خبير آثار يطالب بتغير اسم المتحف البريطاني إلى "متحف الحضارات الإنسانية"
تاريخ النشر: 29th, August 2023 GMT
أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار أن إطلاق اسم المتحف البريطانى تسمية غير صحيحة؛ لأنها تعبر عن صفة مكانية ولا تعبر عن المحتوى فهو متحف بريطاني بدون أثر بريطاني، والقطع المعروضة به تنتمي للحضارات الإنسانية المختلفة جمعت معظمها بطرق ملتوية وساعد الاستعمار البريطانى للعديد من الدول على ذلك، وبالتالى فإن معظم القطع بالمتحف خرجت من بلادها بمبدأ الأقوى والمنتصر وأشهرها حجر رشيد.
وطالب الدكتور ريحان بتغيير اسم المتحف إلى "متحف الحضارات الإنسانية" حتى تكون هناك مصداقية ويفتح الباب للدول المحتلفة لاستعادة آثارها التى خرجت بشكل غير شرعى وبمبدأ "الأقوى يمتلك كل شىء".
ويضيف الدكتور ريحان لـ"البوابة نيوز" أن المتحف البريطاني يمتلك 13 مليون قطعة من 7 قارات جمعها خلال 300 عام منذ إقرار قانون إنشاء المتحف عام 1753 وحتى الآن، والذى حصل عليها من عمليات التنقيب والشراء والتبرعات والهدايا من الأفراد والمؤسسات وقد ساعد على ذلك استعمار بريطانيا للعديد من الدول وتطبيق مبدأ الأقوى يمتلك بصرف النظر عمّا ثمثله ممتلكات تلك الشعوب من ذاكرة حضارية لتاريخ وحضارة أوطانهم، هذا بخلاف 70 مليون قطعة ترجع للتاريخ الطبيعي نقلت لتوضع في متحف التاريخ الطبيعي، و150 مليون كتاب ومخطوط، نقلت أيضا إلى المكتبة البريطانية.
ونوه الدكتور ريحان إلى المثل الأكبر فى نهب بريطانيا لآثار مصر ومنها حجر رشيد بفرض مبدأ القوة للاستيلاء على هذه الآثار نتاج التحالف بين فرنسا وبريطانيا والدولة العثمانية باعتبار مصر إحدى ولاياتها فى ذلك الوقت، وإن كان قد خرج شكليًا بمعاهدة دولية ولكن سيطرة المنتصر وهى بريطانيا فى ذلك الوقت خولت لنفسها ما لا تستحق من نهب الآثار المصرية، فمع مغادرة نابليون بونابرت مصر أصبحت قوات الحملة الفرنسية تحت ضربات العثمانيين والإنجليز، وفى مارس 1801 نزلت القوات الإنجليزية في خليج أبى قير فأخذ الجنرال مينو قواته إلى شمال مصر، وأخذ معه كل الآثار التي حصل عليها علماء الحملة الفرنسية، ولكنه هزم في معركة أبى قير البحرية وتقهقرت القوات الفرنسية إلى الإسكندرية حاملين معهم الآثار المصرية، وعقب ذلك تم نقل الحجر إلى الإسكندرية ووضع في مخزن باعتباره من ممتلكات القائد الفرنسى مينو وحوصرت القوات الفرنسية في الإسكندرية وأعلن مينو الهزيمة في 30 أغسطس 1801 وتم توقيع معاهدة الاستسلام وبموجب المادة 16 من الاتفاقية تم تسليم الآثار التي في حوزة الفرنسيين إلى الجانب البريطانى.
