لجريدة عمان:
2025-07-11@23:13:26 GMT

صناعة الوقود الأحفوري والتعامل مع تغير المناخ

تاريخ النشر: 28th, August 2023 GMT

بينما يتصارع العالم مع احتشاد غير مسبوق من الفيضانات المدمرة، وحرائق الغابات، وموجات الجفاف، تزداد المناقشة الدائرة حول كيفية معالجة أزمة المناخ المتفاقمة تشوها وانحرافا بفعل مصالح الشركات الكبرى التي تروج لعلاجات زائفة وتعمل على نشر روايات خادعة.

تُـعَـد صناعة الوقود الأحفوري مثالا واضحا في هذا الصدد.

ففي محاولة يائسة لصرف الانتباه عن مسؤوليتها التاريخية عن تغير المناخ، كانت شركات النفط والغاز تروج لأشكال عديدة من الحلول التكنولوجية الخيالية. لكن الحقيقة الصارخة هي أن هذه الشركات تمارس تكتيكات المماطلة التي تمكنها من الاستمرار في أنشطتها. ولأن التهديد الذي يفرضه تغير المناخ بالغ الخطورة والإلحاح، فيتعين علينا أن نقف جميعا خلف الحل الحقيقي الوحيد: التخلص التدريجي السريع والعادل والكامل من أشكال الوقود الأحفوري كافة. يُـعَـد الفحم والنفط والغاز المحركات الرئيسية للتدهور المناخي، حيث تمثل أكثر من 75% من الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري الكوكبي على مستوى العالَـم وما يقرب من 90% من كل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

لكن الضرر الذي يحدثه الوقود الأحفوري لا يقتصر على تغير المناخ. إن أشكال الوقود الأحفوري المختلفة والبتروكيماويات مثل البلاستيك، والأسمدة، والمبيدات الحشرية تسمم الهواء والماء والغذاء وتعمل على إدامة الظلم البيئي. ويؤدي تلوث الهواء والماء بفعل الوقود الأحفوري إلى عدد لا يحصى من الوفيات والأمراض على مستوى العالَـم، وتُـعَـد أزمة التلوث البلاستيكي دليلا واضحا على التأثير الوخيم الذي تخلفه هذه الصناعة. لهذا السبب، لن يكون خفض الانبعاثات كافيا. إن التخفيف من حِـدة الأزمات البيئية المتعددة الأوجه التي نواجهها يتطلب التصدي للسبب الأصلي الذي يحركها جميعا: الوقود الأحفوري. يمثل التخلص التدريجي الكامل فرصتنا الأعظم لتقليص التأثيرات الكارثية المترتبة على الانحباس الحراري الكوكبي، والحد من متوسط ارتفاع درجات الحرارة بما لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية، وحماية كوكبنا من أجل أجيال المستقبل. لتحقيق هذه الغاية، يحتشد تحالف متنام من الحكومات، ومنظمات المجتمع المدني، ومجتمعات السكان الأصليين، والمواطنين المهتمين في مختلف أنحاء العالم، خلف معاهدة منع انتشار الوقود الأحفوري. تمثل المعاهدة المقترحة حلا عمليا لأزمة المناخ، وهي كفيلة بوضعنا على المسار الصحيح نحو مستقبل مستدام من خلال عدم ترك أي مجال يسمح لشركات النفط والغاز بالاستمرار في مزاولة أنشطتها المتهورة.

لن تنهزم صناعة الوقود الأحفوري دون قتال. يتجلى هذا بوضوح في أحدث تكتيكات الغسل الأخضر والمماطلة التي تمارسها الآن: اقتراح مفاده أننا قادرون على خفض الانبعاثات من خلال تكنولوجيات مثل احتجاز وتخزين الكربون واحتجاز الكربون واستخدامه. لكن تكنولوجيات احتجاز وتخزين الكربون تحتجز حاليا أقل من 0.1% من الانبعاثات العالمية، وقد امتد تاريخها في الوعود المفرطة والتقصير في الإنجاز لعقود من الزمن، كما أنها غير فَـعّـالة ومكلفة ولا تفعل أي شيء لتسريع التحول بعيدا عن الوقود الأحفوري. علاوة على ذلك، تفرض تكنولوجيات إزالة الكربون التي تعتمد على احتجازه وتخزينه، مثل إنتاج الطاقة الحيوية باستخدام تكنولوجيا الاحتجاز والتخزين واحتجاز الهواء بشكل مباشر، مخاطر جسيمة، وتأتي مصحوبة بقدر كبير من الشكوك، وقد تتسبب في إعاقة تدابير أخرى أكثر فعالية في الأمد القريب.

