بنتاغون الهزيمة العسكرية-السياسية لميليشيا الدعم السريع
تاريخ النشر: 29th, August 2023 GMT
البنتاغون أو الشكل الهندسي الخماسي يمكن أن يكون إطاراً جيداً لفهم الفشل المركب لميليشيا الدعم السريع في حرب السودان، حيث يمكن وضع فشلهم في ٥ أضلع متصلة تمثل الفشل المُستدام في تحقيق أيٍ من أهدافهم العسكرية أو السياسية.
١- الفشل العسكري في ١٥ أبريل
حيث تمثل فشل الميليشيا العسكري الأعظم في يوم ١٥ أبريل حيث فشلوا في إستلام سلطة البلاد وقتل أو إعتقال القائد العام للقوات المسلحة ورئيس مجلس السيادة وإعلان دولتهم، وهذا الفشل يُعد الأعظم لأنه كان تحركاً خاطفاً بكل ثقل الميليشيا العسكري والسياسي الذي بنته على مدار ٤ سنين.
٢- الفشل السياسي في الحفاظ على أو تحسين صورتهم داخلياً وخارجياً
حيث أن هذه الميليشيا بطبيعتها الشيطانية المُطلقة انتشرت في مناطق عديدة لتعيث فيها فساداً لم يُرى مثله في التاريخ الحديث، مما محى كل مجهودات تلميع صورتهم على مدار ال٤ سنين الماضية وجعل الجميع يعترف بشرهم المُطلق حتى المُنكرون علناً لا يطأون أراضي انتشار الدعم السريع لعلمهم بأن انتهاكات هذه الميليشيا ستطولهم بلا شك، كما أن بشاعة جرائمهم افشلت كل محاولات حلفائهم في إخفاءها أو تلفيقها لقوات الجيش، كان آخرها محاولة تلفيق أن كل المقذوفات التي تسقط على المدنيين هي تتبع للجيش حتى جاءت حملة #الدعم_السريع_يقصف_بيوتنا فاوضحت مدى خبث هذه الميليشيا في قتل المدنيين لمجرد الكسب الإعلامي لا غير.
٣- الفشل في إستخدام المجتمع الدولي والإقليمي لكسب المعركة
حيث كانت تعول الميليشيا على علاقاتها الخارجية وعلى إمكانية الوصول العالية للمجتمع الدولي لحليفها السياسي في إستجلاب موقف داعم من المجتمع الدولي والإقليمي وكانت آخر هذه المحاولات الفاشلة منبر الإيقاد الذي سعى لحظر سلاح الطيران والمدفعية الثقيلة -أسلحة التفوق النوعي للجيش دوناً عن الدعم السريع- كما حاولوا إستجلاب الإيساف بصورة مُلحّة للتدخل ضد الجيش، ولكن فشلوا في ذلك أيضاً وأضحى حليفهم كرتاً محروقاً للعامة.
٤- الفشل العسكري في تحقيق إنتصارات عسكرية تُرغم الجيش على تفاوض توازن الضعف
حيث أن الميليشيا سعت عسكرياً لإسقاط دفاعات الجيش المهمة بدون هوادة غير مكترثة للخسائر في سبيل تحقيق إنتصار عسكري يرغم الجيش على الدخول في تفاوض من منطلق قوة للميليشيا أو لتحقيق توازن ضعف، وكان آخر تجليات هذا الفشل إنتصار الجيش في معركة مدرعات الشجرة الكبرى قبل بضعة أيام، وهي معركة راهن فيها الدعم السريع بكل ما يملك عسكريا وسياسياً وخسر كل هذا: فاضحى انتشارهم الدفاعي (الدفاع بنشر الارتكازات) مهزلة من الانهيار حيث تمكن قائد الجيش من الخروج من القيادة “المحاصرة”، وتمكن الفريق أول ياسر العطاء من التجول من المهندسين إلى السلاح الطبي وعودة، وتمكن مصابو معركة المدرعات من تلقي العلاج في السلاح الطبي مما يُعد دليلاً واضحاً لإنهاك وضعية الدفاع بالانتشار التي ستنهار عاجلاً أم آجلاً بإذن الله، كما أن الميليشيا بهجومها على سلاح المدرعات فقدت الإتفاق الذي كان يُبرم في ما قبل هجومهم واضحوا الآن يتمنون اتفاقاً ولو بتقديم تنازلات ضخمة.
