طوب دجلة القديم من الحضارة الآشورية.. كبسولة زمنية للحمض النووي
تاريخ النشر: 29th, August 2023 GMT
تمكن باحثون لأول مرة من استخراج أجزاء من الحمض النووي لـ34 صنفا من النباتات من الطوب الطيني القديم الذي استخدم في بناء قصر ملك آشوري قديم يعود إلى 2900 عام بني على شواطئ دجلة.
فعندما تم تصنيع هذا الطوب قبل حوالي 2900 عام فيما يعرف الآن بشمال العراق، كانت العملية تتضمن خلط الطين من ضفاف نهر دجلة بمواد مثل القشر أو القش أو روث الحيوانات، وهو ما يعرف باسم الطوب اللبن.
ويمكن أن تظل جزيئات النباتات الصغيرة وسط النفايات الحيوانية والقش محمية داخل ذلك الطوب لآلاف السنين، كما أثبت ذلك الآن فريق من جامعة أكسفورد في المملكة المتحدة والمتحف الوطني وجامعة كوبنهاغن في الدانمارك.
استخدم الباحثون تقنية كانت تستخدم سابقًا في تحليل المواد المسامية (صوفي لوند راسموسن)بعد استخراج عينة من الطوب، استخدم الباحثون تقنية تحليلية كانت تستخدم سابقا في أشكال أخرى من المواد المسامية، مثل العظام. وقد مكنهم ذلك من فك تسلسل الحمض النووي للمواد النباتية المستخدمة في الطوب اللبن، وتحديد 34 مجموعة تصنيفية مميزة من النباتات. وقد نشر الباحثون نتائج دراستهم في دورية "ساينتفيك ريبورتس".
تقول عالمة الأحياء صوفي لوند راسموسن من جامعة أكسفورد في البيان الصحفي الصادر عن الجامعة في 22 أغسطس/ آب الجاري "لقد شعرنا بسعادة غامرة عندما اكتشفنا أن الحمض النووي القديم، المحمي بشكل فعال من التلوث داخل كتلة من الطين، يمكن استخلاصه بنجاح من لبنة عمرها 2900 عام".
قصر ملك آشوريتم العثور على الطوب الذي تم تحليله في هذه الدراسة في قصر الملك الآشوري آشورنصربال الثاني الواقع في مدينة كالهو القديمة، وقد تمكن العلماء من تحديد تاريخه في وقت ما بين 879 و869 قبل الميلاد من خلال نقش في الطين يذكر القصر على وجه التحديد.
وشملت الفصائل النباتية التي احتوى الطوب عليها وتم تحديد الحمض النووي لها على عدة فصائل نباتية، مثل الكرنبيات (عائلة الكرنب والخردل) والخلنجية (الخلنج)، في حين أن المادة الوراثية من البيتولاسيا (البتولا)، والوراسيا (الغار)، والسيلينية (العائلة التي تحتوي على الجزر والبقدونس)، والقمحاويات (الأعشاب المزروعة) كانت موجودة أيضا.
يعمل الطوب بمثابة كبسولة زمنية للتنوع البيولوجي تحتوي على معلومات تتعلق بالموقع والمناطق المحيطة (جامعة أكسفورد)يقول عالم الآشوريات ترويلز أربول، من جامعة كوبنهاغن "يعمل الطوب بمثابة كبسولة زمنية للتنوع البيولوجي تحتوي على معلومات تتعلق بموقع واحد والمناطق المحيطة به، وفي هذه الحالة، فإنه يوفر للباحثين وصولا فريدا إلى الآشوريين القدماء".
وركز الفريق على الحمض النووي النباتي لأنه كان الأكثر حفظا، ولكن يمكن استخدام نفس التقنيات للبحث عن الحمض النووي الحيواني أيضا.
وتم العثور على الطوب الطيني في مجموعة من المواقع الأثرية في جميع أنحاء العالم، ولديه القدرة على الكشف عن جميع أنواع المعلومات الجديدة حول النظم البيئية والبيئات التي تم صنعه فيها.
وفي هذه الحالة، فإن حقيقة ترك الطوب الطيني ليجف بشكل طبيعي بدلا من حرقه ساعد في الحفاظ على محتوياته العضوية، كما ساعد أخذ العينة من منتصف الطوب حيث كانت المادة محمية جيدا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الحمض النووی
إقرأ أيضاً:
عفريت الماء.. أعجوبة الخلق الذي يملك ما يحلم به البشر
مع خياشيم ريشية تنبت من رأسه بشكل عجيب، وأقدام مكفوفة، وزعانف ظهرية تمتد على طول جسمه، وذيل ليس أقل غرابة، كان عفريت الماء أو سَمَنْدل المكسيك محل اهتمام البشر منذ قدم الزمن، سواء قبل آلاف السنوات حينما كانت له مهام كبيرة في أساطير حضارة الأزتك، أو الآن حيث يعتبره العلماء أعجوبة طبية نحاول التعلم منها.
