لأكثر من تسع سنوات، لم يكن السائحون الروس الذين يقضون إجازتهم في شبه جزيرة القرم في حاجة إلى التفكير كثيرًا في حقيقة أن بلادهم كانت تشن حربًا على أوكرانيا - أو أن كراسي التشمس الخاصة بهم كانت متوقفة على أرض محتلة، ولكن مع بدء الهجوم المضاد في كييف، لم تعد شبه الجزيرة الأوكرانية الجنوبية الملاذ الآمن الذي اعتاد عليه هؤلاء المصطافون منذ ضمتها موسكو في عام 2014.

وقد شهدت شبه جزيرة القرم موجة من الهجمات في الأسابيع الأخيرة، بما في ذلك غارة بحرية شنتها القوات الخاصة الأوكرانية يوم الخميس وسلسلة من الهجمات بطائرات بدون طيار يوم الجمعة، وكذلك تعرضت الجسور التي تربط شبه جزيرة القرم بروسيا ومناطق جنوب أوكرانيا الخاضعة للسيطرة الروسية للقصف بشكل متكرر في الأشهر الأخيرة، وتجبر الهجمات السياح الروس على إعادة النظر في خططهم. 

 

الجهمات توقف عمل شركات السياحة

 

وبحسب تقرير نشرته صحيفة cnn الأمريكية، فقد قالت سفيتلانا، وهي امرأة روسية كانت تعمل مديرة في وكالة سياحية في شبه جزيرة القرم، إن الوضع الأمني ​​تسبب في توقف عملها، وهو ما اضطرنا لمغادرة شبه جزيرة القرم في وقت سابق من هذا الصيف وانتقلت إلى سان بطرسبرج في روسيا، فقد ذهبت إلى هناك مؤخرًا مرة أخرى على أمل أن ينتهي كل شيء قريبًا وأن يتفقوا على شيء ما لإنهاء الصراع، ولكنني بقيت لمدة أربعة أشهر وأدركت أن لا شيء سينتهي في أي وقت قريب.

وفي وصف للوضع الكارثي للسياحة بتلك المنطقة، قالت: "لقد ذهبت السياحة كلها، وكانت السياحة أقل في العام الماضي، لكنها اختفت تماما هذا العام، ففي العام الماضي، ألغى السياح الحجوزات عندما بدأ كل شيء، وهذا العام لم يحجزوا حتى، وتعد تلك الأمور كارثية، حيث تعتمد شبه جزيرة القرم اقتصاديًا على صناعة السياحة، ولهذا السبب تستمر السلطات المحلية التي نصبتها روسيا في تشجيع الزوار على القدوم على الرغم من الهجمات، وأنشأت وزارة المنتجعات والسياحة في شبه جزيرة القرم خط مساعدة جديدًا للسياح الروس هذا الصيف وقالت إنها تعمل مع الفنادق للتأكد من أن أولئك الذين يصلون أو يغادرون متأخرين بسبب مشكلات أمنية لا يواجهون رسومًا إضافية أو إلغاء، ولكن دون جدوى".

 

تخفيضات دون جدوى

 

وفي محاولة لتحريك المياة الراكدة، حرص منظمو الرحلات السياحية والفنادق، على تقديم رحلات مخفضة بشكل كبير وامتيازات مجانية لجذب المزيد من السياح، وقال الاتحاد الروسي لصناعة السفر إن أسعار الفنادق في شبه جزيرة القرم انخفضت بنسبة 30% هذا الموسم الصيفي مقارنة بعام 2022 بسبب تراجع الطلب، لكن التخفيضات لا تعمل، حيث قالت الإدارة المعينة من قبل روسيا إن متوسط ​​معدل الحجز لشهر أغسطس بلغ 40%، مما يعني أن غالبية غرف الفنادق ظلت فارغة هذا الصيف.