وأوضح الدكتور ريحان أن كارثة سرقة المتحف البريطانى كشفت عن عدة أمور كان يخفيها المتحف ومنها أن المتحف لا يعرض كل الآثار الذى حصل عليها من الدول ويضع معظمها فى المخازن حتى يخفيها عن شعوبها الأصلية لو رغبت فى حصرها، وهى الآثار التى تم سرقتها، أى يتعامل مع حضارات الشعوب باستهانة وهو بذلك غير أمين على التراث الإنسانى ويحق لكل الدولة استرداد آثارها فهى الأولى بها وأشار إلى ضرورة تعديل التشريعات المحلية والاتفاقيات الدولية لضمان حقوق ملكية فكرية مادية ومعنوية للآثار، ففى قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته يجب تعديل المادة 8 ونصها "تعتبر جميع الآثار من الأموال العامة - عدا الأملاك الخاصة والأوقاف - حتى لو وجدت خارج جمهورية مصر العربية وكان خروجها بطرق غير مشروعة ولا يجوز تملكها أو حيازتها أو التصرف فيها إلا وفقا للأوضاع والإجراءات الواردة بالقانون ولائحته التنفيذية والقرارات المنفذة له و تنظم اللائحة التنفيذية لهذا القانون جميع إجراءات استرداد الآثار التى خرجت من مصر بطرق غير مشروعة والدعاوى التى تقام بشأنها". والتعديل المطلوب بدلًا من " وكان خروجها بطرق غير مشروعة " تعدل كالآتى " بصرف النظر عن طريقة خروجها " لأن بعض الآثار خرجت باتفاقيات دولية سليمة مما يعطى لها شرعية دولية مثل حجر رشيد أهم آثار المتحف، والحقيقة أنه خرج بمبدأ الأقوى يمتلك، وبهذا تكون كل الآثار المصرية خارج مصر من الأموال العامة المصرية وينطبق عليها ما ينطبق على الآثار المصرية، ولحين استرجاعها وجب دفع مبالغ نظير عرضها بالمتاحف المختلفة أو استغلالها بأى شكل وبذلك نضمن لها حقوق ملكية فكرية بالقانون المحلي.
ويوضح الدكتور ريحان أن إيطاليا استعادت مائة قطعة أثرية من متحف بول جيتى الأمريكى والمتاحف الأمريكية بالقانون المحلى بوضع مادة فى القانون الإيطالى تتيح لهم مقاضاة مديرى المتاحف المتواجدة بها آثارًا إيطالية، وقد حدث أن حكم القضاء الإيطالى بالسجن ثلاثة أشهر على مديرة متحف بول جيتى لوجود قطعة أثرية ترجع إلى العصر الرومانى بالمتحف، وعلى الفور اجتمع مجلس إدارة متحف بول جيتى وقرر إعادة التمثال فورًا لإيطاليا إنقاذًا لسمعة مديرة المتحف، وقد تمكنت إيطاليا من استعادة مائة قطعة أثرية من خمسة متاحف فى الولايات المتحدة الأمريكية ومنها متحف بوسطن للفنون الجميلة بالتقاضى أمام المحاكم الأمريكية. كما يطالب الدكتور ريحان بإعادة النظر فى اتفاقية «الويبو » الاتفاقيات الدولية لحماية الملكية الفكرية بأن تتقدم وزارة السياحة والآثار ووزارة الخارجية رسميًا عن طريق إدارة الملكية الفكرية والتنافسية بقطاع الشئون الاقتصادية بجامعة الدول العربية وللمنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو) بوضع الآثار كبند رئيسى ضمن الاتفاقيات الدولية لحماية الملكية الفكرية والتى تتجاهل الآثار تمامًا فى تعريفها للملكية الفكرية وأن تكون مسئولية الويبو إيجاد تكييف قانونى دولى لذلك حيث أنها هى التى وضعت هذا العائق لإخراج الآثار والتراث المادى الإنسانى من قائمة الملكية الفكرية لسيتمر نزيف استغلال المتاحف الأوروبية للآثار المصرية وغيرها من آثار الشعوب المختلفة وكذلك تهريبها من هذه الدول وبيعها فى المزادات العلنية ويوضح الدكتور ريحان أن تعريف الويبو للملكية الفكرية بأنها خلاصة الإبداع الفكرى من اختراعات ومصنفات أدبية وفنية ومن رموز وأسماء وصور وتصاميم مستخدمة فى التجارة يجرد الآثار والحضارة تمامًا من الدخول تحت هذا التعريف إلا إذا اعترفت الدولة بأنه مصنف فنى، ويستحيل أن تندرج الآثار تحت مصنف فنى.
ويتابع الدكتور ريحان بأن مصر يجب أن تستند إلى فقدان 700 قطعة أثرية من الآثار المصرية كانت بقاعة المقتنيات من الآثار المصرية القديمة بالمتحف القومى بالبرازيل وقد دمرت بالكامل فى سبتمبر 2018 فى حريق المتحف، مما يعنى فقدان جزءً لا يتجزأ من ذاكرة مصر وتاريخها وحضارتها، والآن سرقة مقتنيات المتحف البريطانى، ولم تملك مصر أمام هذه الكوارث أى حق للمطالبة بتعويضات تتحملها البرازيل أو المتحف البريطانى والمجتمع الدولى نتيجة تجاهله لحقوق الآثار والحضارة فى الاتفاقية الدولية.
