رغم أنه من المعلوم لنا جميعًا أن الدنيا دار ابتلاء ، إلا أنه في الوقت ذاته الذنوب من أسباب البلاء وكثرة المصائب في الدنيا، ولعل هذا ما يطرح سؤال: متى يكون الابتلاء اختبارا وليس عقوبة ؟، حيث إن من شأن هذا الاستفهام أن يكون بمثابة المرآة التي تجعل الإنسان يراجع نفسه ويعود إلى الله تعالى سريعًا، ويقلع عن المعاصي والخطايا للنجاة من العقوبة بالابتلاء، أو أن عليه التزام الصبر لرفع الدرجة، وهو ما يبين أهمية معرفة متى يكون الابتلاء اختبارا وليس عقوبة فبه نسلك طريق الصواب .

متى يكون الابتلاء اختبارا وليس عقوبة

قال  الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الابتلاء الذي يكون اختبارًا وليس عقوبة ، هو الذي يشعر بعده الإنسان بأنه ترقى واستفاد أو قد تعلم شيئًا جديدًا في التعامل مع الله سبحانه وتعالى فيكون اختبارًا وابتلاءً.

وأوضح «جمعة» عبر صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، في إجابته عن سؤال:   ( متى يكون الابتلاء اختبارا وليس عقوبة
 ؟)، أن هذا الابتلاء إنما هو للامتحان الذي يعلو الله به بالإنسان إلى درجات الترقي في طريق الله عز وجل، أما ابتلاء العقوبة - والعياذ بالله تعالى- تأتي ومعها ألم واضطراب ولا يستطيع الإنسان أن يصبر عليها بل إنه يجزع منها .

وأضاف : وتكون بالنسبة إليه مؤلمة وضاغطة عليه هذا الضغط السيء الذي يجعله بهذه الهيئة ، فهذا الفرق بين ابتلاء الاختبار وابتلاء العقوبة ، فقال الله تعالى: ( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْغَفُورُ ) الآية 2 من سورة الملك، لذا ندعو الله سبحانه وتعالى ألا يدخلنا في تجربة من أصله وأن يمن علينا ويقبلنا كما نحن و يجعلنا عبيد إحسان ولسنا عبيد امتحان .

الابتلاء سنة

ونوه بأن هناك سُنة الابتلاء والفتنة وهي سُنة عادة لا تقتصر على الظالمين والمفسدين وإنما تشمل الصالحين والأبرار فالدنيا في أصلها دار ابتلاء وعمل، فقال تعالى: «الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ» الآية 2 من سورة الملك.

واستشهد بما قال: «إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا» الآية 7 من سورة الكهف، وقال: «وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» الآية 168 من سورة الأعراف، منوهًا بأن الله سبحانه وتعالى أراد من خلقه الصلاح والإصلاح، وذلك لخير أنفسهم فهو لا يحتاج إلى أحد، والخلق كله في حاجة دائمة إليه سبحانه.

وأكد أنه قد قام كون الله تعالى الفسيح على قوانين وقواعد ثابتة لا تتخلف، فليس بمقدور أحد من البشر أن يغير هذا النظام الكوني الذي حكم الله به، ولله تعالى سنن أمضاها وأبقاها في كونه تجري على خلقه وهي السنن الربانية، وهي كثيرة منها على سبيل المثال: سنة إخراج الكافرين للأنبياء من ديارهم.

ودلل بما قال تعالى: «وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلًا * سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا» [الإسراء:76-77]، وفي الحديث الشريف عندما ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى ورقة يخبره بما رآه فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: «هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَلَ عَلَى مُوسَى يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا –أي شابًا قويًا- يَا لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ». قَالَ: نَعَمْ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ قَطُّ إِلاَّ عُودِيَ وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا» .

ورد أن من سنن الله على عباده أفراداً وجماعات، أن يريهم آياته في الآفاق وفي أنفسهم، ويبتليهم بالمحن والإحن، وشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، تمحيصاً منه وامتحاناً، ليميز الصابر من الساخط والعامل من القاعد، فمن صبر فيها ربح وعلم أن كلاً من عند الله، وأنه رّبّ ضارة نافعة ورُبّ منح في طيات محن، ومن سخط فيها فله السخط والخيبة في الحال والمآل، فإن من علامات التوفيق في المحن الخروج منها بحال أحسن من التي قبلها من الإيمان بالله والوعي والإدراك والاتعاظ.