٥- الفشل في إمتلاك أي سلطة أمر واقع
فبرغم إنتشار الميليشيا على مساحة ٨٠% من ولاية الخرطوم وسيطرتهم على القصر والإذاعة والعديد من المرافق السيادية والاستراتيجية في الخرطوم إلا أنهم فشلوا تماماً في إعادة تشغيل الدولة لصالحهم، فالإنتشار واكتساب الأرض والمواقع بدون تدمير دفاعات ومعسكرات العدو يجعل المساحات المُكتسبة غير مفيدة خصوصاً مع مواصلة الدولة القيام بأعمالها خارج الخرطوم وبداية استعادة دولاب العمل، وأكثر ما يوضح أن الدولة المتمثلة في قيادة الجيش لها سلطة الأمر الواقع هو ردود الفعل على خروج البرهان، فحتى الميليشيا وحلفاؤها وكثير من الفاعلين السياسيين هرعوا لمحاولة تصوير خروج البرهان لصالحهم أو تهافتوا بالطلبات عليه في ضمهم إلى المشهد السياسي القادم واختفت فجأة خطابات القبض والتهديد بالقتل لذلك “المحاصر في البدرون” واضحى سيد المشهد وصاحب القرار فيما سيحدث في المستقبل.
أضحى الدعم السريع حبيساً في هذا السجن ذو الأضلاع الخمسة المنيعة، محاصراً لا يعرف مع أي معضلة يتعامل أولاً فكسر هذا البنتاغون عملية شبه مستحيلة في هذه اللحظة.
هذا الفشل المركب المُستدام يعكس نموذجاً مثالياً لمحاولة إقتلاع الدولة بالسلاح برغم أنف الشعب، وأتمنى أن يكون الدعم السريع درساً لكل من يرغب في أن يتمرد على الدولة مستقبلاً ليعلم الجميع أن لا حل إلا بالجلوس تحت مظلة الدولة وأن أي مساعٍ للإصلاح لن تتم إلا من داخل أفق الدولة.
نصر الله قوات شعبنا المسلحة.
#الدولة_باقية
#حرب_السودان
أحمد الخليفة
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
تحليل الوضع الراهن في السودان وتحديات مستقبل الدعم السريع
يوسف عزت مستشار حميدتي السابق..
????
*تحليل الوضع الراهن في السودان وتحديات مستقبل الدعم السريع*
*إعداد: يوسف عزت*
⸻
*مقدمة:*
يواجه السودان مرحلة دقيقة من تاريخه الحديث، حيث تعكس المواجهة المسلحة بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني صراعًا أكثر تعقيدًا من كونه نزاعًا عسكريًا. فعلى الرغم من النجاحات الميدانية التي حققتها قوات الدعم السريع في بداية النزاع، إلا أنها تعاني حاليًا من تراجع ملحوظ على الأصعدة السياسية والاجتماعية والعسكرية.
يهدف هذا التحليل إلى دراسة الأسباب الجوهرية لهذا التراجع، مع التركيز على العوامل البنيوية، والسياسية، والقيادية. كما يسعى للإجابة على السؤال المركزي:
هل تمتلك قيادة الدعم السريع استراتيجية واضحة لحماية المجتمعات وضمان بقائها وسط هذا التصعيد؟
*أولاً: غياب الانضباط والانفلات الأمني*
تعدّ السيطرة على الأمن والنظام أحد العناصر الأساسية للحفاظ على الشرعية والقبول الشعبي. غير أن الواقع في مناطق نفوذ قوات الدعم السريع يُظهر اختلالًا أمنيًا خطيرًا انعكس في انتشار أعمال النهب، وانتهاكات حقوق المدنيين. ويمكن تحليل آثار هذا الانفلات من خلال بعدين أساسيين:
1. فقدان التأييد الشعبي:
• أسهمت الانتهاكات الميدانية في تقويض الثقة الشعبية بقوات الدعم السريع، خاصةً في المناطق الحضرية التي كانت أكثر تضررًا من عمليات النهب والاعتداءات.
