أيهما مقنع للسودانيين.. خطاب البرهان من بورتسودان أم رؤية حميدتي للسلام؟
تاريخ النشر: 29th, August 2023 GMT
تباينت آراء المحللين بشأن حديث رئيس مجلس السيادة بالسودان، عبد الفتاح البرهان الذي أدلى به من قاعدة عسكرية في بورتسودان، بعد خروجه من الخرطوم، والرؤية التي طرحها قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) للسلام في السودان.
ففي الوقت الذي رأى فيه الكاتب والمحلل السوداني عادل الباز، أن حديث البرهان يعطي إشارة مهمة بأن الأوضاع تحت سيطرة القوات المسلحة وأن خطة الأخيرة تمضي في الاتجاه الصحيح، اعتبره الباشا طبيق عضو المجلس الاستشاري لحميدتي، صادما لكل الشعب ويعكس إرادة لدى البرهان لاستمرار الحرب وزيادة معاناة السودانيين.
بينما رأى الدكتور كاميرون هادسون مسؤول شؤون أفريقيا في مجلس الأمن القومي الأميركي سابقا، أن حديث البرهان يأتي في إطار رغبته في الظهور كمسيطر على المشهد، ويبعث برسالة للخارج بأنه الرجل الأقوى في السودان.
جاء ذلك خلال الحلقة التي خصصها برنامج "ما وراء الخبر" بتاريخ (2023/8/28) لما أعلنه البرهان، من أن خروجه من مقر القيادة العامة بالخرطوم لم يتم بموجب أي صفقة، مؤكدا من قاعدة عسكرية شمالي مدينة بورتسودان، رفضه التوافق مع من سماهم المتمردين.
وبالتزامن مع ذلك، طالب حميدتي في رؤيته التي طرحها للسلام في البلاد، بربط أي مفاوضات للتسوية، بالبحث عن حل سياسي شامل، وتأسيس جيش جديد موحد، وتصفية الوجود السياسي والحزبي بمؤسسات الدولة، وفق قوله.
وتساءلت حلقة ما وراء الخبر عن دوافع زيارة البرهان إلى بورتسودان في ظل استمرار القتال في الخرطوم ومدن أخرى، ودلالة تأكيده رفض الاتفاق مع من سماهم الخونة والمتمردين، وتزامن ذلك مع رؤية حميدتي التي طرحها وما تضمنتها من شروط.
قضايا عالقةبحسب وجهة نظر الباز، فإن حديث البرهان يؤكد كذلك أنه لم يعد هناك مجال للخوف من أي انتكاسات يمكن أن تحدث في ظل توافق الجميع على إنهاء التمرد، مستدركا بأن خروج البرهان من الخرطوم كان ضروريا لمعالجة بعض القضايا العالقة.
وفي هذا السياق، أشار إلى أن من تلك القضايا العالقة، تعطل الحكومة السودانية، وهو الأمر الذي لابد أن يبت الرئيس فيه بنفسه، منوها إلى أن القتال في أماكن محدودة بينما باقي مدن السودان آمنة، وتتمثل معاناتها في عدم تواجد حكومة تدير شؤونها.
وعزا الباز حرص البرهان على نفي أن يكون خروجه في إطار صفقة إلى انتشار شائعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي تزعم أن هذا الخروج تم باتفاق مع المتمردين، وبواسطة طائرة أميركية، و"هو الأمر الذي يخالف الواقع، حيث كان خروج البرهان بخطة وتنفيذ من القوات المسلحة وحدها".
بالمقابل شكك الباز في جدية الرؤية التي طرحها حميدتي، معتبرا أنها ليست أكثر من شعارات، حيث لم تكن ضمن ما تبناه حميدتي حين كان شريكا في السلطة، وأضاف أن هذه النظريات لا تجدي في ظل استمرار الحرب، التي يرى أنه لا بد أن تحسم أولا، بإنهاء التمرد.
وعلى النقيض من ذلك اعتبر الباشا طبيق، أن خطاب البرهان يعكس رغبة في استمرار الحرب تحت ضغط جهات سياسية معروفة، فيما جاءت رؤية حميدتي داعمة للحل السياسي وإنهاء الحرب، مشددا على أن الأخير من حقه طرح تلك الرؤية، كونه كان جزءا أساسيا بمجلس السيادة الذي يترأسه البرهان.
