مطالبات بمجلس لحماية اللغة العربية من انشطار الهوية
تاريخ النشر: 29th, August 2023 GMT
د. حمد الكواري: جهل اللغة العربية لدى بعض أبنائنا وبناتنا ظاهرة خطيرة
د. نايف بن نهار: وجود أطفال لا يعرفون العربية أمر ملحوظ
عبدالعزيز الخاطر: الدولة تستطيع إلزام الجميع باستخدام لغة الضاد
د. هتمي الهتمي: ما يحدث اليوم للغتنا الجميلة حدث سابقاً للغة اللاتينية
حذر مثقفون وأكاديميون، من انتشار ظاهرة عدم إجادة أطفال في المجتمع لا يعرفون اللغة العربية التي تراجعت أمام اللغة الإنجليزية سواء بالمدرسة أو الجامعة أو المنزل أو في المناقشات الشخصية، معتبرين أن الظاهرة التي وصفت بـ«الخطيرة» ستؤدي إلى انشطار هوية المجتمع اللغوية.
ونوهوا بالدور الكبير للدولة في إلزام الجميع باستخدامها رسميا في جميع المؤسسات والهيئات من خلال أدواتها القانونية، منتقدين اشتراط اللغة الإنجليزية للدراسة أو العمل في بعض المؤسسات أو الجهات.
وأثار الدكتور نايف بن نهار، مدير مركز ابن خلدون للعلوم الاجتماعية والإنسانية في جامعة قطر، المخاوف من تراجع مكانة اللغة العربية في المجتمع، قائلا «أصبح وجود أطفال لا يعرفون العربية أمرا ملحوظا».
وأضاف أن هذا الأمر «نتيجة طبيعية لنمط الحياة الجديد، الطفل في مدرسة أجنبية طول النهار، ثم مع العاملة الأجنبية إلى وقت النوم، ووالداه يكلمانه بالإنجليزية»، معتبرا أنه «بهذا الشكل سوف تنشطر هوية المجتمع اللغوية، وسيكون لدينا لأول مرة قطريون لا يعرفون العربية».
الحضور اللغوي
وأشار إلى أنه تمت دعوته إلى «إلقاء محاضرة لمجموعة من الشباب القطري، ثم أخبروني أن الحديث سيكون بالإنجليزية، فقلت لهم: أليسوا قطريين؟ قالوا: بلى ولكن لا يحسنون العربية».
ودعا بن نهار إلى تشكيل مجلس لحماية اللغة العربية بهدف متابعة «الحضور اللغوي في مختلف المستويات القانونية والتعليمية والمجتمعية وغيرها، لكن لا توجد جهة معنية بذلك».
وشارك في النقاش سعادة الدكتور حمد بن عبد العزيز الكواري، وزير الدولة رئيس مكتبة قطر الوطنية، قائلا إن «ظاهرة جهل اللغة العربية لدى بعض أبنائنا وبناتنا ظاهرة خطيرة وتكبر باستمرار ، وتجاهلها يُعَظّم من خطورتها ويُصَعِّب معالجتها».
وأضاف أن «اللغة العربية بالذات ليست وسيلة تواصل فقط بل انتماء لأمة وعقيدة وتاريخ وآداب ماض وحاضر ومستقبل»، متسائلا «متى نعطي الظاهرة حقها من الاهتمام فاللغة العربية أمننا الثقافي».
وتابع: «نحن في حاجة إلى أن تتضافر الجهود وأن يؤخذ الأمر بجدية وأن تكون هناك جهة معينة مرتبطة بأعلى المواقع يوكل لها دراسة الموضوع من جميع جوانبه ووضع الحلول المناسبة للتعامل مع هذه الظاهرة الخطرة».
رأي مختلف
فيما اختلف الكاتب الصحفي عبدالعزيز الخاطر في الرأي قائلا: «لا أرى مشكلة فالمجتمع القطري متدين ولغة دينه العربية»، مشيرا إلى أن هناك بيوتاً قطرية تتكلم لغات متنوعة، مضيفا: «علينا أن لا نخاف.. سنجد قطريا لا يجيد التحدث العربية أو لغته مكسرة، إنما لا يعرف العربية لا اعتقد، ولا يمكن أن تحافظ على مكتسباتك وأنت في حالة دفاع دائم».
وكتب الخاطر سلسلة تغريدات، قال فيها إن «الخوف على اللغة العربية وهم كوهم الخوف على الهوية، لا تستطيع حمايتها إذا لم تجعلها مصدرا للتفكير ولإنتاج دائم ومستمر في جميع المجالات، وهي ليست قضية جديدة فمنذ قصيدة حافظ إبراهيم، وقبل ذلك وشعار الخوف على اللغة قائما ولولا الأساليب التربوية الخاطئة لكان حضورها اليوم طاغيا».
