صحيفة الساعة 24:
2024-12-24@13:17:06 GMT

نورلاند: الليبيون لا يريدون حكومة مؤقتة أخرى

تاريخ النشر: 28th, August 2023 GMT

نورلاند: الليبيون لا يريدون حكومة مؤقتة أخرى

قال المبعوث الأميركي الخاص إلى ليبيا ريتشارد نورلاند إن الأطراف الخارجية والداخلية الفاعلة في ليبيا تقر بأن الطريق إلى استقرار البلاد يكمن في إجراء انتخابات ذات مصداقية، وأن الدول التي دعمت قبلاً نوعاً من النهج العسكري في الداخل الليبي وجدت أنه لم يكن مساراً ناجحاً.

وأضاف نورلاند في حديث إلى “اندبندنت عربية” خلال زيارته للقاهرة أمس السبت أن الانتخابات هي المفتاح لمساعدة البلاد في إعادة توحيد نفسها وإضفاء الشرعية على مؤسساتها وحماية سيادتها، قائلاً “أعتقد بأن جميع القادة في ليبيا يشعرون بضغوط من الشعب للموافقة على الانتخابات”.

وأوضح أنه خلال العامين الماضيين بلغت جميع الجهات الفاعلة الخارجية الرئيسة في ليبيا حد الاعتراف بأن أفضل طريقة للمضي قدماً هي من خلال التوصل إلى حل عن طريق التفاوض، وهناك مشاركة إيجابية للغاية مع كثير من الجهات الفاعلة المختلفة بالفعل، “إنها مجرد مسألة كيفية القيام بذلك. نحن نتقاسم الهدف نفسه. لا يتفق الجميع على كيفية القيام بذلك بالضبط. ومن ثم، بطبيعة الحال، لا يمكن للعالم الخارجي أن يفرض أي حل. الليبيون أنفسهم هم الذين عليهم أن يقرروا ما هو مقبول وما هو غير مقبول”.

وقال الدبلوماسي الأميركي الرفيع إن “الجميع يدرك أن ليبيا لديها القدرة على لعب دور مهم للغاية في المنطقة لأنها تمتلك الثروة ولديها المال وتتمتع بموقع استراتيجي جغرافي بين أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط”.

وتقوم اللجنة المعروفة باسم “6+6” بإعداد القوانين الخاصة بالانتخابات الرئاسية المقررة في ليبيا وتم تشكيلها في فبراير (شباط) الماضي وتتكون من ستة ممثلين من مجلس الدولة وستة أخرين من مجلس النواب.

وأثنى نورلاند على الدور المصري في ليبيا، مشيراً إلى أن “مصر لاعب مهم حقاً وشريك جيد للمجتمع الدولي في الملف الليبي، ليس فقط لأن مصر مهتمة، مثلنا، برؤية ليبيا مستقرة وآمنة ومزدهرة. فلا يقتصر الأمر على أن القاهرة تشترك في هذا الهدف المتمثل في رؤية ليبيا (المستقرة) التي نريدها جميعاً، ولكنها تشاركنا أيضاً وجهة النظر بأن وجود خريطة طريق ذات مصداقية للانتخابات هو المفتاح لتحقيق هذا النوع من الاستقرار في ليبيا”.

وتابع “لعبت القاهرة دوراً مهماً كمنصة لبعض المفاوضات في العامين الماضيين، مما ساعد في تحقيق تقدم نحو التوصل إلى تفاهم في شأن القوانين التي من شأنها أن تسمح بإجراء الانتخابات. ولعبت بلدان أخرى دوراً أيضاً، مثل المغرب، لكن التقدم الأخير الذي شهدناه من قبل لجنة ’6+6‘ فتح الطريق مرة أخرى أمام التقدم المحتمل هنا. وكان لمصر دور مهم في ذلك. وأعتقد بأن ما نحاول القيام به الآن مع شركائنا الليبيين والخارجيين هو البناء على التقدم الذي تم تحقيقه”.

وفي حديثه الذي جاء خلال دائرة مستديرة مع عدد محدود من الصحافيين في القاهرة، أشار نورلاند إلى تصريحات الممثل الخاص للأمم المتحدة عبدالله باتيلي في إحاطة أمام مجلس الأمن الدولي الأسبوع الماضي، إذ أكد ضرورة إجراء مفاوضات تجمع جميع الأطراف الرئيسة لمحاولة التوصل إلى اتفاق في شأن خريطة طريق ذات مصداقية.

