أطياف -
وماكان أن يلقي البرهان خطاباً غير الذي ألقاه ، أو ماكنت اتوقع أن يخاطب جنوده الذين يخوضون معركة آنية بحديث غير الذي قاله ، فكيف ينتظر البعض أن يتحدث الجنرال الخارج من القيادة العامة للجيش جنوده في الميدان عن رغبته في التفاوض !! أو أن يقول إنه سيتخلى عن دحر وقتال الدعم السريع ، فعندما وقف البرهان متحدثاً المعارك تشتعل بضراوة في محيط المدرعات وحول القيادة العامة ، وكان مطار الخرطوم يحترق، فكيف يقول البرهان في هذا التوقيت إن الحسم لم يعد مجدياً وإن التفاوض هو الحل ، فهل ثمة عاقل كان يتوقع أن يلقي القائد خطابا سياسيا ناعماً وعينه في عيون جنوده الذين قدموا أرواحهم وفقدوا رفاقهم في معركة حية مستمرة !!
فيقيني أن ماقاله البرهان هو أفضل خطاب لقائد عسكري أثناء الحرب يقف لمخاطبة قواته على أرض عسكرية ، ولو قال حديثا غير الذي قاله في هذا المكان والزمان لنسف كل سنين خبرته العسكرية .
اما سياسيا ففي عملية البحث في الأرشيف الخطابي لقائد الجيش تجد أن جميع الخطابات التي ألقاها البرهان ومارس فيها المراوغة السياسية (على أصولها) كانت في مناسبات ومناطق عسكرية جاءت جميعها تحكي عن نكص العهود والتراجع عن الوعود السياسية ومهاجمة المدنيين فكم مرة حدّثَ البرهان جنوده عن أنه لن يوقع على الإطاري وكم مرة قال إنه لن يضع يده مع الذين يعتبرهم لايمثلون الشعب ووقع البرهان على الرغم منه ، ووضع يده على أيديهم !!
لذلك أرى أنه من الخطأ أن يخلط المتابع بين الخطابات العسكرية وعن ماينوي عليه البرهان سياسيا فلكل مناسبة حديثها
فالقائد في خطابه للضباط والجنود ببورتسودان قال ( إن الحديث عن أنه خرج بصفقة غير صحيح وإن من أخرجته هي القوات المسلحة ) وهذا أخطر ما صرح به قائد الجيش الذي أقر بعملية ( إخراجه) وليس خروجه ، فالقائد الذي يسيطر على المعركة ويصمم على حسمها عسكريا يخرج ولايتم إخراجه ، ولنقف على عملية الإخراج التي ( تمت بنجاح ) ، من الذي اخرج البرهان من مخبئه ؟! فإن لم تكن قوة خارجية كما يقول ، وإن من قام بذلك هي القوات المسلحة إذن هو يثبت انه خرج للتسوية ولاينفي !! فالمجموعة التي أخرجت البرهان هي التي تريد الحوار و التفاوض ، وهي قطعا ليس المجموعة الكيزانية التي تدير المعركة ، فالأخيرة كانت مشغولة بمعركة المدرعات ، ومنذ أن علمت بخروج البرهان أعلنت عنه كهارب وخائن وطفقت تبحث عن قائد بديل ، وجاءت بتصريحات زائفة عاجلة للكباشي يتحدث فيها عن قرب الحسم ودحر التمرد فإن كانت الفلول تتحدث عن قائد حر يمثلها ويتحرك بإرادته ويتولى الخطاب العسكري فلماذا قدمت الكباشي لمخاطبة الميدان بدلاً عنه !!
ومن هنا تأتي الإجابة إن كانت مجموعة الحسم العسكري لاتدري بخروج البرهان متى وكيف ولماذا ، إذن ليس هناك تفسير للمغادرة ، إلا طالبا للتسوية ووقف الحرب، حقيقة واحدة لاغيرها ولو تعددت الأساليب الملتوية لنفيها .
