“رؤية الدعم السريع”.. هل فكرة “السودان الفيدرالي” واقعية؟
تاريخ النشر: 29th, August 2023 GMT
بعد أربعة أشهر ونصف تقريبا من اندلاع الحرب في السودان، قدم قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو “رؤيته للحل الشامل” للصراع، معتبرا أن النظام الفدرالي هو الأمثل لحكم البلاد.
وقال دقلو المعرف بـ”حميدتي” إن قواته شبه العسكرية منفتحة على وقف طويل الأمد لإطلاق النار مع الجيش، وعرض رؤيته “لتأسيس الدولة السودانية الجديدة”، في مبادرة أثارت جدلا بشأن إمكانية إحياء الجهود الرامية إلى إجراء محادثات مباشرة بين طرفي النزاع المسلح.
ويتبادل الجيش والدعم السريع الاتهامات بالمسؤولية عن إشعال شرارة الحرب في 15 أبريل الماضي، بعد توتر استمر أسابيع بشأن دمج قوات الدعم السريع في الجيش ضمن إطار خطة للانتقال إلى الديمقراطية.
ومن ضمن المبادئ التي ذكرها قائد قوات الدعم السريع أن “المواطنين في أطراف السودان يملكون سلطات أصيلة لإدارة شؤونهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، وينبغي أن يتفقوا عبر ممثلي إقاليمهم على السلطات التي تمارسها للقيام بما تعجز عن القيام به أقاليم السودان منفردة. وتتعزز تلك السلطات الأصيلة لدى المجتمعات المحلية، التي تتقاسم معها الحكومة القومية بالعدل السلطات والموارد”.
وأضافت أنه “بسبب التعدد والتنوع الباهر في السودان، فإن النظام الفدرالي غير التماثلي (أو غير المتجانس)، الذي تتفاوت فيه طبيعة ونوع السلطات التي تتمتع بها الوحدات المكونة للاتحاد الفدرالي، هو الأنسب لحكم السودان”.
ويرى رئيس مكتب الشؤون الخارجية بالمكتب الاستشاري لقائد قوات الدعم السريع، إبراهيم مخير، في حديثه مع راديو “سوا سودان” أن المؤسسات السودانية المختلفة منذ الاستقلال في عام 1965 تعاني من مشاكل مختلفة أدت إلى الوصول بأكبر بلد في أفريقا منقسما، حيث أصبح دولتين، وانهيار اقتصادي، ومعاناة من فتن قبلية وانهيار النسيج الاجتماعي وأخيرا الحرب، ولذلك فإن هذا الطرح يقدم رؤية واضحة للخروج من هذا المأزق”.
في المقابل، يعتبر المحلل السياسي السوداني، عمار عوض، أن خطاب حميدتي هو تجميع لكيليشيهات موجودة سابقا في كل أدبيات الحركات المسلحة أو تنظيمات سياسية من اليسار واليمين.
ويرى القيادي في التيار الوطني، المعارض للحرب الدائرة، نور الدين صلاح، في حديثه مع موقع “الحرة” أن ما عرضه حميدتي “ليس مطلبا جديدا في المشهد السياسي السوداني، بل إن الكل متوافق على هذا الأمر خاصة وأن السودان بلد ذو مساحة كبيرة وبها تنوع ثقافي وديني كبير للغاية، وبالتالي فإن الأفضل الحديث عن نظام حكم يتبنى اللا مركزية ويعطي سلطات أوسع لمستويات الحكم المدني وتكون هناك ترتيبات واضحة وعادلة في ما يلي قضايا السلطة واقتسام الثروة”.
وأضاف أن هذه القضية يجمع عليها كل السودانيين، معتبرا أن طرح الميليشيا السريع لها هي “محاولة للتموضع في خانة الفاعل السياسي وإعطاء الحرب التي يقوم بشنها مشروعية سياسية”.
