عربي21:
2025-01-19@00:11:42 GMT

مصر من أصول البيع إلى بيع الأصول!

تاريخ النشر: 29th, August 2023 GMT

فيلم "العتبة الخضرا" وقصة الرجل الذي اشترى "التروماي"! كانا دليلا على السذاجة المفرطة، ومثالا على ضياع الأموال في صفقات مستحيلة، لكنهما في جانب مهم يوضحان أن الأمر المستقر وقتها في أفهام الناس هو حرمة مقار الحكومة ومبانيها الرسمية كونها ملكية عامة لا يجوز المساس بها، مع استحالة بيعها بالإجراءات العادية، لكن الأمر -بعد ستة عقود- من إنتاج فيلم "العتبة الخضرا" لم يعد مثالا على السذاجة، كما أن الطرح أصبح ممكنا، فإن أملاك الدولة ومقارها الرسمية في وسط البلد، تباع بطرق غريبة ومستهجنة!

أصول البيع

نجحت البيروقراطية المصرية في إنجاز أصول إجرائية لحماية أصول وأملاك الدولة، يصعب تجاوزها، تنظم عمليات بيع وشراء الأصول والثروات، وتمر بسلسلة طويلة من الإجراءات القانونية التي تصونها من الإهمال والفساد أو الاستغلال والتربح.



يمكننا إطلاق مصطلح "أصول البيع" على تلك الإجراءات، فتشريعات "المناقصات والمزايدات" و"تأسيس أجهزة مستقلة" كالجهاز المركزي للمحاسبات والرقابة الإدارية، بالإضافة لآليات رقابية عليا، تنفيذية وبرلمانية وقضائية، وضعت أصولا لعمليات التصرف في أملاك الدولة وثرواتها، قبل أن تنقلب دولة يوليو 1952 على تلك المنظومة، وتضعفها بشكل متعمد، كونها ركزت السلطات في يد الرئيس، وحولت منظومة الحكم من راعي لمصالح الشعب إلى قيِّم أو وصي عليه، أو بالأحرى "مالك حقيقي" لا يعقب على أمره أحد، حتى وصلت الأمور قبيل ثوة يناير لذروتها في ملف الخصخصة وبيع الأصول، ولم تخفف من خطورتها الأحكام الشهيرة لمجلس الدولة ببطلان بعض عقود الخصخصة.

بيع الأصول

عقب انقلاب 2013، تحولت مصر من دولة تراعي "أصول البيع" إلى كيان يبالغ في "بيع الأصول"، يوقع اتفاقية تنازل عن حقوق مصر التاريخية بنهر النيل، ثم يفرط في جزيرتي تيران وصنافير، ثم يجرم الحديث حول فضيحة الغاز الطبيعي الإسرائيلي التي تفجرت قبيل ثورة يناير.

كيف تحولت الأمور من منظومة معقدة تبالغ في حماية أصول الدولة إلى منظومة تبيع الأصول بكل أريحية وتساهل؟ الإجابة تكمن في معرفة "السياسات التشريعية" التي اعتمدها نظام يوليو 2013 في هذا الشأن، والتي ترتبت عليها منظومة من التشريعات والقرارات سهلت عملية بيع أصول الدولة، ومن ثم حصنتها من الطعن
لكن، كيف تحولت الأمور من منظومة معقدة تبالغ في حماية أصول الدولة إلى منظومة تبيع الأصول بكل أريحية وتساهل؟ الإجابة تكمن في معرفة "السياسات التشريعية" التي اعتمدها نظام يوليو 2013 في هذا الشأن، والتي ترتبت عليها منظومة من التشريعات والقرارات سهلت عملية بيع أصول الدولة، ومن ثم حصنتها من الطعن.

