د.حماد عبدالله يكتب: صناعة الحرير الطبيعى !!
تاريخ النشر: 29th, August 2023 GMT
كنا فى مدارسنا زمان – نقتنى صندوق السجائر المكعب المستطيل – بعد أن نثقب سقفه، ونضع فيه من أوراق التوت ( شجر التوت ) الخضراء وعدد من(دود القز ) – كان يباع بجانب الكتاتيب، والمدارس الأميرية، وكنا كأطفال نفرح أشد الفرح بإقتنائنا " دودة القز" – المنتجة للحرير، ونفرح أكثر حينما تتحول الدودة إلى شرنقة تفرز خيوطها من فمها – وتتحول بعد ذلك إلى فراشة، وكنا نتدرب فى المدرسة على إخراج خيوط وشعيرات الحرير الطبيعى من الشرنقة بعد وضعها فى ماء دافئ – لإنهاء حالة الإلتصاق الصمغية حول شعر حرير الشرنقة - وكان شجر التوت منتشر فى شوارع القاهرة القديمة وفى حدائق المدن، مع شجر" الجميز" الذى كان ينتشر فى قرانا ، وكانت أشجار ذات قيمة عالية جدًا فى إنتاجها، والفوائد العائدة منها ،وفى إحدى زياراتى لمدينة " جاوه" بأندونيسيا مع مجموعة الخمسة عشر، وهى مجموعة إقتصادية متعاونة على غرار "الكوميسا"، ومجموعة الثمانية الكبار، وكان لمصر الحظ بنيل إدارة هذه المجموعة الإقتصادية، وكنت بمصاحبة مجموعة من رجال الأعمال المصريين، ووجدت بأن صناعة الحرير فى هذه البلاد – تتم فى البيوت – كما كنا نفعل ونحن تلاميذ صغار ولكنهم إستخدموها بطريقة إقتصادية ضخمة، وأصبحت تلك المدن منتجة للحرير الطبيعى وتصنيع الأقمشة الحريرية فى البيوت على أنوال يدوية ونصف يدوية – وإشتهرت تلك المدن الأندونيسية، وقبلها مدن عديدة فى جمهورية الصين بصناعة الحرير الطبيعى – وتصديره إلى كل بلدان العالم – ولعل طريق الحرير العظيم – الذى كان يربط جنوب شرق أسيا والهند وإيران وسوريا والشام ومصر حتى شمال غرب إفريقيا – ( المغرب ) – هو أشهر الطرق التجارية فى العالم القديم الذى سمى بإسم هذا المنتج الحرير الطبيعى، ما المشكلة أمام المصريين لكى ينتجوا الحرير الطبيعى ؟
هذا سؤال أوجهه لوزارء الزراعة والصناعة والتجارة وأيضاَ وزير التعليم واللاتربية، كما أوجه هذا السؤال إلى السيد الأمين العام للصندوق الإجتماعى -كما أوجهه للسادة المحافظين الذين لديهم مدن حرفيه فى النسيج – مثل محافظة قنا – (مدينة أخميم ) – التى إشتهرت فى الماضى بصناعة ( الفركة السودانى ) من الحرير وكانت تصدره للسودان، وأيضاَ محافظة البحيرة (مدينة فوه ) ، ومحافظة الشرقية، (قرية أبو شعره ) ومحافظة الغربية، (مدينة المحلة الكبرى ) وأيضاَ محافظة الوادى الجديد، (مركز الباشندى، وبلاط ) ومحافظة 6 أكتوبر (مدن الباويط والعجوز والحارة ومنديشا والزابو ) وبالمناسبة ( أراهنكم ) أن محافظ الجيزة سمع عن هذه المدن التابعة لمحافظته !!
.المصدر: بوابة الفجر
إقرأ أيضاً:
كأسك يا وطن
لست بخير كالعادة منذ سنوات.. نشرات الأخبار العربية الحزينة باتت بالنسبة لى مكمن المرض اللعين الذى نخر فى أعصابى وتفكيرى.. ولم يعد يفلح فيها مسكنات الأمل وأدوية المستقبل المشرق وحبوب الوحدة العربية.. فلن تكفى أدوية العالم الشحيحة من العدل والرحمة ان تعالج حالات الخذلان المتكرر التى تنتابنى حالياً بشكل يومى.
