ترجمة: قاسم مكي

تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي لَحِقَ بالصين التي تواجه في نفس الوقت انخفاض الأسعار وتدني الطلب الاستهلاكي وارتفاع بطالة الشباب وتباطؤ الصادرات وتراخي نمو الناتج المحلي الإجمالي وارتفاع الدَّين الحكومي وتحديات في القطاع العقاري وشيخوخة السكان مع عدم وجود شبكة أمان اجتماعي كافية. وتزيد الطين بلّة التوتراتُ الجيوسياسية خصوصا في أكبر أسواق صادرات الصين.

مع ذلك، على كل أولئك الذين يمكنهم أن يفرحوا بالتحديات القاسية التي تواجه الصين التفكير مَلِيَّا في المخاطر الناشئة التي تقترن بها والحذر فيما يتمَّنونه.

إذا حلَّت أزمة عميقة في الصين ستفرض خيارا على القوتين الرئيسيتين في العالم. هل يمكن أن تتخلى الصين عن المسار الذي أوصلها إلى ما وصلت إليه؟ وهل تستطيع الولايات المتحدة الاستمرار في الوثوق بالأشياء التي تجعلها بهذا القدر من المرونة؟

اقتصاد الصين بالطبع شديد الاقتران باقتصاد العالم. فهي أكبر شريك تجاري لأكثر من 120 بلدا. وهي المحرك الأكبر لنمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي. إنها الماكينة الاقتصادية لمنطقة المحيط الهادي الآسيوية والتي من المتوقع أن تساهم بحوالي 67% من الزيادة المتوقعة في الناتج المحلي للعالم هذا العام.

لم يحن الوقت بعد للرهان ضد اقتصاد الصين. لكن إذا سقطت في جُبِّ أزمة اقتصادية طويلة الأمد سيتردد أثر ذلك في الأسواق الدولية حول العالم اقتصاديا وجيو- سياسيا. ويمكن الإحساس بتداعياتها الفورية في أسواق رأس المال على نطاق العالم.

تذكروا أن انهيارا في السوق الصينية للأسهم في عام 2015 دفع بكل مؤشرات الأسهم الأمريكية إلى نطاق التصحيحات السعرية (هبوط قيمتها من آخر ذروة سعرية لها). وفي مجال التجارة يمكن أن يشهد العالم فيضانا من الصادرات الصينية الرخيصة فيما يمكن أن تتلاشى الصادرات العالمية للصين. بشكل عام إخفاق الصين يمكن أن يشكل خطورة على نمو وازدهار العالم. وتذكروا أن الصين في هذه الحال لن تكون لديها القدرة أو يتوافر لها الاستعداد للمساعدة في التلطيف من وطأة أية أزمة مالية عالمية مثلما فعلت في عام 2008.

الولايات المتحدة أبعد من أن تكون محصَّنة. وعلى الرغم من أن تجارتها مع الصين تشكل حوالي 2% فقط من الاقتصاد الأمريكي إلا أن أثر تباطؤ الاقتصاد الصيني على عدد كبير من البلدان سيؤثر حتما على الولايات المتحدة وعلى علاقاتها الجيوسياسية.

إلى ذلك الولايات المتحدة لاتزال معتمدة على الصين في بعض الواردات المفتاحية وروابط سلسلة التوريد على الرغم من اتخاذها إجراءات حماية لقطاعات معينة لأسباب تتعلق بالأمن الوطني. ولاتزال الصين مستثمرا رئيسيا في أوراق الخزانة الأمريكية وفي ديون أخرى.

نظرا إلى مدى الأضرار المحتملة التي يمكن أن تنشأ عن حدوث أزمة في الاقتصاد الصيني على نطاق العالم سيكون من الخطأ الحديث عنها باعتبارها فرصة. لكن من المؤكد أن مثل هذه الأزمة تشكل اختبارا لنظامين اقتصاديين وسياسيين مختلفين اختلافا شاسعا. والقرارات التي يمكن أن يتخذها القادة الصينيون والأمريكيون في الشهور القادمة قد تترتب عنها نتائج ضخمة بالنسبة للاقتصاد الدولي وأمن العالم وقطاع الأعمال ومستقبل المنافسة الأمريكية الصينية.