حاليا، ينتشر عفريت الماء في مناطق عدة حول العالم حيث تتم تربيته كحيوان أليف، إلا أن موطنه الأصلي هو مجمع بحيرة زوتشيميلكو، قرب مدينة مكسيكو، وهو مهدد بالانقراض بشدة، ويُقدر أن ما تبقى من هذا الكائن يتراوح بين 50 إلى 1000 سمندل فقط.
السمندل المكسيكي آكل للحوم، ويتغذى على الأسماك الصغيرة والقشريات والحشرات، ينمو الفرد البالغ من هذه العائلة عادة إلى حوالي 15-45 سم في الطول، لكنه يظل محتفظا بسماته الشابة لا تتغير.
كائن بسيط بقدرات خارقةوما لفت انتباه العلماء في هذا الكائن منذ عقود، القدرة العجيبة على تجديد الأطراف بالكامل، بما في ذلك العظام والعضلات والأوعية الدموية والأعصاب والجلد الذي يغطيها، كما يمكنه تجديد الأعضاء بالكامل بما في ذلك عضلات القلب، وحتى أجزاء من الدماغ والحبل الشوكي، واستعادة الوظيفة العصبية إلى مستوى ما قبل الإصابة.
فقط فكر في الأمر، فهو يشبه قدرات أفلام الخيال العلمي، إذا جرح البطل في أي مكان بجسمه تعود الأنسجة لتلتئم بلا ندب، وإذا قطعت يداه أو قدماه تنمو من جديد، وإذا ضرب بسكين شفي جسمه وكأننا نرجع بالزمن للخلف.
ينتشر عفريت الماء في مناطق عدة حول العالم حيث تتم تربيته كحيوان أليف (بيكسابي)في الواقع، يمكن لخلايا عفريت الماء العودة إلى حالة تشبه الخلايا الجذعية بعد الإصابة، وهي خلايا غير متخصصة تتميز بقدرتها الفريدة على الانقسام والتجدد لتكوين خلايا جديدة، بالإضافة إلى قدرتها على التحول إلى أنواع مختلفة من الخلايا في الجسم.
تلعب هذه الخلايا دورا محوريا في النمو، تجديد الأنسجة، وإصلاح الأضرار، مما يجعلها محط اهتمام كبير في مجالات الطب والأبحاث.
ورغم العودة إلى حالة تشبه الخلايا الجذعية، تحتفظ هذه خلايا عفريت الماء "بالذاكرة الموضعية"، بمعنى أنها تتمكن من النمو لتجديد أنسجة معينة في المواقع الصحيحة، فإذا فقد الكائن قدما أمامية، فإن خلايا تلك المنطقة تنمو لتصنع قدما أمامية تمثل تقريبا نسخة من القدم المفقودة.
ولذلك، فإنه على عكس البشر والعديد من الحيوانات الأخرى، تلتئم جروح هذه الكائنات دون تكوين ندبة، مما يعني خلاص كامل وتام من أثر الإصابة بشكل يعد الأكثر مثالية في عالم الحيوان.
وإلى جانب ذلك، يتمتع سمندل المكسيك بجهاز مناعي يدعم عملية التجدد، حيث تعمل الخلايا البلعمية (نوع من الخلايا المناعية) على إزالة الحطام وبقايا التلف بشكل نشط وبذلك تعزز نمو الأنسجة، على عكس البشر، حيث تؤدي الاستجابات المناعية غالبا إلى الالتهابات.
وعلى عكس العديد من الأنواع الأخرى، يحتفظ السمندل المائي بقدراته التجديدية طوال حياته. في معظم الحيوانات، تقل القدرة التجديدية مع تقدم العمر، لكن السمندل المائي يظل قادرا على تجديد حتى الهياكل المعقدة مثل الحبل الشوكي أو أجزاء من الدماغ في أي مرحلة من مراحل الحياة.
سعي للفهمفي عام 2018، تم تحديد تسلسل الحمض النووي لعفريت الماء لأول مرة بشكل كامل، في قفزة علمية رائدة مثلت أولى الخطوات الهامة لفهم هذا الكائن، وتم الكشف عن أنه يحمل أكبر جينوم حيواني تمت دراسته على الإطلاق، وفورا بدأ العلماء في دراسة هذا الجينوم العملاق لفهم أسباب قدرة هذا الكائن على التجدد.
