نشوب أزمة عميقة في الصين سيفرض خيارات على القوتين الكبيرتين
تاريخ النشر: 28th, August 2023 GMT
ترجمة: قاسم مكي
تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي لَحِقَ بالصين التي تواجه في نفس الوقت انخفاض الأسعار وتدني الطلب الاستهلاكي وارتفاع بطالة الشباب وتباطؤ الصادرات وتراخي نمو الناتج المحلي الإجمالي وارتفاع الدَّين الحكومي وتحديات في القطاع العقاري وشيخوخة السكان مع عدم وجود شبكة أمان اجتماعي كافية. وتزيد الطين بلّة التوتراتُ الجيوسياسية خصوصا في أكبر أسواق صادرات الصين.
مع ذلك، على كل أولئك الذين يمكنهم أن يفرحوا بالتحديات القاسية التي تواجه الصين التفكير مَلِيَّا في المخاطر الناشئة التي تقترن بها والحذر فيما يتمَّنونه.
إذا حلَّت أزمة عميقة في الصين ستفرض خيارا على القوتين الرئيسيتين في العالم. هل يمكن أن تتخلى الصين عن المسار الذي أوصلها إلى ما وصلت إليه؟ وهل تستطيع الولايات المتحدة الاستمرار في الوثوق بالأشياء التي تجعلها بهذا القدر من المرونة؟
اقتصاد الصين بالطبع شديد الاقتران باقتصاد العالم. فهي أكبر شريك تجاري لأكثر من 120 بلدا. وهي المحرك الأكبر لنمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي. إنها الماكينة الاقتصادية لمنطقة المحيط الهادي الآسيوية والتي من المتوقع أن تساهم بحوالي 67% من الزيادة المتوقعة في الناتج المحلي للعالم هذا العام.
لم يحن الوقت بعد للرهان ضد اقتصاد الصين. لكن إذا سقطت في جُبِّ أزمة اقتصادية طويلة الأمد سيتردد أثر ذلك في الأسواق الدولية حول العالم اقتصاديا وجيو- سياسيا. ويمكن الإحساس بتداعياتها الفورية في أسواق رأس المال على نطاق العالم.
تذكروا أن انهيارا في السوق الصينية للأسهم في عام 2015 دفع بكل مؤشرات الأسهم الأمريكية إلى نطاق التصحيحات السعرية (هبوط قيمتها من آخر ذروة سعرية لها). وفي مجال التجارة يمكن أن يشهد العالم فيضانا من الصادرات الصينية الرخيصة فيما يمكن أن تتلاشى الصادرات العالمية للصين. بشكل عام إخفاق الصين يمكن أن يشكل خطورة على نمو وازدهار العالم. وتذكروا أن الصين في هذه الحال لن تكون لديها القدرة أو يتوافر لها الاستعداد للمساعدة في التلطيف من وطأة أية أزمة مالية عالمية مثلما فعلت في عام 2008.
الولايات المتحدة أبعد من أن تكون محصَّنة. وعلى الرغم من أن تجارتها مع الصين تشكل حوالي 2% فقط من الاقتصاد الأمريكي إلا أن أثر تباطؤ الاقتصاد الصيني على عدد كبير من البلدان سيؤثر حتما على الولايات المتحدة وعلى علاقاتها الجيوسياسية.
إلى ذلك الولايات المتحدة لاتزال معتمدة على الصين في بعض الواردات المفتاحية وروابط سلسلة التوريد على الرغم من اتخاذها إجراءات حماية لقطاعات معينة لأسباب تتعلق بالأمن الوطني. ولاتزال الصين مستثمرا رئيسيا في أوراق الخزانة الأمريكية وفي ديون أخرى.
نظرا إلى مدى الأضرار المحتملة التي يمكن أن تنشأ عن حدوث أزمة في الاقتصاد الصيني على نطاق العالم سيكون من الخطأ الحديث عنها باعتبارها فرصة. لكن من المؤكد أن مثل هذه الأزمة تشكل اختبارا لنظامين اقتصاديين وسياسيين مختلفين اختلافا شاسعا. والقرارات التي يمكن أن يتخذها القادة الصينيون والأمريكيون في الشهور القادمة قد تترتب عنها نتائج ضخمة بالنسبة للاقتصاد الدولي وأمن العالم وقطاع الأعمال ومستقبل المنافسة الأمريكية الصينية.