ووفق بحث نشره مركز دراسات الوحدة العربية في ديسمبر 2021، فإن التجربة الفدرالية في السودان منذ تطبيقها عام 1994 لازمها عدد من المشكلات، الأمر الذي أدى إلى عجز الولايات (الأقاليم) عن القيام بدورها وفق اختصاصاتها وواجباتها، وبخاصة في مجال تقديم الخدمات الأساسية تجاه مواطنيها.
وأكد البحث أنه “كان للحكومة المركزية دور في هذا التقصير من جانب الولايات بسبب السياسات غير الراشدة، بل حدث تدهور كبير في بعض الولايات، كولايتي غرب كردفان والنيل الأبيض، حيث انعدم فيها أبسط مقومات التنمية”.
“ظل النظام الفدرالي مستمرا، استنادا إلى دستور 1998، بولاياته الـ26، إلى أن جاء عام 2005 حيث ذوبت ولاية غرب كردفان في ولايتي شمال وجنوب كردفان، وأصبحت ولايات السودان 25 ولاية، وصار النظام ينحو إلى اللامركزية شكـلا وليس تطبيقا”، بحسب المركز.
ومنذ 2005، يعتمد السودان على نظام اللامركزية شكلا، بحسب صلاح، مشيرا إلى أنه “لا توجد فروقات كبيرة من حيث المفهوم مع الفدرالية”
وقال لموقع “الحرة”: “ربما توجد اختلافات طفيفة في ما يخص كيفية توزيع أو تقاسم السلطات ما بين مستويات السلطة المركزية والمحلية وما يتبع هذا الأمر من اختصاصات أو قضايا أخرى متعلقة بالفيدرالية المالية وإدارة موارد طبيعية”.
وأضاف أن “الوثيقة الدستورية التي توافقنا عليها في بداية المرحلة الانتقالية في أغسطس 2019 نصت بشكل واضح على أن السودان يجب أن يحكم لا مركزيا”.
وتابع أن “دستور 2005 على مستوى النصوص كان جيدا خصوصا أنه جاء بعد عملية تفاوض شاقة بين النظام وحركة تحرير السودان، لكن هذه النصوص سقطت في امتحان التنفيذ”.
لكن صلاح يرفض أن يأتي هذا الإصلاح من جانب قوات الدعم السريع.
وقال إن “الدعم السريع كما هو معرف في الوثيقة الدستورية التي تم الانقلاب عليها في الخامس والعشرين من أكتوبر 2021 وكذلك مشروع الدستور الانتقالي الذي أسس للاتفاق الإطاري الموقع في الخامس من ديسمبر 2022، يتحدث عن أنها قوة عسكرية، واستنادا إلى هذا، فأنا لا أعتقد أن من واجبات أي قوى عسكرية أن تقوم بطرح أي رؤى أو مشاريع سياسية”.
واعتبر صلاح أن من أهم مشاكل السودان هو تدخل المؤسسة العسكرية في شؤون الحكم، “الثورة على نظام البشير ظلت تطالب بخروج المؤسسة العسكرية كلها من أي عملية سياسية وأن تتفرغ لمهامها المتعارف عليها في أي دولة طبيعية في العالم وهي الدفاع عن البلاد وحماية الدستور، وعليه، بغض النظر عن موقفنا من الحرب الحالية، فإننا لا نتوقع ولا يجب أن يكون هناك ثمة دور سياسي يمكن أن تلعبه ميليشيات الدعم السريع”.
وأكد أنه إن كان هناك ثمة عملية سياسية مستقبلية فإن “دور الأطراف العسكرية فيها تنحصر في المساءل المتعلقة بوقف إطلاق النار وآليات مراقبة هذا الوقف والترتيبات الفنية المفضية إلى وجود جيش وطني واحد أما في المسائل التي تخص قضايا الحكم والرئاسة وغيرها فهذه قضايا تطرح على طاولة القوى السياسية المدنية لكي تصل إلى توافق بشأنها”.