دعاء رفع البلاء كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول إذا نزل به بلاء: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ جَهْدِ البَلاَءِ، وَدَرْكِ الشَقَاءِ، وَسُوءِ القَضَاءِ، وَشَمَاتَةَ الأَعْدَاءِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيِعِ سَخَطِكَ”.وكان من دعاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك”. رواه مسلموعن عائشة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- علمها هذا الدعاء: “اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وآجله، ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم، اللهم إني أسألك من خير ما سألك عبدك ونبيك، وأعوذ بك من شر ما عاذ به عبدك ونبيك، اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، وأسألك أن تجعل كل قضاء قضيته لي خيرًا”. رواه أحمد وابن ماجه وصححه الألباني.“اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَدْمِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ التَرَدِّي، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الغَرَقِ، وَالحَرْقِ، وَالهَرَمِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ يَتَخَبَّطَنِي الشَيْطَانُ عِنْدَ المَوْتِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أَمُوتَ فِي سَبِيِلِكَ مُدْبِرًَا. وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أَمُوتَ لَدِيِغًَا”.“اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ، وَالحَزَنِ، وَالعَجْزِ، وَالكَسَلِ، وَالبُخْلِ، وَالجُبْنِ، وَضَلْعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ”.«سلوا الله العفو والعافية؛ فإن أحدًا لم يُعطَ بعد اليقين خيرًا من العافية»، فلما مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بقوم مبتلين، فقال: «أما كان هؤلاء يسألون الله العافية»، واستفهامه عليهم إنكار؛ وكأنه عليه الصلاة والسلام يقول لهم: تستسلمون لهذا الابتلاء وعندكم الدواء والعلاج الناجح لما ألمّ بكم وهو الدعاء بالعافية!.”اللهم ارفع مقتك وغضبك عنا، اللهم إنا نستغيث بك فأغثنا، نشكو إليك ضعف قوتنا وقلة حيلتنا”.“لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين”.«اللهُ اللهُ رَبِّي، لا شَرِيكَ لَهُ».

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الابتلاء علي جمعة صلى الله علیه وسلم الله تعالى رسول الله اللهم إنی من سورة

إقرأ أيضاً:

علامات السحر والحسد وطرق العلاج الشرعي.. الإفتاء توضح

تناول الدكتور محمود شلبي، مدير إدارة الفتاوى الهاتفية بدار الإفتاء المصرية، موضوع السحر والحسد في إحدى جلسات البث المباشر عبر صفحة دار الإفتاء على فيس بوك، حيث أشار إلى أن كلا من السحر والحسد قد ورد ذكرهما في القرآن الكريم.

 فقد قال الله تعالى في سورة البقرة: «وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ»، كما ورد في سورة الفلق: «وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ».

وأوضح شلبي في رده على أحد الأسئلة حول علامات السحر والحسد، أن المسلم يجب أن يكون على يقين أن كل ما يحدث له من خير أو شر، سواء كان بسبب شخص آخر أو غيره، هو بتقدير الله وحده، كما قال تعالى: «وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ». وأكد أن السحر والحسد يعدان نوعًا من البلاء، حيث يكون البلاء أحيانًا ابتلاء من الله للمؤمن الصابر، أو قد يكون نتيجة لذنوب العبد وتقصيره، فيكون ذلك وسيلة لتكفير ذنوبه، كما جاء في قوله تعالى: «نَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ».

وأشار الدكتور محمود شلبي إلى أن علاج السحر والحسد يكمن في الإكثار من ذكر الله، والحرص على الأذكار اليومية مثل أذكار الصباح والمساء، والرقية الشرعية، وقراءة القرآن الكريم.

 كما نصح باللجوء إلى الله بالدعاء، والاستعانة بالصبر والصلاة كما جاء في قوله تعالى: «واستعينوا بالصبر والصلاة».

