في أجيا باراسكيفي، إحدى القرى المنتشرة حول جبل بانيثا، على بعد 15 ميلاً فقط شمال العاصمة اليونانية، أثينا، كانت تقف امرأة أمام منزل محترق، وعوارض سقفه السوداء تمتد متوسلة إلى الدخان المشتعل بالسماء، وكأنها تستجدي الرحمة، وقد انهمرت الدموع على وجهها وهي تفكر فيما فقدته، وبالنظر إليها نجد تلك المرأة تبكى بهدوء، وفي يأس مستسلم تقريبا، وهي صورة تعكس الواقع الذي تعيشه اليونان، وقد وقعت مرة أخرى في قبضة حرائق الغابات، ولكن هذا العام أصبحت أسوأ من أي وقت مضى.

وقبل ساعات كانت يقف في نفس القرية، نيكوس وهو يقف خارج منزله، يراقب الدخان المتصاعد، وقد كان يرش تيارًا رقيقًا من الماء من خلال خرطوم رفيع، ويغمر السيارات المتوقفة ويبلل الأرض حول منزله، فيما بدا بالتأكيد محاولة عقيمة لدرء الخطر الوشيك، وقد مكث يفعل هذا لمدة يومين، وقد حزم حقيبة بها بعض الملابس، استعدادا للمغادرة، مع زوجته وكلبهما، في حال أجبرته السلطات على القيام بذلك، وهكذا كان حال أكثر حرائق اليونان قسوة والتي استهدفت رئتي أثنيا وتلك هي تفاصيل تلك النكبة وأسبابها.

 

رئتي أثنيا تملئ بالنيران 200 حريق

 

وبحسب تقرير نشرته صحيفة cnn الأمريكية، فإن هذه الحديقة الوطنية التي تمكنت منها النيران، تبلغ مساحتها 300 ميل مربع، حيث أنها مليئة بالغابات الخضراء والمواقع الأثرية القديمة، وتُعرف باسم "رئتي أثينا"، وذلك لسبب وجيه، فبالإضافة إلى توفير ملاذ لسكان المدينة من فصول الصيف الحارة في المدينة القديمة، تؤدي غاباتها الشاسعة مهمتين مزدوجتين تتمثلان في تنظيف الهواء الملوث وامتصاص الحرارة الشديدة التي غالبًا ما تجتاح المدينة.

وتعد تلك الحديقة الآن، موطن لمعركة مستعرة، حيث تحاول خدمات الطوارئ صد أكثر من 200 حريق غابات في اليونان منذ يوم الاثنين وحده، حيث نهارًا، يمتلئ الهواء بالدخان وضجيج صفارات الإنذار، وصرخات القرويين وعمال الإنقاذ، واهتزاز مروحيات الهليكوبتر، بينما يحاول رجال الإطفاء إخماد النيران من الأعلى، ولكن هذا الدعم الجوي أمر بالغ الأهمية، ولكنه ممكن فقط خلال النهار. بمجرد حلول الليل، تغادر المروحيات، لكن الحرارة تظل قائمة، وتشتعل النيران.

 

الرياح أكبر الأعداء غير المرئيين لأثنيا

 

وأحد الأعداء غير المرئيين هو الريح، التي يمكن أن تساعد في إشعال النار من لا شيء تقريبًا، وتحثها على التهام الأرض الطازجة، وهنا يقول كوستاس، وهو أحد رجل الإطفاء: "الليلة الماضية كانت جحيماً، فالريح هي أكبر عدو لنا، وهو يمكن اعتباره أمرا مفروغا منه، ففي يوم الخميس الماضي، وبينما كنا نجهز طلقة حية، اكتشفنا ذلك بأنفسنا، حيث اندلع فجأة حريق صغير قريب وتحول إلى حريق شرس، مما أجبرنا على الهروب، مع حلول النهار وانضمام المروحيات إلى القتال، يكون تقدم الحرائق محفورًا في جانب التل، حيث ينتهي فجأة خط من الغابات العذراء الخضراء الزاهية، وتحل محله مساحات واسعة من الأرض السوداء المتفحمة وجثث الأشجار الطويلة".

وتستعر حرائق مماثلة في جميع أنحاء اليونان، ومع وجود العديد من الخطوط الأمامية، لا يوجد عدد كافٍ من رجال الإطفاء في البلاد لوقفها، وقد أعلنت فرقة الإطفاء هذا الأسبوع أنه تم العثور على بقايا 18 شخصًا محترقة في كوخ قريب من غابة داديا في ألكسندروبولي في إيفروس، وهذه الحرائق هي الأكبر على الإطلاق في الاتحاد الأوروبي، وفقًا للكتلة الأوروبية.

