(حقائق) “الكهرباء” و”النفط” جنوبي اليمن ثقب أسود لمئات الملايين من الدولارات .. بيع للإمارات وشبكة من الفاسدين
تاريخ النشر: 29th, August 2023 GMT
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ خاص:
فيما تتزايد التظاهرات جنوبي اليمن، نتيجة تردي الكهرباء في الصيف الحار والخدمات الأخرى طوال العام تكشف ثلاث تحقيقات للبرلمان اليمني فساد مرعب في الحكومة اليمنية أبرزها وزارتي الكهرباء والنفط التي يقودها المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات.
حصل “يمن مونيتور” على نسخة من تقرير من 70 صفحة، قدمه مجلس النواب للحكومة المعترف بها دوليا كنتائج وملاحظات لثلاث لجان تحقيق شكلها البرلمان لمتابعة أداء الحكومة.
كيفية عمل الكهرباء والنفط في الحكومة؟ قدمت الحكومة رؤى وأولويات، وألويات قصوى، لكن الانفاق يتم خارج الخطط والرؤى والقرارات والقوانين النافذة. رئاسة ومجلس الوزراء هي اللجنة العليا للمناقصات وهي التي تمرر صفقات والشراء والبيع وكل ما يتعلق بموضوع شراء الطاقة الكهربائية والمشتقات النفطية. يوافق رئاسة مجلس الوزراء بناء على طلب تقدمه وزارتي الكهرباء والنفط أو السلطة المحلية. تقوم وزارتي الكهرباء والنفط بتسليم الأموال للتجار، وتقوم بتوقيع العقود التجارية مع شركات المحلية لشراء المشتقات النفطية والكهرباء. وتقوم وزارة النفط بالتوقيع مع الشركات للاستثمار معظمها إماراتية. غياب كامل للجان الرقابة والمحاسبة في وزارتي النفط والكهرباء. تم إيقاف معظم مؤسسات الدولة الخدمية مثل مؤسسة الكهرباء وشركة مصافي عدن وتم استبدال عملها بشركات تجارية! مع أن التكلفة أضعاف مضاعفة.
أولا: فساد الكهرباء
تركت الحكومة سكان عدن والمحافظات الساحلية في جحيم الصيف الحارق، لتمكين شبكة من التجار والفاسدين في تبادل للمنفعة بين وزارتي الكهرباء والنفط.
بلغت الموازنة المخصصة لوزارة الكهرباء لعام 2022 (دون المؤسسة ومنحة المشتقات النفطية) 569مليار ريال، كأعلى موازنة دعم ترصد للكهرباء بنسبة 85% من إجمالي دعم الوحدات الاقتصادية. وقد تم تخصيص جل المبلغ أي 557 مليار ريال أي 387 مليون دولار -الدولار=1442 ريال- بما نسبته 98% من إجمالي دعم الكهرباء لعام 2022 للموردين! (كمستحقات لموردي وقود الكهرباء وموردي مواد وقطع غيار سابقة)-كما ورد في إجابة وزارة الكهرباء على لجنة تقصي الحقائق البرلمانية.
جاء الانفاق الفعلي على الكهرباء -أكثر من 387 مليون دولار خلال 2022 لبعض المديونيات السابقة لشركات الطاقة المشتراة وللموردين مقابل اعمال توريد وقود الكهرباء وموردي مواد وقطع غيار سابقة- على حساب مشاريع الأولوية القصوى وفق رؤية الحكومة والتي تم تأجيلها: كمشروع خطوط النقل والتصريف 132 ك.ف بكلفة لا تتجاوز 15 مليون دولار، وتعزيز مصادر التغذية التحويلية 11/33ك.ف بمبلغ لا يتجاوز 11 مليون دولار، ومنظومة الغاز لتشغيل المحطات الغازية -الرئيس والحسوة2 والقطرية- لتعزيز كفاءتها التوليدية إلى الحد الأقصى بقدرات 460 ميجاوات و60 ميجاوات على التوالي.
كان بإمكان المحطتين تغطية العجز المزمن في كهرباء عدن، الأمر الذي يقتضي بمسائلة المتورطين في سوء إدارة الموارد المتاحة وتحديد الأولويات من جهات وأطراف أو مسؤولين وتحميلهم تبعات استمرار العجز، واستمرار الطاقة المشتراة من الديزل، وتكبيد خزينة الدولة مئات الملايين من الدولارات والتسبب في المحصلة النهائية بالإضرار البالغ بالمصالح العامة للمواطنين.
