فرنسا في أفريقيا.. الذئب يرعى الغنم!
تاريخ النشر: 29th, August 2023 GMT
كلما سقط نظام موال لها بمواقع النفوذ القديمة، تقدّم فرنسا الإمبريالية نفسها راعية للديمقراطية في أفريقيا، في مشهد مسرحي مقرف من السخرية السياسية، لا يصدقه حتى الساذج المعتقد بأن الذئب يمكن أن يرعى الغنم.
ها هي باريس الماكرة تُعبّئ “مجموعة غرب أفريقيا” وتهيئ الجيوش والعدة الحربية لتنفيذ تدخل عسكري في النيجر، بذريعة الدفاع عن الشرعية لإعادة محمد بازوم إلى كرسيّه، في حيلة مكشوفة لا تنطلي على المجتمع الدولي، لأنّ فرنسا راعية الانقلابات تاريخيّا في أفريقيا، لم تكن يوما ظهيرا لإرادة الشعوب ولا نصيرا للديمقراطية المفترى عليها.
التاريخ القريب يثبت أنّ الموقف الفرنسي من الانقلابات الأفريقية لم يخضع ولا مرّة واحدة للمبادئ الديمقراطية، بل تحكمه المصالح الضيقة لدى دول القارّة، بهدف السعي الدائم لتكريس الهيمنة بكل أبعادها والاستغلال في أبشع صوره، حيث تؤيد بصلافة وجهٍ أيّ نظام طالما يظل خادمًا لأجندتها كيفما وصل إلى سدة الحكم، وتشنّ الحرب على كلّ سلطة تعرض عن قبلتها ولو كانت شرعيّة.
لقد كانت الانقلابات العسكرية دومًا ولا تزال منهجا أساسيّا لدى المسؤولين الفرنسيين من أجل تغيير النظم المتمّردة أو الحفاظ على عروش عملائها في أفريقيا، حتّى أنّ الإحصائيات تشير إلى تنفيذ أكثر 200 محاولة انقلابية خلال الستينيات، ظلّت فرنسا متورطة فيها، تخطيطا ودعمًا، قبل التغطية عليها بانتخابات رئاسية صورية يخلع فيها الانقلابي بزّته العسكرية لينتحل بذلة مدنية، بل أن 78 بالمئة من انقلابات بلدان أفريقيا بجنوب الصحراء، منذ التسعينيات، حصلت في دول فرنكوفونية، ما يؤكد الضلوع الفرنسي بشكل ما.
ومن المعلوم أنّ فرنسا، بعدما اضطرت لمغادرة جيوشها مطلع ستينيات القرن الماضي، ضمنت لنفسها حق التدخل العسكري عبر اتفاقيات أمنية مع دول أفريقية، لأجل حماية القادة المغضوب عليهم شعبيّا، طالما كانوا مطيعين لها وخادمين لمصالحها المادية والثقافية.
لذلك، لن نصدّق اليوم بكاء التمساح الفرنسي على مصير الديمقراطية في مالي وبوركينافاسو والنيجر، بل ما يهمه، وهو يستعدّ لحرق المنطقة مجدّدا، هو فقط تأمين مصادر النهب الطبيعي، لتبقى أفريقيا بقرته الحلوب ومنبع ثرواته النفطية والمعدنية لتموين صناعته واقتصاده، ثم تسويق منتجاته للقارة المتخلفة نفسها.
لنتذكّر أنّ سبع دول في غرب أفريقيا (من أصل تسعة)، لا تزال تستعمل الفرنك الأفريقي، المرتبط باليورو، بضمان فرنسي، عملة رسمية، بينما يطبع البنك المركزي الفرنسي العملة لصالح 14 دولة أفريقية تتعامل به حتى اليوم، وهو وحده دليل ساطع على إحكام النفوذ الاقتصادي في المستعمرات السابقة.
ما تريده فرنسا في الساحل الأفريقي هو النفط لتوفير الطاقة والذهب لرفع الاحتياطات البنكية واليورانيوم لتشغيل مفاعلاتها النووية، ولو كان ثمن هذا الاستغلال هو اكتواء شعوب أفريقيا في جحيم الحروب وبقائها ضحية الصراع الأبدي على السلطة.
قبل 10 سنوات، تعهد فرانسوا هولاند بالتخلّي عن سياسة “فرانس- أفريك” التي هندسها جاك فوكار، بداية الستينيات، لبناء العلاقات الفرنسية مع الدول الأفريقية المستقلة حديثا على قواعد السيطرة والولاء، عوض النديّة السياديّة وتبادل المصالح.
