هل مازال الطبوبي قادراً على المناورة؟
تاريخ النشر: 29th, August 2023 GMT
من الثابت أن تحرك الاتحاد لو تم سيكون محدوداً.. مضى الزمن الذي كان فيه الاتحاد قادراً على شن إضرابات عامة أو قطاعية وبنسق تصاعدي تنتهي بأن يفرض على الحكومات القبول بشروطه.
قد يحمل موقف الطبوبي إشارات عن التصعيد وقد يحمل عكس ذلك تماماً
مضى الزمن الذي كان فيه الاتحاد قادراً على شن إضرابات عامة أو قطاعية
قيس سعيد نجح في شق الاتحاد إلى شقين كبيرين من دون أن يقصد
لوّح الأمين العام لـ الاتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي بالتصعيد مع بداية الموسم السياسي الجديد، معلنا أنه سيسلك مسار "النضال السلمي والمدني"، وأنه "لن يكون شاهد زور"، حاثاً على "الحوار الوطني".
قد يحمل موقف الطبوبي إشارات عن التصعيد، وقد يحمل عكس ذلك تماماً.. قيادات الاتحاد خلال الأشهر الماضية كانت تطلق بين الفينة والأخرى تصريحات توحي بالتصعيد، لكن يتضح أنها تخفي رسائل موجهة إلى السلطة السياسية، وفيها لفت نظر إلى أن الاتحاد موجود، ويفتح يديه للحوار، وأنه يمتلك المرونة الكافية للاقتراب من الحكومة، فقط يحتاج إلى إشارات من الطرف المقابل، وخاصة من الرئيس قيس سعيد، الذي أوصد باب الحوار مع المنظمة بعد ما بدا له من رغبة لدى قادتها في لعب أدوار ليست من مهامهم.
وسواء أكان كلام الطبوبي الأحد هادفاً إلى التصعيد أو إلى لفت نظر الرئيس سعيد، من الواضح أن النتيجة واحدة.. السلطة لديها ما يكفي من المشاكل والمهمات المستعصية ما يجعلها في غنى عن ملاعبة اتحاد الشغل والرد على مناوراته، أو حتى الالتفات إليه.
ولا يسمح لها وضعها بأن تفتح باب المناكفة مع الاتحاد وإعادته إلى الواجهة من جديد ثم مجاراته في الردود، وهي تعرف أن الاتحاد يبحث عن مشروعية تمهد له العودة إلى الواجهة.. وقد يكون الجدل معه والرد على وعيده هو ما يبحث عنه.
قال الطبوبي إن "الاتحاد سيعود إلى الساحة، بعد انقضاء الموسم الصيفي، بلحمة واحدة وإستراتيجية واضحة في الخيارات وفي النضال السلمي والمدني، لتحقيق الأهداف وتعديل المقدرة الشرائية".
ورغم المصطلحات الكبيرة التي حواها كلام الطبوبي، إلا أن الرسالة من ورائه أن الاتحاد ينوي الدفاع عن القدرة الشرائية للمواطنين كمدخل لعودته إلى الواجهة، ربما من خلال دعوات استعراضية إلى التظاهر أو تجمعات أمام مقره المركزي بالعاصمة، أو اللجوء إلى إضرابات محدودة، معتقداً أن الملف الاجتماعي يقلق السلطة.
وبقطع النظر عن خلفية التحركات الاحتجاجية، والرسائل التي تقف وراءها، فإن الاتحاد سيبدو موضوعياً في صف الكارتلات التي يعلن قيس سعيد باستمرار أنه سيحاربها ويقضي عليها، متهماً إياها بالتخطيط لإثارة غضب الناس من بوابة أزمة الخبز وارتفاع الأسعار.
هل سيرضى الطبوبي بأن يُنظر إلى الاتحاد على أنه جزء من الكارتلات، أو أنه يقدم نفسه كمدافع عن مصالحها وإرباك الحرب عليها.. أو يضع نفسه في خدمة أجندة جبهة الإصلاح وحركة النهضة وتمكينهما من قشة النجاة بعد أن فقدا الحماس للاحتجاج وتضاءلت أعداد الداعمين لهما.
