عربي21:
2024-12-18@17:05:37 GMT

مصر من أصول البيع إلى بيع الأصول!

تاريخ النشر: 29th, August 2023 GMT

فيلم "العتبة الخضرا" وقصة الرجل الذي اشترى "التروماي"! كانا دليلا على السذاجة المفرطة، ومثالا على ضياع الأموال في صفقات مستحيلة، لكنهما في جانب مهم يوضحان أن الأمر المستقر وقتها في أفهام الناس هو حرمة مقار الحكومة ومبانيها الرسمية كونها ملكية عامة لا يجوز المساس بها، مع استحالة بيعها بالإجراءات العادية، لكن الأمر -بعد ستة عقود- من إنتاج فيلم "العتبة الخضرا" لم يعد مثالا على السذاجة، كما أن الطرح أصبح ممكنا، فإن أملاك الدولة ومقارها الرسمية في وسط البلد، تباع بطرق غريبة ومستهجنة!

أصول البيع

نجحت البيروقراطية المصرية في إنجاز أصول إجرائية لحماية أصول وأملاك الدولة، يصعب تجاوزها، تنظم عمليات بيع وشراء الأصول والثروات، وتمر بسلسلة طويلة من الإجراءات القانونية التي تصونها من الإهمال والفساد أو الاستغلال والتربح.



يمكننا إطلاق مصطلح "أصول البيع" على تلك الإجراءات، فتشريعات "المناقصات والمزايدات" و"تأسيس أجهزة مستقلة" كالجهاز المركزي للمحاسبات والرقابة الإدارية، بالإضافة لآليات رقابية عليا، تنفيذية وبرلمانية وقضائية، وضعت أصولا لعمليات التصرف في أملاك الدولة وثرواتها، قبل أن تنقلب دولة يوليو 1952 على تلك المنظومة، وتضعفها بشكل متعمد، كونها ركزت السلطات في يد الرئيس، وحولت منظومة الحكم من راعي لمصالح الشعب إلى قيِّم أو وصي عليه، أو بالأحرى "مالك حقيقي" لا يعقب على أمره أحد، حتى وصلت الأمور قبيل ثوة يناير لذروتها في ملف الخصخصة وبيع الأصول، ولم تخفف من خطورتها الأحكام الشهيرة لمجلس الدولة ببطلان بعض عقود الخصخصة.

بيع الأصول

عقب انقلاب 2013، تحولت مصر من دولة تراعي "أصول البيع" إلى كيان يبالغ في "بيع الأصول"، يوقع اتفاقية تنازل عن حقوق مصر التاريخية بنهر النيل، ثم يفرط في جزيرتي تيران وصنافير، ثم يجرم الحديث حول فضيحة الغاز الطبيعي الإسرائيلي التي تفجرت قبيل ثورة يناير.

كيف تحولت الأمور من منظومة معقدة تبالغ في حماية أصول الدولة إلى منظومة تبيع الأصول بكل أريحية وتساهل؟ الإجابة تكمن في معرفة "السياسات التشريعية" التي اعتمدها نظام يوليو 2013 في هذا الشأن، والتي ترتبت عليها منظومة من التشريعات والقرارات سهلت عملية بيع أصول الدولة، ومن ثم حصنتها من الطعن
لكن، كيف تحولت الأمور من منظومة معقدة تبالغ في حماية أصول الدولة إلى منظومة تبيع الأصول بكل أريحية وتساهل؟ الإجابة تكمن في معرفة "السياسات التشريعية" التي اعتمدها نظام يوليو 2013 في هذا الشأن، والتي ترتبت عليها منظومة من التشريعات والقرارات سهلت عملية بيع أصول الدولة، ومن ثم حصنتها من الطعن.

على رأس تلك المنظومة، قانون عجيب في جرأته على إهدار مبدأ المواطنة، وتقييد سلطة القضاء، أصدره "عدلي منصور" قبل ترك منصبه بأقل من خمسين يوما، ما يضع علامات استفهام عن مدى العجلة في إصداره! هو القرار بقانون رقم 32 لسنة 2014 بشأن "تنظيم بعض إجراءات الطعن على عقود الدولة"، والذي منع الطعن على عقود الدولة وقراراتها ببيع الأصول، وحرم المواطنين من التقاضي وفق مبدأي "الصفة والمصلحة" المستقرين في قضاء مجلس الدولة، كما أوجب على المحكمة رفض الطعون المرفوعة على العقود والقرارات من تلقاء نفسها، ما أسبغ على قرارات الحكومة حصانة من الطعون القضائية. ولم يكتف بذلك، بل امتد التحصين بأثر رجعي للطعون التي أقيمت قبل تاريخ العمل بهذا القانون ما يعني إسقاط كافة طعون الخصخصة والبيع التي أقيمت قبل الثورة وأثنائها!