336624749_1544559492720642_4458259673930241670_n 294228264_3174512799480451_7055930483790281522_nالمصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: المتحف البريطاني
إقرأ أيضاً:
الأسرى الذين أطلق سراحهم من السجون الإسرائيلية.. دورهم بقيادة النهضة الفكرية
بم تمتاز هذه الشريحة من الناس؟ نفروا في سبيل الله ثم خاضوا غمار السجون لسنوات طويلة قضوها في القراءة والبحث والتربية والتزكية النفسية والخبرات الأمنية والبصيرة السياسية والتبحّر في معرفة العدوّ لغة وسياسة واقتصادا وأمنا وثقافة، وأهم من هذا كلّه أنّهم فقهوا الدين على محك التجربة والعمل فوصلوا إلى ما لا يصل إليه النظريون، الذين تفقهوا بعيدا عن ساحات العمل والمواجهة.
الفرق بين هؤلاء وهؤلاء ما بين السماء والأرض، وهذا ما علينا أن ننتبه له جيدا وأن نعلي من شأن من فقهوا في الميدان وأن نأخذ ما وصلوا إليه. وسأضرب لذلك أمثلة، ولكن قبل ذلك أودّ أن نعرّج على قول الله تعالى: "فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون"، وهنا نقف عند استخدام كلمة نفروا حيث إنّها تستخدم لمن خرج للجهاد، فهذا الفهم الذي وصل إليه المجاهدون من أحكام من عمق تجربتهم ومن صميم خبرتهم في الميدان، هو الفقه العملي الذي وصلوا إليه في جهادهم ولو لم يخرجوا لما وصلوا إليه أو لبقي فهمهم نظريا بعيدا عن الاستفادة من واقع تجربتهم وجهادهم.
لذلك فإن واجب هؤلاء المفكرين والفقهاء أن يُعلّموا من لم يخرجوا في سبيل الله ولم تتغبّر أقدامهم ولم تكتو أمعاؤهم الخاوية ولم يشتبكوا مع ألدّ أعداء الله، ولم يدركوا كيف تتنزّل آيات آل عمران والتوبة والأنفال والأحزاب ومحمد على قلوب الرجال وعند اشتداد الالتحام مع صفوف الأعداء. عسكريا وسياسيا وأمنيا وثقافيا، هناك مسائل كثيرة لا تتضح أمورها إلا في ميادين العمل والمواجهة.
إذا هناك فقه لا يصل إليه القاعدون بينما يصل إليه المجاهدون فيسبرون غوره ويستنبطون منه الأحكام، هناك مستجدّات تواجههم فيجتهدون وغالبا ما يكون ذلك بشكل جماعي ليصلوا إلى ترجيح ما يرون فيه صوابا، فالفقيه هنا ليس الذي يميّز بين المصلحة والمفسدة، وإنما قد يوضع في مواقف ليرجح أقلّ المفسدتين ضررا أو ليرجح بين مصلحة ومصلحة ليصل إلى أفضل المصلحتين. كثير من أهل الفقه لا يفقهون السياسة ولا يسبرون غورها، فإذا تحدّثوا في السياسة ظهر ضعفهم وجمودهم الذي لا يصيب الدين ولا السياسة، وهم يعتقدون أنّهم خير من يجسّد المبادئ والعقائد والأصول الدينيّة الثابتة، بينما الأمر يتطلّب الحنكة السياسيّة والمرونة التي تتعامل مع معطيات المسائل المطروحة بما يصل إلى الصوابية والرشد والوصول إلى الأهداف المطلوبة.
وهناك أيضا "ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلّهم يحذرون" يصلون إلى القدرة العالية على تحسّس المخاطر التي تتعرض اليها شعوبهم وأمتهم خاصّة الأمنية والسياسية، ويعرفون كيف توظّف الإمكانات المحدودة في لتجنّب هذه المخاطر.
