الرؤية الاقتصادية لرئيس وزراء سنغافورة السابق
تاريخ النشر: 28th, August 2023 GMT
#الرؤية #الاقتصادية لرئيس وزراء #سنغافورة السابق
#موسى_العدوان
سنغافورة دولة صغيرة تقع في جنوب شرق آسيا، تبلغ مساحتها حوالي 700 كيلومتر مربع، وعدد سكانها حوالي 5 ملاين نسمة من عرقيات واديان متنوعة. كانت هذه الجزيرة مستعمرة بريطانية في أواسط القرن الماضي، وكانت هذه الجزيرة تفتقر للموارد الطبيعية، وأكثر تخلفا من الأردن في ذلك الزمان، ويعاني سكانها من البطالة، والركود الاقتصادي، وأزمة السكن، والفساد الإداري.
في عام 1959 أنتُخب ” لي كوان يو ” كأول رئيس لوزرائها بعد فوز حزبه بالانتخابات. ثم انفصلت الجزيرة عن اتحاد الملايو ( ماليزيا )، ونالت استقلالها عام 1965. وقد وصف رئيس وزرائها الجديد المشهد الذي يكتنف الجزيرة قائلا :
” بعد الانفصال عن الملايو وجدت كل شيء حولي ينذر بالانهيار. فنسبة البطالة تقارب 15 %، والدولة الجديدة تكاد تخلو من كل شيء، البنية التحتية متخلفة للغاية، المدارس والجامعات لا تفي بالحاجة، القوة العسكرية مؤلفة من كتيبتين ماليزيتين، قوات الشرطة لا وجود لها من الناحية العملية، الغليان العنصري والديني يهدد بالانفجار في أية لحظة، التهديد الخارجي لم يتوقف، ومانت مليزيا تنتظر فشلنا على أحر من الجمر، لتستخدم القوة في إعادة سنغافورة إلى حظيرة البلاد “.
مقالات ذات صلة مبتدأ وخبر 2023/08/28كان الرئيس ” يو ” يتمتع بالرؤية الثاقبة وبعد النظر، والتصميم على بناء الدولة، رغم كل التحديات التي كانت تواجهه. فركّز خطته على ” بناء الإنسان ” من خلال النهوض العلمي، وعدم إضاعة الوقت في الإصغاء للإذاعات، ومنع الناس من التجمهر إلاّ لأداء الصلاة، وأغلق السجون ليفتح المدارس بدلا منها. كما حارب الفقر والبطالة من خلال مشاريع ناجحة، وجعل لكل مواطن بيتا يسكن فيه، بدلا من أكواخ الصفيح على ضفتي النهر، ثم أقام نموذجا مثاليا للحكم في البلاد.
وفي تطبيق رؤيته الاقتصادية، لم يعتمد الرئيس ” يو ” على لجان وخلوات اقتصادية، على أحد شواطئ الجزيرة، لتستنزف الوقت وتخرج بتوصيات فاشلة تكرّس التخلف، بل أعتمد في رؤيته النهضوية، على محاور رئيسية ثلاث هي :
محور التعليم. فقد أورد في مذكراته ما يلي : ” الدول المتحضرة تبدأ نهضتها بالتعليم، وهذا ما بدأتُ به عندما تسلّمت الحكم في دولة فقيرة جدا. أوليت الاقتصاد اهتماما أكثر من السياسة، والتعليم أكثر من نظام الحكم، فبنيت المدارس والجامعات، وأرسلت الشباب إلى الخارج لتلقي العلم والاستفادة من دراساتهم لاحقا، في تطوير الداخل السنغافوري “. محور التوظيف الحكومي. اعتمدت حكومته على التوظيف، بدرجة عالية من المهنية والثقافية، وذلك من خلال مناظرات ومسابقات مفتوحة للجميع. ويقول في هذا الصدد : ” بعد عدة سنوات من الخدمة الحكومية، أدركت أنني كلما اخترت أصحاب المواهب كوزراء وإداريين مهنيين، كلما كانت سياستنا أكثر فعالية وأكثر انتاجا “. محور تحديد النسل. تبنت الحكومة سياسة تحديد النسل، بحيث لا تتجاوز زيادة نسبة السكان وهي 1,9 % في عام 1970 و 1,2 في عام 1980، وذلك تجنبا للانفجار السكاني الذي يعرقل التنمية. وبعد أن تعافى الاقتصاد، اعتمدت الحكومة برنامجا معاكسا، يهدف إلى تحفيز المواطنين على زيادة النسل، لتوفير الأيدي العاملة التي نحتاجها. وهكذا حققت سنغافورة بقيادة رئيس وزرائها ” لي كوان يو ” معجزة اقتصادية عظيمة، في فترة لا تزيد عن ثلاثة عقود، وتحولت من دولة متخلفة إلى دولة صناعية، تنتج مختلف المواد التجارية والإلكترونية، وتكرير النفط، وبناء السفن، وصناعة السياحة، رفع دخل الفرد السنوي في بلاده، من 1000 دولار عند الاستقلال إلى 30000 دولار في بداية الألفية الثالثة. وحوّل بلاده من مستنقعات تعجّ بالذباب والبعوض، إلى مركز استثماري وسياحي عالمي، يكتظّ بناطحات السحاب. ويمكن لأي قارئ أن يطلع من خلال الشبكة العنكبوتية، على معالم نهضة سنغافورة الحديثة، التي حولت البلاد إلى قبلة للسائحين والمستثمرين.في عام 1990 تنازل ” يو ” عن الحكم طوعا، بعد أن تولى رئاسة الوزراء لمدة 31 عاما متواصلة، حقق خلالها لبلاده هذه النهضة الاقتصادية الرائعة. ولكن الدولة حافظت عليه نظرا لإخلاصه وخبراته الفذة في إدارة البلاد، وعينته مستشارا لمجلس الوزراء، لمدة 21 عاما إضافية، لكي يحافظ على الإنجاز الذي تحقق، ويواكب استمرارية تطور البلاد.