لنتناول أولا الصين التي تواجه امتحانا لقدرتها على التكيّف. هل نحن نشهد تقلَّبا قصير الأمد أم بداية ركود طويل الأجل لاقتصاد الصين؟ سيعتمد ذلك في نهاية المطاف على الخيارات التي يتخذها المسئولون في بيجينج.

تحت قيادة الرئيس شي جينبينج ضاعفت الصين رهانها على دور الحزب الشيوعي كوسيلة للإشراف على الاقتصاد. ومع هذا التركيز المتجدد على الآيديولوجيا أكدت القيادة الصينية على الأمن والاستقرار على حساب التوسع الاقتصادي. وهذا أثَّر بشدة على روح ريادة الأعمال لدى الشعب الصيني والتي كانت القوة الدافعة وراء النمو في العقود الماضية.

سيفرض تراجعٌ اقتصادي متطاول وقاسٍ في حال حدوثه خيارا على الصين. فهي يمكنها الاستمرار في مسار انخراط الحزب الشيوعي بقدر أكبر في قطاع الأعمال وتخصيص الموارد الاقتصادية والحد من الحصول على البيانات الاقتصادية والتطبيق العشوائي لتشريعات غامضة مثل قانون الأمن القومي. أو يمكنها بدلا عن ذلك تغيير وجهتها وإجراء التغييرات الضرورية والاعتماد أكثر على الأسواق والقطاع الخاص والمنافسة والانفتاح.

الخيار الذي تتخذه الصين بالغ الأهمية لأمن العالم. فالاقتصاد الفاشل أو المنخفض النمو يمكن أن يفاقم التوتر الجيوسياسي إذا فضّلت الصين إذكاء النزعة القومية واتهام القوى الخارجية بأنها السبب وراء تحدياتها الداخلية. وإذا كانت النتيجة هياج المشاعر القومية يمكن أن تتجه العلاقة الأمريكية الصينية نحو الصراع.

بَيَّن قادة الصين أن في مقدورهم تغيير المسار كما اتضح من قبل بتراجعهم الفجائي عن سياسات "صفر كوفيد". لكن حتى إذا حدث ذلك لن يكون السير يسيرا. وعلى واضعي السياسات في الولايات المتحدة الاستعداد لنطاق واسع من المآلات التي يمكن أن ينتهي إليها الاقتصاد الصيني.

الاختبار بالنسبة للولايات المتحدة يتعلق بالثقة. ففي حين كشفت التحديات الاقتصادية التي تواجه الصين عن عيوبها الهيكلية إلا أن أساس النظام الاقتصادي الأمريكي وتنافسية شركاتها يتّصِفان بالقوة والمرونة بحيث صار في مقدورنا حتى الآن تحمّل عجز حكومتنا وتحدياتنا المهمة الأخرى بما في ذلك كوفيد-19. لكن أوضاعا غير مألوفة ومتقلِّبة ستواجهنا مع الانتخابات الرئاسية القادمة.

اختبار واضعي السياسة الأمريكيين هو: هل نفقد الثقة في نظامنا بالاستمرار في محاولة هزيمة الصين في لعبتها أم نضع ثقتنا في المبادئ الاقتصادية التي جعلت اقتصادنا يقود العالم. نحن في مركز قوة بميزات هيكلية ومؤسسية كبيرة. فشركاتنا وجامعاتنا تقود العالم. ونحن مستقلون باحتياجاتنا من الطاقة ونقود في التقنيات المتقدمة. ونحن نوجَد في جوار جيوسياسي مُواتٍ لنا.

يجب أن تُنهي التحديات الاقتصادية للصين مرة واحدة وإلى الأبد الاعتقاد بأن واشنطن لكي تنافس عليها تبني المزيد من السياسات الاقتصادية والصناعية الحكومية. بدلا عن ذلك على واضعي سياسات الولايات المتحدة بذل المزيد لخفض ديننا الوطني ومعالجة أزمتنا المالية الوشيكة والتي هي المهدد الرئيسي لأمننا الاقتصادي والوطني. إلى ذلك، نحن بحاجة لمقاومة نزعة تبني المزيد من المقاربات التي يطبقها الجهاز البيروقراطي من أعلى إلى أسفل وتجنب التحرش الشعبوي بالشركات الخاصة.

من أجل النمو العالمي والأمن الجيوسياسي واستمرار ازدهارنا علينا أن نأمل في تحول الصين نحو سياسات تشجع على التنافس والانفتاح.