107 مليون دولار فارق سعر
باتت الحكومة تعتمد على شراء الطاقة ووقود الكهرباء من التجار، حيث توقفت معظم محطات توليد الكهرباء التابعة للمؤسسة العامة للكهرباء نظراً لتقادم بعضها، وإهمال صيانة غالبيتها، وإذ لا يتم توفير قطع الغيار اللازمة لذلك في المراحل المخصصة من ساعات التشغيل المختلفة.
حسب مسؤول في وزارة الكهرباء فإن “المؤسسة شبه متوقفة في عدن، مثلها مثل باقي المؤسسات الإيراداية الأخرى بما في ذلك مصافي عدن”.
تمنح الوزارة كل شيء للتجار وموردي وقود الكهرباء وتتجاهل البدائل الرخيصة بل قامت بتجاهل اتفاق وقعته الحكومة مع شركة لمحطة كهرباء عائمة في عدن. وكأن الوزارة تصر على شراء الطاقة من التجار بضعف القيمة.
حيث كان من المفترض وجود محطة كهرباء عائمة تعمل بالمازوت في عدن قبل بداية العام الجاري بقدرة 100 ميجاوات، اعترفت وزارة الكهرباء بأن تأخر فتح الاعتماد المستندي لمحطة كهرباء عائمة تسبب بخسائر للدولة خلال 3 سنوات قيمة الفارق بين المازوت والديزل بمبلغ 575 مليون دولار خلال 3 سنوات. الرد اظهر أن الحكومة فضلت شركات الطاقة التي تعمل بالديزل، وسبب خسائر 575,185,680دولار.
ويبدو أن الوزارة تحاول التهرب من مسؤولياتها بذكر الثلاث السنوات ونفي ارتباط الوزير الحالي بها، فالعقد الموقع مع شركة برايزم انتربرايس عبر السفينة العائمة، في 6/4/2022 وتم فتح الاعتمادات المستندية في 7/11/20222، والتسبب بخسائر كبيرة تكبدتها خزينة الدولة كفارق كلفة بين انتاج الطاقة بالديزل والتي قدرت بمتوسط سنوي 107 مليون دولار وفقاً لتقرير جهاز الرقابة والمحاسبة رقم 70 بتاريخ 4/5/2023.
أغلى سعر
لا تكتفي وزارة الكهرباء والحكومة بشراء الطاقة من التجار، بل تشتري من محطات الطاقة التي تعمل بالديزل عالي الكلفة مقارنة بنسبة الطاقة المشتراة من المحطات العاملة بوقود المازوت منخفض التكلفة (حيث ترتفع كلفة الطاقة المولدة من محطات وقود الديزل بما نسبته 60% عن محطات وقود المازوت)، وتمثل العقود من الطاقة المشتراة من المحطات العاملة بالوقود عالي الكلفة -الديزل- ما نسبته 87% من إجمالي عقود الطاقة المشتراة. فهناك 23 محطة توليد بوقود الديزل مقابل محطة واحدة تعمل بالمازوت.
يقول تقرير البرلمان: يعتبر الاستمرار في شراء عقود الطاقة من وقود الديزل الأعلى كلفة وتجديد العقود السابقة لمدد مستقبلية طويلة مخالفة للمعايير الدولة. كون الدول تلجأ إليها فقط في فترات صيانة محطاتها ولفترات قصيرة ومحدودة، كما أنها أهم أبرز أسباب موانع حل مشكلة تدني مستوى انتاج الطاقة. رغم توفر بدائل متاحة للاستغناء عن مثل هذه العقود المكلفة، وتجنيب خزينة الدولة الخسائر التي تتحملها بما يتجاوز 40% مقارنة بكلفة انتاجها في المحطات الحكومية.
كما أن فاقد الطاقة في مناطق سيطرة الحكومة يصل إلى 45%، عام 2022. ما يعني أن الكهرباء تفقد قرابة نصفها حتى تصل للمواطنين في مناطق سيطرة الحكومة. يأتي ذلك نتيجة عدم صيانة محطات الكهرباء وكابلات التوصيل.