على رأس تلك المنظومة، قانون عجيب في جرأته على إهدار مبدأ المواطنة، وتقييد سلطة القضاء، أصدره "عدلي منصور" قبل ترك منصبه بأقل من خمسين يوما، ما يضع علامات استفهام عن مدى العجلة في إصداره! هو القرار بقانون رقم 32 لسنة 2014 بشأن "تنظيم بعض إجراءات الطعن على عقود الدولة"، والذي منع الطعن على عقود الدولة وقراراتها ببيع الأصول، وحرم المواطنين من التقاضي وفق مبدأي "الصفة والمصلحة" المستقرين في قضاء مجلس الدولة، كما أوجب على المحكمة رفض الطعون المرفوعة على العقود والقرارات من تلقاء نفسها، ما أسبغ على قرارات الحكومة حصانة من الطعون القضائية. ولم يكتف بذلك، بل امتد التحصين بأثر رجعي للطعون التي أقيمت قبل تاريخ العمل بهذا القانون ما يعني إسقاط كافة طعون الخصخصة والبيع التي أقيمت قبل الثورة وأثنائها!

الأمر الأعجب أن المحكمة الدستورية أقرت هذا القانون رغم وضوح العوار الدستوري الذي يحيطه من كل جوانبه، بل اعتبرته في حيثيات حكمها ضروريا لاستعادة الثقة في العقود التي تبرمها الدولة عبر طمأنة المستثمرين والممولين وغيرهم من الراغبين في التعاقد مع الدولة. وأضافت أن التشريع المطعون فيه قد توخّى تحقيق اعتبارات الأمان القانوني للتصرفات التي تبرمها الدولة.. وبهذا تم تحصينه من الطعن بعدم الدستورية، وأصبحت عقود بيع الأصول مشروعة والطعن عليها ممنوع.

قانون "صندوق مصر السيادي" برقم 177 لسنة 2018 هو الآخر منح حصانة لتصرفات النظام المفرّطة في الأصول، حيث منح رئيس الجمهورية حقا منفردا بإصدار قرارات إزالة صفة النفع العام ونقل أي أصل من أصول الدولة "المستغلة وغير المستغلة" للصندوق، ثم منح الصندوق الحق في بيعها أو تأجيرها، والتصرف فيها بكافة الأشكال، مع اعتبار تلك القرارات بنقل الأصول للصندوق أو بيعها فيما بعد "محصنة من الطعن" وعلى المحكمة أن تقضي من تلقاء نفسها برفض الطعن عليها.

لم ينقضِ العجب بعد! فإن الصندوق الذي يستلم "أصول مصر" لا يديره جهاز حكومي أو وزارة، إنما يديره مجلس إدارة معين من قبل رئيس الجمهورية على غرار مجالس إدارات الشركات، ولا يخضع في ذات الوقت لأيٍ من أجهزة الرقابة، وفي مقدمتها الجهاز المركزي للمحاسبات، كما أنه يدير الأموال التي آلت إليه بذاته، أو يعهد بها للغير وفق قراره المنفرد. والأخطر على الإطلاق أنه في حال خسارة 50 في المئة من رأس المال يُصفي الصندوق وفق إجراءات يتخذها مجلس إدارته وجمعيته العمومية، وهو ما يخالف أبسط بديهيات العمل الإداري التي تمنع الجهة الإدارية التي حققت الخسائر من التستر على وقائع الفساد أو التربح.

الصندوق الذي يستلم "أصول مصر" لا يديره جهاز حكومي أو وزارة، إنما يديره مجلس إدارة معين من قبل رئيس الجمهورية على غرار مجالس إدارات الشركات، ولا يخضع في ذات الوقت لأيٍ من أجهزة الرقابة، وفي مقدمتها الجهاز المركزي للمحاسبات، كما أنه يدير الأموال التي آلت إليه بذاته، أو يعهد بها للغير وفق قراره المنفرد
طبيعة الأصول التي تباع عبر الصندوق السيادي، تضم مباني ذات طبيعة تاريخية خاصة، فمقار الحكومة القديمة في القاهرة والمحافظات والتي تقدر بمئات المليارات تُزال عنها صفة النفع العام وتؤول تباعا للصندوق، على غرار قرار السيسي 459 لسنة 2020 والذي نقل للصندوق بمقتضاه "مبنى مجمع التحرير، ومقر وزارة الداخلية في لاظوغلي، ومقر الحزب الوطني على نيل القاهرة، ومباني كل من القرية التعليمية الاستكشافية والقرية الكونية بمدينة السادس من أكتوبر، ومباني ملحق معهد ناصر في كورنيش شبرا مصر، وأرض حديقة الأندلس في طنطا، وجميعها أراض ذات قيمة اقتصادية واستثمارية كبيرة. انضمت مؤخرا إلى صندوق مصر السيادي شركة مصر القابضة للتأمين، وهي شركة ضخمة تمتلك مئات الأصول العقارية ذات القيمة التاريخية والمواقع المتميزة استثماريا في القاهرة والمحافظات وتديرها عبر شركة مصر لإدارة الأصول العقارية.

