تحسن العلاقات مع دول الخليج ينعش السياحة والعقارات في يالوفا التركية
تاريخ النشر: 28th, August 2023 GMT
سلطت صحيفة "التايمز" الضوء على تدفق أثرياء الخليج إلى الأماكن السياحية وشرائهم للفلل الراقية فيها بعد سنوات من توتر العلاقات، مشيرة إلى أن العقد الماضي شهد محاولات لتعزيز التواجد العربي في تركيا.
وذكرت الصحيفة، في تقرير لها، أن العلاقات الاقتصادية التركية مع دول الخليج بدأت بتدفق الاستثمارات الخليجية على الجبال الخضراء والشلالات في يالوفا، ففي الثمانينات من القرن الماضي فتح فندق زمزم بقرية غوكتشدري الطريق أمام موجة من تلك الاستثمارات.
وأضافت أن تركيا لم تكن تسمح للأجانب آنذاك بشراء العقارات، إلا أن بناء مختار القرية وإمامها ومدرسها علاقات مع المستثمرين الخليجيين فتح لهم الباب لتولي عملية الشراء رسميا.
وانجذب العرب للمنطقة بسبب قربها من إسطنبول، وبدأوا ببناء الفلل وقضاء العطل فيها، وظهرت نتيجة لذلك صناعة خدمات بالمنطقة، واليوم تكتب أسماء المحلات فيها بالعربية والتركية، رغم ملاحقة السلطات البلدية لذلك في أجزاء أخرى من تركيا، والتي استقر فيها اللاجئون السوريون.
ولا تقدم معظم الفنادق في هذه المنطقة المشروبات الكحولية، وتحفل طرقها بالسيارات السوداء التي تحمل العائلات في جولات بالمناطق المحلية الجذابة.
وحسبما رصدت "التايمز"، فإن مجموعة على فيسبوك تحفل بالإعلانات التجارية التي تخدم مجتمع الوافدين الصغير ونساء بالملابس المحتشمة والطعام العربي ومنازل للبيع، مشيرة إلى أن نصف التجارة في الشارع الرئيسي بغوكتشدري هي للعقارات.
وتدهورت علاقات تركيا مع دول الخليج، بسبب دعم الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، للإخوان المسلمين، ومقتل الصحفي، جمال خاشقجي، في إسطنبول، ما انعكس على العلامة التي تركتها الاستثمارات الخليجية في هذه المنطقة الريفية.
ففندق زمزم، بطرازه الكلاسيكي الجديد، أصبح متهالكا، وباتت واجهته علامة عن العلاقات المتدهورة بين تركيا ودول الخليج.
اقرأ أيضاً
في مواجهة إيران.. النفيسي يدعو دول الخليج للاستقواء بتركيا في حقل الدرة
وكانت اليافطات التي تظهر لوحتها الشمس على باب الفندق دعايات عن أجنحة راقية ورجال بالأثواب العربية يتجولون في ردهة الفندق اللامعة. إلا أن الفندق لم يفتتح أبدا، فقد نفد المال من المتعهد وأعاد البنك الاستحواذ عليه وقبل أن يكتمل.
لكن أردوغان أصلح علاقاته مع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان ويقود حملة لإعادة بناء العلاقات مع الخليج. وخفف من دعمه للإخوان المسلمين وزار السعودية والإمارات وقطر موقعا صفقات تجارية ثنائية واتفاقيات استثمار والتي تعد بحلب عشرات المليارات من الدولارات إلى الاقتصاد التركي.
وتشير الصحيفة إلى أن حظوظ فندق زمزم "ربما تغيرت"، فقد بيع الموقع لمسثتمر جديد، ونقلت عن، دينز أوز، الذي يدير شركة عقارات "ريس" المقابلة للفندق، قوله: "سيبدأ العمل من جديد وسيتم افتتاحه (..) كانت مشكلة مالية، هذا كل ما في الأمر".
وحصل بعض من استثمر في العقارات على الجنسية التركية، فقد عرضت تركيا منذ 2017 المواطنة من خلال برامج الاستثمارات، حيث سمحت لأي شخص يستثمر 400.000 جنيه استرليني على الأقل بالحصول على الجواز التركي ولعائلاتهم المباشرة.
ولم تتوقف عمليات شراء العقارات في يالوفا حتى في ذروة الخلاف التركي- السعودي، إلا أنها أثارت شكاوى من الأتراك الذين يكافحون لشراء البيوت التي زادت أسعارها في السنوات الماضية.
ولذا تعارض المعارضة العلمانية في تركيا عمليات الشراء الخليجية، وتتهم أردوغان بمحاولة تغيير الطابع السكاني للبلد.