مزيد من التدميروذهب طبيق للتأكيد بأن توجه البرهان سيؤدي للمزيد من تدمير البنية التحتية للبلاد، مشددا على أن ذلك لا يعني قوات الدعم في شيء، وأنه في حال أصرت القوات المسلحة على الاستمرار في الحرب، فإن "قوات الدعم موجودة في الميدان وتحقق الانتصارات المتتالية".
واستنكر طبيق تسمية قوات الدعم بالمليشيات المتمردة، مؤكدا أنها مؤسسة تابعة للقوات المسلحة بقانون وافق عليه الجميع، لافتا إلى أن المقصود بالجيش الجديد الذي ذكره حميدتي في رؤيته، هو إصلاح المؤسسة العسكرية وتحريرها من سيطرة نخبة سياسية محددة.
بدوره، يرى هادسون أن ما طرحه حميدتي يأتي في إطار رسالة بعثها للأسرة الدولية يحاول من خلالها أن يظهر بأنه لا يزال مؤثرا في المشهد، وهو الأمر الذي يرى الجميع خلافه ولا يمكن أن تنطلي تلك المحاولة على أحد.
ووصف هادسون تلك الرؤية بأنها ليست أكثر من نقاط يعاد تدويرها وسبق للجميع أن طرحها ولا جديد فيها، لكنها تعتمد لغة جميلة، مضيفا بأن حميدتي كان يظن أنها ستحظى بإعجاب الأسرة الدولية، وهو ما لم يحدث لأن الجميع يرى في الوقت ذاته كيف تقوم قوات الدعم باغتصاب النساء وتعذيب السودانيين.
وفي مسألة دمج قوات الدعم في الجيش السوداني، يرى هادسون أنه تم تخطي ذلك، في ظل عدم صدق قوات الدعم في القبول بالدمج، ولا إمكانية حقيقية للأمر، ذاهبا إلى أن الصراع لن ينتهي إلا بانتصار أحد الطرفين، ولا مجال لتسوية أو حل سياسي قريب.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: التی طرحها قوات الدعم إلى أن
إقرأ أيضاً:
اتفاق المنامة السوداني الذي يتجاهله الجميع
"إذ نؤمن بضرورة رفع المعاناة عن كاهل شعبنا والتوصل إلى حلول للأزمة السودانية، تنهي الحرب التي بدأت في الخامس عشر من إبريل 2023، والتي يستلزم وقفُها تكاتف أبناء الشعب السوداني بمختلف مكوناته وانتماءاته. وإذ نقرّ بأن الأزمة السودانية منذ الاستقلال هي أزمة سياسية، وأمنية، واقتصادية، واجتماعية، وثقافية شاملة يجب الاعتراف بها وحلّها حلاً جذرياً. وإذ ندرك أنّ الحرب الحالية قد سبّبت خسائر مروّعة في الأرواح ومعاناة إنسانية لم يسبق لها مثيل، من حيث اتّساع النطاق الجغرافي، وأنها دمّرت البنيات التحتية للبلاد، وأهدرت مواردها الاقتصادية، لا سيّما في الخرطوم ودارفور وكردفان. وإذ نؤكد رغبتنا الصادقة في تسوية النزاع المستمر على نحوٍ عادل ومستدام عبر حوار سوداني/ سوداني، يُنهي جميع الحروب والنزاعات في السودان بمعالجة أسبابها الجذرية، والاتفاق على إطار للحكم يضمن لكل المناطق اقتسام السلطة والثروة بعدالة، ويعزّز الحقوق الجماعية والفردية لكل السودانيين" ... بهذه الديباجة، وأكثر، تبدأ اتفاقية المنامة الموقّعة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في 20 يناير/ كانون الثاني 2024، وجاءت بعد خمسة أيام من رفض قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان لقاء قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وتأكيده أنه لا حاجة لأيّ تفاوض جديد، بل يجب تنفيذ نتائج قمة "الإيقاد"، التي عُقدت في جيبوتي في ديسمبر/ كانون الأول 2023، على نحوٍ طارئ لمناقشة حرب السودان. وخلصت إلى التزام من قائد الجيش وقائد "الدعم السريع" بالاجتماع الفوري ووقف الأعمال العدائية.