"لعلّهم يحذرون" يُحذّرون قومهم بعد أن درسوا تفاصيل المعركة المحتدمة في ميادين السياسة والأمن والثقافة، ومن خلال معرفتهم التفصيلية والعميقة لعقل عدوّهم وطريقة تفكيره السياسية والأمنية ومعرفة ثقافته بكلّ أبعادها من باب "من عرف لغة قوم أمن شرّهم". هم بذلك الانخراط في معركة الوعي يملكون قدرات عالية على أن يحذّروا أمّتهم بعد هذا الرجوع العظيم من تلك الرحلة الطويلة في ميدان الفقه العملي ومعركة الوعي مع هذا العدو الذي اشتبكوا معه من خنادق متقدّمة عمرا مديدا هو فترة وجودهم في السجن.
باختصار، هم الأكثر كفاءة وقدرة على قيادة طوفان الوعي وهم المؤهّلون ليكونوا المرجعية العليا لمسائل كثيرة لن يفقهها على أصولها مثلهم خاصة ما لها علاقة في فقه الأولويات ومتطلبات المعركة، لأن هذه المعركة ليست معركة بين جماعة أو تنظيم صغير اشتبك مع المشروع الصهيوني المدعوم من كل طواغيت الشرّ في العالم، بل هي معركة الأمّة.
لقد وصلوا على سبيل المثال إلى القدرة العالية على بناء الذات بامتياز، وهم متفرغون لهذا الأمر في محاضن خاصة شكّلتها تجربتهم التربوية في السجون، بإمكانهم المساهمة تربويا في كيف يكون البناء للشخصية القادرة على مواجهة مخاطر المشروع الصهيوني العالمي.
وصلوا إلى الكفاءة العالية في معرفة تفاصيل العقل الصهيوني وثقافته وسرديّته، وكيفية الاشتباك مع هذه الثقافة بكفاءة عالية واقتدار يحسم الأمر لصالح هويتنا الثقافية ويحسن تحصينها ويعزّز من قدراتها على الاشتباك المنتصر.
وصلوا إلى الكفاءة السياسية العالية في الاستفادة من قدرات الأمّة، ومعالجة تراكمات سلبية جعلت من التناقضات المذهبية تطغى على المشتركات التي تصنع وحدة الأمة وتوظف قدراتها كافة؛ بدل تبديدها في حالة من التخلّف الفكري الذي يشتّت ويضعف بدل أن يجمع ويوحّد، إضافة إلى أنها تملأ مساحات واسعة من الفضاء المعرفي والفكري في نقاشات لا طائل منها سوى الشحن الطائفي والمذهبي المقيت.
وصلوا إلى فقه السياسات الاستعمارية والاستفادة من تجارب كثيرة من المجتمعات البشرية التي خضعت وتحرّرت، فساروا في الجغرافيا والتاريخ ليصلوا للاستفادة من كل التجارب وطرق توظيفها لصالح قضيتنا وأمتنا.
ميادين فكرية نهضوية كثيرة يستطيع هؤلاء الأسرى الفقهاء والمفكّرون أن يكونوا عناوين واضحة ومنارات فكرية تنشر ضوءها على مساحات الفكر الواسعة بما يحقّق النهضة الفكرية للأمّة، وبصراحة بما يقطع الطريق على الحالة الهلامية التي شكّلها كثيرون ممّن يتصدرون الخطاب الإسلامي بعيدا عن فقه الواقع وفقه السياسة، يظنهم الناس بقدراتهم العالية على الوعظ وحسن الخطابة والكلام في جوانب محددة من العلوم الدين أنهم المؤهّلون للحديث في شئون السياسة والأمن والاقتصاد والعلاقات والتحالفات الدولية، بينما هم في الحقيقة لا يحسنون صنعا ولا يملكون خبرة ولا تجربة ولا معرفة في هذه المجالات. الفقهاء والمفكرون المشتبكون في الميادين هم الذين يُستمع إليهم وهم المرشّحون لهذه النهضة الفكرية، وقد يكون ذلك بشكل جماعي كمؤسسات دراسية وهو الأفضل.
أذكر على سبيل المثال مركز حضارات الذي تشكّل من قبل مجموعة ممن تحدّثت عنهم، كان ذلك وهم في السجن قبل الحرب، الآن أُفرج عنهم بالتبادل وننتظر منهم أن يكملوا الطريق وأن يزوّدوا الناس بما وصلوا إليه: "ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلّهم يحذرون".