لكن أولئك الذين يتربحون من العمل كالمعتاد يحتفظون بأسلحة أخرى قوية في ترسانتهم. الآن، يكتسب تكتيك جديد لتشتيت الانتباه مزيدا من الثِـقَـل ــ في الولايات المتحدة في المقام الأول، وبين غيرها من الجهات الملوثة ــ وهو الهندسة الجيولوجية الشمسية، المعروفة أيضا بتعديل الإشعاع الشمسي. يعتقد أنصار هذا الحل التكنولوجي الوهمي الخطير أنهم قادرون من خلال رش جزيئات عاكسة إلى طبقة الستراتوسفير، أو من خلال التلاعب بالسُـحـب "لتعتيم الشمس"، على حجب بعض من أسوأ التأثيرات المترتبة على الانحباس الحراري الكوكبي، مؤقتا على الأقل. لكن هذا النهج يمثل حلا زائفا في نهاية المطاف ــ ضمادة ضخمة قد تخلف عواقب كارثية، بما في ذلك احتمال تغيير أنماط هطول الأمطار العالمية. ولا يخلو الأمر من تخوف كبير إضافي: فبينما يظل الكربون عالقا في الغلاف الجوي لآلاف السنين، فإن الجزيئات المعتمة لضوء الشمس في طبقة الستراتوسفير تتبدد في غضون عام واحد أو أقل، وهذا يستلزم التجديد المستمر. وقد يؤدي التوقف عن استخدام الهندسة الجيولوجية الشمسية إلى إحداث "صدمة إنهاء" كارثية، مما يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة العالمية بسرعة شديدة إلى الحد الذي يعجز معه البشر والأنظمة البيئية عن التكيف. بعبارة أخرى، تتطلب هذه الطريقة عمليات صيانة لا تنتهي وحوكمة شاملة على مستوى عالمي. على الرغم من العيوب والمخاطر التي تنطوي عليها تكنولوجيا تعديل إشعاع الشمس، فإنها تعمل بالفعل على صرف انتباه صناع السياسات عن المهمة العاجلة المتمثلة في التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري. ومع بحث ومناقشة الحوكمة المتعددة الأطراف للهندسة الجيولوجية الشمسية في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تبرز استراتيجية نظرية للتدخل المناخي، والتي تتدنى إلى مستوى الخيال العلمي إلى حد كبير، باعتبارها خطرا حقيقيا وداهما يهدد العمل المناخي والعدالة البيئية.

الواقع أن النهج الصحيح في التعامل مع هذه التكنولوجيا العالية المخاطر هو منع تطويرها ونشرها، كما اقترح أكثر من 400 أكاديمي بارز من خمسين دولة عندما دعوا إلى إبرام اتفاقية دولية لمنع استخدام الهندسة الجيولوجية الشمسية في عام 2022. يتعين على صناع السياسات أن ينتبهوا إلى هذه التحذيرات، وأن يرفضوا تعديل الإشعاع الشمسي، وأن يمتنعوا عن إهدار الوقت الثمين في التفكير في حلول وهمية. تضطلع الحكومات بدور حاسم في الكفاح من أجل مناخ أكثر أمانا ومستقبل مستدام على هذا الكوكب. خلال الأسابيع والأشهر المقبلة، سيحظى القادة السياسيون بالفرصة لإظهار الزعامة المناخية الحقيقية في أحداث رئيسية مثل قمة الأمم المتحدة للطموح المناخي التي تستضيفها مدينة نيويورك في العشرين من سبتمبر ومؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (مؤتمر الأطراف 28 COP28) في دبي في وقت لاحق من هذا العام. يتعين عليهم أن يغتنموا هاتين الفرصتين لاتخاذ خطوات حقيقية نحو تحقيق العدالة البيئية.