لنتناول أولا الصين التي تواجه امتحانا لقدرتها على التكيّف. هل نحن نشهد تقلَّبا قصير الأمد أم بداية ركود طويل الأجل لاقتصاد الصين؟ سيعتمد ذلك في نهاية المطاف على الخيارات التي يتخذها المسئولون في بيجينج.
تحت قيادة الرئيس شي جينبينج ضاعفت الصين رهانها على دور الحزب الشيوعي كوسيلة للإشراف على الاقتصاد. ومع هذا التركيز المتجدد على الآيديولوجيا أكدت القيادة الصينية على الأمن والاستقرار على حساب التوسع الاقتصادي. وهذا أثَّر بشدة على روح ريادة الأعمال لدى الشعب الصيني والتي كانت القوة الدافعة وراء النمو في العقود الماضية.
سيفرض تراجعٌ اقتصادي متطاول وقاسٍ في حال حدوثه خيارا على الصين. فهي يمكنها الاستمرار في مسار انخراط الحزب الشيوعي بقدر أكبر في قطاع الأعمال وتخصيص الموارد الاقتصادية والحد من الحصول على البيانات الاقتصادية والتطبيق العشوائي لتشريعات غامضة مثل قانون الأمن القومي. أو يمكنها بدلا عن ذلك تغيير وجهتها وإجراء التغييرات الضرورية والاعتماد أكثر على الأسواق والقطاع الخاص والمنافسة والانفتاح.
الخيار الذي تتخذه الصين بالغ الأهمية لأمن العالم. فالاقتصاد الفاشل أو المنخفض النمو يمكن أن يفاقم التوتر الجيوسياسي إذا فضّلت الصين إذكاء النزعة القومية واتهام القوى الخارجية بأنها السبب وراء تحدياتها الداخلية. وإذا كانت النتيجة هياج المشاعر القومية يمكن أن تتجه العلاقة الأمريكية الصينية نحو الصراع.
بَيَّن قادة الصين أن في مقدورهم تغيير المسار كما اتضح من قبل بتراجعهم الفجائي عن سياسات "صفر كوفيد". لكن حتى إذا حدث ذلك لن يكون السير يسيرا. وعلى واضعي السياسات في الولايات المتحدة الاستعداد لنطاق واسع من المآلات التي يمكن أن ينتهي إليها الاقتصاد الصيني.
الاختبار بالنسبة للولايات المتحدة يتعلق بالثقة. ففي حين كشفت التحديات الاقتصادية التي تواجه الصين عن عيوبها الهيكلية إلا أن أساس النظام الاقتصادي الأمريكي وتنافسية شركاتها يتّصِفان بالقوة والمرونة بحيث صار في مقدورنا حتى الآن تحمّل عجز حكومتنا وتحدياتنا المهمة الأخرى بما في ذلك كوفيد-19. لكن أوضاعا غير مألوفة ومتقلِّبة ستواجهنا مع الانتخابات الرئاسية القادمة.
اختبار واضعي السياسة الأمريكيين هو: هل نفقد الثقة في نظامنا بالاستمرار في محاولة هزيمة الصين في لعبتها أم نضع ثقتنا في المبادئ الاقتصادية التي جعلت اقتصادنا يقود العالم. نحن في مركز قوة بميزات هيكلية ومؤسسية كبيرة. فشركاتنا وجامعاتنا تقود العالم. ونحن مستقلون باحتياجاتنا من الطاقة ونقود في التقنيات المتقدمة. ونحن نوجَد في جوار جيوسياسي مُواتٍ لنا.
يجب أن تُنهي التحديات الاقتصادية للصين مرة واحدة وإلى الأبد الاعتقاد بأن واشنطن لكي تنافس عليها تبني المزيد من السياسات الاقتصادية والصناعية الحكومية. بدلا عن ذلك على واضعي سياسات الولايات المتحدة بذل المزيد لخفض ديننا الوطني ومعالجة أزمتنا المالية الوشيكة والتي هي المهدد الرئيسي لأمننا الاقتصادي والوطني. إلى ذلك، نحن بحاجة لمقاومة نزعة تبني المزيد من المقاربات التي يطبقها الجهاز البيروقراطي من أعلى إلى أسفل وتجنب التحرش الشعبوي بالشركات الخاصة.
من أجل النمو العالمي والأمن الجيوسياسي واستمرار ازدهارنا علينا أن نأمل في تحول الصين نحو سياسات تشجع على التنافس والانفتاح.
