صناعة الوقود الأحفوري والتعامل مع تغير المناخ
تاريخ النشر: 28th, August 2023 GMT
بينما يتصارع العالم مع احتشاد غير مسبوق من الفيضانات المدمرة، وحرائق الغابات، وموجات الجفاف، تزداد المناقشة الدائرة حول كيفية معالجة أزمة المناخ المتفاقمة تشوها وانحرافا بفعل مصالح الشركات الكبرى التي تروج لعلاجات زائفة وتعمل على نشر روايات خادعة.
تُـعَـد صناعة الوقود الأحفوري مثالا واضحا في هذا الصدد.
لكن الضرر الذي يحدثه الوقود الأحفوري لا يقتصر على تغير المناخ. إن أشكال الوقود الأحفوري المختلفة والبتروكيماويات مثل البلاستيك، والأسمدة، والمبيدات الحشرية تسمم الهواء والماء والغذاء وتعمل على إدامة الظلم البيئي. ويؤدي تلوث الهواء والماء بفعل الوقود الأحفوري إلى عدد لا يحصى من الوفيات والأمراض على مستوى العالَـم، وتُـعَـد أزمة التلوث البلاستيكي دليلا واضحا على التأثير الوخيم الذي تخلفه هذه الصناعة. لهذا السبب، لن يكون خفض الانبعاثات كافيا. إن التخفيف من حِـدة الأزمات البيئية المتعددة الأوجه التي نواجهها يتطلب التصدي للسبب الأصلي الذي يحركها جميعا: الوقود الأحفوري. يمثل التخلص التدريجي الكامل فرصتنا الأعظم لتقليص التأثيرات الكارثية المترتبة على الانحباس الحراري الكوكبي، والحد من متوسط ارتفاع درجات الحرارة بما لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية، وحماية كوكبنا من أجل أجيال المستقبل. لتحقيق هذه الغاية، يحتشد تحالف متنام من الحكومات، ومنظمات المجتمع المدني، ومجتمعات السكان الأصليين، والمواطنين المهتمين في مختلف أنحاء العالم، خلف معاهدة منع انتشار الوقود الأحفوري. تمثل المعاهدة المقترحة حلا عمليا لأزمة المناخ، وهي كفيلة بوضعنا على المسار الصحيح نحو مستقبل مستدام من خلال عدم ترك أي مجال يسمح لشركات النفط والغاز بالاستمرار في مزاولة أنشطتها المتهورة.
لن تنهزم صناعة الوقود الأحفوري دون قتال. يتجلى هذا بوضوح في أحدث تكتيكات الغسل الأخضر والمماطلة التي تمارسها الآن: اقتراح مفاده أننا قادرون على خفض الانبعاثات من خلال تكنولوجيات مثل احتجاز وتخزين الكربون واحتجاز الكربون واستخدامه. لكن تكنولوجيات احتجاز وتخزين الكربون تحتجز حاليا أقل من 0.1% من الانبعاثات العالمية، وقد امتد تاريخها في الوعود المفرطة والتقصير في الإنجاز لعقود من الزمن، كما أنها غير فَـعّـالة ومكلفة ولا تفعل أي شيء لتسريع التحول بعيدا عن الوقود الأحفوري. علاوة على ذلك، تفرض تكنولوجيات إزالة الكربون التي تعتمد على احتجازه وتخزينه، مثل إنتاج الطاقة الحيوية باستخدام تكنولوجيا الاحتجاز والتخزين واحتجاز الهواء بشكل مباشر، مخاطر جسيمة، وتأتي مصحوبة بقدر كبير من الشكوك، وقد تتسبب في إعاقة تدابير أخرى أكثر فعالية في الأمد القريب.
