بريكس بلس.. هل تلتقط واشنطن الرسالة؟
تاريخ النشر: 29th, August 2023 GMT
لا تملك مجموعة بريكس عصا سحرية لتغيير توازنات القوة في العالم.. بيد أن الإعلان في ختام قمة المجموعة في جوهانسبورغ عن انضمام 6 دول إلى النادي المؤلف من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، تعبير جديد يضاف إلى تعبيرات كثيرة أخرى عن التغييرات التي تطرأ على شكل العلاقات الدولية في عالم اليوم.
تمتلك مجموعة بريكس سجل نجاحات لا يجوز إغفاله
دخل العالم عملياً في مرحلة ما بعد تعدد الأقطاب
صحيح أن هوية المجموعة تشكلت في الأصل على أسس اقتصادية استثمارية بوصفها أسواقاً ناشئة وواحدة من العلاجات المبتكرة للآثار الاقتصادية المهولة لأحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001، إلا أنها اليوم تتطور باتجاه كيان جيوسياسي سيكون له كبير الأثر على توازنات العلاقات الدولية.
لنضع جانباً في البدء الأوهام الطوباوية عن أن المجموعة هي البديل السحري التام لنظام عالمي تقوده الولايات المتحدة.. ولنتجاهل الدعوات المتسرعة لتشييع الدولار الأمريكي بوصفه عملة الكوكب الرئيسية، وإن غير الوحيدة في سلة عملات متنوعة سيزيد استخدامها في الصفقات المتعلقة بالنفط والغاز.
فنحن إزاء كيان وليد مزنر بالتناقضات البنيوية السياسية والاقتصادية وبالهواجس المتبادلة والرهانات المختلفة لأعضائه.
الهند، على سبيل المثال لا الحصر، أكبر الأعضاء لناحية عدد السكان بعد تجاوزها الصين، شديدة الحساسية بشأن فرضية تحول بريكس إلى أداة جيوسياسية بيد غريمها/حليفها الصيني. وقد تعمد رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي أن يزور أمريكا قبل قمة بريكس ليعود ويعلن في خطاب الاستقلال، قبلها أيضاً، أن بلاده صديقة العالم، وروسيا لم يستطع رئيسها الحضور، بسبب قلق جنوب إفريقيا من تداعيات العقوبات الأمريكية على بلاده إن لم يفِ بالتزاماته الدولية وينفذ مذكرة الاعتقال الدولية بحق فلاديمير بوتين.. هذا تذكير بحجم التأثير المستمر للشروط والقواعد الأمريكية على العلاقات الدولية.
ولو تعمّقنا أكثر في طبيعة الأنظمة السياسية للأعضاء الحاليين والوافدين، فسنجد أننا إزاء خلطة عجيبة من النظم السياسية التي تتراوح بين الديمقراطيات والملكيات وما بينهما، وكذلك الحال بالنسبة لنماذجها الاقتصادية.
في المقابل تمتلك المجموعة سجل نجاحات لا يجوز إغفاله، أكان ذلك في تجربة بنك التنمية الجديد (NDB)، أو نجاحها في جمع 100 مليار دولار للإقراض الطارئ والموافقة على قروض بقيمة 33 مليار دولار تقريباً لمشروعات البنية التحتية.. كما يشار إلى نمو التجارة البينية بين الأعضاء الحاليين بنسبة 56 في المائة لتصل إلى 422 مليار دولار في الفترة من 2017 إلى 2022، في حين أن انضمام دول مثل السعودية والإمارات يرفد المجموعة بقدرات مالية وإستراتيجية هائلة لناحية السيولة النقدية وسلاسل التوريد والبنية التحتية الصلبة والناعمة.
مع ذلك، فإن ظني أن الأثر السياسي، حتى إشعار آخر، على توازنات العلاقات الدولية، وزيادة جرعة الاستقلال في القرار الإستراتيجي للدول، وفرملة التفرد الأمريكي نسبياً، هي الآثار الأهم لمجموعة بريكس بصيغتها الموسعة.
إذا أخذنا الهند وجنوب إفريقيا مثالين على المستوى العالمي، والسعودية والإمارات مثالين من الشرق الأوسط، فسنجد أننا أمام مفهوم جديد في السياسة الدولية يقوم على قاعدة "تعدد الانحياز"، أي التعامل مع كل من الولايات المتحدة والصين، فضلاً عن القوى الإقليمية والدولية الأخرى، وبناء مجموعة معقدة من التقاطعات والتوافقات معها.. يحل هذا الملمح، لدى معظم الدول، مكان ما عُرف سابقاً بمدرسة "عدم الانحياز" أو "الانحياز التام" أي التمترس في معسكرات متقابلة كما كان الأمر إبان الحرب الباردة وبعدها.
فعلى الرغم من لائحة الهواجس الهندية الطويلة إزاء الصين، لا سيما ما يتصل منها بالنزاعات الحدودية بين البلدين، نرى الهند تستخدم اليوان الصيني في مدفوعات النفط.. وتسعى الهند لجذب استثمارات صينية في قطاعات التكنولوجيا والأدوية الهندية، إضافة إلى تعاونها العميق مع الصين في المنتديات الإقليمية كمنظمة شنغهاي، على سبيل المثال لا الحصر، وإذ تستضيف نيودلهي قمة العشرين الشهر المقبل فإنها تؤكد على ملمح "تعدد الانحياز" الذي تعد الهند اليوم أبرز نجومه.
