمب من خلال ازدياد النفوذ الروسي في المنطقة الممتدة من البحر الأحمر للساحل الأفريقي، مقروناً بمحاولته الضغط على إيران، إلى جانب مقاومة النفوذ الاقتصادي الصيني في أفريقيا. كذلك فإن سياسته المتوقعة تحت شعار «محاربة الإرهاب» قد تكون واحدة من محددات سياسته تجاه السودان، بجانب تشجيع دول المنطقة لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل.

لهذا، فإن موقف السياسة الأميركية من الأوضاع في السودان سيتأخر قليلاً لحين الانتهاء من رسم السياسة الخارجية ومحدداتها الأساسية، ولا يتوقع أن يكون هناك مبعوث أميركي للسودان في عهد ترمب يخلف المبعوث الحالي توم بيريللو، وقد يتم الاكتفاء بوجود سفير أميركي بصلاحيات المبعوث. ومن المؤكد أيضاً أن الاتجاه نحو تحجيم الدور الأميركي سيتبعه تقليص المساعدات الإنسانية للمتضررين من الحرب في السودان، والطلب من الحلفاء الدوليين والإقليميين لعب دور أكبر وزيادة مساعداتهم الإنسانية. ومن المتوقع أيضاً محاولة العودة لمنبر جدة مرة أخرى بعد ممارسة الضغوط على الطرفين، وإعطاء دور أكبر للمملكة العربية السعودية ومصر.

وبحسابات القرب والبعد، فإن الطرفين المتحاربين في السودان لا يتمتعان في الوقت الحالي بعلاقة جيدة مع واشنطن، فهناك توجس من اتجاهات تحالف الجيش والمجموعات السياسية الإسلامية من ناحية، وعدم رغبة في تبني «قوات الدعم السريع»؛ بسبب عدم وضوح تحالفاتها، وسجلها الدموي في الانتهاكات ضد المدنيين. لكن الطرف الحكومي يملك ما يقدمه لواشنطن أكثر مما يمكن أن تقدمه «قوات الدعم السريع»، لهذا فإن التغيرات في السياسة الأميركية تجاه السودان قد تميل لصالح الحكومة الحالية، عبر تخفيف الضغوط عليها، التي فرضتها الإدارة الديمقراطية عقب الانقلاب العسكري الذي وقع في 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021. ولن يكون مطلوباً منها تنفيذ وعود التحول الديمقراطي وتحسين أوضاع حقوق الإنسان، بقدر الابتعاد عن النفوذ الروسي والإيراني، والقبول بالمضي في إجراءات التطبيع مع إسرائيل التي بدأها البرهان وعطلتها الحكومة المدنية، ثم الابتعاد بخطوات ما عن التحالف مع الإسلاميين طمأنةً للحلفاء الإقليميين، إن استطاع الجنرال البرهان فعل ذلك.

المقال الأسبوعي بصحيفة الشرق الأوسط  

مقالات مشابهة

  • قيادي بحماس يكشف موقف الحركة من إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة
  • الحركة الوطنية: تدشين مبادرة «بداية جديدة للإنسان المصري» تضع الإنسان في قلب التنمية
  • «الحركة الوطنية»: مبادرة «بداية جديدة» تضع الإنسان في قلب التنمية
  • المشري: أتمسك بحقي في رئاسة مجلس الدولة… وتكالة مغتصب للسلطة ومنتحل للصفة
  • ماذا يتوقع السودانيون من ترمب؟
  • ما الذي تريده تركيا تحديدًا من ترامب؟
  • في الجلسة الحوارية الثانية لمنظمة كونفليكت داينامكس إنترناشونال: دكتور النور حمد: مشروع الحركة الاسلامية فشل بعد أن اختطف الدولة
  • السودان: معارك الفاشر مستمرة… وطرفا الحرب يزعمان التفوق
  • شاهد… الرئيس الإندونيسي ينشر فيديو مكالمته مع ترمب لتهنئته
  • حزب المؤتمر: كلمة الرئيس السيسي بالقمة العربية الإسلامية كاشفة لازدواجية المجتمع الدولي