من الثابت أن تحرك الاتحاد لو تم سيكون محدوداً.. مضى الزمن الذي كان فيه الاتحاد قادراً على شن إضرابات عامة أو قطاعية وبنسق تصاعدي تنتهي بأن يفرض من خلالها على الحكومات تقديم التنازلات والقبول بشروطه ما تعلق منها بزيادة الرواتب أو إقرار علاوات للموظفين الذين استمرأوا اللعبة ورفعوا شعار "الاتحاد أقوى قوة في البلاد".
كان الاتحاد هو الحزب الحاكم والمعارض في الوقت نفسه.. أشرف على الحوار الوطني في 2013 الذي أفضى إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة مهدي جمعة، ومن وقتها كان حاضراً في التفاهمات التي تسبق أو تلي تشكيل أيّ حكومة.. حصل على كوتا في الوظائف الكبرى بالدولة، وساهم في تحديد السياسات الاجتماعية للحكومات، وهو بشكل من الأشكال كان مسؤولاً في حكومات العشرية الماضية التي بات مسؤولوه يصفونها بالعشرية السوداء.
هل مازال الاتحاد قادراً على تحريك المشهد السياسي والاجتماعي، والبدء بالتصعيد قياساً بقدراته الذاتية وليس على ضعف الجهة الحاكمة التي تقابله.. الوضع تغير كلياً، فلا الاتحاد ما زال "أكبر قوة في البلاد"، ولا السلطة ضعيفة أو مهادنة.
من المهم التساؤل حول قدرات الاتحاد الذاتية، فخلال العشرية الماضية، كانت المنظمة النقابية الأكثر تمثيلاً في البلاد أشبه بحزب سياسي كبير يجمع بداخله فسيفساء مختلفة، منها النقابيون، ومنها أحزاب قومية ويسارية لم تكن قادرة على التأثير في المشهد السياسي ككيانات سياسية منفردة، ومنها مجموعات سياسية أخرى بهويات متشابهة أو متنافرة تلتقي على أرضية الوقوف بوجه الإسلاميين ومنعهم من احتكار السلطة واختراق الدولة والسيطرة عليها.
ذاك الزمن مضى مع مسار يوليو 2021، وخرجت أغلب الأحزاب من داخل القاطرة الكبيرة، وبقي الاتحاد واجهة لعدد محدود من الجماعات السياسية، ولأفراد داخله كانوا يعتقدون أن التصعيد وحده هو ما يجلب المكاسب.
في المواقف، الاتحاد صار اتحادات، وصار نقابات.. فنقابة التعليم الأساسي التي يسيطر عليها فصيل يميل إلى المعارضة، ليست نقابة التعليم الثانوي التي يهيمن عليها نقابيون أحزابهم متحالفة موضوعياً مع الرئيس سعيد، ولو فكر الطبوبي بالضغط لتوحيد النقابات من خلفه، فستتسع دائرة الشقوق، وقد يصبح الاتحاد اتحادات.
ويتوقع أن يحافظ الأمين العام للاتحاد على شعرة معاوية، وأن يكتفي بتصريحات عامة تصعيدية لحسابه الشخصي من دون أن ينزل بها إلى أرض الواقع، فهو لن يجد من ينفذها، وإذا نفذت فستظهر الاتحاد في موقع ضعيف ومحدود التأثير، وهو ما لا يريده الطبوبي.
قيس سعيد نجح في شق الاتحاد إلى شقين كبيرين من دون أن يقصد، وذلك باختياره محمد علي البوغديري وزيراً للتربية.. والبوغديري هو الوجه الأول من وجوه العناصر النقابية المعارضة لتيار الطبوبي في اتحاد الشغل.
والنتيجة، أن المناورة محدودة من داخل الاتحاد، وأن الطبوبي لم يعد قادراً على قيادة الشقوق المتناقضة كما كان يحصل في السابق.
والأهم أن الجمهور الكبير الذي كان ينفذ الدعوات إلى الإضراب بسرعة ونسب عالية لا تقل عن الـ90 في المئة، لم يعد موجوداً، بما في ذلك جمهور الموظفين الذي ركبوا قاطرة الاتحاد ليراكموا المكاسب، لكن الوضع الآن اختلف، فالإضرابات والاعتصامات لم تعد مجانية، وهي بدل أن تجلب المكاسب قد تقود إلى الخسارة، بما في ذلك خسارة الوظيفة المريحة في القطاع العام، وقد تقود صاحبها إلى القضاء، في ظل مرسوم 54 الذي بات يحد من الاستعراضات الكلامية للموظفين على مواقع التواصل.