• انعكست هذه الانتهاكات على صورة القيادة باعتبارها غير قادرة على السيطرة على عناصرها، مما أدى إلى عزلة متزايدة في الأوساط المجتمعية.
2. تعزيز الفوضى وانعدام السيطرة:
• أدى غياب المحاسبة الداخلية إلى بروز مجموعات منفلتة تعمل خارج السيطرة المباشرة للقيادة، مما كرّس بيئة من الفوضى وصعوبة استعادة النظام.
*الخلاصة:*
أضعف الانفلات الأمني قدرة الدعم السريع على تقديم نفسه كفاعل منظم ومشروع، وخلق حالة من الاستقطاب السلبي ضده داخل المجتمعات المحلية.
⸻
*ثانياً: تراجع الرؤية السياسية وانعدام المصداقية*
بدأت قوات الدعم السريع مسارها السياسي بعد اندلاع الحرب عبر طرح رؤية الحل الشامل دات النقاط العشر، والتي لاقت قبولًا داخليًا وخارجيًا باعتبارها محاولة لصياغة مشروع سياسي مدني. إلا أن هذا الزخم تلاشى بسبب تضارب الخطاب السياسي مع الواقع الميداني.
1. التناقض في الخطاب السياسي:
• اعتمدت القيادة خطابًا يركز على مواجهة الإسلاميين (“الكيزان”)، مما أكسبها دعمًا مؤقتًا من القوى المدنية المناهضة للنظام السابق.
• غير أن وجود عناصر محسوبة على الإسلاميين داخل صفوف الدعم السريع قوّض مصداقية هذا الخطاب، وكشف عن تناقض جوهري بين الشعارات والممارسات.
2. تأثير الحرب على الأولويات السياسية:
• فرضت الحرب أولويات جديدة على قيادة الدعم السريع، حيث أصبح الحشد القبلي والاجتماعي أولوية تفوق الالتزام بالمشروع المدني، مما أدى إلى تراجع الرؤية السياسية إلى مجرد أداة تكتيكية.
*الخلاصة:*
غياب خطاب سياسي متماسك يعكس رؤية مستقبلية واضحة أدى إلى فقدان الدعم الشعبي والانكشاف أمام المجتمع الدولي كفاعل غير قادر على الالتزام بمبادئ التحول المدني.
⸻
*ثالثاً: ضعف القيادة وتعدد مراكز القرار*
تعاني قوات الدعم السريع من أزمة قيادية بنيوية تتجلى في غياب مركز موحد لاتخاذ القرارات الاستراتيجية. وتظهر هذه الإشكالية في النقاط التالية:
1. تعدد دوائر صنع القرار:
• يشكل التداخل بين القائد الأول (محمد حمدان دقلو – حميدتي) ونائبه (عبد الرحيم دقلو) مصدرًا لتضارب القرارات وتباطؤ الاستجابة للأحداث.
• تسهم تأثيرات المحيطين بالقيادة من أفراد الأسرة والمقربين في خلق ديناميكيات معقدة تُعيق اتخاذ قرارات حاسمة.
2. غياب التخطيط طويل الأمد:
• تفتقر القيادة إلى رؤية استراتيجية بعيدة المدى، حيث يعتمد اتخاذ القرارات على ردود الفعل الآنية دون تحليل معمق للعواقب المستقبلية.
*الخلاصة:*
انعكس غياب القيادة المركزية الموحدة على كفاءة إدارة الحرب، وتسبب في قرارات متضاربة، مما أضعف الموقف السياسي والعسكري للدعم السريع.
⸻
*رابعاً: أزمة التحالفات السياسية والعسكرية*
تورطت قيادة الدعم السريع في تحالفات متباينة مع قوى سياسية وعسكرية، خلال السنوات الماضية آخرها تبني مشروع “السودان الجديد”. لكن هذه التحالفات تعاني من تناقضات بنيوية واضحة:
1. التناقض مع التركيبة الاسرية والاجتماعية للدعم السريع:
• يتطلب مشروع السودان الجديد إعادة هيكلة الدعم السريع كمؤسسة قومية ديمقراطية، في حين أن بنيته القائمة تعتمد على قيادة الأسرة والولاءات القبلية.