وأضاف: «نحن نتحدث مع العمال والخدم في المنازل بلغة عربية مكسرة أقرب إلى الأعجمية ولم نستشعر خطر ذلك على النشء، ثم نتحدث عن الخوف عليها وليس هناك بديل عن ذلك أصلاً، كان آباؤنا في المعظم يتحدثون الفارسية وبعضهم يتكلم الأوردو مع العمال في المنازل ولم يستشعروا الخوف على العربية».
وأشار إلى أن اللغة العربية يتحدثها «22 بلداً عربياً وخلفها عالم إسلامي جاعلا منها هدفا لتعزيز إسلامه، لقد حاولت فرنسا طمس اللغة العربية بكل الوسائل واليوم خير من يتقن العربية في وسائل أعلامنا العربية هم الجزائريون وهناك من يتحدث الفرنسية في بيته، فمن يأتي الخوف المصطنع عليها».
وواصل تغريداته قائلا «بإمكاني أن استشعر الخوف على وجودنا الحضاري كأمة عربية لها تاريخها وحضارتها، لكن لا استشعر الخوف على لغتنا، لأنها امتداد لهذا الجوهر والوجود، فإذا أمنّا وجودنا الثقافي والحضاري في عالم اليوم حفظنا لغتنا تبعا لذلك».
وأضاف: «الوجود الحضاري يعني مشروعا، أيام المشروع القومي أنشئت جامعة بيروت العربية في لبنان وجامعة الخرطوم العربية في السودان وبرنامج عن الأحواز باللغة العربية..، أنا هنا لا أدافع عن أخطاء المشروع المميتة ولكن اذكر أنه كان يمتلك مشروعاً عزز وجود العربية كأداة له».
اللغة اللاتينية
من جانبه أعرب الدكتور هتمي خليفة الهتمي مدير إدارة الاتصال والعلاقات العامة في جامعة قطر، أن السبب الرئيسي في وجود أشخاص قطريين لا يعرفون العربية «هو أن ما يحدث للغة العربية اليوم حدث سابقا للغة اللاتينية، عندنا رفضت الكنيسة مجاراة لغة العامة وجعلتها لغة موجودة في الأماكن السياسية، مثل ما يحدث اليوم مع العربية، فاللهجة المكتوبة والتي تدرس هي لهجة أهل قريش وليست العربية الخليجية التي لم تستخدم أبدا».
فيما لخص الشيخ خليفة بن علي آل ثاني الظاهرة في 4 نقاط، قائلا «أولا التغير المفاجئ الذي حدث من مدارس أجنبية «.
وأضاف: ثانيا.. فجأة دون سابق إنذار في أي مكان سواء الدراسة أو العمل أول سؤال «تعرف إنجليزي وعندك إيلتس؟!».
ويوضح «ثالثا.. المقررات كلها معتمدة على كتب ودروس إنجليزية، ورابعا صحينا الصبح في يوم لقينا المدارس بالعربي، والكل يوجه اللوم على البيت كأنه لم يكن توجها وتم التراجع عن هذا التوجه، الآن في جيل في النص ضايع لا مع الإنجليزي ولا قادر يروح للعربي».
المصدر: العرب القطرية
كلمات دلالية: قطر اللغة العربية اللغة الإنجليزية اللغة العربیة العربیة فی الخوف على إلى أن
إقرأ أيضاً:
السودان: جدل الهوية والانقسام
لا تُشكّل الحكومة الموازية في السّودان والموقّع على ميثاقها مؤخّرًا في نيروبي انقسامًا سياسيًّا بالمعنى المعروف، ولكنها تعكُس أيضًا انقسامًا قبليًّا وعِرقيًّا وثقافيًّا تسبّب ضمن عوامل أخرى في هذه الحرب بالسودان، بحيث لا يُمكن أن يُحسم الصراع بمستوياته المتعددة على المستوى العسكري فقط، ولكن لا بدّ من التعامل مع تجلّياته القبليّة والثقافية.
على الرَّغم من المشاركات الرّمزية في هذه الحكومة من قوى سياسية غير "دارفوريّة"، ولكنّها في ظنّي تحالفات مؤقتة لن تصمد كثيرًا، نظرًا لارتباطها بمصالح وصفقات مالية أكثر من كونها تعبيرًا عن مشروع سياسي متماسِك، حيث لن يصمد في الأخير خلف مشروع قائد قوات "الدعم السريع" إلّا هؤلاء المنتمون إلى مشروعه الجِهوي والقبَلي.
هذا الانقسام كان مِعْوَل إضعاف للمكوّن المدني والقوى السياسية السودانية بشكل عام، تحت مظلّة تفاعلات ثورة ديسمبر/كانون الأول السودانية منذ عام 2018 وحتّى اندلاع الحرب في أبريل/نيسان 2023، بحيث أصرّ الدارفوريّون خصوصًا وقوى ما يُسمّى بالهامش عمومًا، على أن يضمنوا حقوقًا سياسية على أساس عِرقي، وذلك على حساب الوثيقة الدستورية ذات الطابع القومي التي وقّعتها القوى الثورية مع المكوّن العسكري في أغسطس/آب 2019.