لكن أولئك الذين يتربحون من العمل كالمعتاد يحتفظون بأسلحة أخرى قوية في ترسانتهم. الآن، يكتسب تكتيك جديد لتشتيت الانتباه مزيدا من الثِـقَـل ــ في الولايات المتحدة في المقام الأول، وبين غيرها من الجهات الملوثة ــ وهو الهندسة الجيولوجية الشمسية، المعروفة أيضا بتعديل الإشعاع الشمسي. يعتقد أنصار هذا الحل التكنولوجي الوهمي الخطير أنهم قادرون من خلال رش جزيئات عاكسة إلى طبقة الستراتوسفير، أو من خلال التلاعب بالسُـحـب "لتعتيم الشمس"، على حجب بعض من أسوأ التأثيرات المترتبة على الانحباس الحراري الكوكبي، مؤقتا على الأقل. لكن هذا النهج يمثل حلا زائفا في نهاية المطاف ــ ضمادة ضخمة قد تخلف عواقب كارثية، بما في ذلك احتمال تغيير أنماط هطول الأمطار العالمية. ولا يخلو الأمر من تخوف كبير إضافي: فبينما يظل الكربون عالقا في الغلاف الجوي لآلاف السنين، فإن الجزيئات المعتمة لضوء الشمس في طبقة الستراتوسفير تتبدد في غضون عام واحد أو أقل، وهذا يستلزم التجديد المستمر. وقد يؤدي التوقف عن استخدام الهندسة الجيولوجية الشمسية إلى إحداث "صدمة إنهاء" كارثية، مما يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة العالمية بسرعة شديدة إلى الحد الذي يعجز معه البشر والأنظمة البيئية عن التكيف. بعبارة أخرى، تتطلب هذه الطريقة عمليات صيانة لا تنتهي وحوكمة شاملة على مستوى عالمي. على الرغم من العيوب والمخاطر التي تنطوي عليها تكنولوجيا تعديل إشعاع الشمس، فإنها تعمل بالفعل على صرف انتباه صناع السياسات عن المهمة العاجلة المتمثلة في التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري. ومع بحث ومناقشة الحوكمة المتعددة الأطراف للهندسة الجيولوجية الشمسية في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تبرز استراتيجية نظرية للتدخل المناخي، والتي تتدنى إلى مستوى الخيال العلمي إلى حد كبير، باعتبارها خطرا حقيقيا وداهما يهدد العمل المناخي والعدالة البيئية.
الواقع أن النهج الصحيح في التعامل مع هذه التكنولوجيا العالية المخاطر هو منع تطويرها ونشرها، كما اقترح أكثر من 400 أكاديمي بارز من خمسين دولة عندما دعوا إلى إبرام اتفاقية دولية لمنع استخدام الهندسة الجيولوجية الشمسية في عام 2022. يتعين على صناع السياسات أن ينتبهوا إلى هذه التحذيرات، وأن يرفضوا تعديل الإشعاع الشمسي، وأن يمتنعوا عن إهدار الوقت الثمين في التفكير في حلول وهمية. تضطلع الحكومات بدور حاسم في الكفاح من أجل مناخ أكثر أمانا ومستقبل مستدام على هذا الكوكب. خلال الأسابيع والأشهر المقبلة، سيحظى القادة السياسيون بالفرصة لإظهار الزعامة المناخية الحقيقية في أحداث رئيسية مثل قمة الأمم المتحدة للطموح المناخي التي تستضيفها مدينة نيويورك في العشرين من سبتمبر ومؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (مؤتمر الأطراف 28 COP28) في دبي في وقت لاحق من هذا العام. يتعين عليهم أن يغتنموا هاتين الفرصتين لاتخاذ خطوات حقيقية نحو تحقيق العدالة البيئية.