محطة الحسوة2 ومحطة الرئيس
الإهمال والفساد في وزارة الكهرباء تسبب في توقف تشغيل محطة الحسوة2 -القطرية- بقدرة 60 ميجاوات. وزير الكهرباء التابع للمجلس الانتقالي مانع بن يمين قال: إن توقف محطة الحسوة جاء بسبب رداءة الوقود الذي كانت تمون به. مشيراً: أوضحت التقارير المقدمة بشأن الأعطاب التي لحقت بمحطة الحسوة وآخرها خطاب المانح -صندوق قطر للتنمية- أن سبب توقف المحطة عن العمل سببه رداءة الوقود الذي كانت تمون به.
قال الوزير إنه: نظراً لعدم توفر معدات لتحديد مدى جودة وملائمة الوقود الذي كانت تمون به المحطة ظلت تعمل دون أن يكتشف مكامن الخلل وأدى في نهاية الأمر إلى خروجها عن الخدمة. على الرغم من أن الغاز أرخص من الديزل بأكثر من 60% إلا أن الوزارة كانت تصر على تشغيل المحطة بوقود الديزل.
لم يقدم الوزير أي إجراءات اتخذتها وزارته لمعاقبة المتسببين بخروج المحطة على الخدمة.
أما سبب عدم إصلاحها فقال الوزير إن “التكلفة الباهظة التي قدمتها الشركة المصنعة وعدم مقدرة الحكومة على تمويلها”! لكن الوزارة كانت قادرة على دفع مئات الملايين لمستوردي الوقود “المغشوش” الذي قدمه تجارها لتموين المحطة.
وقال الوزير إن قطر تكفلت بصيانة المحطة، لكن الخبراء الذين قدمهم “قطر للتنمية” أكدوا على ضرورة نقلها إلى الشركة المصنعة نظرا لدم إمكانية صيانتها في الموقع لعدم توافر الإمكانيات والمعدات اللازمة.
تعليقاً على ذلك قال مصدر مسؤول في وزارة الكهرباء في عدن مطلع على التفاصيل تحدث لـ”يمن مونيتور”: فإن صندوق قطر للتنمية تقدم في ابريل/نيسان2022 لوزارة الكهرباء والحكومة بمبادرة تأهيل المحطة وإعادة إدخالها للخدمة مجدداً على نفقة الصندوق”.
ويشير المسؤول أن “الجانب الحكومي ووزير الكهرباء “بن يمين” ماطل في الموافقة على الطلب قرابة عام كامل، لينقل الصندوق المحطة للشركة المصنعة في مايو/أيار الماضي”.
أما محطة الرئيس فلا يوجد أي شيء لدى وزارة الكهرباء بشأنها، وكان الرد غريبا حول مدى جدوى الوزارة من الأساس، جاء الرد: لم تكن وزارة الكهرباء طرفاً في العقد المبرم مع شركة بترومسيلة، في تنفيذ محطة الرئيس “عدن الجديدة” 264 ميجاوات، بل جرى التعاقد مباشرة من قبل مؤسسة الرئاسة ولا تتوفر أوليات التعاقد. ويصعب تحديد نوع العلاقة بين مؤسسة الكهرباء والشركة. حيث تعمل المحطة بأقل من 40% من طاقتها.
تبدو شركة بترومسيلة وكأنها تعمل دون مظلة حكومية لتنفيذ المشروع الذي تنفذه، كما أنها تتسلم أموالها بانتظام من وزارة الكهرباء التي يرى وزير الكهرباء أنها لا تعنيه.
ثانيا: فساد شركة النفط
وزير النفط والمعادن التابع للمجلس الانتقالي الجنوبي منح الإمارات، وشركات تابعة للمجلس الانتقالي حقوق الاستيراد الحصرية لتوريد المشتقات النفطية للحكومة اليمنية بسعر مرتفع. من بين ذلك:
أولاً: ثلاثة أشهر فقط احتجاها خلال زيارته لأبوظبي ولقاء وزير النفط الإماراتي -الذي طالبه بالتوقيع كما يبدو-، تم توقيع عقد يمنح “شركة باسكو انيرجي” الإماراتية إنشاء وتشغيل وحدة انتاج الغاز المنزلي بحوض المسيلة بمحافظة حضرموت. كما كانت الوزارة قد منحت الشركة الإماراتية نفسها عقد آخر يحصر توريد المشتقات النفطية للحكومة اليمنية عليها بسعر طن للغاز مرتفع للغاية عن السوق، والذي كلف فارق سعر عام 2022 150 مليون دولار.
اتفاق انتاج الغاز المنزلي تم بنظام BOT -البناء والتشغيل وتسليم المشروع للحكومة- بعد ان يستغل المستثمر المشروع لفترة معينة لم ترد الوزارة كم هذه المدة.