وحتى عام 2022 كان أكبر المستثمرين في تركيا هم من الإيرانيين وبعدهم العرب، مع أن الروس يتفوقون عليهم اليوم، وكانت تركيا واحدة من الدول القليلة التي لم تفرض عقوبات أو قيودا على رجال الأعمال الروس والمواطنين العاديين، ولذا تضع المطاعم والفنادق في يالوفا علامات بالروسية إلى جانب العربية والتركية.
وتعيش تركيا عاما سياحيا جيدا، حيث يتوقع أن يزيد عدد السياح إلى 50 مليونا، لكن التجارة في يالوفا ليست نشطة كثيرا، إذ تواجه المنطقة منافسة من منطقة البحر الأسود الشهيرة بجبالها وجوها المعتدل والمفضلة لدى السياح والمشترين من الخليج.
وقال أوز إن الطبقة المتوسطة من الخليج تأتي إلى يالوفا أما الأغنياء فيذهبون إلى البحر الأسود، مضيفا: "قبل سنوات تعودنا على السوريين واللبنانيين الذين كانوا يأتون بحافلات سياحية، لكن لم يعد هذا قائما، والدول تملك الينابيع الساخنة هنا ولكنها ليست بحالة جيدة ويجب تحديثها وخصخصتها".
اقرأ أيضاً
قبل جولة أردوغان الخليجية.. أنقرة: الإمارات قد تستثمر 30 مليار دولار في تركيا
المصدر | الخليج الجديد + التايمزالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: تركيا أردوغان محمد بن سلمان البحر الأسود دول الخلیج فی ترکیا
إقرأ أيضاً:
بعد سجن إمام أوغلو.. هل يعيد أردوغان تشكيل المشهد السياسي في تركيا؟
لا تزال تركيا تعيش على أصداء سجن رئيس بلدية إسطنبول الكبرى أكرم إمام أوغلو على خلفية اتهامات متعلقة بـ"الفساد"، ففي حين تدفع المعارضة بالشارع للضغط على الحكومة بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان بذريعة أن الاعتقال "سياسي"، فإن الأخير يرى في القضية فرصة لإعادة تشكيل المشهد السياسي داخليا، حسب مراقبين تحدثوا لـ"عربي21".
ويعد إمام أوغلو المنتمي إلى حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة التركية، أحد أبرز السياسيين في معسكر المعارضة، كما ينظر إليه في الأوساط التركية على أنه منافس محتمل لأردوغان، في حال تمكن الأخير من خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة سواء من خلال تعديل الدستور أو إجرائها مبكرا.
ودأب حزب "الشعب الجمهوري" بقيادة أوزغور أوزيل على وصف اعتقال إمام أوغلو بأنه "سياسي" و"انقلاب على الرئيس القادم"، سيما أنه جاء بعد ساعات قليلة من إلغاء جامعة إسطنبول شهادة رئيس بلدية إسطنبول الجامعية بسبب "التزوير" خلال انتقاله إلى كلية إدارة الأعمال عام 1990.
وتسحب إلغاء الشهادة من إمام أوغلو فرصه للترشح إلى الانتخابات الرئاسية إذ ينص القانون في تركيا على ضرورة تقديم شهادة جامعية للترشح، لكن الشعب الجمهوري لا يزال يدفع بإمام أوغلو نحو السباق الرئاسي بعدما أصر على إجراء انتخابات تمهيدية محددا رئيس بلدية إسطنبول المسجون مرشحا رئاسيا عن الحزب.
وعلى مدى الأيام الماضي، شهدت تركيا توترات إثر نزول عشرات الآلاف من مناصري إمام أوغلو إلى الشوارع للمطالبة بإطلاق سراحه، ما أدى إلى اعتقال المئات على خلفية أعمال شغب وصدامات مع رجال الشرطة.
ومن شأن التطورات المتسارعة في تركيا أن تعيد تشكيل المشهد السياسي الذي تكون بعد الفوز الساحق لحزب الشعب الجمهوري في الانتخابات المحلية في آذار /مارس عام 2024، حيث غدا الحزب لأول مرة الأعلى حصولا على أصوات الناخبين، كما فتحت الأبواب أمام لإدارة البلديات الكبرى في العديد من المدن.
ويؤكد الباحث محمود علوش أن "قضية أكرم إمام أوغلو ستعيد تشكيل السياسة الداخلية التركية على نطاق واسع، سواء على مستوى علاقة المعارضة بأردوغان أو على مستوى حالة المعارضة نفسها".
ويشير في حديثه مع "عربي21"، إلى أن "هذه القضية جاءت في خضم عملية إعادة تشكيل فعلية للسياسة التركية، بدأت خصوصًا بعد عملية السلام الجديدة التي أطلقتها الدولة مع حزب العمال الكردستاني، بهدف إبعاد الحالة الكردية عن صفوف المعارضة، وأيضًا تفريغ التيار القومي المعارض من قوته".
