دونما أي مزيد كلام، نقطتان حسمتا مقبولية هذا البرنامج السياسي المقدم من مليشيا الجنجويد المجرمة، إحداهما مذكورة والأخرى غير مذكورة:

*النقطة الأولى المذكورة هي “… تأسيس وبناء جيش سوداني جديد من الجيوس المتعددة الحالية …”، ما يعني أن البيان (أ) ينظر للجيش السوداني كمكون عسكري ضمن مكونات عسكرية اخرى، ثم (ب) البيان يعتمد مليشيا الجنجويد التي تملكها أسرة مشكوك في سودانيتها كجيش موازٍ للجيش السوداني، ثم (ج) يريد البيان أن تكون هذه المليشيا ضمن المكونات للجيش السوداني الجديد.

*

وهذا جميعه مرفوض شكلا ومضمونا، ليس من الجيش فحسب، بل من جميع قطاعات الشعب السوداني التي عانت وتم التنكيل بها من قبل هذه المليشيا المجرمة والمجردة من كل القيم الإنسانية بمستوى ما تعكسه جرائمها على الأرض التي بلغت قمتها في الغدر ثم التمثيل بجثة خميس أبكر (حاكم ولاية غرب دارفور) لدرجة رجمها بالحجارة ودوسها بسيارة تاتشر وسط تهليل رجال وزغاريد نساء هذه المليشيا المجرمة.

*النقطة الثانية غير المذكورة هي مجمل الجرائم التي ارتكبتها هذه المليشيا المجرمة، وهي جرائم ترقى للتطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية والاغتصاب الجماعي الممنهج، وهي بهذا جرائم لا يمكن، كما لا يجوز لأي ترتيبات قادمة لإنهاء الحرب، أو ترتيبات ما بعد الحرب، أن تتجاوزها دون النص على محاكمة مرتكبيها من حيث مسئوليتهم الجنائية، بدءا من أعلى القيادات نزولا إلى أدنى درجات التنفيذ. فبدون التطرق لكيفية المعالجة القضائية العدلية المباشرة للأشخاص، دونما أي التفاف حولها بما يسمى بالعدالة الانتقالية أو خلافها – دون هذا كله، فلا مجال لقبول أي أطروحة تتعلق بوقف الحرب أو معالجة تداعياتها.*

وعليه، لا مجال البتة لقبول هذا الكلام العمومي الصادر من مليشيا الجنجويد المجرمة الذي ليس فيه جديد بخلاف محاولته بيع نفس الخمر المغشوشة وفي نفس القناني القديمة، بعد إجراء المزيد من الغش والتدليس.

محمد جلال هاشم
جوبا – 28 أغسطس 2023م
*MJH*

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: هذه الملیشیا

إقرأ أيضاً:

رشان اوشي: المأزق السوداني متعدد الأوجه

فداحة الأمر أن المأزق ليس عسكرياً فقط ، ولكنه متعدد ومختلف الاسماء ، أنه دولياً، سياسياً، عسكرياً، وداخلي أيضاً يتعلق بتركيبة المجتمع السوداني ، والأهم أنه مأزق أخلاقي.
وما حرب 15/ابريل الا نقلة كبيرة بين لحظتين قريبتين زمنياً تكشف عن الاحتمالات الغزيرة للتقلبات السياسية، وأن الأمور فعلاً في البركة الآسنة المسماة السياسة ليست اختياراً بين لونين، الأبيض والأسود، بل هي في أغلب الأحيان، درجات من الألوان، بما فيها المنطقة الرمادية.

سياسياً.. ولأن البندقية لا تعرف الألوان الرمادية ، قاتل الجيش الوطني بظهر مكشوف ، بدون حاضنة سياسية ، ولا غطاء سياسي ، ولا خطاب تعبوي ، كل ذلك نتاج مواقف القوى السياسية التي تقوم على البراغماتية ، وهي بالطبع لا تتسق مع موقف الجيش الذي أعلنه الرئيس “البرهان ” في خطاب شهير إبان أزمة “الإطاري”، قال فيه:”الجيش يقف على مسافة واحدة من جميع القوى السياسية” .

الجميع يسعى لامتطاء ظهر القوات المسلحة وصولاً إلى السلطة، عندما أيقنوا أن الجيش وقيادته لن يتحالفوا مع حزب سياسي بل مع الوطن فقط، انفضوا عنه، والذاكرة القريبة تحتفظ بالرحلات المتكررة بين القاهرة بورتسودان ، وحماسة المؤتمرات التي عقدت خلال الأشهر الماضية .