ويقول عمار: “صحيح أن الناس تريد أن تعرف كيف يفكر الدعم السريع، لكن الغريب أن حميدتي موجود في الحياة السياسية منذ قرابة الـ13 عاما، لماذا لم يتذكر سابقا كل هذه القضايا ولم يذكر أبدا مسألة عنف الدولة أو العنف البنيوي وهو نفسه كان يقاتل إلى جانب الجيش ضد من كانوا في المعارضة”، مشيرا إلى أنه عندما اندلعت الحرب لم يكن هذا الطرح موجودا”.
وجاء بيان قوات الدعم السريع مع دخول قتالها مع الجيش أسبوعه العشرين دون إعلان أي طرف النصر بينما أُجبر ملايين السودانيين على ترك منازلهم في العاصمة ومدن أخرى.
كما جاء بعد وصول قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، الأحد إلى بورتسودان في أول جولة له خارج العاصمة منذ اندلاع القتال. وتقول مصادر حكومية إنه سيتوجه إلى السعودية ومصر لإجراء محادثات.
والاثنين، بدد البرهان الآمال في إجراء محادثات لإنهاء الصراع المستمر منذ شهور في بلاده، وندد بقوات الدعم السريع شبه العسكرية واصفا عناصرها بأنهم “خونة”، وتعهد بتحقيق النصر الحاسم.
وألقى البرهان خطابا أمام الجنود في قاعدة فلامنجو في بورتسودان على البحر الأحمر قائلا “نحن لا بنتفق مع خونة، لا بنتفق مع أي جهة خانت الشعب السوداني”.
وتحوّلت قوات الدعم السريع التي أنشئت عام 2013، الى قوة رديفة للجيش تضمّ آلاف العناصر الساعين حاليا إلى السيطرة على السلطة.
ومنذ الثورة التي أطاحت بعمر البشير في 2019، يعمل على تحسين صورته وكسب حلفاء جدد.
خلال الثورة، وُجهت اتهامات الى قوات التدخل السريع بتفريق اعتصام سلمي مطالب بالديموقراطية بالقوة في الخرطوم، ما أسفر عن سقوط عشرات القتلى، وفق أرقام رسمية.
في 25 أكتوبر 2021، دعم حميدتي، البرهان في انقلابه الذي أطاح بالمدنيين من السلطة.
لكن مع مرور الوقت، بدأ ينتقد الجيش واصفا البرهان بـ”المجرم” الذي “دمّر البلاد” و”يتشبّث بالسلطة”. وبات حميدتي يقدّم نفسه مدافعا عن الدولة المدنية وخصما لدودا للإسلام السياسي الداعم إجمالا للبرهان. وانضمّ إلى المدنيين في إدانة الجيش، مشيرا إلى أنه يدافع عن “مكتسبات ثورة” عام 2019.
ويحمل كل طرف من أطراف النزاع الآخر مسؤولية بدء الصراع الذي اندلع وسط مساعي دمج قواتهما في قوة واحدة ضمن ما وصف بمسار التحول الديمقراطي.
يصف موقع “State Policy Network” الفيدرالية بأنها نظام حكم تتقاسم بموجبه الحكومة الوطنية وحكومة الولاية أو الإقليم صلاحيات الحكم.
في الأنظمة الفيدرالية يجب أن هناك مستويين، على الأقل، من الحكومة. في أميركا، مثلا، هناك حكومة فيدرالية تتكون من السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية (مقرها في اشنطن العاصمة)، وهناك حكومات الولايات الخمسين، ولكل منها صلاحياتها وسيادتها.
الحرة
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع إلى أن
إقرأ أيضاً:
سيناتور أمريكية تدعو لمعاقبة الإمارات بسبب مساندتها الدعم السريع في السودان
دعت السيناتور في الكونغرس الأمريكي، سارة جاكوب، إلى حظر الأسلحة عن الإمارات العربية المتحدة بسبب دعمها قوات الدعم السريع في السودان، وذلك على وقع تقارير تفيد بقيام هذه الأخيرة بتسميم طعام مئات السودانيين في ولاية الجزيرة.