بادئ ذي بدء، يتعين على قادة العالَـم أن يحذوا حذو بلدان مثل فانواتوا وتوفالو ــ فضلا عن عدد كبير من المدن، والمؤسسات الصحية، والأكاديميين، ومنظمات المجتمع المدني في مختلف أنحاء العالَـم ــ وأن يلتزموا بالعمل نحو إبرام معاهدة قوية وواضحة لمنع انتشار الوقود الأحفوري. من خلال ضمان عدم ترك أي ثغرات مفتوحة تستغلها الصناعة، يستطيع صناع السياسات منع منتجي النفط والغاز والفحم من تأجيل الانحدار الحتمي للاقتصاد القائم على الوقود الأحفوري. علاوة على ذلك، يتعين على الحكومات أن تكف عن دعم اقتصاد الوقود الأحفوري من خلال إعانات الدعم المقدمة لتكنولوجيات احتجاز وتخزين الكربون وتكنولوجيات إزالة الكربون، التي لا تخدم إلا كَـسِـتار يخفي توسع هذه الصناعة وحكمها علينا بمستقبل سام.

من ناحية أخرى، يتعين على القادة السياسيين أن ينصتوا إلى الدعوة إلى إبرام اتفاقية دولية تمنع تطوير ونشر الهندسة الجيولوجية الشمسية، كما يجب أن يمتنعوا عن تطبيع هذه التكنولوجيا غير المختبرة البالغة الخطورة على أنها تمثل أحد الخيارات القابلة للتطبيق في مجال السياسة المناخية. في المقام الأول من الأهمية، يمكننا، بل يتعين علينا أن نشرع في تنفيذ تحول سريع وعادل بعيدا عن الوقود الأحفوري. الحق أن قادتنا مدينون لكل المواطنين وأجيال المستقبل بمعالجة مشكلة المناخ الملحة اليوم بالاستعانة بحلول حقيقية. يجب أن يكون تشتيت الانتباه الذي يعرقل العمل الحقيقي مرفوضا. إن العالَـم يحترق، ولا نملك ترف إهدار الوقت على علاجات وهمية.

ليلي فور مديرة برنامج الاقتصاد الأحفوري في مركز القانون البيئي الدولي.

خدمة بروجيكت سنديكيت

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الوقود الأحفوری تغیر المناخ یتعین على العال ـم من خلال

إقرأ أيضاً:

ناقوس الخطر يدق..أزمة وقود تنتزع آخر أنفاس غزة المحاصرة

غزة- «عُمان»- بهاء طباسي: توقّفت سيارة الإسعاف التي تقلّ الطفلة نادين الحاج، ذات الأعوام التسعة، على الطريق الرملي المؤدي إلى مستشفى الشفاء، قبل أقل من كيلومترين من قسم الطوارئ. كانت تتلوى من الألم، مصابة بشظايا في بطنها إثر قصف إسرائيلي طال حي الزيتون شرق مدينة غزة. لكن المحرّك خذلها. لم يتبقَّ في الخزان سوى ما يُكفي للعودة إلى مركز الإسعاف.

اضطر المُسعف محمد سرحان إلى حمل الطفلة على كتفيه، يركض بها وسط حطام الطرقات ورائحة الموت، لعلّه يسبق الوقت الذي يلتهمها كما التهم أخاها الأصغر في الغارة ذاتها.

حين توقّف المحرّك «لم يكن لدينا وقود كافٍ لتحريك أي من سيارات الإسعاف الثلاث المتبقية في المركز»، يقول سرحان بصوت متعب، وهو يتذكر كيف أن الطفلة نزفت حتى فقدت وعيها بين ذراعيه.

ويضيف لـ«عُمان»: «في العادة، ننجز النقل خلال خمس دقائق. هذه المرة استغرق الأمر أكثر من ثلاثين دقيقة. تخيّل ماذا يعني ذلك لحالة حرجة؟».

في قسم الطوارئ، استقبل الطبيب المناوب الطفلة بوجه عبوس ويدين مرتجفتين. لم يكن قد استراح منذ 36 ساعة. الكهرباء مقطوعة، والمولد يعمل فقط لأجهزة الإنعاش. أدخلوا نادين إلى غرفة العمليات على ضوء كشاف يدوي.