وكانت تركيا شهدت على مدى الأشهر القليلة الماضية تحولات وصفت بالتاريخية، بعدما أطلق زعيم القوميين الأتراك دولت بهتشلي مبادرة لإنهاء الصراع مع حزب العمال الكردستاني، من خلال دعوة رئيسه المسجون في تركيا عبد الله أوجلان إلى إلقاء خطاب يطالب بإلقاء السلاح وحل التنظيم والانخراط في العملية السياسية.
وبالفعل، توجه أوجلان برسالة حملها حزب المساواة والديمقراطية للشعوب "ديم" إلى حزب العمال الكردستاني، طالبا حل التنظيم وإلقاء السلاح، وقد أكد الأخيرة عزمه الامتثال لذلك معلنا عن وقف أحادي لإطلاق النار مع تركيا.
وشدد حزب العمال الكردستاني على أن نجاح العملية "يتطلب أيضا توفر السياسات الديمقراطية والأسس القانونية المناسبة"، بحسب ما نقلته وسائل إعلام تركية.
وكان تحالف الشعب الجمهوري وفي مقدمته إمام أوغلو مع حزب "ديم" المناصر للأكراد في تركيا، عاملا مهما في التقدم الذي أحرزه الحزب في الانتخابات المحلية الأخيرة، حسب مراقبين.
لكن مع التقارب بين الأكراد والقوميين الأتراك، ودفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نحو تعزيز الجبهة الداخلية من خلال الحوار السياسي للوصل إلى هدف "تركيا خالية من الإرهاب"، فيبدو أن حزب الشعب الجمهوري بدأ في فقدان أحد أهم تحالفاته لصالح أردوغان وحلفائه في تحالف "الشعب الجمهوري".
ويعتبر الباحث التركي علي أسمر أن "إمام أوغلو ذهب ضحية لتقارب التيار القومي مع التيار الكردي"، مشيرا إلى أن "اعتقاله جاء بعد مسار المفاوضات مع عبد الله أوجلان".
ويضيف في حديثه مع "عربي21"، أن "الدليل على ذلك هو الدعم الخجول من حزب الشعوب الديمقراطي لإمام أوغلو بعد اعتقاله، حيث صرّح الحزب بأنه لن ينزل إلى الشارع، ولديه قضايا أكبر من قضية إمام أوغلو".
"الشعب الجمهوري" وصراعاته الداخلية
يرى علوش أن "هذه المعركة ليست مجرد قضية شخصية تتعلق بإمام أوغلو، بل هي معركة حاسمة للحزب ذاته، ومن يكسب هذه الجولة سيحصل على مكاسب تتجاوز هذه القضية”، محذرا من أن "استسلام حزب الشعب الجمهوري للوضع الراهن ستكون له عواقب كبيرة على دوره في المعادلة السياسية".
كما أشار إلى أن "قضية إمام أوغلو قد تفتح الباب أمام تنافس داخلي كبير داخل الحزب لإعادة تشكيل المشهد القيادي، خاصة أن إمام أوغلو لعب دورا رئيسيا في تغيير الحزب والإطاحة برئيسه السابق كمال كليتشدار أوغلو"،
وأضاف الباحث أن "غياب إمام أوغلو عن المشهد السياسي أو ضعف تأثيره قد يفسح المجال أمام شخصيات أخرى كانت متضررة منه للبروز والتصدر من جديد".
ومنذ خسارة مرشح تحالف المعارضة السداسي للانتخابات الرئاسية في 2023 كمال كليتشدار أوغلو السباق لصالح أردوغان، بدأت تقارير صحيفة تشير إلى انقسامات داخلية في حزب الشعب الجمهوري، وهو ما أطاح بكليتشدار أوغلو الذي قال إنه "طعن من الظهر" من زعامة الحزب.
في المقابل، أوضح أسمر أن "حزب الشعب الجمهوري سيحاول المناورة، لكن من الأفضل له أن يهيئ مرشحا جديدا، مثل أوزغور أوزال أو منصور يافاش"، لافتا إلى "وجود أخبار غير مؤكدة عن نية كليتشدار أوغلو العودة إلى قيادة الحزب، ما قد يؤدي إلى صراعات داخلية حول المرشح الرئاسي المقبل".
وأضاف الباحث التركي أن "التراجع الذي يشهده الحزب المعارض يعود إلى الصراع بين تيار كليتشدار أوغلو وتيار إمام أوغلو".