في هذا السّياق، موقف رئيس "حزب الأمّة" ذي الطابع القومي تاريخيًا الذي انحاز على أساس قبَلي لقوات "الدّعم السريع" وحكومتها، ليس متفرّدًا، ذلك أنّ وزراء ومستشارين وولاة شاركوا في الحكومات القومية السودانية، ولكنّهم لم يعتبروا ذلك تمثيلًا كافيًا للإقليم الدارفوري أو لهويتهم خصوصًا إذا كانت من أصولٍ زنجية، كما نستطيع أن نلمح راهنًا حالة حبور غير معلن بكلمات ولكنّه ملاحَظ على الوجوه لدى قطاع من النّخب الدارفورية مع كل نصر تُحقّقه قوات "الدّعم السريع" في مناطق الشرق والوسط بالسودان، ليس كتعبير عن انحياز سياسي أو قبَلي فقط، ولكن أيضًا ربما ما يمكن وصفه بحالة رد اعتبار نفسي على الفظائع التي ارتكبها نظام البشير ضدّ الدارفوريين في حرب الصّراع على السلطة مع التّرابي عام 2003، وهي ورقة حاول البشير في أيامه الأخيرة أن يستخدمَها بتحميل الغرب الدارفوري مسؤولية الثورة على نظامه السياسي، ولكنّه قوبل بروح قومية سودانية، حيث تمّ رفع شعار "يا عنصري يا مغرور... كل البلد دارفور"، ولكنّ هذا الشعار لم يكن سوى حالة مؤقتة الأبعاد العِرقية والقبَلية إلى جانب الأسباب السياسية في الصّراع العسكري السوداني، تشير إلى أنّ خطورة الحكومة الموازية من شأنها أن تُعقِّد المشهد السوداني، وتُسفر عن امتداد للصّراع العسكري لسنوات مقبلة وهو تطوّر يدفع إلى التقدير أنّ السودان ذاهب إلى أحد سيناريوَيْن؛ إمّا تشظٍّ كامل في حالة اندلاع صراعات جهوية وقبَلية في مناطق أخرى على التراب الوطني السوداني، أو انقسام إقليم دارفور مع عدم امتلاكه لشروط الاستقرار أيضًا.
التساؤل هنا؛ هل يمكن أن ينجوَ السودان من هذه المآلات المفزعة، وعلى من تقع مسؤولية إنقاذه من مصير بائس مؤثّر سلبًا في العرب عمومًا ومصر خصوصًا؟.
في ظنّي أنّ تحقيق الجيش لانتصارات عسكرية خصوصًا في العاصمة، وقدرته على السيطرة على وسط السودان وصولًا إلى حدود كردفان ودارفور، يمكن أن يفتحا الطريق أمام إدراكٍ جديد أمام القادة خصوصًا الفريق عبد الفتاح البرهان، بشأن ضرورة التسوية السياسية، وذلك في ضوء تعقيدات هذا الصّراع على المستوى الاجتماعي والثقافي، وضرورة إنهائه حفظًا لحياة المدنيين السودانيين من ناحية، والحفاظ على كامل التراب الوطني السوداني من ناحية أخرى.
على أنّ هذه الخطوة لو حدثت من جانب قائد الجيش في هذه المرحلة فلن تكون كافية، فالمطلوب وعيٌ اجتماعيٌ يقود حزمة من التدخلات والمجهودات الأهلية والمدنية الموازية لجهود إنهاء الحرب على المستوى العسكري.
في هذا السّياق، ربما تكون هناك مسؤولية ملقاة على عاتق النّخب الثقافية السودانية، وذلك في إدارة حوارات بشأن التوسّع في نشر ثقافات قبول الآخر، ورفض الاستعلاء العنصري، والتأكيد على الروابط الاجتماعية بين السودانيين، في مقابل سرديّات التقسيم والتهميش والتعالي، بحيث تكون البوابة الكبرى لهذا الأداء هو الاعتراف بالتنوّع العِرقي الثقافي السوداني على النحو الذي مارسته كلّ من المغرب والجزائر مع "الأمازيغ".
إنّ هذه المجهودات في حالة الوعي بها من جانب المثقفين السودانيين والنّخب المستقلة، وكذلك ممارستها، ربما تقود إلى حالة اندماج وطني مطلوب لتأسيس دولة يمكن أن تملك شروط الاستقرار السياسي، وبالتالي تخطو خطوات طال غيابها بشأن تنمية متوازنة ومستدامة.
(خاص "عروبة 22")