 

وقالت سفيتلانا إن معظم الأشخاص الذين ما زالوا يقضون إجازاتهم في شبه جزيرة القرم يحجزون عطلات منخفضة الميزانية، إما للتخييم أو الإقامة في أرخص الفنادق أو أماكن الإقامة الخاصة، والأشخاص الذين يستطيعون تحمل تكاليف الإقامة في المنتجعات الأكثر رقيًا يتجهون إلى وجهات أخرى أكثر أمانًا، وتابعت: "للأسف لم استمتع بوقتى في شبه جزيرة القرم، فقد سئمت للغاية من الطائرات الحربية المستمرة في السماء، ومن الجيش المستمر في المدينة، ومن الجرحى، ومن هؤلاء الفقراء الذين يهربون بعيون خائفة، ومن المعدات العسكرية التي كادت أن تسحقني عدة مرات"، وقد تذكرت حادثة كادت فيها ناقلة جند مدرعة أن تصطدم بسيارتها.

 

إزدهار أعقبه خفوت .. والجسر كلمة السر

 

ووفقا للصحيفة الأمريكية، فطالما حظيت شبه جزيرة القرم بشعبية كبيرة لدى السياح الروس، الذين يتذكر الكثير منهم أنهم قضوا إجازتهم هناك خلال الحقبة السوفيتية، ولكن عدد زوار شبه الجزيرة تضخم بعد ضم موسكو في عام 2014، وفي حين جاء 5 ملايين في عام 2015، وهو أول عام كامل تحت السيطرة الروسية، ارتفع هذا العدد إلى 9.4 مليون بحلول عام 2021، وفقًا لوزارة السياحة في شبه جزيرة القرم التي أنشأتها روسيا، لا تزال سفيتلانا تتذكر الموسم الوفير، فقد كانت الأرباح التي تم تحقيقها في ذلك العام أكبر مما كانت عليه في السنوات العشر الماضية،  وقالت: "خلال الوباء، بقي الناس في منازلهم ثم هرعوا إلى (شبه جزيرة القرم) عندما فُتح كل شيء".

 

وتقول أوكرانيا إن تدفق المواطنين الروس لم يقتصر على السياحة، وقالت نائبة رئيس الوزراء الأوكراني إيرينا فيريششوك في مارس إن 800 ألف روسي انتقلوا إلى شبه جزيرة القرم بشكل دائم منذ ضمها، وقد شهدت شبه الجزيرة تدفق الأموال من السياحة والحكومة الروسية، التي ضخت الأموال في البنية التحتية في شبه جزيرة القرم، وكان من أهم هذه الاستثمارات جسر مضيق كيرتش الذي تبلغ تكلفته 3.7 مليار دولار، وهو أطول جسر في أوروبا ومشروع محبوب لبوتين، حيث تم الترحيب بافتتاحه عام 2018 باعتباره إعادة التوحيد المادي لشبه جزيرة القرم مع البر الرئيسي الروسي، وكلن كما كان الجسر كلمة السر في الإزدهار، فقد كان أيضا كلمة السر في الخفوت بعد استهدافه من قبل أوكرانيا.

 

أبواب سياحة أوروبا مغلق أمام الروس

 

ولم تكن شبه جزيرة القرم، هو المصيف الوحيد الذي أغلق أمام الروس، فبعد أن شنت موسكو غزوها واسع النطاق لأوكرانيا في فبراير من العام الماضي، أغلق عدد من الدول أبوابها أمام السياح الروس، وقد علق الاتحاد الأوروبي اتفاقية تسهيل التأشيرة مع روسيا، مما جعل من الصعب على الروس التقدم بطلب للحصول على تأشيرة للاتحاد الأوروبي، ووفقًا لاتحاد منظمي الرحلات السياحية الروس (ATOR)، انخفضت رحلات الروس إلى الدول الأوروبية بنسبة 88٪ في النصف الأول من هذا العام مقارنة بالنصف الأول من عام 2019، وهو العام الماضي الذي لم يتأثر بحظر السفر أو القيود الوبائية، حيث لا توجد رحلات جوية مباشرة بين روسيا والاتحاد الأوروبي.