كما الهند، فإن السعودية والإمارات، بوصفهما عضوين جديدين، في مجموعة بريكس، منخرطتان في لعبة "التوازن الناعم" بغية تنويع قاعدة علاقاتهما الدولية وتجنب الدخول الصريح في تحالفات حصرية في لعبة التضاد بين واشنطن وبكين.
وإذا استثنينا روسيا وإيران بشكل رئيسي، سنلاحظ أنه وعلى الرغم من بعض الضجيج الإعلامي، فإن استراتيجية "تعدد الانحيازات"، تخلو بشكل كبير من المضمون اليساري المناهض لأمريكا الذي ساد خلال الحرب الباردة.. كما تخلو من المضامين التبسيطية لفكرة "عدم الانحياز" التي تبنتها دول مستقلة حديثاً في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية سياسة لتبقى خارج لعبة التنافس بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي.
المختلف اليوم أن "تعدد الانحيازات" لا يتعلق غالباً بالمقاومة الأيديولوجية أو أوهام الاكتفاء الذاتي، بل بتعزيز البراغماتية عند الحكام ومدهم بمقدار أكبر من المرونة الإستراتيجية.. والأهم أنها مدرسة تعترف بالترابط بين دول العالم اقتصادياً وسياسياً وبيئياً ووبائياً، بل وتراهن على الاستفادة من هذا الترابط لتحقيق الأهداف الوطنية، يحصل هذا الأمر بسرعات تفوق توقعات المراقبين والمسؤولين.
أعطت جائحة كورونا والحرب الروسية - الأوكرانية جرعات دفع غير متوقعة لهذا الملمح الناشئ في العلاقات الدولية، الذي تسعى الدول من خلاله إلى تكبير حجم الاستقلال الإستراتيجي في التعامل مع مراكز القوى المتعددة، وبالتالي تعظيم الفرص وتقليل المخاطر.
دخل العالم عملياً في مرحلة ما بعد تعدد الأقطاب، التي تفترض هي الأخرى معسكرات متقابلة يرأسها أقطاب متنافسون.. ما نشهده هو نمو المزيد من السيولة في التحالفات التي تستعدي، بسبب تعقيداتها، المزيد من الابتكار الدبلوماسي، بدل الركون إلى آليات التعامل الماضية.. إن النجاح في منع هذا الملمح المتنامي من التحول إلى مشهد فوضى في العلاقات الدولية، دونه فهم أكثر تطوراً لسلوك الدول ومصالحها الإستراتيجية، لا سيما عند كبار اللاعبين وعلى رأسهم الولايات المتحدة.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني العلاقات الدولیة الولایات المتحدة مجموعة بریکس
إقرأ أيضاً:
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية الدولية
دعا المدعي العام السابق للمحكمة الجنائية الدولية، لويس مورينو أوكامبو، الدول العربية إلى مناشدة الولايات المتحدة عدم تهديد المحكمة أو تعطيل عملها، وذلك بعد إصدارها مذكرات اعتقال بحق مسؤولين إسرائيليين.
وأكد أوكامبو في مقابلة مع الجزيرة أن إصدار مذكرات الاعتقال يمثل "لحظة تحول" في القضية الفلسطينية، موضحا أن 3 قضاة مستقلين استغرقوا أشهرا للنظر في القضية، وسمحوا لأكثر من 19 دولة بتقديم أدلتها.
وأشار إلى أن المذكرات شملت أحد قادة حماس، الذي لم يُعرف مصيره بعد، إضافة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، مؤكدا أن القضاة رفضوا تبريرات إسرائيل لمنع إصدار المذكرات.
ولفت أوكامبو إلى أن قضاة المحكمة الثلاثة أكدوا وجود جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة، داعيا دولا مثل السعودية ومصر والأردن وقطر إلى التحدث مع واشنطن وإقناعها بعدم مهاجمة المحكمة.
جريمة التجويع
واستشهد المدعي العام السابق بتصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن المتكررة حول ضرورة احترام إسرائيل للقانون الدولي، قائلا: "عندما يقوم صديق لك بانتهاك القانون، عليك أن تقرر أن القانون فوق الجميع".
وحول التهديدات الأميركية المحتملة بفرض عقوبات على أعضاء المحكمة، سواء كانوا قضاة أم مدعين عامين، قال أوكامبو "إنه غير متأكد من إقدام إدارة بايدن أو حتى دونالد ترامب على مثل هذه الخطوة".
وأضاف أنه يجب مطالبة الولايات المتحدة بعدم معاقبة المحكمة، خاصة أن بايدن نفسه اعترف على مدار عام كامل بجريمة التجويع، وكان يتوسل لإسرائيل لتوفير الطعام والغذاء للفلسطينيين، مشددا على أن هذه جريمة حرب بلا أدنى شك.
وفيما يتعلق بالعدالة للضحايا في غزة، أكد أوكامبو أن تحقيقها يتطلب من الجميع القيام بدوره، موضحا أن المدعي العام قدم القضية أمام القضاة الذين أدوا واجبهم وقرروا أن هذه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وأكد على أن الأمر متروك الآن للدول الموقعة على النظام الأساسي للمحكمة، داعيا حتى الدول غير الموقعة على ميثاق المحكمة إلى العمل في هذا الاتجاه، مشددا على أن العدالة تتطلب نشاطا وعملا من الأفراد والدول لضمان تنفيذ أوامر المحكمة.