وفق هذه التشريعات أصبح النظام ممثلا في شخص رئيسه، أو الأجهزة التي أنشأها لبيع الأصول، مطلق اليد، لا يراجعه برلمان، ولا يوقفه قضاء، ولا يحق لمواطن الطعن على قراراته.

ضمانات ملغاة

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد ألغى النظام ضمانات تحصين أصول الدولة وأملاكها وثرواتها، فألغى قانون المناقصات والمزايدات، وحل محله قانون التعاقدات الحكومية الذي يتوسع في التعاقد بالإسناد المباشر، وقيّد اختصاص مجلس الدولة بمراجعة العقود التي تبرمها الدولة، كما شُكلت لجان عليا لحصر أملاك الدولة الخاصة، وثروات وزارة الأوقاف، وعقارات وأملاك وزارة النقل والزراعة والحكم المحلي.

طرق بيع أصول الدولة تعد دلالة واضحة على استخدام النظام للسياسات التشريعية والوظيفة القانونية في خدمة أهدافه، وتحصين أعماله، وإصدار قوانين وقرارات من شأنها تهريب الثروة والتفريط في الأصول، دون معقب أو رقيب، والمحصلة كما نرى هدم التاريخ، وطمس الهوية، وحرمان مصر من أملاكها وأصولها وثرواتها.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه أصول المصرية الأصول صندوق مصر السيادي مصر الأصول أصول صندوق مصر السيادي مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة أصول الدولة من الطعن

إقرأ أيضاً:

الأولى منذ سقوط الأسد.. ما دلالات الغارة التي نفذها التحالف الدولي في إدلب؟

أثارت الغارة التي نفذتها طائرة تابعة لـ"التحالف الدولي" بقيادة واشنطن الأربعاء في ريف إدلب، تساؤلات لجهة دلالاتها وتوقيتها، وخاصة أنها تعد الأولى منذ سقوط نظام بشار الأسد.

وكانت مصادر سورية قد كشفت عن هوية الشخصين المستهدفين بالغارة على أطراف مدينة سرمدا بريف إدلب الشمالي.

وبيت المصادر أن الطائرة استهدفت بصواريخ دقيقة شخصين كانا يستقلان دراجة نارية، هما محمد فياض الذيبان، من بلدة الشيخ إدريس بريف سراقب شرقي إدلب، ونايف حمود عليوي، من بلدة العنكاوي في منطقة سهل الغاب شمال غربي حماة.

والذيبان الذي تعرض لإصابة قديمة أدت إلى بتر قدمه، وفق المصادر يرتبط بتنظيم الدولة، أما الشخص الثاني فهو مدني.


من جهته، أشار مصدر في حديث خاص لـ"عربي21" إلى أن الذيبان المرتبط بتنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، تلقى تعليمات لإعادة نشاط خلايا تتبع للتنظيم في إدلب، وكان يخضع للمراقبة من قبل "التحالف الدولي".

خطوة متقدمة ضد "داعش"
ويرى الباحث في الجماعات الإسلامية عرابي عرابي، أن الهجوم يهدف إلى منع خلايا تابعة لتنظيم الدولة من إعادة نشاطها وتجميع صفوفها، موضحا لـ"عربي21" أن "الضربة تعرقل بناء سلسلة القيادة للتنظيم".