بادئ ذي بدء، يتعين على قادة العالَـم أن يحذوا حذو بلدان مثل فانواتوا وتوفالو ــ فضلا عن عدد كبير من المدن، والمؤسسات الصحية، والأكاديميين، ومنظمات المجتمع المدني في مختلف أنحاء العالَـم ــ وأن يلتزموا بالعمل نحو إبرام معاهدة قوية وواضحة لمنع انتشار الوقود الأحفوري. من خلال ضمان عدم ترك أي ثغرات مفتوحة تستغلها الصناعة، يستطيع صناع السياسات منع منتجي النفط والغاز والفحم من تأجيل الانحدار الحتمي للاقتصاد القائم على الوقود الأحفوري. علاوة على ذلك، يتعين على الحكومات أن تكف عن دعم اقتصاد الوقود الأحفوري من خلال إعانات الدعم المقدمة لتكنولوجيات احتجاز وتخزين الكربون وتكنولوجيات إزالة الكربون، التي لا تخدم إلا كَـسِـتار يخفي توسع هذه الصناعة وحكمها علينا بمستقبل سام.
من ناحية أخرى، يتعين على القادة السياسيين أن ينصتوا إلى الدعوة إلى إبرام اتفاقية دولية تمنع تطوير ونشر الهندسة الجيولوجية الشمسية، كما يجب أن يمتنعوا عن تطبيع هذه التكنولوجيا غير المختبرة البالغة الخطورة على أنها تمثل أحد الخيارات القابلة للتطبيق في مجال السياسة المناخية. في المقام الأول من الأهمية، يمكننا، بل يتعين علينا أن نشرع في تنفيذ تحول سريع وعادل بعيدا عن الوقود الأحفوري. الحق أن قادتنا مدينون لكل المواطنين وأجيال المستقبل بمعالجة مشكلة المناخ الملحة اليوم بالاستعانة بحلول حقيقية. يجب أن يكون تشتيت الانتباه الذي يعرقل العمل الحقيقي مرفوضا. إن العالَـم يحترق، ولا نملك ترف إهدار الوقت على علاجات وهمية.
ليلي فور مديرة برنامج الاقتصاد الأحفوري في مركز القانون البيئي الدولي.
خدمة بروجيكت سنديكيت
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الوقود الأحفوری تغیر المناخ یتعین على العال ـم من خلال
إقرأ أيضاً:
وزير الطاقة يرأس وفد المملكة في مؤتمر الدول الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP29)
المناطق_واس
ترأس صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز، وزير الطاقة، وفد المملكة المشارك في مؤتمر الدول الأطراف التاسع والعشرين لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP29)، المنعقد حاليًا في العاصمة الأذربيجانية – باكو، ويستمر حتى يوم 22 نوفمبر 2024م، تحت شعار “نتضامن من أجل عالم أخضر”.
وتأتي مشاركة المملكة ضمن مساعيها لتعزيز الجهود العالمية لمواجهة تحديات التغير المناخي، مستندة إلى رؤية شاملة وعملية تهدف إلى خفض الانبعاثات من خلال استخدام مجموعة واسعة من التقنيات.
أخبار قد تهمك محافظ الهيئة العامة للصناعات العسكرية: مشاركة المملكة بمعرض الصين الدولي للطيران والفضاء تهدف لبناء الشراكات الدولية المثمرة 12 نوفمبر 2024 - 10:55 مساءً معرض المطار السعودي يختتم نسخته الثالثة بنجاح 12 نوفمبر 2024 - 10:53 مساءًويعد هذا النهج جزءًا من مبادرات المملكة الرائدة في المجال البيئي، مثل “مبادرة السعودية الخضراء” و “مبادرة الشرق الأوسط الأخضر”، اللتين تهدفان إلى الحد من وإدارة الانبعاثات، وتعزيز استخدام الطاقات المتجددة، وزيادة الغطاء النباتي بما يسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة لرؤية المملكة 2030.