وبعد أن تم غلق شواطئ أوروبا في وجه الروس، جاءت الضربة الأولى للسياحة بشبه جزيرة القرم في أكتوبر الماضي، عندما أدى انفجار ضخم إلى إعاقة حركة المرور على الطرق والسكك الحديدية على الجسر بشدة، ثم وقع هجوم كبير آخر الشهر الماضي ، عندما تسببت طائرة بدون طيار بحرية تجريبية أوكرانية في أضرار جسيمة لممرات الطرق بالجسر، وكان الهجوم مخيفًا بدرجة كافية لإخافة العديد من السياح الروس الذين كانوا لا يزالون يخططون للقدوم، وقد قال رئيس مجلس الدولة في جمهورية القرم المعين من قبل روسيا، فلاديمير كونستانتينوف، إنه تم إلغاء 10% من حجوزات العطلات في شبه جزيرة القرم في الأيام التالية، وحجوزات الفنادق انخفضت بنسبة 45% في النصف الثاني من يوليو مقارنة بالنصف الأول.

 

أهل القرم في معاناة لم يسلم منها من غادر أو مكث

 

ووفقا للحكومة الأوكرانية، فر أكثر من 50 ألف شخص من شبه جزيرة القرم إلى أجزاء أخرى من أوكرانيا بعد الضم، ومع ذلك، تقدر المنظمات غير الحكومية في شبه جزيرة القرم أن عدد اللاجئين قد يصل إلى الضعف، حيث لم يتم تسجيل الجميع رسميًا لدى الحكومة، وكان ما يقرب من 2.5 مليون شخص يعيشون في شبه جزيرة القرم قبل الضم، وقد صادرت السلطات الروسية ممتلكات العديد ممن غادروا وبيعتها بالمزاد العلني، حيث ذهبت العائدات إلى القوات المسلحة الروسية، وفقاً للسلطات، وكذلك تم تأميم منازل العطلات المملوكة لأوكرانيين يعيشون في أماكن أخرى - بما في ذلك شقة في يالطا مملوكة للرئيس فولوديمير زيلينسكي نفسه - من قبل روسيا، وفقًا لرئيس مجلس الدولة في جمهورية القرم المعين من قبل روسيا، فلاديمير كونستانتينوف.

 

وهنا تقول سفيتلانا لشبكة CNN إن بعض الممتلكات التي صادرتها السلطات الروسية انتقلت إلى مواطنين روس وأشخاص قادمين إلى شبه جزيرة القرم من المناطق التي تحتلها روسيا في جنوب أوكرانيا، أما الموالون لكييف الذين بقوا فقد تعرضوا لنظام وحشي، وقد وثّقت جماعات حقوق الإنسان حالات اختطاف واحتجاز نشطاء وسياسيين وشخصيات عامة وسكان من قبل السلطات الموالية لروسيا، وقد أُجبر المواطنون الأوكرانيون المتبقون على التقدم بطلب للحصول على الجنسية الروسية، أما أولئك الذين رفضوا فقد تعرضوا للاضطهاد، وفقًا لمجموعة القرم لحقوق الإنسان.

 

القرم في قلب أوكرانيا

 

تحدثت شبكة سي إن إن مع أحد المقيمين الأوكرانيين في شبه جزيرة القرم الذي أكد أجواء الرعب التي يعيشها أهل القرم، حيث كان الشخص خائفًا جدًا على سلامته لدرجة أنه طلب إخفاء هويته وعدم نشر أي اقتباسات، وقال المسؤولون الأوكرانيون، بما في ذلك زيلينسكي، مراراً وتكراراً إن الحرب لن تنتهي حتى تعود شبه جزيرة القرم إلى السيطرة الأوكرانية.

 

وقبل ضمها، كانت شبه جزيرة القرم موطنا لنحو 5% من سكان أوكرانيا وتمثل ما يقرب من 4% من ناتجها المحلي الإجمالي، وقال زيلينسكي لشبكة CNN في مقابلة الشهر الماضي: " لا يمكننا أن نتخيل أوكرانيا بدون شبه جزيرة القرم، فبينما تقع شبه جزيرة القرم تحت الاحتلال الروسي، فإن ذلك يعني شيئًا واحدًا فقط: الحرب لم تنته بعد".