في خطابه إلى القمة العربية الطارئة، أكد البرهان أن أولوليات حل الأزمة (الحرب) هي الالتزام بإعلان جدّة للمبادئ الإنسانية، ووقف إطلاق النار، وإزالة معوقات تقديم المعونات الإنسانية، وتعقب ذلك عملية سياسية شاملة للتوصل إلى توافق وطني لإدارة المرحلة الانتقالية ثم الانتخابات، لكن في 20 يناير 2024، وفي يوم توقيع اتفاق المنامة الذي وقّعه عن القوات المسلّحة الفريق أول شمس الدين كباشي نائب القائد العام للجيش، وعن الدعم السريع "الفريق"(!) عبد الرحيم دقلو، شقيق حميدتي، الذي حصل مثله ومثل غيره من قادة المليشيات على رتب عسكرية من الجيش السوداني، في اليوم نفسه، جمّد السودان عضويته في منظمة الإيقاد! وتحوّلت المنظمة التي كانت قبل أيام "صاحبة دور مهم في الوصول إلى السّلام" إلى "منظمة الجراد" في الخطابات الشعبوية التي تطلقها السلطة العسكرية.
مرّ اتفاق المنامة من دون ضجيج. وربما لو لم يتسرّب خبر التفاوض الذي أكده بعد ذلك تصريح أميركي، لظلّ الأمر في دائرة الشائعات. رغم الحضور الدولي والمخابراتي في التفاوض.
اتفق الطرفان، في البند السابع من وثيقة المنامة، على "بناء وتأسيس جيش واحد مهني وقومي، يتكوّن من جميع القوات العسكرية (القوات المسلحة، وقوات الدعم السريع، وحركات الكفاح المسلح)، ولا يكون له انتماء سياسي أو أيديولوجيّ، يراعي التنوع والتعدّد، ويمثل جميع السودانيين في مستوياته كافّة بعدالة، وينأى عن السياسة والنشاط الاقتصادي"، واتفق الطرفان في البند 11 على "تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989 في مؤسسات الدولة كافّة"، أما البند 19 فقد نصّ على "حوار وطني شامل للوصول إلى حل سياسي، بمشاركة جميع الفاعلين (مدنيين وعسكريين)، دون إقصاء لأحد، عدا حزب المؤتمر الوطني المحلول والحركة الإسلامية التابعة له وواجهاته، بما يؤدي إلى انتقال سلمي ديمقراطي".
بمقارنة اتفاق المنامة بين الجيش و"الدعم السريع" مع إعلان أديس أبابا الموقّع بين تنسيقية القوى الديموقراطية والمدنية و"الدعم السريع" في 2 يناير 2024 (قبل 18 يوم من توقيع اتفاق المنامة) يصعب فهم إدانة الجيش إعلان أديس أبابا! فالإعلان نصّ على أن التفاهمات الواردة فيه "ستطرح بواسطة تنسيقية القوى الديموقراطية والمدنية لقيادة القوات المسلحة لتكون أساساً للوصول إلى حل سلمي ينهي الحرب"، وهو الحل السلمي نفسه الذي نصّت عليه اتفاقية المنامة قائلة: "نجدّد قناعتنا بأن التفاوض هو السبيل الأفضل والأوحد للتوصل إلى تسوية سياسية، سلمية شاملة للنزاعات والحروب في السودان"، وهو ما أكده قائد الجيش في خطابه إلى قمة "الإيقاد"، قبل أن ينقلب على المنظمة ويجمّد عضوية السودان فيها، مدّة قاربت العام.
... سيبقى ما حدث لغزاً للسودانيين فترة طويلة، ضمن ألغاز أخرى تحيط بهذه الحرب. كيف دار هذا التفاوض؟ لماذا لم يجرِ الإعلان عنه، لماذا وقّع عليه نائبا البرهان وحميدتي ثم تجاهله الجميع؟
نقلا عن العربي الجديد