ثانياً: في الزيارة نفسها لأبوظبي في ديسمبر/كانون الأول 2022 والتقى وزير النفط الإماراتي وأشار إليه بالتوقيع مع شركة “مليح للاستثمارات وتطوير المشاريع” الإماراتية، لإنشاء وتشغيل وامتلاك مصفاة تكرير النفط وصهاريج خزن ومنطقة صناعية بمنطقة الضبة الاستراتيجية في حضرموت. تم التوقيع في فبراير/شباط 2023 على الاتفاق دون معرفة التفاصيل.
تعلق لجنة تقصي الحقائق التابعة لمجلس النواب على تسليم الوزير للمشروعين لشركات إماراتية: الإجراءات وطبييعة المفاوضات والاتفاقيات التي تمت بشأن المشروعات تدل على أن وزارة النفط ليست لديها خطط ورؤى أو على الأقل تكون لديها دراسات جدوى أولية لمشاريع استثمارية في قطاع النفط تعرضها وتروجها للمستثمرين والتنسيق مع وزارة التخطيط والتعاون الدولي، وفقاً لمبدأ النافذة الواحدة للاستثمار، ويستنتج من هذا أن الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها تعطي فترة سماح عاما واحدا للمستثمر لإجراء دراسة جدوى للمشروع توافق عليه الوزارة فيما بعد.
ثالثاً: تقوم الوزارة بتوقيع عقود لشراء الديزل بأسعار تزيد عن أسعار السوق، على سبيل المثال، توجد عقود شراء بفارق سعر 400 دولار للطن. بينها عقدين توريد وقود الديزل لكهرباء عدن:
في تاريخ 29/12/2021 تم توريد ديزل بكميات58.917 طن بسعر 1255 دولار للطن الواحد بواسطة شركة أحقاف حضرموت. في تاريخ 27/2/2023 تم توريد ديزل بكمية 5.301 طن بسعر1255 دولار للطن الواحد بواسطة شركة عبدالله مهدي للمشتقات النفطية.ونشر تقرير مجلس النواب اليمني، سبعة عقود بين وزارة النفط وشركات محلية بين نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول2022، بسعر الطن المتري 65 دولار صافي من الضرائب والرسوم والعوائد الأخرى، والسعر موحد 65 دولار للطن المتري سواء كان ديزل أو مازوت، و70 دولار للطن المتري من البنزين. على الرغم من أن سعر المازوت أقل بنحو النصف عن الديزل.
ولاحظت لجنة تقصي الحقائق التابعة للبرلمان في عقود الشراء:
إدخال بعض السفن يتم بتوجيه من وزير النفط علماً أنه يوجد لجنة من ضمن آلية شراء المشتقات النفطية مهمتها الموافقة المسبقة على الشراء واللجنة يشكلها وزير النفط بموجب عقود الشراء لكن الوزير يتجاهلها. ويفترض باللجنة أن تشارك فيها عدة جهات رقابية من خارج الوزارة. وفيما يتعلق بإصدار شهادات فحص المشتقات من الطاقة المشتراة فمعظم الوثائق لمن تكن مطابقة للكميات وأسماء السفن بحسب العقود، وإنما لشركات وبواخر وكميات أخرى. ما يعني أن المشتقات المشتراة ليس لها شهادات فحص ما يؤكد أن الوزارة سمحت باستيراد مشتقات رديئة لها أضرار خطيرة كما حدث سابقاً وأدت لتوقف محطات انتاج الطاقة الحكومية مثل المحطة القطرية التي استخدمت وقود ديزل لايطابق المواصفات وكانت المحيطة تعيده عدة مرات لأنه مخالف للمواصفات حسب تقرير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة. شحنة البنزين المحسن C5 لم تشريها شركة النفط، وإنما سمحت للمادة بدخول ميناء المكلا بتوجيه من وزير النفط، وكانت لشركة صافر وبتروا نرجي يمن، وبأمر من الوزير سمح بدخولها بدون تسديد الضرائب والرسوم والعوائد الأخرى.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
شاهد أيضاً إغلاق أخبار محلية
مقال ممتاز موقع ديفا اكسبرت الطبي...
مش مقتنع بالخبر احسه دعاية على المسلمين هناك خصوصا ان الخبر...
تحليل رائع موقع ديفا اكسبرت الطبي...