يضاف إلى هذه العوامل أن الاتحاد لم يعد قادراً على بناء جبهة معارضة للسلطة بالتحالف مع أحزاب بعينها، السبب الأول أن الأحزاب التي كان يتحالف معها إما أنها اختفت تماماً، أو أنها وضعت نفسها في صف قيس سعيد حتى وإن لم يتحالف معها، أو يطلب منها ذلك، وهي تراه الأكثر قدرة على تخليصها من خصمها الأول حركة النهضة.
ماذا بقي للطبوبي ليتحالف معه غير جبهة الإخلاص والتي تمثل حركة النهضة القوة الرئيسية فيها.. هذا تحالف محفوف بالمخاطر بالنسبة إلى الطبوبي خاصة أن أمين عام اتحاد الشغل كان يسعى دائماً إلى إظهار اختلافه مع الحركة ويتعمد انتقادها بمناسبة وغير مناسبة لترضية الشقوق الداخلية للاتحاد التي اتفقت على تصعيده للقيادة في دورة أولى وثانية.
وحتى لو قبل الطبوبي بالتحالف اضطرارياً مع النهضة وجبهة الخلاص فلن يحقق المكاسب التي يبحث عنها، وعلى رأسها دفع السلطة إلى الحوار معه وفتح الباب أمام عودة المنظمة للعب دور مستشكل يقوم على وضع ساق في الحكم وأخرى في المعارضة.. يد تجلب المنافع وأخرى ترفع الشعارات الحماسية.
النهضة نفسها بدأت بالتراجع وفهمت أن الوضع في غير صالحها، وأن حرب تطهير الإدارة قد تجرفها، ولذلك جاءت تدوينة القيادي سامي الطريقي منذ أيام على فيس بوك، والتي تتبرأ من الحرب على الدولة/السلطة، وتقول إن الحركة ليست ضد الدولة.. والرسالة واضحة أن النهضة لا تريد أن توضع في سلة الكارتلات التي يواجهها قيس سعيد.
من بقي للطبوبي ليتحالف معه ويناور من خلاله لاستعادة بريق سابق تغيرت كل الشروط التي خلقته؟
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني أن الاتحاد الذی کان قیس سعید
إقرأ أيضاً:
مناورة لخريجي الدورات المفتوحة في مديرية سحار بصعدة
الثورة نت|
نفذ خريجو دفعة “طوفان الأقصى” للمرحلة الثالثة المستوى الأول لعزلة بني معاذ بمديرية سحار محافظة صعدة، اليوم، مناورة وتطبيق عملي بالأسلحة والذخيرة الحية.
واستخدمت في المناورة أنواع مختلفة من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة لقصف أهداف افتراضية للعدو في مساحة جغرافية مناسبة ذات تضاريس مختلفة، جسد من خلالها المشاركون المهارات التي اكتسبوها، وأظهروا مهارات عالية في استخدام الأسلحة الخفيفة والمتوسطة.
وخلال المناورة أوضح محافظ صعدة، محمد جابر عوض، أن المناورات التي ينفذها المشاركون في دورات ” طوفان الأقصى” تهدف إلى رفع كفاءة الخريجين في وحدات التعبئة الشعبية استعدادا لتنفيذ أي عمليات ضمن المرحلة الخامسة من التصعيد، مؤكدا أهمية تنفيذ الأنشطة التعبوية، ضمن مسار الحملة الوطنية لنصرة الأقصى، والانتصار لمظلومية الشعب الفلسطيني.
من جانبهما أشار وكيل المحافظة يحيى الحمران، ومدير مديرية سحار أمين دعة، إلى أن المناورة تأتي ضمن جهود تعزيز قدرات وكفاءة المشاركين في الدورات التعبوية، استعدادا لأي مواجهة مع العدو، منوهين بالروح المعنوية للمشاركين في الدورات العسكرية، وتفاعل أبناء المديرية الكبير مع حملات طوفان الأقصى بمختلف مراحلها.