يقول صموئيل موين أستاذ القانون والتاريخ بجامعة ييل الأميركية إن الليبرالية محاصرة في الوقت الحالي، وإن ما ترتكز عليه رؤيتها السياسية الشاملة من التزام بالحريات الشخصية وحكم القانون يواجه مشكلة حقيقية.

ويوضح موين في مقال له بصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أن الليبراليين أعلنوا -لفترة قصيرة بعد نهاية الحرب الباردة- نهاية التاريخ، أي أن العالم وصل إلى أكمل نظام سياسي واقتصادي واجتماعي يمكن أن يتطلع إليه، لكن خلال السنوات الماضية شعرت الليبرالية أنها تواجه تحديات جدية، مع صعود الصين "الاستبدادية"، ونجاح الشعبويين اليمينيين والإحساس بالتوقف والركود.

أجواء الحرب الباردة

وتساءل موين عن السبب وراء أن الليبراليين يجدون أنفسهم في هذا الموقف مرة أخرى؛ مجيبا بأن السبب هو أنهم لم يتركوا أجواء الحرب الباردة وراءهم. ففي تلك الأجواء أعاد الليبراليون تعريف أيديولوجيتهم، التي تعود جذورها إلى عصر التنوير والثورة الفرنسية وأعادوا ذلك التعريف بشكل أسوأ.

وأوضح أن ليبرالية الحرب الباردة كان شغلها الشاغل هو ضمان استمرار الحكومات الليبرالية وفي نفس الوقت إدارة التهديدات التي قد تعطلها بدون التركيز على تحقيق مبادئها الأساسية.

وهذه -وفق موين- هي نفس انشغالات الليبراليين اليوم، لافتا إلى أن على هؤلاء -إن هم أرادوا إنقاذ أنفسهم- أن يصححوا أخطاء الحرب الباردة التي أدت بهم إلى مأزقهم الحالي ويعيدوا اكتشاف الإمكانات التحررية في عقيدتهم.

وتساءل الكاتب مرة ثانية عن إمكانية تراجع الليبراليين عن أخطائهم خلال الحرب الباردة، مثل تحالفهم مع النظام "الشيوعي الاستبدادي" في الحرب ضد النازية والفاشية، ثم وقوفهم مع الأنظمة غير الديمقراطية في مواجهة الخطر الشيوعي آنذاك.

التراجع عن الأخطاء

واستبعد الكاتب إمكانية تراجع الليبراليين عن أخطائهم، أو إمكانية اكتشاف الإمكانات التحررية لديهم بسبب خوفهم الدائم من القضاء على نظامهم.

ونسب إلى جوديث شكلار عالمة السياسة والفيلسوفة المتخصصة في عصر الحرب الباردة والأستاذة بجامعة هارفارد؛ قولها إن ليبرالية الخوف تكرس نفسها من أجل حماية نفسها، وهذا من شأنه أن ينطوي على مخاطر على الليبرالية نفسها، مضيفة أن أي شخص يرهن نفسه إلى الخوف سيكون قابلا لتضخيم تهديدات الأعداء والتصرف ضدها بشكل مبالغ فيه.


وأوضح موين أن الاهتمام بالتحرر من الاستبداد والدفاع عن النفس ضد الأعداء، خلال الحرب الباردة، أدى في بعض الأحيان ليس فقط إلى فقدان الحرية ذاتها التي كان من المفترض أن يهتم بها الليبراليون في داخل بلدانهم، بل أدى أيضا إلى ارتكابهم أعمال عنف و"إرهاب" في الخارج؛ حيث دعموا المستبدين أو ذهبوا إلى الحرب باسم محاربة الشيوعية، وقد مات الملايين في صراع عالمي وحشي، كثير منهم على يد أميركا ووكلائها الذين يقاتلون باسم "الحرية".