الأمر الأعجب أن المحكمة الدستورية أقرت هذا القانون رغم وضوح العوار الدستوري الذي يحيطه من كل جوانبه، بل اعتبرته في حيثيات حكمها ضروريا لاستعادة الثقة في العقود التي تبرمها الدولة عبر طمأنة المستثمرين والممولين وغيرهم من الراغبين في التعاقد مع الدولة. وأضافت أن التشريع المطعون فيه قد توخّى تحقيق اعتبارات الأمان القانوني للتصرفات التي تبرمها الدولة.. وبهذا تم تحصينه من الطعن بعدم الدستورية، وأصبحت عقود بيع الأصول مشروعة والطعن عليها ممنوع.

قانون "صندوق مصر السيادي" برقم 177 لسنة 2018 هو الآخر منح حصانة لتصرفات النظام المفرّطة في الأصول، حيث منح رئيس الجمهورية حقا منفردا بإصدار قرارات إزالة صفة النفع العام ونقل أي أصل من أصول الدولة "المستغلة وغير المستغلة" للصندوق، ثم منح الصندوق الحق في بيعها أو تأجيرها، والتصرف فيها بكافة الأشكال، مع اعتبار تلك القرارات بنقل الأصول للصندوق أو بيعها فيما بعد "محصنة من الطعن" وعلى المحكمة أن تقضي من تلقاء نفسها برفض الطعن عليها.

لم ينقضِ العجب بعد! فإن الصندوق الذي يستلم "أصول مصر" لا يديره جهاز حكومي أو وزارة، إنما يديره مجلس إدارة معين من قبل رئيس الجمهورية على غرار مجالس إدارات الشركات، ولا يخضع في ذات الوقت لأيٍ من أجهزة الرقابة، وفي مقدمتها الجهاز المركزي للمحاسبات، كما أنه يدير الأموال التي آلت إليه بذاته، أو يعهد بها للغير وفق قراره المنفرد. والأخطر على الإطلاق أنه في حال خسارة 50 في المئة من رأس المال يُصفي الصندوق وفق إجراءات يتخذها مجلس إدارته وجمعيته العمومية، وهو ما يخالف أبسط بديهيات العمل الإداري التي تمنع الجهة الإدارية التي حققت الخسائر من التستر على وقائع الفساد أو التربح.

الصندوق الذي يستلم "أصول مصر" لا يديره جهاز حكومي أو وزارة، إنما يديره مجلس إدارة معين من قبل رئيس الجمهورية على غرار مجالس إدارات الشركات، ولا يخضع في ذات الوقت لأيٍ من أجهزة الرقابة، وفي مقدمتها الجهاز المركزي للمحاسبات، كما أنه يدير الأموال التي آلت إليه بذاته، أو يعهد بها للغير وفق قراره المنفرد
طبيعة الأصول التي تباع عبر الصندوق السيادي، تضم مباني ذات طبيعة تاريخية خاصة، فمقار الحكومة القديمة في القاهرة والمحافظات والتي تقدر بمئات المليارات تُزال عنها صفة النفع العام وتؤول تباعا للصندوق، على غرار قرار السيسي 459 لسنة 2020 والذي نقل للصندوق بمقتضاه "مبنى مجمع التحرير، ومقر وزارة الداخلية في لاظوغلي، ومقر الحزب الوطني على نيل القاهرة، ومباني كل من القرية التعليمية الاستكشافية والقرية الكونية بمدينة السادس من أكتوبر، ومباني ملحق معهد ناصر في كورنيش شبرا مصر، وأرض حديقة الأندلس في طنطا، وجميعها أراض ذات قيمة اقتصادية واستثمارية كبيرة. انضمت مؤخرا إلى صندوق مصر السيادي شركة مصر القابضة للتأمين، وهي شركة ضخمة تمتلك مئات الأصول العقارية ذات القيمة التاريخية والمواقع المتميزة استثماريا في القاهرة والمحافظات وتديرها عبر شركة مصر لإدارة الأصول العقارية.

وفق هذه التشريعات أصبح النظام ممثلا في شخص رئيسه، أو الأجهزة التي أنشأها لبيع الأصول، مطلق اليد، لا يراجعه برلمان، ولا يوقفه قضاء، ولا يحق لمواطن الطعن على قراراته.

ضمانات ملغاة

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد ألغى النظام ضمانات تحصين أصول الدولة وأملاكها وثرواتها، فألغى قانون المناقصات والمزايدات، وحل محله قانون التعاقدات الحكومية الذي يتوسع في التعاقد بالإسناد المباشر، وقيّد اختصاص مجلس الدولة بمراجعة العقود التي تبرمها الدولة، كما شُكلت لجان عليا لحصر أملاك الدولة الخاصة، وثروات وزارة الأوقاف، وعقارات وأملاك وزارة النقل والزراعة والحكم المحلي.