فى فترة الثمانينيات من القرن الماضى كنت طالبة بجامعة القاهرة وكانت مسرحية «كأسك ياوطن» للكاتب السورى الكبير «محمد الماغوط» تكتسح مسابقات الفرق المسرحية المتنافسة على مستوى الجامعات المصرية، لا أتذكر بالضبط كم مرة شاهدتها أو شاهدت عدد البروفات التى كانت تقام على مسرح كلية تجارة أو مسرح كلية حقوق.. فى كل مرة مع انتهاء العرض لا بد أن تدمع عيناك باللاشعور، حتى أن أحد النقاد قال ممازحاً ما معناه أنَّ الماغوط يقدم لك صحن البصل المقشر طازجاً مع كل سطر تقرأه.
أو كما تحدث الكاتب خضر الماغوط أبن عمه قائلاً: «عندما تقرأ محمد الماغوط تدمعُ عيناك لأنك ستضحك أولا وأنت تقرأ السخرية من الوضع القائم من حولك، ثم سرعان ما ستبكى عندما تكتشف أنك أنت المعنى شخصياً فى كتاباته، أنت الإنسان المهزوم دائماً الذى يتراقص من حولك الأقزام الذين هزموك سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً حضارياً، إلى كلّ مجالات الانهزام».
هل تحررت سوريا حقاً بعد سقوط نظام بشار الأسد ؟ لا أدرى كيف تكون إجابة هذا السؤال وتركيا مسيطرة وروسيا متداخلة وإسرائيل اللعينة نصبت الشرك على الحدود!!
فعلى الرغم من بصيص النور الذى انفتح على سجن «صدنايا» المرعب فخرج على أثره آلاف المسجونين ليروا السماء ولسيستنشقوا الهواء لأول مرة منذ سنوات بعيدة كانوا فيها رهائن قبورهم وزنازينهم تحت الأرض، تجسدت حجم الخسائر الروحية فى تلك الشابة السورية التى دخلت المسلخ البشرى «صدنايا» فى عمر التاسعة عشرة وخرجت وهى فى الثانية والثلاثين من عمرها وفى يدها ثلاثة أطفال لا تعرف من والدهم من كثرة تعرضها للاغتصاب.
أتذكر ما كتبه الشاعر الكبير «محمد الماغوط» فى نص «سياف الزهور»: آه يا وطن الأسلاك الشائكة والحدود المغلقة.
والشوارع المقفرة
والستائر المسدلة
والنوافذ المطفأة
أما من حل وسط بين الكلمة والسيف
بين بلاط الشارع وبلاط السجن
سوى بلاط القبر؟
أيتها الأمة الكذوبة
أين اجدادى الصناديد الكماة
وما الذى يؤخرهم؟
أشارات المرور؟
هل تحررت سوريا حقاً بعد سقوط نظام بشار الأسد؟ يطمئننى التاريخ بحكاياته ويؤكد لنا دوماً ان الطغاة يرحلون وتبقى الشعوب تقاوم الظلم والقهر وتنتصر فى النهاية، فهناك فى ريف دمشق وحماة واللاذقية وحمص وحلب أغنية للحرية بين الدروب وعلى شرفات المنازل المزينة بزهور الياسمين، أو كما يصدر الشاعر السورى الكبير «نزار قبانى» القدرة على الصمود فى قصيدته الشهيرة «آخر عصفور يخرج من غرناطة»:
أعجوبةٌ أن يكتب الشعراء فى هذا الزمان.
أعجوبةٌ أن القصيدة لا تزال
تمر من بين الحرائق والدخان
تنط من فوق الحواجز، والمخافر، والهزائم،
كالحصان
أعجوبةٌ.. أن الكتابة لا تزال..
برغم شمشمة الكلاب..
ورغم أقبية المباحث،
مصدراً للعنفوان...