وقال الدبلوماسي الأميركي “بفضل دول مثل مصر تم وضع أساس جيد وإحراز تقدم حقيقي، لكننا نحتاج، كما تعلمون، إلى ضغط إضافي ومشاركة من المجتمع الدولي، لا أن نعمل ضد بعضنا بعضاً، ولكن العمل معاً من خلال الأمم المتحدة وعبر السيد باتيلي لمساعدة الليبيين في إبرام اتفاق”.

وفي حين أقر نورلاند باختلاف وجهات النظر أحياناً بين القاهرة وواشنطن، فإنه قال إن “مصر فاعل رئيس في ليبيا ولها تأثير كبير”، مشيراً إلى التعاون والتنسيق المستمر بين البلدين في شأن ملفات ثلاثة، السياسي والأمني إذ إن مصر استضافت اجتماعات لعسكريين من الجانبين في ليبيا، والاقتصادي بحيث تشارك القاهرة في إطار عملية برلين من خلال الأمم المتحدة، وهناك مجموعات عمل مختلفة، إحداها هي مجموعة العمل الاقتصادية وتتولى الولايات المتحدة ومصر والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة رئاستها، وتم الاتفاق أخيراً في ليبيا على تشكيل لجنة مالية عليا للتنسيق بين جميع الأطراف المختلفة في شأن كيفية إنفاق عائدات النفط الليبية، وشجعنا نحن والمصريون وآخرون في مجموعة العمل الاقتصادية الليبيين على القيام به”.

وأضاف “وجد الليبيون أخيراً صيغة تمكنهم من القيام بذلك. إنه برنامجهم ولا يفرضه أي شخص آخر. لقد عقدوا أربعة اجتماعات” للاتفاق على آلية للتأكد من إنفاق الأموال في مكانها الصحيح.

وتحدث نورلاند في شأن التوترات التي تحيط بليبيا من الخارج والداخل، واصفاً الاشتباكات التي وقعت بين الميليشيات في طرابلس في وقت سابق من الشهر الحالي بأنه أمر خطر للغاية، بينما الجناح الجنوبي للبلاد حيث السودان وتشاد والنيجر يضج بالاضطرابات المتنوعة، ومن ثم فإنه لحماية نفسها ليبيا بحاجة إلى توحيد البلاد وتوحيد مؤسساتها وجيشها.

وقال “الليبيون يشعرون بقلق بالغ بسبب وجود روابط عرقية وقبلية عبر الحدود، فرأوا بالفعل عدم الاستقرار في السودان وهناك عدم استقرار في تشاد والنيجر. والمسؤولون الليبيون الذين تحدثت إليهم يشعرون بالقلق الشديد ويريدون القيام بكل ما في وسعهم لمساعدة الاتحاد الأفريقي في حل هذه المسألة بأسرع وقت ممكن”.

وأقر نورلاند بأن الانتخابات لا تحل كل شيء، لكنها أساسية لمساعدة البلاد في توحيد نفسها واستعادة الشرعية لمؤسساتها، “لذلك هذا هو تركيزنا الكبير الآن”، مضيفاً “هناك بعض الفرص الجديدة للتقدم بالنظر إلى بعض الأمور التي أنجزها الليبيون أنفسهم في الأسابيع الأخيرة مثل التقدم في القوانين الانتخابية من خلال عملية ’6+ 6‘ واتفاق بنغازي إذ اتفق عقيلة صالح وخليفة حفتر ومحمد المنفي على العمل معاً لمحاولة دفع العملية قدماً، وهذا أمر جديد ومثير للاهتمام. ولكن مرة أخرى، فإن الاضطرابات في طرابلس واشتباكات الميليشيات والاضطرابات في الجنوب هي التي تضفي إلحاحاً حقيقياً الآن على محاولة مساعدة ليبيا في السيطرة على بلادها”.

ورداً على سؤال “اندبندنت عربية” في شأن إمكان إجراء الانتخابات الليبية في ظل سيطرة الميليشيات على المشهد، فضلاً عن المرتزقة السوريين والمسلحين الأجانب، قال نورلاند إنه في حين أصبحت الميليشيات الآن أقوى مما كانت عليه لكن البلاد ليست واقعة تحت سيطرة المسلحين.