ولفت أسمر إلى أن "الحزب فاز في الانتخابات المحلية بفضل أصوات الأكراد، لكن مع مسار المفاوضات وإمكانية تخفيف الحكم عن أوجلان وإطلاق سراح صلاح الدين دميرتاش، فمن المحتمل أن يتجه الأكراد لدعم الحزب الحاكم أو تقديم مرشحهم الخاص بدلًا من دعم حزب الشعب الجمهوري".
أردوغان وإدارة الملف
شن الرئيس التركي في أكثر من مناسبة هجوما حادا على المعارضة بسبب حشدها الأنصار في الشوارع، معتبرا أن ما شهدته بلاده خلال الأيام الماضية، "يؤكد مجددا أن تركيا، كدولة كبيرة، فيها حزب معارضة رئيسي يفتقر إلى البصيرة والرؤية والجودة، ويبدو صغيرا وضعيفا سياسيا".
في المقابل، انتقدت المعارضة حملة الاعتقالات التي طالت إمام أوغلو ومقربين منه على خلفية تهم متعلقة بـ"الفساد" و"الإرهاب"، معتبرة أن ذلك بمنزلة "انقلاب على الرئيس القادم".
يرى علوش أن "أردوغان يرى في قضايا الفساد المزعومة ضد إمام أوغلو فرصة لإخراجه من المشهد السياسي، كما أنها فرصة لإدانة تجربة حزب الشعب الجمهوري في الحكم المحلي، خاصة أن فوز الحزب في الانتخابات البلدية الأخيرة أظهر أردوغان في موقف ضعيف".
وأضاف أن "أردوغان يعمل على إعادة تشكيل صراعه مع المعارضة بعدة مسارات، منها إخراج إمام أوغلو من المعادلة السياسية، والتأكيد على أن القضية لا تتعلق بشخصه فقط، بل تمس تجربة الحزب في الحكم المحلي"،
وبحسب علوش، فإن "الرئيس التركي يسعى أيضا إلى تفكيك المعارضة، خصوصا من خلال إبعاد الحالة السياسية الكردية عنها، مما يمنحه هامشًا أقوى للترشح لولاية رئاسية جديدة".
أما أسمر، فاعتبر أن "سياسة الحكومة التركية كانت ذكية جدا؛ إذ انتظرت توفر أدلة قوية مصدرها حزب الشعب الجمهوري نفسه، ثم استخدمتها لاستبعاد إمام أوغلو من المشهد السياسي"، مضيفًا أن "التقارب مع الأكراد ساعد الحكومة على تنفيذ هذه الخطوة، إذ لولاه لكان الوضع أكثر صعوبة".
لكنه لفت إلى أن "الخطأ الوحيد كان في طريقة اعتقال إمام أوغلو، التي تمت بخشونة شديدة وأدت إلى هبوط الليرة ونزول الناس إلى الشوارع"، موضحًا أنه "لو تم استدعاؤه والتحقيق معه بشكل طبيعي، لتم تفادي هذه التداعيات".
مستقبل إمام أوغلو
بعد احتجاز دام أربعة أيام، نُقل إمام أوغلو إلى سجن "مرمرا" الواقع في منطقة سيلفي على أطراف مدينة إسطنبول إثر قرار القضاء سجنه على ذمة اتهامات متعلقة بـ"الفساد"، رافضا طلب النيابة العامة اعتقاله على ذمة قضية "الإرهاب".
كما أعلنت وزارة الداخلية إبعاد إمام أوغلو عن منصب رئيس البلدية، ما أدى إلى انتخابات داخل المجلس البلدي، فاز بها نوري أصلان المنتمي إلى حزب "الشعب الجمهوري" برئاسة البلدية بالوكالة.
وتثار العديد من التساؤلات حول مصير إمام أوغلو بعد سجنه وإلغاء شهادته الجامعية، وسط تراجع زخم الاحتجاجات في معسكر المعارضة بعد ما يقرب من أسبوعين على اتقاله.
في السياق، يوضح علوش أنه "من غير الممكن تحديد التأثيرات القانونية المباشرة على إمام أوغلو وتجربته السياسية، إذ سيتعين انتظار المسار القضائي، لكن سياسيا، فرص نجاته من هذا الصراع تبدو محدودة للغاية”.
أما أسمر، فأشار إلى أن "المظاهرات مستمرة لكن بزخم أقل، لأن أحزاب المعارضة لا تقدم دعما حقيقيا له، فباستثناء حزب الشعب الجمهوري، لا يرى أحد من المعارضة أن هذه قضيته”، معتبرا أن "الحزب الحاكم نجح في شق صفوف المعارضة".
ويوضح أسمر أنه "حتى لو تم الإفراج عن إمام أوغلو، فإنه لن يتمكن من الترشح بسبب إلغاء شهادته، ما يعني أنه يواجه صعوبات كبيرة سيكون من الصعب تجاوزها جميعا".