ويبقى خبر الإعلان عن حكومة تصريف أعمال ليس اهم من خبر المبعوث الأمريكي الخاص للقرن الأفريقي الذي يحل ضيفا الآن على نيروبي وأديس أبابا، في الفترة من 28 أغسطس إلى 8 سبتمبر والذي قالت عنه وزارة الخارجية الأمريكية أنه سيلتقي بمسؤولين في الحكومة الكينية والاتحاد الإفريقي والإيغاد لمناقشة الأزمة المستمرة في السودان والجهود الإقليمية والدولية لإنهاء العنف وإقامة حكم ديمقراطي ودعم العدالة والمساءلة
فمصر كما تحدثنا بالأمس أنها ستكون محطة الإستقبال الأولى التي سيتوجه منها البرهان الي (عواصم عربية) الإسم الإعلامي الجديد لمدينة جدة السعودية. !!
طيف أخير:
#لا_للحرب
ولأن البرهان مشحون بالهم السياسي أكثر من العسكري حرص على أن يرد على حزب الأمة ردا ً إنفعاليا عكس إن كشف الحقيقة الآن مزعج للغاية بالنسبة له سيما أنه لم يغادر الأرض الملغومة.
الجريدة
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
السلاح النووى الروسى مُسْتَبْعَد
هناك ترجيح نظرى قوى يَستبعِد أن يكون الرئيس الروسى بوتين جاداً فى تهديده بأن يلجأ إلى استخدام السلاح النووى فى حربه الدائرة ضد أمريكا وحلفائها على أرض أوكرانيا، ويَميل إلى أنه يُرْبِك أعداءه فى حسابات مُضَلِّلة. ولا تتوقف موانعه فقط على خشيته من الأخطار الرهيبة على البشر من السلاح النووى، وإنما أيضاً لأنه سيفقد، إذا استخدم السلاح النووى، واحداً من أهم بنود الخطاب الروسى بالمفاضلات الإنسانية والحضارية فى صراعه ضد الولايات المتحدة وحلفائها. فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى الآن، يؤكد الخطاب الروسى أن توحش النظام الأمريكى ضد البشر الأبرياء، وعدم اعتداده بآدميتهم، هو الذى جعلها الدولة الوحيدة فى التاريخ التى استخدمت السلاح النووى عندما ضربت هيروشيما ونجازاكى، ولم تهتم أمريكا فيها إلا بتحقيق مكاسب، وهى تعلم يقيناً بأن أعداداً هائلة من الضحايا الأبرياء سوف يسقطون، مع إحداث دمار غير مسبوق فى تاريخ الحضارة الإنسانية! هذا الخطاب الروسى المستقر يجعل من الصعب تصور أنها يمكن أن تتساهل بمبادرة منها تعفى أمريكا من وصمة أنها الدولة الوحيدة التى استخدمت السلاح النووى، بل إن روسيا تركز على التباهى بفنونها وآدابها وإنجازاتها فى العلوم التطبيقية لصالح الإنسان، وببطولاتها فى دحر خطر النازية عدو الإنسانية..إلخ.
ثم، وعلى الأقل فى هذه المرحلة من الصراع، يَكفى روسيا أن سلاحها النووى يَردع أعداءها ويُجبرهم على إجراء حسابات معقدة قبل أى خطوة، كما أن لديها أسلحة هائلة غير نووية تُلَبِّى احتياجاتها الآنية، وكان منها هجومها المرعب الذى أطلقته الأسبوع الماضى ضد أوكرانيا لعقابها على الاعتداء على الأراضى الروسية، فقصفت مجمعاً صناعياً عسكرياً أوكرانياً بصاروخ باليستى عابر للقارات، محمل برءوس غير نووية ذات قدرات تفجير عالية، تَزيد سرعته بأكثر من 20 مرة عن سرعة الصوت، دمَّر المجمع بالكامل، وتَسبَّب فى قطع الكهرباء عن العاصمة كييف و3 مدن كبرى أخرى، وعجزت أجهزة الدفاع الجوى الأوكرانية عن رصده. وهذه مجرد عينة واحدة من الأسلحة المتطورة غير النووية تكفى لإضرار وتخويف أعداء روسيا، فلماذا تلجأ للسلاح النووى؟.
أحمد عبدالتواب – بوابة الأهرام