وقالت جاكوب، الأربعاء، إن "التقارير التي تفيد بأن قوات الدعم السريع تسممت الطعام في السودان، حيث يعاني الملايين من الناس من المجاعة، مخزية".
Reports that the RSF poisoned food in Sudan – where millions of people are experiencing famine – are shameful. The RSF and its external supporters – namely, the UAE – must be held accountable. That’s why the U.S. should cut off weapons to the UAE until they stop arming the RSF. — Congresswoman Sara Jacobs (@RepSaraJacobs) November 13, 2024
وأضافت في تدوينة عبر حسابها الرسمي على منصة "إكس" (تويتر سابقا)، "لابد من محاسبة قوات الدعم السريع وداعميها الخارجيين، وخاصة الإمارات العربية المتحدة".
وشددت السيناتور الأمريكية على ضرورة قيام "الولايات المتحدة بقطع الأسلحة عن الإمارات حتى تتوقف عن تسليح قوات الدعم السريع".
ويتهم السودان دولة الإمارات بتقديم الدعم لقوات الدعم السريع التي تخوض صراعا ضد الجيش للعام الثاني على التوالي، الأمر الذي أدى إلى تدهور الأوضاع الإنسانية وانتشار المجاعة.
وعبر تصريح لـ"عربي21" قبل أيام، اتهم السفير السوداني بتونس، أحمد عبد الواحد، دولة الإمارات بـ"دعم الدعم السريع التي تسببت في نزوح ولجوء ملايين المواطنين السودانيين"، مشيرا إلى أن "السودان لم يكن في أي يوم من الأيام عدوا لهذه الدولة".
وتحدثت تقارير صحفية عديدة عن دور الإمارات في دعم قوات الدعم السريع في الصراع المتواصل بالسودان، بما في ذلك تقرير سابق لصحيفة "الغارديان" البريطانية، قالت فيه إنها حصلت على معلومات حصرية تؤكد مشاركة الدولة الخليجية في الحرب بالسودان إلى جانب قوات "الدعم السريع".
ويأتي حديث السيناتور في الكونغرس الأمريكي على وقع استمرار قوات الدعم السريع في حصارها لمدينة الهلالية بولاية الجزيرة وسط السودان ما أدى إلى مقتل المئات/ منذ 20 تشرين الأول /أكتوبر الماضي.
والأسبوع الماضي، قال "نداء الوسط"، وهو كيان مدني سوداني يضم مجموعة ناشطين، بأنه "بعد 19 يوم من حصار قوات الدعم السريع للمواطنين في مدينة الهلالية بلغ عدد الشهداء 450 بينهم أطفال".
واتهمت العديد من الجهات، قوات الدعم السريع اتهم بتسميم الطعام الذي أدخلته إلى المدينة المحاصرة.
وكان المبعوث الأمريكي الخاص للسودان توم بيرييلو، قال إن "التقارير التي تفيد بأن جنود الدعم السريع قاموا بتسميم مئات السودانيين في مدينة الهلالية صدمت الضمير".
وأضاف في تدوينة عبر حسابه على منصة "إكس" ، أن "تسميم الطعام في بلد بعاني بالفعل من المجاعة هو عمل شنيع، وإذا تأكد ذلك يجب على قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو ’حميدتي’ الإجابة على هذا السؤال".
ومنذ نيسان/ أبريل 2023، تدور معارك عنيفة بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، ما خلف أكثر من 20 ألف قتيل وأكثر من 10 ملايين نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة.
وفي شهر أيلول /سبتمبر الماضي، خلص الخبراء المكلفون من قبل مجلس حقوق الإنسان في تقرير، إلى أن المتحاربين "ارتكبوا سلسلة مروعة من انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم دولية، يمكن وصف الكثير منها بأنها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية".
وأوصت بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في السودان، بحظر الأسلحة وإرسال قوة لحفظ السلام من أجل حماية المدنيين، مشيرة إلى أن "الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية، مسؤولان عن هجمات على مدنيين، ونفذا عمليات تعذيب واعتقال قسري".