وأضاف “بعضهم لا يحب أن يطلق عليه اسم الميليشيات، وبعضهم أكثر احترافاً من البعض الآخر. ولكن كما تعلمون من وجهة نظرنا، من المهم حقاً أن تندرج كل هذه الجماعات المسلحة في إطار هيكل أمني وطني متفق عليه ضمن جيش موحد وشرطة موحدة. والآن البلاد منقسمة، لكننا نعتقد بأنه من الممكن إجراء انتخابات على رغم أن هذه الجماعات المسلحة تلعب دوراً مهماً”.

وأشار إلى أن الجميع في ليبيا يريدون تسوية الوضع وحياة طبيعية، مردفاً “بطبيعة الحال، فإن بعض الجماعات المسلحة ستكون مهتمة بمتابعة مصالحها الخاصة ولكن يمكن تحقيق هذه المصالح من خلال الوسائل السياسية وعبر الحكومات المنتخبة، وهو أمر أفضل من القتال، لذلك نعتقد بأنه من الممكن إجراء انتخابات على رغم وجود عدد من الجهات المسلحة والمرتزقة الأجانب هناك، لكن كما تعلمون، بعض هؤلاء المرتزقة يلعبون دوراً مزعزعاً للاستقرار سواء في الوضع السياسي الداخلي أو في المناطق الحدودية. ’فاغنر‘ أفضل مثال، لذا أعتقد بأنه سيكون من الخطأ القول إنه لا يمكن إجراء انتخابات في سياق هؤلاء المقاتلين الأجانب، لكن الأمر سيتطلب من القادة الليبيين أن يجتمعوا جميعاً ليقولوا ’نريد إجراء انتخابات وإليكم كيفية هيكلتها ونتوقع من الجميع دعمها‘. وبعد ذلك سيصبح من الصعب على هؤلاء المرتزقة والمقاتلين الأجانب إيقاف العملية”.

وتابع أن “الانتخابات أفضل من لا شيء. حسناً، نعتقد بأنها المفتاح، لكن كما تعلمون، كما تعلمنا عام 2021، لا يكفي تحديد موعد للانتخابات وتوقع أن يكون كل شيء على ما يرام. يجب أن تكون الظروف صحيحة. نحن نستخدم مصطلح ’خريطة طريق‘ ذات مصداقية للانتخابات لكي يتمكن الناس من رؤية أن هناك هدفاً وطرقاً واقعية للوصول إلى هذا الهدف. وقد وافقت القيادة كلها”.

وأضاف “إذا كانت بعض الجهات الفاعلة الرئيسة مصممة على محاربة هذه العملية فلن تنجح. نعتقد بأن الظروف تتجه مرة أخرى نحو وضع يمكن فيه للجهات الفاعلة الرئيسة الاتفاق على خريطة طريق، لكنها ستحتاج إلى بعض المساعدة من المجتمع الدولي ومن باتيلي (المبعوث الأممي) للبناء على التقدم الذي تم إحرازه بالفعل”.

وتحدث نورلاند عن التدخل الأميركي في ليبيا قبل أكثر من 12 عاماً، عندما تدخلت قوات حلف شمال الأطلسي (ناتو) بفرض حظر طيران فوق البلاد وتوجيه ضربات جوية لقوات الزعيم الليبي معمر القذافي في أعقاب انتفاضة شعبية، وأظهر الدبلوماسي الأميركي شعوراً بالمسؤولية حيال الفوضى التي أغرقت ليبيا بعد سقوط القذافي، قائلاً “سمعت قيادتنا في مناسبات عدة تقول إن الولايات المتحدة تشعر بالمسؤولية عن الاضطرابات التي اندلعت في ليبيا لأن التدخل عام 2011 أطلق العنان لأحداث لم يتوقعها أحد. لم يكن هدفنا إطاحة نظام القذافي، كنا نحاول حماية المدنيين، لكن ما حدث قد حدث. لذا نشعر بأننا نريد أن نلعب دوراً للمساعدة في استقرار ليبيا مرة أخرى. ونعتقد بأنه من الأفضل أن يتم ذلك من خلال الوسائل السياسية. نريد استخدام نفوذنا لمحاولة إبقاء التركيز على المسار السياسي”.