وقال الباحث إن الضربة هي "خطوة متقدمة" من التحالف، وذلك بعد أيام من ظهور خلايا التنظيم عبر التخطيط لعملية تفجير داخل مقام السيدة زينب في دمشق، وهو الهجوم الذي أعلنت الأجهزة الاستخباراتية التابعة لـ"إدارة العمليات العسكرية" عن إحباطه الأسبوع الماضي.

وكان مصادر حقوقية سورية قد حذرت من استغلال أطراف إقليمية لخلايا تنظيم الدولة "داعش"، في تفجيرات هدفها إشعال الفتنة بين مكونات الشعب السوري.

ملاحقة المتشددين
يرى الخبير العسكري وعميد كلية العلوم السياسية في "الجامعة الأهلية" عبد الله الأسعد، أن الغارة الأولى من نوعها بعد سقوط النظام، تؤشر إلى استمرار "التحالف الدولي" بملاحقة المتشددين وخلايا التنظيم.

وقال الأسعد لـ"عربي21": يبدو أن هناك حالة من الإصرار من قبل "التحالف الدولي" على استهداف خلايا التنظيم، وعناصر الجماعات المتشددة، رغم التطورات التي حدثت في سوريا.

وأضاف أن "التحالف الدولي" يقول إن "لدينا معرفة واسعة بما يجري في إدلب وغيرها، واستهداف الذيبان المرتبط سابقاً بتنظيم الدولة، هو الدليل".

الفراغ في إدلب
أما المحلل السياسي فواز المفلح، يشير في حديثه لـ"عربي21" إلى المخاوف من استغلال خلايا التنظيم للفراغ في إدلب، بسبب انشغال "هيئة تحرير الشام" بإدارة كل سوريا، بعد تمكنها برفقة الفصائل من إسقاط النظام.


وأوضح أن إدلب من المناطق التي تتواجد بها خلايا تتبع للتنظيم، حيث قتل فيها أكثر من مسؤول بارز، مثل زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي، وخليفته "القرشي".

ويعتقد المفلح أن "التحالف" زاد من مراقبة تحركات التنظيم في إدلب خاصة، وفي سوريا عامة بعد انهيار نظام الأسد.

ووفق مراكز أبحاث غربية، فقد منح انهيار نظام الأسد "المفاجئ" تنظيم الدولة "فرصة جديدة"، حيث استولى على مخزونات من الأسلحة والمعدات التي خلفها جيش النظام السوري والميليشيات الموالية له، بينما أكد خبراء أن "التنظيم يعمل حاليا على تدريب مجندين جدد وحشد قواته في الصحراء السورية، في محاولة لإحياء مشروعه".

مقالات مشابهة

  • مدير عام الهيئة العامة للأراضي والمساحة فرع الأمانة محمد العمدي لـ”الثورة “: على المواطنين عدم شراء أي قطعة أرض إلّا من أصول مسجلة
  • القريو: 10 مليارات دولار أصول للاستثمار الخارجي بموافقة مجلس الأمن
  • أصول الشركات الصينية المملوكة للدولة تتجاوز 90 تريليون يوان في 2024
  • الشحومي: خسائر تجميد أصول المؤسسة الليبية للاستثمار تقدر بـ140 مليار دولار
  • مؤسسة الاستثمار: 10 مليارات دولار قيمة الأصول التي ستُستثمر بناءً على موافقة مجلس الأمن
  • تيك توك في مأزق.. الحظر أو البيع بعد حكم تاريخي
  • الأولى منذ سقوط الأسد.. ما دلالات الغارة التي نفذها التحالف الدولي في إدلب؟
  • مدبولي: أعلنا عن خطة الطروحات لـ 2025.. ومنظومة الإصلاح مستمرة
  • بقيمة أصول 8.4 مليار دولار.. مصرفان إسلاميان مصريان ضمن قائمة الأفضل عالميا لعام 2023
  • محمد بن زايد يؤكد دعم الدولة للاختراعات والابتكارات التي تخدم التنمية