«هذا المشهد أصبح مألوفًا، لكن لا ينبغي له أن يكون كذلك. إنه غير إنساني، لا للطفلة ولا للفريق الطبي»، تقول الطبيبة ليلى قديح، الجرّاحة التي أجرت العملية لنادين.

خرجت نادين حيّة، لكن مصابة بعجز دائم في حركة يدها اليمنى، جراء تلف أعصابها أثناء انتظار العلاج. «لو وصلنا قبل دقائق فقط، ربما كانت يدها سالمة»، يتمتم والدها رأفت وقد علا الشيب حاجبيه قبل أوانه.

لم تكن نادين استثناءً، بل واحدة من عشرات القصص التي تشهدها غزة يوميًا منذ توقف دخول الوقود للقطاع في الثاني من مارس 2025. وعلى امتداد هذه الشهور، أصبحت تفاصيل كهذه جزءًا من الحياة اليومية، تؤرّخ بحبر النفط المنعدم خريطة الألم.

موت مؤجل يحذّر أمجد الشوا، رئيس شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، من أن «غزة على حافة الانهيار الكامل نتيجة النقص الحاد في الوقود».

ويؤكد في تصريح لـ«عُمان»، أن الاحتلال الإسرائيلي يمنع دخول ما لا يقل عن 275 ألف لتر يوميًا يحتاجها القطاع للحفاظ على عمل المرافق الأساسية، بينما ما يدخل لا يتجاوز 110 آلاف لتر على أقصى تقدير، في أيام نادرة يسمح فيها الاحتلال ببضع شاحنات لأغراض «استعراضية».

يقول الشوا: «المولدات تتوقف واحدًا تلو الآخر. قطاع الاتصالات مهدد بالتوقف الكامل. المراكز الصحية تقتصر على الحالات الحرجة جدًا. عمال المياه والصرف الصحي عاجزون عن توفير الحد الأدنى من الخدمات».

ويوضح: «في الأيام الأخيرة، تلقينا عشرات النداءات من مستشفيات تطلب مساعدة عاجلة لتوفير جالونين من السولار فقط لتشغيل غرف العمليات ساعة واحدة. نحن نتحدث عن لحظات فاصلة بين الحياة والموت».

مطلع مارس الماضي، فرضت إسرائيل إغلاقًا كاملًا على جميع المعابر المؤدية إلى قطاع غزة، ضمن تصعيد ممنهج استهدف خنق السكان في تفاصيل حياتهم. منذ ذلك التاريخ، لم تدخل شاحنة وقود واحدة، إلا في استثناءات محدودة ذات طابع أمني مشروط أو برعاية أجنبية صارمة، لا تُلبّي سوى أقل من 10% من الاحتياج الكلي.

ومع غياب أي أفق لانفراجة قريبة، بدأت السلطات المحلية بتطبيق إجراءات تقنين مشددة، لكنّها وصلت إلى حدودها القصوى. يقول الشوا: «الاحتياطي الموجود حاليًا لا يكفي سوى لبضعة أيام. بعدها، سنشهد انهيارًا تامًا للمنظومة المدنية والإنسانية في القطاع».

مستشفيات مريضة في مستشفى الشفاء، أُطفئت الإنارة الداخلية للممرات ليوفروا ما يكفي من طاقة لغرفة العناية المركزة. يستقبل الطبيب سامي اليازجي المرضى على ضوء شمس الصباح فقط.

يقول خلال حديثه لـ«عُمان»: «لم يعد بإمكاننا تشغيل المولد سوى في ساعات الذروة، وعند وجود حالات حرجة فقط».

يستعرض الدكتور سامي الحالات التي فقدوها خلال الأسابيع الماضية: «ثلاثة أطفال مبتسرين توفوا خلال أسبوع واحد فقط. السبب: تعطل الحضانات بسبب نقص الكهرباء».

يردف بصوت خافت: «الحضانات تعمل على مدار الساعة، والمولدات تشغّلها. وحين نضطر لتقنين التشغيل، نضع الأطفال في وضعية غير آمنة. الجسد الصغير لا يحتمل تقلبات الحرارة ولا توقف الأوكسجين لبضع ثوانٍ».