أربعة أمور لعلاج ترك الصلاة.. أمين الإفتاء ينصح بها علامات صحة الصلاة وقبولها.. أمين الفتوى يوضح الأمراض التي قد يتسبب فيها السحر والحسد

أوضح شلبي أن السحر والحسد قد يسببان مجموعة من الأمراض النفسية والجسدية التي قد تكون صعبة التشخيص من قبل الأطباء، ومن أبرز هذه الأعراض:

صداع متنقل ومزمن

اصفرار في الوجه

زيادة التعرق أو كثرة التبول

ضعف الشهية أو فقدانها

تنميل أو شعور بحرارة أو برودة في الأطراف

خفقان في القلب وحالات من القلق والتوتر

مشاعر حزن وضيق في الصدر

آلام متفرقة أسفل الظهر والكتفين

أرق وصعوبة في النوم ليلاً

تغيرات في المزاج مع حالات من الخوف أو الغضب المفرط

كثرة التجشؤ والتنهد

ميل للانعزال والشعور بالخمول والكسل

رغبة مفرطة في النوم أو الكسل


هذه الأعراض قد تتراوح بين خفيفة وقوية بحسب نوع وطبيعة الحالة، وقد تحدث هذه الأعراض دون سبب عضوي واضح.

طرق العلاج بالرقية الشرعية

أكد الدكتور محمود شلبي أنه يمكن علاج الحسد والسحر بطرق بسيطة وفعالة باستخدام الرقية الشرعية، ومن أبرز هذه الطرق:

قراءة سورة البقرة على الأقل مرة كل ثلاثة أيام.

قراءة الفاتحة وآية الكرسي والمعوذات (سورة الفلق وسورة الناس) صباحًا ومساءً.

قراءة الفاتحة سبع مرات وآية الكرسي ثلاث مرات والمعوذات ثلاث مرات على كوب ماء ثم شربه كاملاً ثلاث مرات يوميًا.

قراءة الفاتحة سبع مرات وآية الكرسي ثلاث مرات والمعوذات ثلاث مرات على زيت الزيتون، ومسح الجسم به (باستثناء أسفل القدمين) صباحًا ومساءً.

قراءة الفاتحة سبع مرات وآية الكرسي ثلاث مرات والمعوذات ثلاث مرات على ماء بارد من الثلاجة، ويخلط مع أوراق السدر ويغتسل به لمدة أسبوع أو أكثر.

قراءة الفاتحة سبع مرات وآية الكرسي ثلاث مرات والمعوذات ثلاث مرات على عسل طبيعي، ويمكن تناول العسل باستمرار.


التمر العجوة كوسيلة للحماية

وأشار الدكتور شلبي إلى حديث نبوي شريف عن التمر العجوة، حيث قال: "من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر"، وهو ما يثبت فاعلية هذا النوع من التمر في الوقاية من السحر والسموم. 

كما أوضح أن هذا العلاج يمكن تطبيقه يوميًا كوقاية طبيعية.

خلاصة القول

الرقية الشرعية والالتزام بالأذكار اليومية يعدان من أفضل الوسائل للتصدي للسحر والحسد. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تناول بعض الأطعمة مثل التمر العجوة والاستمرار في الدعاء واللجوء إلى الله لطلب العون والتوفيق في مواجهة هذه التحديات.

 

مقالات مشابهة

  • ما هو النذر؟ وما هي أنواعه؟
  • ماذا قال الشيخ الشعراوي لأصحاب الابتلاء بفاجعة الموت؟ (فيديو)
  • أوزين: قدر المغاربة الابتلاء بقانون مالي عاجز عن تقديم أجوبة عجنته أيادي تقني وليس أيادي سياسيٍّ
  • فضل دعاء فجر الجمعة والأدعية المستحبة.. «اللهم أصلح لي ديني وحالي»
  • علي جمعة: الطعام له أثر في تصرفات الإنسان وفي الاستجابة لأوامر الله
  • أجمل دعاء في الصباح .. ردد أفضل 110 أدعية تحقق الأمنيات وشاملة للخيرات
  • حكم البكاء على الميت والحزن عليه؟.. أمين الفتوى يوضح (فيديو)
  • «أعوذ بك من الهم والحزن».. دعاء للتخلص من العصبية والأفكار السلبية| داوم عليه
  • علامات السحر والحسد وطرق العلاج الشرعي.. الإفتاء توضح
  • صلاة الفاتح وطريقة أدائها.. داوم عليها يفتحها الله عليك من حيث لا تحتسب