وبسؤال نورلاند عن موقف واشنطن من ترشح سيف الإسلام القذافي نجل الزعيم الليبي الراحل للرئاسة، قال “الليبيون هم الذين يقررون من يجب أن يكون مرشحاً ومن لا يجب أن يكون. وكما تعلمون هناك عدد من المرشحين الذين يعتبرون مثيرين للجدل. وجزء من النقاش حول القوانين الانتخابية يدور حول كيفية تحديد من يمكنه الترشح”، مؤكداً أن الولايات المتحدة ستحترم إرادة الشعب الليبي كما ستعكسها انتخابات حرة ونزيهة.

وتابع “أعتقد بأننا تعلمنا وتعلم الليبيون وتعلم المجتمع الدولي منذ عام 2021 أن تمهيد الطريق لإجراء انتخابات ناجحة يتطلب استيفاء عدد من الشروط، وأعتقد بأن الجهد المبذول الآن هو محاولة تلبية تلك الشروط والتفاوض على حزمة متفق عليها. والناس هذه المرة سيقومون بالأمر بشكل صحيح، لكن لا أستطيع أن أخبركم كم من الوقت سيستغرق ذلك، لكن علينا أيضاً أن نكون واقعيين. ليس من السهل وضع خريطة طريق ذات مصداقية للانتخابات، ولكن إذا نظرت إلى الوضع بموضوعية الآن، فإن العوامل تدفع الناس إلى الاتفاق على خريطة الطريق. لا أريد أن أبدو ساذجاً، فنحن ندرك أن الأمر سيكون صعباً”.

عندما اجتمع مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة الأسبوع الماضي، نص البيان الرئاسي للمجلس على أن الأمم المتحدة تحتفظ بالحق في فرض عقوبات على أولئك الذين يعرقلون العملية الانتخابية، وتعليقاً على ذلك قال نورلاند إنه “يجب استخدام هذه الأداة بحرص لأنه بمجرد اللجوء إليها سيكون من الصعب التراجع عنها، لكن هذه الأداة تظل في متناول أيدينا”.

والأسبوع الماضي، قال باتيلي الذي يترأس أيضاً بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (أونسميل) إن هناك حاجة لحكومة موحدة تهيئ الظروف لبيئة مواتية لإجراء الانتخابات في ليبيا، ويبدو أن تلك التصريحات تدعم خريطة الطريق المقدمة من لجنة “6+6” التي اعتمدها مجلس النواب الليبي في الـ25 من يوليو (تموز) الماضي والتي تنص على تشكيل حكومة مصغرة تهدف إلى دعم المفوضية العليا للانتخابات وإجراء الانتخابات.

وبسؤال نولاند عمن ينبغي أن يقود الانتخابات وموقف الحكومة الحالية، قال إنه لكي تتم إدارة الانتخابات بطريقة يراها الجميع محايدة ونزيهة، سيكون من الجيد أن تكون هناك حكومة تكنوقراطية موقتة مهمتها الوحيدة قيادة البلاد إلى الانتخابات. “ما لا يريد أحد رؤيته في ليبيا هو حكومة موقتة أخرى تستمر لمدة أربع أو خمسة أعوام”.

وأضاف “يرى بعض الناس أن الأمر كله يتعلق بإسقاط الحكومة الحالية في أسرع وقت ممكن، وأعتقد بأنه من المهم جداً أن يفهم الناس عندما نتحدث عن حكومة انتقالية تكنوقراطية أنه يجب التفاوض عليها مع الجميع، بما في ذلك الحكومة الحالية. شهدنا جهوداً في الماضي لإجبار الحكومة على الاستقالة. لقد جربها فتحي باشاغا العام الماضي ولم تنجح. آخر ما يحتاج إليه الليبيون الآن هو حرب أخرى في طرابلس”.

وأوضح أن ما يقترحه باتيلي وتؤيده واشنطن هو أن يجلس كل من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة والمجلس الرئاسي والجيش الوطني الليبي وحكومة الوحدة الوطنية إلى الطاولة للاتفاق على خريطة الطريق هذه التي من شأنها أن تجيب عن سؤالين، من يستطيع الترشح؟ وما هي الحكومة التي ستقود البلاد إلى الانتخابات؟، مضيفاً “بالطبع ستكون المفاوضات صعبة، لكن وجهة نظرنا أن القادة سيدركون، إذا فكروا في الأمر، أن من مصلحتهم متابعة ذلك في هذا الوقت على الأخص”.