وفي عام 2020، حدد الباحثون الجينات التي يعتقدون أنها مسؤولة عن تجديد أنسجة سمندل المكسيك، وفي عام 2023 حقق باحثو جامعة ستانفورد قفزة إضافية إلى الأمام في فهم ما يميز السمندل عن الحيوانات الأخرى.
وبحسب الدراسة، التي نشرها الفريق في دورية نيتشر، ظهر أن السمندل لديه نسخة شديدة الحساسية من جزيء "إم تور"، الذي يعمل كمفتاح تشغيل وإيقاف لإنتاج البروتين.
ومثلما يفعل الناس في حالة الكوارث، عندما يملؤون أقبية منازلهم بأطعمة غير قابلة للتلف للأوقات الصعبة، تخزن خلايا السمندل جزيئات الحمض النووي الريبي، التي تحتوي على تعليمات وراثية لإنتاج البروتينات.
بعد الإصابة يفعّل هذا الجزيء، فيعطي إشارة لاستخراج الحمض النووي المخزن، واستخدامه لإنتاج البروتينات اللازمة لتجديد الأنسجة بسرعة.
على عكس البشر والعديد من الحيوانات الأخرى، تلتئم جروح هذه الكائنات دون تكوين ندبة (بيكسابي)ولفهم الفكرة، لا بد من معرفة ما تعنيه هذه الجينات، وهي ببساطة شفرات الحياة التي ترثها عن أبويك ويرثها السمندل عن أبويه، تخيل الجسم كفيلم سينما معروض على الشاشة، هذا الفيلم بالأصل يتكون من شريط طويل مشفر عليه المشاهد، هنا يلتقي البطل بحبيبته لأول مرة، وهنا يعترف لها بحبه، وفي موضع ثالث على الشريط تتركه لأحزانه وحيدا.
كذلك تحتوي خلايا كل كائن حي على شريط طويل من الوحدات الكيميائية الممثلة لما يعرف باسم "الحمض النووي"، يوجد في نواة كل خلية من خلاياه، وكل مجموعة من تلك الوحدات تمثل جينا، هنا جين يعبر عن لون الجلد، وهنا جين آخر يعبر عن طبيعة العينين، وهناك جين يعبر عن طول العظام.. إلخ، وصولا إلى أدق التشكلات الجزيئية والتفاعلات الكيميائية في أجسامها.
لكن مثلما يترجم شريط السينما على الشاشة إلى فيلم، فهناك طريقة في أجسادنا تترجم خلالها تلك الشفرات الجينية إلى بروتينات.
البروتين هو كل شيء في جسم الكائن الحي، بداية من مكونات العضلات والأجهزة ووصولا إلى أدق التكوينات العاملة في الخلايا الصغيرة، ولبنائه تترجم الخلية جزءا محددا من الشفرة الوراثية الموجودة داخل نواتها إلى بروتينات، عبر عملية النسخ عن طريق ما يسمى الحمض النووي الريبي، فكر في هذا المركب كرسول، يحمل المعلومات من الحمض النووي (الموجود في النواة) إلى أجزاء الخلية التي تترجمها لتصنع البروتينات.
أمل للبشريةلكن ما سبق ليس كل شيء، فالأمر معقد للغاية، والخطوات الواقعة ما بين الإصابة وتجديد الأنسجة تتضمن الكثير من الإشارات والمسارات الكيميائية التي تحفز تكاثر الخلايا وتمايزها وتنظيم الأنسجة بشكل شبه مثالي.
كما يعتمد التجديد في عفريت الماء على وجود الأعصاب، وهو أمر ما زال يخضع للدراسة، حيث تطلق الأعصاب عوامل نمو محددة توجه نمو الأنسجة، وإذا تضررت الأعصاب أو غابت، فقد يضعف التجديد، مما يدل على التفاعل الحاسم بين الجهاز العصبي والعمليات التجديدية.
وفي حال تمكن العلماء من فك شفرة قدرة هذا الكائن المدهشة، فإن ذلك سيفتح الباب للكثير من الإنجازات في مجال الطب التجديدي، والذي يهدف إلى إصلاح أو استبدال الأنسجة والأعضاء التالفة أو المريضة أو التي تواجه أعراض الشيخوخة.
ومن الأمثلة على ذلك، تعديل الجينات لعلاج الأمراض الوراثية أو تعزيز قدرة الجسم على الشفاء، وتطوير أدوية تحفز الجسم على تجديد أنسجته بشكل طبيعي، مثل الأدوية التي تعزز نمو العظام أو الغضاريف، واستخدام الخلايا الجذعية لإعادة بناء الأنسجة التالفة، مثل إصلاح القلب بعد النوبات القلبية، أو علاج أمراض الأعصاب كالتصلب المتعدد.