 

آثار مباشرة وأخرى مستقبلية كارثية 

 

ووفقا لتقرير الصحيفة الأمريكية، فإن تأثير تلك الحرائق يصل إلى أبعد من الأشجار والمنازل المحترقة، فالآثار المباشرة واضحة، يمكنك أن تشعر بها في الهواء الجاف وهي تخدش حلقك وتلدغ عينيك، كما تراها في المياه السوداء المتساقطة من تحتك أثناء الاغتسال، وكذلك التنفس صعب والهواء كثيف بالدخان اللاذع، ثم هناك التأثيرات التي سيتم الشعور بها في المستقبل.

ويقول الدكتور ميشاليس دياكاكيس من كلية الجيولوجيا والبيئة الجغرافية في الجامعة الوطنية وجامعة كابوديستريا في أثينا، إن فقدان الغابات من شأنه أن يزيد من مخاطر الفيضانات والانهيارات الأرضية، وسوف يضيع دورها في تنظيف الهواء وتخفيف درجات الحرارة في أثينا المجاورة، وتتسارع تأثيرات تغير المناخ محليًا بسبب غيابها، وأضاف : "الحرارة الشديدة أصبحت هي القاعدة الآن"، ويأتي هذا الحديث ولم تتوقف الكارثة بعد عدة أيام من بدء الحريق، حيث كانت بارنيثا لا تزال مشتعلة مع تدمير المزيد من الغابات البكر، فقد كان في السابق بمثابة مخزن للكربون، وهو الآن ينفث الرماد والكربون في الغلاف الجوي، ووصف سائق سيارة أجرة كيف كان يغسل سيارته ثلاث مرات في اليوم لإزالة الرماد. يقع على بعد 50 كم من بارنيثا.

 

يد البشر متورطة في الكارثة 

 

وإلى جانب الرياح، يواجه رجال الإطفاء أيضًا حليفًا أكثر ضررًا للنار: بشكل لا يصدق، يبدو أن بعض الحرائق قد تم إشعالها عمدًا، وقد قامت الشرطة باعتقال 79 شخصًا على صلة بالحرق العمد حتى الآن، وبدأ عدم التصديق في البداية، يتحول إلى غضب بين العديد من اليونانيين، وشكك الدكتور دياكاكيس في دوافع من يقفون وراء هذه الأفعال، قائلا: "لا أستطيع أن أصدق أن هؤلاء الأشخاص جميعهم مجرد مشعلي حرائق، فلماذا يفعلون هذا؟"

وبعد ساعات قليلة من إجلاء نيكوس من قريته، تملكت النيران من كافة أشكال الحياة، وبعد أن لقد اختفت النيران، تاركت خلفها جدرانًا رمادية متهالكة وأسطح محروقة، ولكن المفاجأة كانت حقيقية عندما عاد نيكوس إلى منزله بعد خفوت النيران، فقد كان لا يزال قائمًا، حيث قامت حلقة المياه الخاصة بها بعملها وتم إنقاذ المنزل الصغير، ولقد كان ذلك بمثابة بصيص من الأمل، ولكن الأمر سوف يتطلب أكثر من القليل من الماء لحماية اليونان من حرائق الغابات تلك وتلك التي ستعود بالتأكيد مرة أخرى.

المصدر: صدى البلد

إقرأ أيضاً:

عبودية واغتصاب وموت.. صرخة في العراق لإنقاذ العاملات النيجيريات

عبودية واغتصاب وموت.. صرخة في العراق لإنقاذ العاملات النيجيريات

مقالات مشابهة

  • عبودية واغتصاب وموت.. صرخة في العراق لإنقاذ العاملات النيجيريات
  • رمضان 2025 .. علي السبع ينضم إلى أبطال مسلسل أثينا
  • علي السبع ينضم إلى أبطال مسلسل "أثينا"
  • علي السبع ينضم إلى أبطال مسلسل أثينا
  • أجواء شديدة البرودة تسيطر على البلاد والرياح مستمرة| الطقس اليوم
  • البضاعة بقت رماد.. النيران تلتهم محل تجاري ببورسعيد والمطافي تسيطر على الحريق
  • تحذير هام من الأرصاد الجوية التركية: إنذار بالأمطار الغزيرة والرياح القوية!
  • سلوى محمد علي ومحمود قابيل ينضمان إلى أسرة مسلسل "أثينا"
  • من أساطير اليونان القديمة.. كريستوفر نولان يحضّر لفيلم ملحمي جديد
  • الدكتور بن حبتور يعزي في وفاة السياسي والصحفي البارز ناجي سالم بريك