طرق بيع أصول الدولة تعد دلالة واضحة على استخدام النظام للسياسات التشريعية والوظيفة القانونية في خدمة أهدافه، وتحصين أعماله، وإصدار قوانين وقرارات من شأنها تهريب الثروة والتفريط في الأصول، دون معقب أو رقيب، والمحصلة كما نرى هدم التاريخ، وطمس الهوية، وحرمان مصر من أملاكها وأصولها وثرواتها.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه أصول المصرية الأصول صندوق مصر السيادي مصر الأصول أصول صندوق مصر السيادي مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة أصول الدولة من الطعن

إقرأ أيضاً:

محافظ الشرقية يلتقي أهالي "الحسينية" لبحث المشاكل التي تواجههم لإنهاء إجراءات التقنين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أكد المهندس حازم الأشموني محافظ الشرقية، أن الدولة جادة في استرداد أراضي أملاك الدولة وتطبيق القانون بكل قوة وحسم، على غير الملتزمين، وذلك تنفيذاً لتوجيهات القيادة السياسية والحكومة وإعلاءاً للقانون وحفاظاً على حق الشعب.

جاء ذلك اليوم خلال لقائه مع عدد من  المواطنين المتعديين على أراضي أملاك الدولة بمركز الحسينية لحثهم على إنهاء إجراءات تقنين الأوضاع وسداد المقدم المستحق عليهم والاستفادة من التسهيلات التي قدمتها المحافظة لطرق سداد الرسوم ، وذلك تنفيذاً  لأحكام القانون والحفاظ على حق الدولة.

استهل المحافظ اللقاء بنقل تحيات الرئيس عبد الفتاح السيسي، لأبناء المحافظة ورسالته لهم بحب بلادهم والعمل بجهد والحفاظ علي مقدرات الدولة المصرية لضمان استقرارها فبلادنا تستحق منا تقديم الكثير والكثير.

وأشار المحافظ أن الدولة المصرية تسعى لمنح الحقوق مقابل تقنين الأوضاع في إطار القانون بما يحفظ مصالح المواطن والدولة على حد سواء وحسن توظيف أموال تقنين الأوضاع لإقامة مشروعات خدمية للمواطنين.

وأكد محافظ  الشرقية، على ضرورة إنهاء كافة الإجراءات اللازمة لكافة الطلبات المقدمة بأقصى سرعة وتحصيل أموال الدولة من المخالفين، قائلاً أن الدولة جادة في ملف تقنين الأوضاع والتصالح مع المواطنين، ولن تتهاون في تحصيل حقها بما يحقق صالح الجميع.

واستمع محافظ الشرقية لمطالب المواطنين والمشاكل التي تواجههم لإنهاء إجراءات التقنين ، مؤكداً أن المحافظة   تفحص كافة الطلبات المقدمة ونقوم بالرد على الإستفسارات المختلفة وإيجاد حلول عملية لإنهاء هذا الملف بما يحقق حياة آمنه ومستقرة لجميع المواطنين ويلبي إحتياجات الأجيال الحالية والقادمة وتلاشياً لتطبيق حملات الازالة واسترداد أملاك الدولة بقوة القانون.

وقدم المواطنون الشكر لمحافظ الشرقية لحرصه على لقائهم وتقديم كافة التيسيرات اللازمة لتوفيق أوضاعهم واستكمال الإجراءات الخاصة بهم.

وفي نهاية اللقاء أكد محافظ الشرقية أنه سيواصل لقاءاته المستمره مع المواطنين المتعديين على أراضي أملاك الدولة بمختلف قرى ومراكز ومدن المحافظة لتشجيعهم على سرعة إنهاء إجراءات التقنين وتصحيح الأوضاع المخالفة ومنعاً لتسلل شعور عدم الأمان والإستقرار للمواطنين لتصبح أملاكهم مسجلة في سجلات الدولة ولها سند قانوني.

حضر اللقاء الدكتور أحمد عبد المعطي نائب المحافظ ومحمد نعمه كُجك السكرتير العام المساعد للمحافظة والعميد محمود متولي مدير الإدارة العامة لحماية أملاك الدولة والمهندس محمد العوضي رئيس مركز ومدينة الحسينية.

مقالات مشابهة

  • انتصار قضائي حاسم يُعزّز جهود استرداد الأموال الليبية
  • وزير الصحة: إصدار نحو 3 ملايين ونصف مليون قرارعلاج على نفقة الدولة للمواطنين الذين لا يغطيهم التأمين الصحي
  • محافظ قنا يتابع عمل منظومة المتغيرات المكانية وتعديات الأراضي الزراعية
  • محافظ قنا يتابع تنفيذ منظومة المتغيرات المكانية وإجراءات إزالة التعديات على الأراضي الزراعية
  • أردوغان يكشف عن الدولة الوحيدة في العالم التي هزمت داعش على الأرض
  • محافظ الشرقية يلتقي أهالي "الحسينية" لبحث المشاكل التي تواجههم لإنهاء إجراءات التقنين
  • بسبب الإساءة في طرق الطعن .. وزارة العدل تستوفي 6 مليارات ليرة من رياض سلامة
  • باقة تأمين صحي بسعر تنافسي للعاملين في القطاع الخاص والعمالة المساعدة في كل إمارات الدولة
  • عبدالله تقدم باقتراح قانون لتعديل مادة في قانون أصول المحاكمات الجزائية
  • ثقافة العنصرية ضد العراقيين من أصول إيرانية افتراضية