ورداً على سؤال في شأن إعادة فتح السفارة الأميركية في ليبيا، أشار نورلاند إلى أن الأمر لا يتعلق بالانتخابات ولكن باستقرار الأوضاع، لافتاً إلى أن الصدامات التي أسفرت عن مقتل 55 شخصاً في طرابلس الأسبوع الماضي كانت أمراً مقلقاً.

وأضاف أن الأمر أيضاً يتعلق بالجانب المالي “لأنك تحتاج إلى تأمين جيد جداً وهو أمر مكلف، لكننا ندرك أن معظم الدول الأخرى أعادت فتح سفاراتها في طرابلس ونود أن نفتح سفارتنا في أقرب وقت ممكن”.

المصدر: صحيفة الساعة 24

كلمات دلالية: إجراء الانتخابات إجراء انتخابات الأمم المتحدة خریطة طریق فی طرابلس أن الأمر مرة أخرى فی لیبیا بأنه من من خلال فی شأن إلى أن

إقرأ أيضاً:

ما الذي يمكن خسارته من تشكيل حكومة مدنية موازية لحكومة بورتسودان؟

بقلم: إبراهيم سليمان

ما الذي يمكن خسارته من تشكيل حكومة مدنية موازية لحكومة بورتسودان؟
عند الحديث عن خسارة أمرٍ ما، لابد من توضيح الحساب بكافة المعطيات، ورصد الناتج والمحصلة النهائية التي لا تقبل الجدل، ورغم ذلك هنالك تقديرات، يمكن النظر إليها من زوايا مختلفة، ولا يحمد السوق إلا من ربح. وقديما قيل، "الجمرة بتحّرق واطيها" وقيل أيضا "من يده في الماء ليس كمن يده في النار"

يبدو أن حكومة بورتسودان، بقيادة الجنرال البرهان، تشمر، للتعري من ثيابها، وتستعد للخروج عن طورها، من خلال اتخاذها عدة إجراءات تعسفية، تنم عن اليأس وعدم المسؤولية الوطنية، منذ اندلاع الحرب الحالية، قطعت خدمات الاتصالات عن أقاليم غرب السودان، وحرمت مواطنين على الهوية من الأوراق الثبوتية، حظرت عليهم خدمات السجل المدني، وأخيراً عمدت الإتلاف الإجمالي للعملة والوطنية في حوالي أكثر من ثلثي أقاليم البلاد، من خلال تغيرها في مناطق سيطرة الجيش على ضآلتها، حرمان الآخرين منها، وأخراً الإصرار على إجراء امتحانات الشهادة السودانية لحوالي مائتي ألف طالب طالبة، وحرمان حوالي أربعمائة آخرين في بقية أرجاء البلاد!

بهذه الخطوات المتهورة، وغير المسؤولة، لم تترك حكومة بورتسودان، للمستهدفين من أبناء الشعب السوداني، الذين يمثلون الغالبية العظمي، سوى المضي قدماً ودون التردد أو الالتفات إلى الوراء، في المناطق التي تقع خارج سيطرة الجيش، والمحررة من عنف وظلم دولةـــ 56 لتضلع بمهام توفير الخدمات الضرورية لحياتهم اليومية والملحة لأن يعيشوا بكرامة وعدالة. وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية للذين يستحقونها، بدلاً من المتاجرة فيها من قبل تجار الحرب في بورتسودان.

لماذا يدفع أبناء الولايات، التي يستهدفها الطيران الحرب لحكومة بورتسوان، وتحرمها من حقوقها الإنسانية والدستورية، تكاليف بقاء السودان موحداً؟ طالما أن هذه الحكومة غير الشرعية تدفع بعنف وإصرار لتمزيق وحدة البلاد!، وما هي قيمة الوحدة الوطنية، التي تزهق أرواح عشرات الملايين من مكونات بعينها؟ وطالما أن هنالك خمس ولايات فقط، بإدارة مواطنيها أو بغيرها، غير مباليين، بهموم وآهات بقية الإقليم، فلينفصلوا هم إن أرادوا ويتركوا الآخرين وشأنهم.

وليس هناك ما هو أغلى من أرواح الأبرياء، والحفاظ عليها، وحقن دماء أبناء الشعب السوداني مقدم على أي اعتبارات أخرى بما فيها والوحدة الوطنية القسرية. لذا نرى أن تشكيل حكومة مدنية في المناطق المحررة والتي هي الآن خارج سيطرة الجيش، وهي المناطق التي لا تعني شيئا لحكومة بورتسودان الانقلابية، ضرورة حياتية، ويعتبر التقاعس عنه، أو التردد فيه حماقة، وخذلان في حق عشرات الملايين المستهدفين، من قبل الحكومة العنصرية في بورتسودان، وجيشها القاتل.