[أذلة البترول العربى] . . المملكة العربية السعودية قوة عربية...
معي محل عطور. فيـ صنعاٵ...
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: فی وزارة الکهرباء المشتقات النفطیة الطاقة المشتراة وقود الکهرباء شراء الطاقة جنوبی الیمن ملیون دولار دولار للطن أن الوزارة وزیر النفط من التجار فی الیمن التی تم مع شرکة فی عدن
إقرأ أيضاً:
قصفٌ بلا “ردع”: ورطة ترامب في اليمن تطغَى على أكاذيبه
يمانيون../
فيما تكافح إدارة ترامب لملء الفضاء الإعلامي بدعايات مضللة حول تحقيق انتصارات في اليمن، هروباً من واقع الفشل الذريع للعدوان الجديد، يتواصل تدفق الاعترافات بذلك الفشل والتأكيدات على انسداد أفق الحملة الحالية، مع تقديم اقتراحات لاستراتيجيات مختلفة تعبر بوضوح عن ورطة استراتيجية تعاني منها الولايات المتحدة في التعامل مع الملف اليمني.
كان إعلان القوات المسلحة اليمنية، مساء أمس، عن استهداف العمق الصهيوني بطائرة مسيَّرة، قال الإعلام العبري: إنها “تحدت” الأنظمة الدفاعية للعدو من خلال سلوك مسار مختلف لمهاجمة الأراضي المحتلة، بالإضافة إلى أن استهداف مدمرتين أمريكيتين في البحر الأحمر، دليل جديد على تماسك القدرات العسكرية اليمنية واحتفاظ القوات المسلحة بجاهزيتها لمواكبة التصعيد على كافة مسارات الإسناد في وقت واحد، وهو الأمر الذي يقوض سيل الدعايات المضللة التي تحاول إدارة ترامب من خلالها صناعة انتصارات وهمية فيما يتعلق بتدمير القدرات اليمنية وتصفية القيادات الوطنية، وهي دعايات بات واضحًا أن البيت الأبيض يعتمد عليها بشكل أساسي للهروب من التساؤلات المستمرة عن جدوى العدوان على اليمن، خصوصاً في ظل الاستنزاف الكبير لموارد الجيش الأمريكي في فترة وجيزة.
ومن آخر تلك الدعايات تصريح وزير الدفاع الأمريكي، بأن العدوان على اليمن سيشتد خلال الفترة المقبلة، في محاولة مكشوفة للقفز على ادّعاءات ترامب بأن الحملة العسكرية ناجحة؛ إذ لو كانت كذلك لما كانت هناك حاجة إلى التهديد بتصعيد جديد.
وعلى أية حال، فإن محاولة إدارة ترامب لملء الفضاء الإعلامي بمثل هذه التهديدات والدعايات، لم تفلح في إخفاء الحقيقة، مثلما لم تفلح الغارات الجوية في إحداث أي تأثير حقيقي على واقع الميدان، حيثُ نشر موقع مجلة “ماريتايم إكسكيوتيف” الأمريكية المختصة بشؤون الملاحة البحرية تقريرًا جديدًا، ذكّرت فيه بأن “القوة الجوية لم تنجح قط في قلب موازين الأمور في اليمن، أو تحييد قدرات صنعاء على إطلاق الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز، أو دفع قواتها إلى التراجع”.
وأشار التقرير إلى أن أحد أسباب فشل القوة الجوية في ردع اليمن خلال المراحل الماضية كان التضاريس الصعبة لليمن، ونقص المعلومات الاستخباراتية للقوى المعادية، وهي أمور لم تتغير حتى الآن، حيثُ لا زالت التضاريس كما هي، فيما تجمع مختلف التقارير الأمريكية على أن الولايات المتحدة لا زالت تفتقر إلى المعلومات الكافية عن الترسانة العسكرية اليمنية، لدرجة أنها لا تستطيع حتى تقييم فعالية ضرباتها؛ بسبب نقص هذه المعلومات.
وقد جدَّد تقرير حديث نشره “المجلس الأطلسي”، وهو مركز أبحاث أمريكي، التأكيد على أن “محدودية المعلومات الاستخباراتية الميدانية في اليمن ستعيق قدرة الولايات المتحدة على النجاح” مشيراً إلى أن “هذا الواقع تكرر في أوائل العام الماضي عندما واجهت الولايات المتحدة صعوبة في تقييم نجاح عملياتها وتقييم الترسانة الكاملة في اليمن؛ بسبب نقص المعلومات الاستخباراتية”.