وتركز هذه المبادرات على تبني سياسات متوازنة وشاملة تأخذ في الحسبان مسؤوليات الدول التاريخية عن الانبعاثات، وتدعم حق الدول في التنمية المستدامة. وتؤكد المملكة، من خلال هذه السياسات، على أهمية أمن الطاقة كعنصر أساسي لتحقيق النمو الاقتصادي والاستدامة. كما تسعى المملكة إلى أن تشمل الاستثمارات في الطاقة النظيفة جميع الموارد المتجدده والتقليدية، مع مراعاة حق الدول السيادي في استغلال مواردها الطبيعية.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط 12 نوفمبر 2024 - 11:27 مساءً شاركها فيسبوك X لينكدإن ماسنجر ماسنجر أقرأ التالي أبرز المواد12 نوفمبر 2024 - 10:24 مساءً219 جولة رقابية على 9 مجمعات تعدينية لضمان السلامة البيئية أبرز المواد12 نوفمبر 2024 - 10:06 مساءًفريق مركز الملك سلمان للإغاثة الطبي يحقق رقمًا قياسيًا عالميًا غير مسبوق بزراعة 42 قوقعة سمعية خلال 14 ساعة في مدينة الريحانية بتركيا أبرز المواد12 نوفمبر 2024 - 9:59 مساءًالأمين العام للأمم المتحدة يدعو لاتخاذ خطوات عاجلة في قمة المناخ لخفض الانبعاثات أبرز المواد12 نوفمبر 2024 - 9:46 مساءًرئيس الغذاء والدواء يعقد عددًا من اللقاءات مع الجهات النظيرة خلال زيارته البرازيل أبرز المواد12 نوفمبر 2024 - 9:19 مساءًأمانة منطقة الرياض توقع اتفاقية تعاون مع شركة مجموعة روشن12 نوفمبر 2024 - 10:24 مساءً219 جولة رقابية على 9 مجمعات تعدينية لضمان السلامة البيئية12 نوفمبر 2024 - 10:06 مساءًفريق مركز الملك سلمان للإغاثة الطبي يحقق رقمًا قياسيًا عالميًا غير مسبوق بزراعة 42 قوقعة سمعية خلال 14 ساعة في مدينة الريحانية بتركيا12 نوفمبر 2024 - 9:59 مساءًالأمين العام للأمم المتحدة يدعو لاتخاذ خطوات عاجلة في قمة المناخ لخفض الانبعاثات12 نوفمبر 2024 - 9:46 مساءًرئيس الغذاء والدواء يعقد عددًا من اللقاءات مع الجهات النظيرة خلال زيارته البرازيل12 نوفمبر 2024 - 9:19 مساءًأمانة منطقة الرياض توقع اتفاقية تعاون مع شركة مجموعة روشن محافظ الهيئة العامة للصناعات العسكرية: مشاركة المملكة بمعرض الصين الدولي للطيران والفضاء تهدف لبناء الشراكات الدولية المثمرة محافظ الهيئة العامة للصناعات العسكرية: مشاركة المملكة بمعرض الصين الدولي للطيران والفضاء تهدف لبناء الشراكات الدولية المثمرة تابعنا على تويتـــــرTweets by AlMnatiq تابعنا على فيسبوك تابعنا على فيسبوكالأكثر مشاهدة الفوائد الاجتماعية للإسكان التعاوني 4 أغسطس 2022 - 11:10 مساءً بث مباشر مباراة الهلال وريال مدريد بكأس العالم للأندية 11 فبراير 2023 - 1:45 مساءً اليوم.. “حساب المواطن” يبدأ في صرف مستحقات المستفيدين من الدعم لدفعة يناير الجاري 10 يناير 2023 - 8:12 صباحًا جميع الحقوق محفوظة لجوال وصحيفة المناطق © حقوق النشر 2024 | تطوير سيكيور هوست | مُستضاف بفخر لدى سيكيورهوستفيسبوكXYouTubeانستقرامواتساب فيسبوك X ماسنجر ماسنجر واتساب تيلقرام زر الذهاب إلى الأعلى إغلاق البحث عن: فيسبوكXYouTubeانستقرامواتساب إغلاق بحث عن إغلاق بحث عن