المنوط بالحكومة المدنية المرتقبة، توفير خدمات التربية والتعليم، وخدمات السجل المدني والأوراق الثبوتية، وفتح معابر تجارية لتصدير المنتجات واسترداد كافة الضروريات المنقذة للحياة، وطباعة عملة وطنية مبرأة للذمة، استباقاً للكارثة الاقتصادية التي تلح في الأفق، ونزع الشرعية من حكومة بورتسودان التي تصر على استمرار الحرب، وترفض كافة النداءات الوطنية الدولية للجلوس للتفاوض بشأن وقف الحرب وإحلال السلام في البلاد، وتقول أنها مسعدة لمواصلة الحرب مائة عام!

وطالما أن هنالك صراع بين قوتين عسكريتين، فليكن هنالك تنازع بين حكوميتين، لتتعادل الكفتتين، وربما يسرع ذلك إيجاد حلول للحكومتين، لكن لا ينبغي أن تتوقف حياة أغلبية الشعب السوداني، من أجل خاطر الحفاظ على وحدة البلاد، التي لم يحرص عليها دعاة الحرب.

ولا نظن أن تشكيل الحكومة المدنية المرتقبة في الخرطوم، ستضر بوحدة البلاد، أكثر حرب كسر العظام الدائرة حالياً، وتأجيج نيران خطاب الكراهية الممنهجة، من دعاة دويلة النهر والبحر، الذين يعادون كافة مكونات البلاد، يرفضون المساواة بين مكوناتها!

ليس هناك ما يمكن خسارته، من تشكيل حكومة موازية مرتقبة بالخرطوم، حتى إن لم يعترف بها أحد، يكفي أن المأمول منها، فك ارتهان مصير غالبة مكونات الشعب السوداني، لمزاج ورعونة حكومة بورتسودان غير المسؤولة. ومما لا شك فيها أن الأوضاع الإنسانية في ليبيا واليمن، وحتى جمهورية أرض الصومال، أفضل ألف مرة منها في معظم أرجاء البلاد. تمزيق وحدة السودان المسؤول عنه حكومة بورتسودان بإجراءاتها التعسفية وقائد الجيش، الذي أعلن على رؤوس الأشهاد، استهداف حواضن قوات الدعم السريع، ويظل يمطرهم بالبراميل المتفجرية بشكل يومي.

وفي الحقيقة، فإن حكومة بورتسودان المعزولة دولياً، قد مزّقت وحدة البلاد فعلياً، بالتصعيد المنتظم من قبلها بشأن اتخاذ إجراءات مست جوهر قومية الدولة السودانية، وأن تشكيل الحكومة المدنية المرتقبة ما هو إلا تحصيل حاصل.
والغريق لا يخشى البلل.
ebraheemsu@gmail.com
//إقلام متّحدة ــ العدد ــ 181//  

مقالات مشابهة

  • السنوسي يدعو إلى اعتماد الدستور الملكي لإعادة بناء ليبيا
  • رومانيا: الرئيس يوهانيس يرشح رئيس الوزراء لتشكيل حكومة ائتلافية جديدة وسط تحديات سياسية وأزمة ثقة
  • 3 انتخابات رئاسية عربية خلال 2024.. تعرف على رؤساء العالم الجدد
  • حكومة الدبيبة: المستشار العسكري التركي في ليبيا بحث مع الزوبي تبادل الخبرات
  • ما الذي يمكن خسارته من تشكيل حكومة مدنية موازية لحكومة بورتسودان؟
  • التقدم والاشتراكية يحذر من المخاطر  التي تهدد المرفق العمومي في عهد حكومة أخنوش
  • حذيفة عبد الله: سوف تسقط قريباً الدعاوي “الزائفة” التي تسوق خطاب حكومة المنفى
  • “راديو صوت أميركا”: المؤسسات الاقتصادية مفتاح الاستقرار في ليبيا
  • القوى الفاعلة في ‌ مصراتة⁩: ندعم تشكيل حكومة موحدة لإجراء الانتخابات
  • جمال سليمان يدعو لحوار وطني في سوريا بمشاركة كل الأطراف.. ويؤكد وحدة البلاد