ووفقاً لذلك فإن إدارة ترامب لا زالت محشورة في نفس مربع العجز الذي فشلت إدارة بايدن بالخروج منه، واستخدام القاذفات الشبحية، والتمادي في استهداف المدنيين لا يشكل فرقاً حقيقيًّا، بل يعبر عن تخبط واضح في إيجاد استراتيجيات مؤثرة للتعامل مع اليمن.
ويرى تقرير “ماريتايم إكسكيوتيف” أن التهديد الذي يشكله اليمن بالنسبة للولايات المتحدة “قد خرج عن السيطرة” بالفعل عندما بدأت العمليات البحرية المساندة لغزة، لافتاً إلى أن المشكلة تتجاوز مسألة نقص المعلومات وصعوبة التضاريس، وتكمن بشكل أساسي في “طبيعة الخصم” المتمثل في الشعب اليمني المتعود على الصراعات والمتمرس في التعامل مع الأسلحة.
وفي هذا السياق نقل التقرير عن مايكل نايتس -الباحث البارز في معهد واشنطن الأمريكي لسياسات الشرق الأدنى، قوله: إن “البيئة اليمنية خلقت أمّة من المحاربين الذين يستطيعون تحمل الألم بشكل كبير، وهم أصعب من أن يتم إكراههم علناً”.
وبما أن ترامب لا يستطيع ادّعاء القدرة على تغيير طبيعة اليمنيين أو إعادة تشكيل تضاريس اليمن من جديد، وبالإضافة إلى المشاكل المعترف بها والمستمرة بشأن نقص المعلومات وصعوبة إيجاد الأهداف؛ فإن النتيجة البديهية التي خلص إليها التقرير الأمريكي هي أنه “من غير المرجح أن تنجح أية محاولة لتدمير قدرات اليمن من الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز”، مضيفاً أن “حماية المخزون العسكري وتوزيعه، مع عمق الخبرة التقنية لدى اليمنيين، تشير إلى أن القدرات ستبقى”.
وخلص تقرير “المجلس الأطلسي” إلى نفس النتيجة، حيثُ أكّد أنه في ظل المشاكل العملياتية التي يواجهها الجيش الأمريكي فإن عنوان “الحسم” الذي يرفعه بايدن يمثل “تقليلًا من شأن قدرة اليمنيين على الصمود، وقدرتهم على التكيف الاستراتيجي” مشيرًا إلى أن التحديات تتطلب “أن تعترف إدارة ترامب بأن النهج العسكري البحت لن يحقق هدف واشنطن”.
وقد أشار “المجلس الأطلسي” إلى أن إدارة ترامب تواجه مشكلة أخرى، تتمثل في مواجهة الحقائق الإعلامية؛ بسبب “الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية الحيوية والإصابات المدنية الناجمة عن الغارات الجوية” وهو ما يعني أنه حتى حملة التضليل الدعائي المكثف التي تمارسها إدارة ترامب كمتنفس لتعويض الفشل الميداني، ليست ناجحة.
هذه التناولات تشير بوضوح إلى أن المأزق الأمريكي في اليمن أكبر من أن يتم الخروج منه بتصعيد وتيرة العنف الانتقامي ضد المدنيين، وتكثيف الدعايات المضللة، وهذا ما تؤكده حتى الاقتراحات التي تقدمها التقارير الأمريكية، حيثُ يرى تقرير “ماريتايم إكسكيوتيف” أن الولايات المتحدة بحاجة إلى “عدم تنفير السكان” و”تفكيك السلطة” والحفاظ على وجود مستمر وطويل الأمد للقوات الأمريكية في المنطقة، وهي مهمة يرى أنه “يصعب إنجازها” وأنها تحتاج إلى “مساعدة من الحلفاء”.
ويذهب “المجلس الأطلسي” إلى أبعد من ذلك، حيثُ يقترح على الولايات المتحدة الاصطدام مع روسيا والصين والضغط عليهما، وعلى الرغم من غرابة هذا الاقتراح؛ فإنه يعكس بوضوح حجم انسداد أفق نجاح العدوان الأمريكي على اليمن، وهو أيضاً ما يؤكده اقتراح الاعتماد على حكومة المرتزِقة والذي تم تجريبه لعشر سنوات كاملة، ولم ينجح.
المسيرة نت / ضرار الطيب