2. الطابع التكتيكي للتحالفات:
• تتعامل قيادة الدعم السريع مع التحالفات كأدوات مرحلية فرضتها ظروف الحرب، دون التزام فكري أو سياسي حقيقي بالمبادئ التي تقوم عليها هذه التحالفات.
*الخلاصة:*
غياب رؤية استراتيجية للتحالفات والثبات عليها جعل الدعم السريع يبدو كفاعل انتهازي، مما يهدد استمرارية هذه التحالفات ويؤدي إلى عزلة سياسية متزايدة.
*خامساً: الصدام مع الدولة المركزية وتأثيره على الاصطفاف القبلي*
أدى الصدام المباشر بين قوات الدعم السريع والدولة المركزية إلى إعادة تشكيل الاصطفافات القبلية في السودان بصورة غير مسبوقة فللمرة الأولى في تاريخ السودان الحديث، أصبحت المجتمعات العربية منقسمة بين دعم الجيش أو الدعم السريع، مما أدى إلى حالة استقطاب حاد والدخول في حرب اهلية مباشرة.
• دفع هذا الاستقطاب المجتمعات إلى تسليح نفسها بشكل مستقل، مما حول الحرب لحرب أهلية واسعة النطاق ذات قوى متعددة.
*الخلاصة:*
ساهم الصدام مع الدولة المركزية في تفكيك التحالفات القبلية التقليدية وأدى إلى تعميق الانقسامات المجتمعية واعاد المكونات العربية في غرب السودان إلى محيطها التقليدي والتحالف مع قوى الهامش التي كانت تستخدم هذه المجتمعات لقمعها ،كأداة لسلطة المركز .
يمكن تطوير هذا التحول لحل صراع المركز والهامش بتبني مشروع دولة خدمية بدلا من التعريف التقليدي للصراع بأن المركز هو عروبي إسلامي والهامش إفريقي زنجي وهو تعريف غير صحيح كرست له سلطة الحركة الإسلامية وعمقتها وتبنتها كسياسات حتى الان ، وكنتيجة لذلك انفجر الصراع بهذه الصورة التي نشهدها الان ، ولكن يمكن وفق المعادلات الراهنة الوصول لحلول لصالح جميع السودانيين من خلال التفكير الواقعي والاعتراف بالأزمة وحلها حلا جذريا وذلك يحتاج لعقول تنظر إلى ابعد من مصالحها.
*الإجابة على السؤال الجوهري:*
هل تمتلك قيادة الدعم السريع استراتيجية واضحة لحماية المجتمعات التي تقع في مناطق سيطرتها وضمان بقائها؟
بناءً على التحليل السابق، لا تمتلك قيادة الدعم السريع استراتيجية متكاملة لتحقيق هذا الهدف، وذلك للأسباب التالية:
1. الارتجالية بدل التخطيط الاستراتيجي.
2. التناقض في الخطاب السياسي والممارسات.
3. غياب قيادة موحدة لاتخاذ القرارات.
4. الاعتماد على تحالفات ظرفية غير مستدامة.
5-عدم القدرة هلى التخلص من ارث الماضي والتكيف مع التحولات التي تستدعي اعادة تشكيل القيادة وصياغة مشروع وطني يمثل مصالح قطاعات واسعة تتبناه وتشارك في تنفيذه.
*توصيات*
1. إعادة هيكلة القيادة: إنشاء مركز موحد لاتخاذ القرارات الاستراتيجية.
2. ضبط الأمن: فرض انضباط صارم على القوات ومحاسبة المتجاوزين.
3. صياغة رؤية سياسية متماسكة: تطوير مشروع وطني يعكس المصالح الحقيقية لجميع الفئات.
4. تعزيز المشاركة المجتمعية: إشراك الكفاءات المحلية في صنع القرار.
5. تبني استراتيجية طويلة الأمد: التركيز على حلول مستدامة تربط بين الأمن والسياسة والتنمية.
*خاتمة*
يتضح أن قيادة الدعم السريع تواجه تحديات بنيوية تهدد بقاءها كفاعل سياسي وعسكري مؤثر. إن غياب التفكير الاستراتيجي والارتباك في الخطاب والممارسة يجعل مستقبلها مرهوناً بقدرتها على إصلاح هذه الاختلالات واعتماد رؤية متماسكة ومستدامة.