في جناح العمليات، تؤكد الممرضة مها الجمل خلال حديثها لـ«عُمان» أنهم باتوا يستعينون بمصابيح الهاتف المحمول أثناء العمليات الليلية: «أحيانًا يعمل الجهاز، وأحيانًا يتوقف فجأة. لا أحد يعرف ما إذا كان النقص سيقتل المريض أم يساعد في نجاته».

وقد أصدرت وزارة الصحة الفلسطينية بيانًا رسميًا حذرت فيه من توقف عمل الأقسام المنقذة للحياة في مستشفيات القطاع، جراء أزمة الوقود اللازمة لتشغيل المولدات الكهربائية، مؤكدة أن الأزمة تتفاقم ضمن «مؤشرات غير مسبوقة» بفعل الإغلاق الإسرائيلي المستمر للمعابر منذ مارس الماضي.

وقالت الوزارة في بيانها: إن الضغط المتزايد من الإصابات الحرجة التي تصل إلى المستشفيات يزيد الحاجة لضمان استمرار عمل المولدات الكهربائية لتشغيل الأقسام الحيوية، مضيفة أن سياسة «التقطير» التي تعتمدها إسرائيل في السماح بإدخال كميات ضئيلة من الوقود لا تمنح أي وقت إضافي لعمل المستشفيات.

وجددت الوزارة مناشدتها العاجلة للجهات الدولية المعنية بالتدخل والضغط على الاحتلال الإسرائيلي لإدخال إمدادات الوقود اللازمة لإنقاذ حياة آلاف المرضى في القطاع، محذرة من أن استمرار الأزمة يهدد بكارثة صحية شاملة.

أنابيب عطشى تحت عنوان: «العطش القاتل»، تحذر بلدية غزة من انهيار خدمات المياه والصرف الصحي بسبب أزمة الوقود. حسني مهنا، المتحدث باسم البلدية، يقول: «نسبة العجز في الإمداد المائي بلغت 76% مقارنة بالاحتياج الفعلي. لدينا 19 بئر مياه تعمل فقط من أصل 96. الوضع مرعب».

يضيف مهنا أن آلاف الأسر شرقي غزة لا تصلها المياه نهائيًا منذ نحو أسبوع، ما يعكس التدهور الكارثي في شبكات التوزيع وعجز محطات الضخ عن العمل بفعل انعدام الوقود.

ويؤكد أن استمرار الحصار المائي يمثّل أحد أوجه القتل البطيء التي تمارسها إسرائيل ضد السكان، مشيرًا إلى أن الوضع المائي لم يعد يحتمل أي تأخير في التدخل الخارجي.

أم رائد عجور، سيدة خمسينية من حي التفاح، تقول لـ«عُمان» إنها تقف على باب بيتها من الرابعة فجرًا تنتظر وصول قطرة ماء. وتضيف: «صار الماء يأتينا مرة كل عشرة أيام، وحتى هذه الكمية تكون ملوثة ومقطرة لا تكفي حتى للشرب».

ابنها فادي، شاب في العشرينات، يملأ جالونًا واحدًا من بئر مكشوف على أطراف الحي، ويعود به كل يوم سيرًا على الأقدام مسافة تقارب الثلاث كيلومترات.

يقول خلال حديثه لـ«عُمان»: «لو كان لدينا وقود كافٍ لتشغيل المضخات، لما اضطررنا لذلك».

يحذر مهنا من أن استمرارية الوضع ستؤدي إلى كارثة صحية بيئية، مع عدم قدرة البلديات على تشغيل شبكات الصرف الصحي، الأمر الذي قد يؤدي إلى اختلاط المياه العادمة بمصادر الشرب.

عتمة مستمرة في ظل استمرار انقطاع التيار الكهربائي في قطاع غزة، يتزايد اعتماد السكان على بدائل محدودة وبائسة للطاقة، وسط حصار خانق يمنع دخول المعدات والمواد الأساسية.

يحاول المواطن سعيد الشافعي، الذي يعيش في أحد أحياء غزة القديمة، التصدي لهذه الأزمة بوسائله المتواضعة؛ إذ حوّل جزءًا من بيته إلى ورشة صغيرة يعيد فيها الحياة للبطاريات القديمة المعطلة، علّها توفر لزبائنه بعض ساعات من الضوء.