عسكرياً .. لا تزال هناك عراقيل مستمرة تعمل على حرمان الجيش السوداني من أخذ دوره في استعادة استقرار البلاد، فبعد أن تعرض الجيش لأكبر عملية إبادة وتدمير لبنيته ومعسكراته وآلياته وقواعده وطائراته في خلال عام ونيف من الحرب ، يعيش الآن تحت نير الحرب النفسية ، التي تحاول صنع هوة بين قيادته والشعب بأنها قيادة مهزومة عسكرياً، وأن الجيش يفر من المواجهة الميدانية.

والحقيقة أن الجيش السوداني لم يقاتل من قبل داخل المدن وبين المواطنين ، بجانب الاستنزاف المادي اليومي في ظل حصار دولي ، وحدود مفتوحة مع جيران متآمرين ،قبضوا ثمن تأجيج الحريق في السودان على الملأ.

دولياً.. جرت محاولة لإسقاط الدولة من خلال استخدام الغرب لقوته السياسية التدميرية بحجة حماية المدنيين، وغض الطرف عن حرب غير اخلاقية، استخدمت فيها كل المحرمات الدولية ، جعلت السودان أرضاً مشاعاً للفارين وقُطّاع الطرق والإرهابيين، ينهبوا ،يغتصبوا ويقتلوا المدنيين وكان الهدف من ذلك هو إسقاط الدولة ونشر الفوضى.

الأزمة بجميع تعقيداتها الداخلية والخارجية، وتناطح السياسيين، وهم المناط بهم توفير الغطاء السياسي ، والخطاب التعبوي لمساندة الجيش الوطني وهو يخوض حرباً وجودية ، قد تكون نتائجها كارثية، ومنها أنهم لن يجدوا بلداً يتصارعون على حكمه .

بجانب تآمر بعض السياسيين مع مشغليهم من الخارج لإفشال جهود الجيش في حماية الدولة من السقوط في أيدي مليشيات المرتزقة الأجانب ، بل وحاولوا إصابته في مقتل بالمساهمة في حملات الحرب النفسية التي تصف الجنود والضباط بالفارين من سوح القتال ، حتى يتراجع دور الجيش بقصد تفكيكه وهو الأمر الذي تسعى إليه بعض الدول الكبرى المتدخلة في الشأن السوداني .

داخلياً.. تعقيدات المجتمع السوداني كانت سبباً آخر ولكنه ثانوي في استمرار الحرب بهذه الوتيرة ، لأن الشعب لم يجد سياسياً محترماً يقدمه قائداً ملهماً للجماهير ، حتى رجال الإدارة الأهلية ولغوا في المؤامرة وقبضوا الثمن.

أهم خطوة يجب أن تسبق أي حوار سياسي حول تقاسم السلطة ، هي السعي لإخلاء السودان من الميليشيات والمرتزقة والقوات الأجنبية وإلا أصبحت كل مجهودات التسوية السياسية حرث في البحر .

يجب أن تعلم دول الجوار التي ترعى مشروعات التسوية السياسية ،ان المرتزقة خطر على الجوار أيضاً، وهناك من يرى أن حتى خروجهم بأسلحتهم يعتبر خطراً إقليمياً آخر، وبخاصة في ظل وجود صراعات في المنطقة .

ملف الميليشيات والمرتزقة ليس ملفاً سودانياً خالصاً بالمطلق، ومن يظن أن خروجهم هو رهين إرادة سودانية خالصة هو مخطئ، فوجود المرتزقة هو نتيجة تدخلات خارجية وحرب بالوكالة في السودان ، وبالتالي أي مطالبة لإخراج هذه الجماعات لا بد أن تمر عبر بوابة الدول الكبرى المتدخلة في الشأن السوداني ، فمن جلب العفريت هو من يصرفه.
محبتي واحترامي

رشان اوشي

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • رشان اوشي: المأزق السوداني متعدد الأوجه
  • القوى السياسية السودانية: نشكر مصر لمبادرتها جمع الفرقاء السودانيين (بيان)
  • الخارجية تدين امتداد إنتهاكات المليشيا المتمردة لمناطق الانتاج الزراعي
  • سَاعَتَان مع البُرْهَان…!
  • جامع حِسْلْ بمحافظة إب.. منارة تاريخية في بلد غني بالمآثر والآثار
  • ممثل أمريكي: ما تفعله إسرائيل غير أخلاقي وغير قانوني.. وإدارة بايدن متورطة
  • مؤتمر القاهرة.. تحرك حثيث لرأب الصدع في السودان
  • المحاور والعوائق في التفاوض السوداني
  • الصفدي ونظيره الأمريكي يُناقشان سبل وقف الحرب على غزة
  • حركة عبدالواحد: 5 ملايين مواطن ونازح بأراضينا معرضين للموت جوعًا