وفي الولايات المتحدة علينا تذكر أن أمننا الوطني يعتمد على قوَّتنا الاقتصادية والاستمرار في التركيز على ما جعل ويجعل بلدنا قويا.
• هنري بولسون رئيس مجلس إدارة معهد بولسون ووزير خزانة أمريكي سابق والرئيس التنفيذي لبنك جولدمان ساكس (1999-2006).
** عن واشنطن بوست
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة التی تواجه یمکن أن
إقرأ أيضاً:
اللواء سلطان العرادة يوجه إنتقادات لاذعة للإدارة الأمريكية والمجتمع الدولي لتعاملهم الناعم مع المليشيات الحوثية ويضع بين أيديهم خيارات الحسم - عاجل
طالب عضو مجلس القيادة الرئاسي اللواء سلطان العرادة من الإدارة الأمريكية اتخاذ المجتمع الدولي خطوات عملية رادعة ضد ممارسات المليشيا الحوثية، كون المواقف الدولية الناعمة خلال الفترة الماضية شجعت المليشيات على الاستمرار في تصعيدها وشن هجماتها على السفن التجارية، ومواصلة ممارساتها العدائية، التي باتت تمثل تهديداً مباشراً على أمن الملاحة الدولية واستقرار المنطقة.
كما دعا الى موقف دولي موحد لمواجهتهم وردعهم.
كما شدد اللواء سلطان العرادة على ضرورة وجود مقاربة دولية أكثر صرامة تجاه ميليشيات الحوثي الإرهابية، وفرض عقوبات دولية ضد قياداتها وداعميها، والعمل على تجفيف مصادر تمويلها وملاحقة شركات وشبكات تهريب الأسلحة والمخدرات وغسيل الأموال التي تستغلها المليشيات لتمويل أنشطتها.
جاء هذا خلال مباحثات أجرها عضو مجلس القيادة الرئاسي، اللواء سلطان العرادة، اليوم، مع السفير الأمريكي لدى اليمن، ستيفن فاجن، وناقشا فيها آخر التطورات على الساحة اليمنية.
كما ناقش العرادة مع السفير الأمريكي آخر المستجدات السياسية والعسكرية في اليمن، وسبل تعزيز التعاون المشترك بين اليمن والولايات المتحدة في المجالات الاقتصادية والتنموية والإغاثة الإنسانية، وضرورة تعزيز الشراكة مع الولايات المتحدة لدعم الحكومة وبناء المؤسسات الوطنية وتعزيز قدراتها في مختلف الجوانب.
ودعا العرادة إلى توسيع نطاق الدعم الدولي للحكومة لتمكينها من القيام بدورها تجاه أبناء الشعب اليمني وتخفيف معاناتهم، وتحسين أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية، وتلبية تطلعاتهم في تحقيق الأمن والاستقرار.
واستعرض العرادة في اللقاء أبرز التحديات الراهنة التي تواجه عملية السلام في اليمن في ظل استمرار تصعيد مليشيا الحوثي الإرهابية وتهديداتها المستمرة لحركة الملاحة البحرية في البحرين الأحمر والعربي، إلى جانب تعطيلها لمسار الحل السياسي.
وفيما يتعلق بالوضع الإنساني، أوضح عضو مجلس القيادة الرئاسي أن الشعب اليمني يعاني أوضاعا إنسانية مأساوية سببتها الحرب التي تشنها المليشيا الحوثية الإرهابية على اليمنيين بصورة مستمرة منذ أكثر من 11 عامًا، بالإضافة إلى استمرار التدخلات الإيرانية السافرة في الشأن اليمني ودورها في تأجيج الصراع وإطالة أمده والقضاء على كل فرص الاستقرار والتنمية في اليمن، مما ضاعف معاناة اليمنيين في ربوع البلاد.
مشيراً إلى أن الوضع الاقتصادي والإنساني الراهن يستدعي من المجتمع الدولي، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، تقديم المزيد من الدعم الإنساني العاجل، والمساهمة في تمويل مشاريع إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية التي تمثل جزءاً أساسياً من استقرار البلاد على المدى البعيد.
من جانبه، جدد السفير الأمريكي ستيفن فاجن تأكيد التزام حكومة بلاده دعم الشعب اليمني، والعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لمواجهة التحديات، مشيراً إلى أن أمن واستقرار اليمن يشكلان أولوية في سياسة الولايات المتحدة تجاه المنطقة.