تأتيه البطاريات من كل مكان، معظمها منتهية الصلاحية أو متهالكة بفعل الزمن والاستعمال. الحصار لم يترك خيارًا آخر، فاستيراد بطاريات جديدة متوقف تمامًا منذ شهور طويلة، ومعظم من يقصدون ورشة الشافعي يفعلون ذلك كملاذ أخير قبل الانغماس التام في الظلام.

لكن عمله لا يخلو من المعاناة، فقلة المواد والمعدات اللازمة للصيانة تجعل من كل إصلاح مغامرة غير مضمونة، وقد بات يخشى أن تتوقف ورشته الصغيرة كما توقفت الحياة من حوله.

في الأيام الأخيرة، بات يلاحظ أن عدد الزبائن يزداد، لكن قدرتهم على الدفع تقلّ. «الناس تريد الضوء بأي ثمن، لكن لا أحد يملك شيئًا يدفعه»، يردد لنفسه وهو يُصلح بطارية لطفل جاء بها على دراجته، يريد أن يذاكر لامتحانه الليلي على نورها الخافت.

اتصالات غائبة لم يعد فقدان الإشارة في قطاع غزة يُعدّ أمراً طارئًا، بل أصبح جزءًا من الروتين اليومي. انقطاعات مفاجئة في المكالمات، شبكات إنترنت بالكاد تتنفس، وأبراج تقوية تحوّلت إلى هياكل حديدية صامتة. في ظل أزمة وقود خانقة، باتت الاتصالات - ذلك الخيط الرفيع الذي يربط غزة بالعالم الخارجي - مهددة بالانقطاع الكامل.

تقول المهندسة هناء شرف، مهندسة اتصالات، إن محطات التقوية التي تعتمد بالكامل على المولدات بدأت تتساقط واحدة تلو الأخرى. «أكثر من 20% منها توقفت عن العمل بفعل نفاد الوقود، والبقية تصارع الزمن في ظل غياب أي ضمانات للاستمرار».

في كثير من المناطق، باتت التغطية إما ضعيفة للغاية أو منعدمة كليًا، ما أدى إلى عزلة غير مسبوقة للناس حتى داخل حدود القطاع. تشير شرف إلى أن الخطر لا يقتصر على المكالمات والإنترنت، بل يمتد إلى تعطيل أجهزة الطوارئ والاتصال بين المستشفيات والجهات الأمنية والإغاثية.

تضيف خلال حديثها لـ«عُمان» أن فرق الصيانة باتت تعمل في ظروف شبه مستحيلة، وتعتمد على الدراجات الهوائية للوصول إلى المحطات المنتشرة في أنحاء القطاع، بعد نفاد الوقود المخصص لسيارات الطوارئ.

وتتابع: «نحن نُصلح شبكة تنهار تحت أقدامنا، ولا نعلم متى ستكون المحطة التالية خارج الخدمة».

مقالات مشابهة

  • علماء يتوصلون لطريقة أقل تكلفة وأكثر ذكاء لخفض ثاني أكسيد الكربون
  • شطب واستبدال .. سورية تغير صفة الفلسطينيين في السجلات المدنية
  • ما الذي يحرك الطلب على المشاريع العقارية التي تحمل توقيع المشاهير؟
  • خبير إقتصادي: مصر تستعيد ريادتها في صناعة السيارات.. والتجميع المحلي يقلص فاتورة الاستيراد
  • خفض الانبعاثات إلى النصف خلال 5 سنوات لكسب معركة المناخ
  • ترامب: لدينا فرصة للتوصل إلى اتفاق بشأن غزة هذا الأسبوع أو الذي يليه
  • محافظ المنيا: إزالة 217 حالة تعدٍ على الأراضي الزراعية وأملاك الدولة
  • ناقوس الخطر يدق..أزمة وقود تنتزع آخر أنفاس غزة المحاصرة
  • الصحة: الاستجابة والتعامل مع 97% من الشكاوى الواردة من منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة خلال النصف الأول من 2025
  • دراسة: الاحتباس الحراري تسبب في ارتفاع 4 درجات خلال الموجة الأخيرة في أوروبا