وبما أن تحرر الناس والمساواة بينهم من المبادئ الرئيسية لليبرالية، يقول الكاتب، بدأ بعض الليبراليين، مثل الفيلسوف الإنجليزي جون ستيوارت ميل، قبل قرنين في ابتداع الاشتراكية أيضا.

 الاهتمام بالمبادئ الأساسية

لكن الحرب الباردة، وفقا للكاتب، غيّرت كل ذلك، وأصبحت الاشتراكية مجرد كلمة بذيئة بالنسبة لليبراليين وذلك لعقود، وخلص الليبراليون إلى أن المشاعر الأيديولوجية التي قادت الملايين حول العالم إلى الشيوعية تعني أنه يجب عليهم الامتناع عن الوعد بالتحرر.

وقال موين إن التغيير الذي لحق بالليبرالية في الحرب الباردة لم يكن ليطرح مشكلة في الوقت الحالي لو أن الليبراليين انتهزوا الفرصة لإعادة التفكير في عقيدتهم عام 1989، مشيرا إلى أن ضباب انتصارهم الجيوسياسي في الحرب الباردة جعل من السهل عليهم أن يتجاهلوا أخطاءهم، رغم العواقب طويلة الأجل لذلك في عصرنا الحالي.

وبدلا من ذلك، يقول الكاتب، فاقم الليبراليون خطأهم بالانخراط في الحروب التي لا نهاية لها وبتعزيز الاقتصاد "الحر" داخل بلدانهم وحول العالم. وصُدم الليبراليون الأميركيون من رد الفعل العكسي، ليتيقنوا من أن التاريخ لم يصل إلى نهايته.

الالتزام بالمبادئ الأساسية

وقال موين إن الليبراليين لن يستطيعوا إحياء الوعود الأساسية لفلسفتهم إلا من خلال إعادة الالتزام بمبادئها الأساسية.

وشكك الكاتب في إمكانية حدوث ذلك، قائلا إن الليبراليين في أميركا حاليا يعولون على القضاء لحماية أميركا من تهديد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب أكثر من عملهم على جعل الأميركيين ينظرون بشكل إيجابي لمستقبل بلدهم.

وحتى إذا تمكن أحد المدعين العامين الكثيرين من إدانة ترامب، فإن الكاتب يرى أن ذلك لن ينقذ الليبرالية الأميركية، لأن التحدي أعمق من القضاء على العدو الحالي باسم "ديمقراطيتنا".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الحرب الباردة

إقرأ أيضاً:

«ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء».. «صباح البلد» يستعرض مقال الكاتبة إلهام أبو الفتح

استعرضت الإعلامية رشا مجدي، ببرنامج «صباح البلد» على قناة صدى البلد، مقال الكاتبة الصحفية إلهام أبو الفتح، مدير تحرير جريدة الأخبار ورئيس شبكة قنوات ومواقع «صدى البلد»، المنشور في صحيفة «الأخبار» تحت عنوان: «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء».

رئيس أفريقية النواب لـ صدى البلد: أتوقع وجود تقدم نحو دارفور لاستعادتها بعد السيطرة على الخرطوم.. وإسرائيل دربت كثيرا من قوات دول القارة ودخلت في صناعة التعدينعلى عوف لـ صدى البلد: الدولة تسعى لتوطين صناعة الأدوية بشكل كامل

وقالت إلهام أبو الفتح: بين كلب الهرم وكلب طنطا، فارق حضاري كبير ومسافة لا تُقاس بالكيلومترات، بل تُقاس بالرحمة والوعي والإنسانية. الأول، كلب شارع بسيط، تسلق في أكتوبر الماضي قمة هرم خوفو، ليصبح فجأة حديث العالم، ويلفت الأنظار بشكل غير متوقع، وتتناقله الصحف ووكالات الأنباء كرمز غريب، لكنه مُلهم، للطبيعة التي تعانق التاريخ.