مقابل ذلك، أعلن هولاند في خريف 2013، عن سياسة جديدة قائمة على الشراكة، قبل أن تكذّب الأحداث سريعًا التزامات رئيس فرنسا، حيث نفذّت بلاده سبع عمليات عسكرية، أبرزها “برخان” سنة 2014 في شمال مالي، إضافة إلى “سيرفال” و”ايبرفييه” في تشاد ومالي، و”سانغاريس” في أفريقيا الوسطى وعمليات أخرى في ليبيا وكوت ديفوار.
اليوم لم تعد باريس قادرة على استمرار نفوذها الاقتصادي والثقافي في أفريقيا بالسلاح والسياسة العسكرية، أمام تصاعد النزعة الوطنية المطالبة بالتخلّص من كل آثارها المسمومة، وبروز خطاب شعبي مناهض لها بقوّة، ومؤيد لقوى دولية جديدة في المنطقة متحررة من عقدة الماضي الاستعماري، في وقت لم يدرك فيه ساسة فرنسا أن أفريقيا تتطور في وعيها وأجيالها وقياداتها، وليس من الممكن مواصلة التعامل معها بمقاربة أمنية استعمارية، تراهن على ولاء النخب العسكرية والسياسية والمالية المرتبطة بها.
هذه التغيّرات الجذرية في البنية الثقافية، الاجتماعية، والتحولات الدولية بظهور فواعل عظمى على مسرح المنطقة، هي ما يجعل فرنسا في حيرة من أمرها ويدفعها إلى التصرف الطائش، باللجوء إلى التدخل العسكري في النيجر، كآخر خيار لتوقيف تساقط أحجار “الدومينو” المؤذنة بنهاية الإمبراطورية الاستعمارية الموروثة من زمن العبودية المعاصرة.
وحدها الجزائر، النزيهة في موقفها المبدئي الرافض للانقلاب في النيجر، والمتمسكة بالنظام الدستوري فعليّا، ومن يقاسمها رؤيتها، يمكنهم الدفاع، بإخلاص، عن مصلحة الشعب النيجيري بالوقوف ضد التدخل العسكري، لأنه سيفتح عليهم باب الجحيم وعلى المنطقة برمتها، أمّا الوسواس الفرنسي الذي يدفع بدول “الإيكواس” إلى الفتنة الأفريقية، فلا يهمه سوى نفوذه الضائع وكبرياءه المجروح.
(الشروق الجزائرية)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه فرنسا أفريقيا النيجر الانقلابات فرنسا النيجر أفريقيا انقلابات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی أفریقیا
إقرأ أيضاً:
المنطقة العسكرية الخامسة تنظم فعالية ومعرض لصور شهداء منتسبيها
وخلال الفعالية بحضور قيادة ومنتسبي الشعبة، استعرض رئيس شعبة التوجيه المعنوي العقيد هلال الشامي، جانب من تضحيات الشهداء وموقف اليمن التضامني مع فلسطين المحتلة والانتصار للقضية الفلسطينية كونها القضية المركزية للشعب اليمني.
واعتبر احياء الذكرى السنوية للشهيد بالتزامن مع الموقف التاريخي لليمن وقيادته الحكيمة في نصرة الشعب والمقاومة الفلسطينية في سبيل الدفاع عن قضايا الأمة، دليل على عظمة التضحيات التي قدمها الشهداء الأبطال.
ونوه الشامي، بالمستوى الذي وصل إليه الشعب اليمني من الوعي والصمود والتلاحم والاستعداد والجهوزية للجهاد انطلاقا من مبادئ الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي الذي أكد ان الأمة لن تنتصر على أعدائها وفي مقدمتهم أمريكا وإسرائيل، الا بالعودة للجهاد
وأوضح أن التحديات والعدوان على اليمن لم تخضع الشعب اليمني وقيادته، بل زادته صلابة وقوة والخروج من الوصاية الاجنبية واتخاذ القرارات الشجاعة تجاه القضية الفلسطينية تجسيدا لعظمة تضحيات الشهداء والموقف المشرف للقيادة الحكيمة ممثلة بالسيد عبد الملك الحوثي.
وتطرق رئيس شعبة التوجيه المعنوي، إلى معاني ودلالات احياء هذه المناسبة، وفاء لتضحيات الشهداء الذين جادوا بأنفسهم في سبيل عزة ورفعة اليمن، لافتا الى ثمرة الانتصارات التي يعيشها الشعب اليمني بفضل تضحيات الشهداء.
وعقب الفعالية التي حضرها عدد من مدراء مكاتب التنفيذية بالمحافظة، تم افتتاح معرض صور الشهداء والمجسمات الذي تنظمه المنطقة العسكرية الخامسة وفاء لمنتسبيها الشهداء في إطار الفعاليات التي تقام إحياء لذكرى شهداء الوطن.
وأشاد الزائرون للمعرض، بما قدمه الشهداء الابطال من تضحيات دفاعا عن الوطن حتى ارتقت أرواحهم خلال المعارك التي تصدوا خلالها لقوى العدوان.