وعند المقارنة بين ما أنجزه رئيس وزراء سنغافورة السابق، من تقدم اقتصادي لبلاده خلال توليه الحكم، وما أنجزه رؤساء وزرائنا خلال توليهم الحكم خلال العقود الماضية وحتى الآن، نجد أن هناك بونا شاسعا بين الطرفين. فبدلا من التقدم الاقتصادي الذي تحقق في سنغافورة، الدولة الصغيرة فقيرة الموارد الطبيعية، قابلها من طرفنا تخلف اقتصادي، وتباطؤ في التطور، رغم توفر الموارد الطبيعية. ولكني أستثني من ذلك تقدمنا في ارتفاع المديونية، وفرض الضرائب الجديدة، ومضاعفة عدد السكان المستوردين من الخارج.
وختاما أتساءل : ألا يمكن لخبرائنا الاقتصاديين، الذين يجتمعون اليوم على شاطئ البحر الميت، أن ينقلوا رؤية ” لي كوان يو ” الاقتصادية رغم قِدَمها، بعد تطويرها بما يتفق مع التكنولوجيا الحديثة وبما يناسب ظروفنا المحلية، ويريحونا ويريحوا عقولهم من العصف الذهني المرهق تحت المكيفات، لكي يقدموا لنا : ” رؤية التحديث الاقتصادي وخارطة تحديث القطاع العام ” التي سمعنا بأمثالها مرات عديدة في الماضي ؟
التاريخ : 28 / 8 / 2023
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: الاقتصادية سنغافورة من خلال فی عام
إقرأ أيضاً:
خبراء لـ"الرؤية": القانون المصرفي ونظام البنك المركزي الجديدان يعززان جهود الإصلاحات المالية وتحسين الاقتصاد الوطني
الرؤية- سارة العبرية
يُؤكد عددٌ من الخبراء الاقتصاديين أنَّ المراسيم الصادرة بإصدار القانون المصرفي ونظام البنك المركزي العُماني ومجلس إدارته، تأتي لمُواكبة التطورات التي يشهدها القطاع المصرفي، بما يُساهم في تحقيق رؤية عُمان 2040.
ويقول الدكتور يوسف بن حمد البلوشي إنَّ المرحلة الحالية تفرض العديد من التحديات التي تواجه الاقتصاد العماني، الأمر الذي يتطلب وضع استراتيجيات مالية مُبتكرة تدعم القطاعات الحيوية، خصوصاً في القطاع الخاص، مضيفًا أنَّ الإصلاحات المالية الأخيرة، سواء من خلال التعيينات الجديدة والتغير في القانون المصرفي، تمثل خطوة مُهمة نحو تحفيز الاقتصاد الوطني، وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية.
ويرى البلوشي أنَّ هذه التغييرات لا تقتصر فقط على تحسين بيئة الأعمال؛ بل تهدف أيضًا إلى تسهيل حصول الشركات على التمويل المناسب بشروط ميسرة، للمساهمة في دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، التي تُعد محركاً رئيسياً للنمو الاقتصادي في المستقبل، لافتًا إلى أنَّ ذلك سيكون له تأثيرات إيجابية على مختلف القطاعات الإنتاجية، من خلال تعزيز التصنيع وتطوير التكنولوجيا، وهو ما سيؤدي إلى تنويع مصادر الدخل الوطني وتقليل الاعتماد على النفط.