أما الثاني، كلب “هاسكي” أصيل في طنطا، وُصف ظلمًا بأنه “مسعور”، وتعرّض لتعذيب وحشي، وانتهت حياته بطريقة مأساوية، بعد أن كشف لنا مدى هشاشة ثقافة الرفق بالحيوان في مجتمعاتنا. نحن بحاجة ماسة إلى إعادة إحياء هذه الثقافة، لا بوصفها رفاهية، بل كضرورة إنسانية ودينية وأخلاقية.

كل الأديان دعت إلى الرحمة بالحيوان دون استثناء. في الإسلام، دخلت امرأة النار بسبب قطة، ودخل رجل الجنة لأنه سقى كلبًا. وفي المسيحية، هناك وصايا واضحة عن المحبة والرحمة تجاه كل المخلوقات. وفي القرآن الكريم، حديث دائم عن الرحمة كصفة من صفات المؤمنين.

يقول الدكتور سامح عيد، أستاذ علم النفس الإكلينيكي بجامعة القاهرة: “من يعذب حيوانًا دون رحمة، غالبًا ما يكون لديه استعداد نفسي لإيذاء البشر. الطفل أو المراهق الذي يقتل كلبًا اليوم، قد يتحول إلى مجرم غدًا. الرحمة بالحيوان مرآة لصحة النفس الإنسانية”.

لدينا قانون متحضر جدًا في حماية الحيوان من التعذيب والتنمر، لكنه غير مفعل. لا أعلم من يقوم بتنفيذه، ولا نعلم ما هي بنوده. نحتاج إلى حملة توعية تقوم بها الجمعيات الأهلية ووسائل الإعلام.

ونحتاج أن يكون لدينا ملاجئ لتعقيم وتطعيم وإيواء الكلاب والقطط والحيوانات الأليفة، وحبذا لو قامت هذه الملاجئ على التبرعات، فأهل الخير كثيرون. في أي بلد متقدم، لا نجد كلابًا في الشوارع بلا هوية. لا توجد دولة متحضرة تترك حيواناتها الأليفة جائعة، مريضة، مشردة، ومليئة بالحشرات في الشوارع.

على منصات التواصل الاجتماعي، رأينا تعاطفًا واسعًا، وحملات تطالب بالتحقيق، ودعوات لإنشاء جمعيات، ووعيًا بدأ يتشكل في قلوب الأجيال الجديدة. الحفاظ على الحيوانات لا يحميها فقط، بل يحمي البيئة والدورة البيولوجية، ويحمي الإنسان من جفاف القلب..
ارحموا من في الأرض… يرحمكم من في السماء.


 

طباعة شارك إلهام أبو الفتح صدى البلد هرم خوفو هاسكي الإسلام

مقالات مشابهة

  • فوز الليبراليين بقيادة مارك كارني بالانتخابات التشريعية في كندا
  • الميراث الملعون.. إنقاذ سيدة ألقت بنفسها من معدية بنهر النيل في سوهاج
  • العالم يدخل مرحلة تسلح غير مسبوقة منذ نهاية الحرب الباردة
  • 2.7 تريليون دولار.. العالم يعيد تسليح نفسه بأعلى وتيرة منذ الحرب الباردة
  • 2.72 تريليون دولار.. الإنفاق العسكري العالمي نحو أعلى زيادة منذ الحرب الباردة
  • ارتفاع قياسي في الإنفاق العسكري العالمي خلال عام 2024.. الأكبر منذ الحرب الباردة
  • ارتفاع قياسي بالإنفاق العسكري العالمي خلال عام 2024.. الأكبر منذ الحرب الباردة
  • الإنفاق العسكري العالمي يسجل أعلى مستوى له منذ نهاية الحرب الباردة: هل نحن على حافة سباق تسلح جديد؟
  • السودان.. الحرب المنسية وخطر الغياب الدولي
  • «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء».. «صباح البلد» يستعرض مقال الكاتبة إلهام أبو الفتح