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: فی شبه جزیرة القرم شبه جزیرة القرم فی جزیرة القرم ا العام الماضی السیاح الروس من قبل روسیا فی ذلک

إقرأ أيضاً:

بوتين: إنهاء الأزمة الأوكرانية يتطلب الانسحاب الكامل للقوات الأوكرانية من أراضي روسيا الجديدة

موسكو-سانا

جدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اليوم دعوة بلاده لانسحاب قوات كييف الكامل من الأراضي التي عادت حديثاً إلى روسيا الاتحادية من أجل إنهاء الأزمة في أوكرانيا.

وقال بوتين خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان عقب مباحثاتهما في موسكو اليوم: “إن روسيا تؤيد الإنهاء الكامل والنهائي للصراع في أوكرانيا، وشروط ذلك حددناها مسبقاً وهي الانسحاب الكامل لجميع القوات الأوكرانية من جمهوريات دونيتسك ولوغانسك الشعبية ومناطق زابوروجيه وخيرسون”.

وأوضح بوتين أن روسيا تنظر إلى زيارة رئيس الوزراء الهنغاري على أنها محاولة لاستعادة الحوار مع الغرب وإعطائه زخماً إضافياً، لافتاً إلى أن العلاقات بين روسيا والغرب أصبحت الآن في أدنى مستوياتها، مبيناً أنه تمت مناقشة البنية الأمنية المستقبلية المحتملة في القارة الأوروبية.

بدوره وصف أوربان مباحثاته مع بوتين بأنها كانت “مفتوحة وصادقة”، معتبراً أن الأزمة الأوكرانية بدأت تؤثر على الاقتصاد الأوروبي.

وأوضح أوربان أنه ناقش مع بوتين السبل الممكنة لحل الأزمة في أوكرانيا وبحثاً تحقيق السلام بأسرع طريقة ممكنة، مشدداً على أن الحوار بين روسيا والغرب بشأن أوكرانيا مهم لحل الأزمة.

وتتولى هنغاريا رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي للأشهر الستة المقبلة لذلك تبادل الزعيمان وجهات النظر حول العلاقات الحالية بين روسيا والاتحاد الأوروبي.

وكان الرئيس الروسي قدم مؤخراً مقترحات سلام جديدة للحل في أوكرانيا، تنص على الاعتراف بوضع شبه جزيرة القرم وجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين ومقاطعتي خيرسون وزابوروجيه كمناطق روسية، وضمان حيادية وعدم انضمام أوكرانيا لأية أحلاف وخلوها من أية أسلحة نووية، وتجريدها من السلاح وإزالة النازية منها، وإلغاء العقوبات المفروضة على روسيا، لكن الجانب الأوكراني رفض هذه المبادرة.

ومنذ بداية الأزمة الأوكرانية، أكدت القيادة الروسية استعدادها للتفاوض من أجل التوصل لحل، شرط أن يؤخذ في الاعتبار الواقع الجديد على الأرض ومطالب روسيا الأمنية.

مقالات مشابهة

  • رئيس الوزراء المجري أوربان يلتقي بوتين لإجراء محادثات في موسكو في زيارة نادرة يقوم بها زعيم أوروبي
  • بوتين: إنهاء الأزمة الأوكرانية يتطلب الانسحاب الكامل للقوات الأوكرانية من أراضي روسيا الجديدة
  • قائد البحرية الأوكرانية: روسيا تفقد السيطرة على محور شبه جزيرة القرم
  • اعرف الأسباب.. بوتين يعارض وقف إطلاق النار في أوكرانيا
  • جون كيري: أوكرانيا لن تنتصر في الصراع مع روسيا
  • بيسكوف: العقلاء في الغرب سيفكرون في خطة بوتين للسلام في أوكرانيا
  • سبب رفض روسيا وأوكرانيا تدخل تركيا كوسيط لإنهاء الحرب
  • أوكرانيا تسقط 21 مسيرة روسية وتتراجع في مدينة إستراتيجية شرقا
  • بكين تعلق على ادعاءات اعتماد روسيا الكامل على الصين
  • العثور على جزء من مائدة القرابين في معبد زيوس بشبه جزيرة القرم