وفيما يتعلق بأهداف "رؤية عمان 2040"، يؤكد البلوشي أن التوجهات الحالية تتماشى مع هذه الرؤية الطموحة، التي تركز على بناء اقتصاد مستدام يعتمد على الاستثمار والإنتاج المحلي، ووفقًا لذلك سيتم خلق فرص عمل جديدة للمواطنين في القطاع الخاص، مما يعزز دورهم في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، ويسهم في تحقيق الازدهار والرفاهية للمجتمع العُماني.
من جهته، يوضح الدكتور حيدر بن عبدالرضا اللواتي الكاتب في الشؤون الاقتصادية، أن إصدار المراسيم يكون ضروريا لسد احتياج إلى هذا المرسوم، مبيناً أن صدور القانون المصرفي ضروري لأن المؤسسات المصرفية ضرورية في أي دولة لأنها تتعامل مع الأفراد والشركات، وتنوب عنهم في تبادل المصالح داخل البلاد أو خارجها وفي عمليات الاستيراد أو التصدير من خلال فتح الاعتمادات البنكية من داخل وخارج الدول، وبالتالي فإن صدور المرسوم سيوف يعزز جهود تمكين هذه المؤسسات من مواكبة التطورات المتسارعة.
ويضيف: "أن التعديل فيما يخص الهيكل الإداري للبنك المركزي من مجلس محافظين إلى مجلس إدارة وتعيين أول محافظ للبنك المركزي العُماني، لن يؤثر على معاملات البنك المركزي، إذ إن مجلس الإدارة معني بإعداد الاستراتيجيات والقوانين والتشريعات، في حين سيقوم المحافظ بتنفيذ تلك الخطط".
ويتابع قائلا: "وجود محافظ واحد للبنك يمنحه صلاحية اتخاذ القرارات المطلوبة في العمل اليومي وفق ما هو وارد في القانون المصرفي منذ صدر عام 1974، والتعديلات التي حصلت عليه في القانون المصرفي العماني لعام 2000م، حيث تشمل تلك الأهداف العديد من الأمور لتعزيز وتنمية المؤسسات المصرفية لضمان الاستقرار المالي والنمو، وتمكين البنك المركزي من المحافظة على قيمة العملة المحلية والإشراف على الأعمال المصرفية، كما تعمل القوانين على المحافظة على العمل بالمعايير الدولية المعتمدة وتقديم أفضل الممارسات المصرفية، وهذا ما سيعمل به مجلس الإدارة بتفويض المحافظ للقيام بذلك إلى جانب التنظيم والإشراف على المصارف والأعمال المصرفية".
ويبيّن اللواتي أن تعيين أحمد المسلمي محافظا للبنك المركزي سيساعد في تنظيم المزيد من الأعمال المصرفية، خاصة وأنه شخص مصرفي ومتمرس في الأعمال المصرفية، موضحا: "المسلمي يمتلك الكثير من الخبرات في هذا القطاع، ومارس تلك الأعمال خلال تنقله بين العديد من المصارف العمانية خلال العقود الثلاثة الماضية، كما أنه عمل في البنوك التقليدية والبنوك الإسلامية، وقاد بنوكا كبيرة في السلطنة، كما أن تعامله مع المسؤولين في البنك المركزي العماني مكنّته في معرفة الكثير من القضايا والحقائق التي تهم تلك المصارف، الأمر الذي يمنحه الفرصة في إجراء التغييرات والتعديلات المطلوبة في العمل المصرفي بشكل عام".
ويذكر اللواتي: "وجود عدد من القيادات المصرفية والمالية والاقتصادية وممثلي القطاع الخاص في مجلس الإدارة الجديد للبنك المركزي العماني يعطي قوة أكبر للمجلس الجديد في اتخاذ القرارات التي تهم العمل المصرفي، وهذه ربما لأول مرة نرى مجلس إدارة يتضمن في عضويته عددا من الخبراء الاقتصادين والمصرفيين ممن عملوا في المجالات الأكاديمية الاقتصادية والمصرفية النظرية، وممارسة الأعمال المصرفية على الواقع، لأن مثل هذه المؤسسة تحتاج إلى تلك الشخصيات التي لها القدرة على التحليل واستقراء المستقبل في كل ما يهم العمل المصرفي والمالي والاقتصادي، وباعتبار أن البنك المركزي مؤسسة مهمة في أي اقتصاد للدول، فإن أي تغيير جذري في قوانينه سوف يؤثر على جميع الأفراد والمؤسسات، وهذا ما يأمله الناس بأن تكون قرارات البنك المركزي متماشية مع احتياجاتهم في الأعمال المصرفية والتجارية، ومواكبة للمستجدات التي يشهدها العالم".