وفي الولايات المتحدة علينا تذكر أن أمننا الوطني يعتمد على قوَّتنا الاقتصادية والاستمرار في التركيز على ما جعل ويجعل بلدنا قويا.

• هنري بولسون رئيس مجلس إدارة معهد بولسون ووزير خزانة أمريكي سابق والرئيس التنفيذي لبنك جولدمان ساكس (1999-2006).

** عن واشنطن بوست

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة التی تواجه یمکن أن

إقرأ أيضاً:

فوز ترامب يمنح "تيك توك" طوق النجاة في الولايات المتحدة

بعد عام مضطرب كان مليئاً بالتوتر والمعارك القضائية، جاء فوز دونالد ترامب ليمنح تطبيق "تيك توك" طوق النجاة، رغم أنه كان ذات يوم ألد أعدائه.

اعلان

تعهد الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، خلال حملته الانتخابية بمعارضة أي حظر على تطبيق الفيديوهات القصيرة "تيك توك".

ويمثل هذا الأمر انقلاباً على السياسة التي اتبعها ترامب في ولايته الأولى، إذ سعى فيها لحظر "تيك توك"، الذي تتهمه واشنطن بالارتباط بالحكومة الصينية.

لكن من المتوقع أن يصدر قرار قضائي بحظر التطبيق في الولايات المتحدة في منتصف كانون الثاني/ يناير المقبل، في حال خسرت الشركة المعركة القضائية الحالية.

وتخوض شركة "تيك توك" وشركتها الأم "بايت دانس"، التي تتخذ من الصين مقراً لها، معركة قانونية منذ أشهر في الولايات المتحدة.

وتتمحور المعركة حول قطع صلات الشركة، لأسباب تتعلق بالأمن القومي، مع واحد من أكبر أسواقها في العالم.

Relatedوزارة العدل الأمريكية تتهم تيك توك بجمع بيانات حساسة للمستخدمين الأمريكيين ونقلها للصينمحكمة العدل الأوروبية ترفض طعن منصة تيك توك في قانونية القواعد الرقمية الأوروبية الجديدة للضرورة أحكام.. فريق بايدن الانتخابي ينشر أول فيديوهات الرئيس على "تيك توك" لاستقطاب الشباب

وكان الرئيس الأمريكي، المنتهية ولايته، جو بايدن، وقع في نيسان/ أبريل الماضي قانوناً يمنح "تيك توك" 9 أشهر لبيع حصص التطبيق، وإلا سيجري حظره داخل الولايات المتحدة.

وتقول الشركة إن بيع حصصها غير ممكن، وإن القانون سيجبرها على الإغلاق بحلول يوم 19 كانون الثاني/ يناير المقبل، أي قبل يوم واحد من تنصيب ترامب رئيساً للولايات المتحدة.

وطلب محامو الطرفين من محكمة الاستئناف الفيدرالية التي تراجع القضية بأن تصدر حكمها في 6 كانون الأول/ ديسمبر المقبل، ومن المتوقع أن يستأنف الجانب الخاسر أمام المحكمة العليا، حيث هناك أغلبية محافظة ربما تطيل من عمر القضية.

ولم يقدم الفريق الانتقالي لترامب أي تفاصيل بشأن كيفية تنفيذ تعهده "بإنقاذ تيك توك".

واكتفت المتحدثة باسم الفريق الانتقالي لترامب، كارولين ليفات، في بيان بالقول "إن ترامب يخطط لمتابعة الأمر حتى النهاية".

وكان ترامب قال في مقابلة مع شبكة "سي أن بي سي" الأمريكية في آذار/ مارس الماضي إنه يعتقد أن "تيك توك" لا يزال يمثل خطراً أمنياً.

لكنه يعارض حظره لأن من شأن ذلك أن يساعد منافسه "فيسبوك"، الذي استمر في انتقاده بسبب خسارته انتخابات 2020.

المصادر الإضافية • أ ب

Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية إيران تجدد رفض اتهامها بمؤامرة اغتيال ترامب..وتتساءل عما إذا كان ذلك استعراضا هزليا أم تصعيدا جديدا؟ نجل ترامب يسخر من زيلينسكي بعد إعادة انتخاب والده: "أنت على بعد أيام من خسارة مصروفك" جدل على مواقع التواصل.. جاريد كوشنر ذاك الرجل الأمرد يطلق لحيته فما علاقة السعودية بذقن زوج إيفانكا؟ تيك توكدونالد ترامبالسياسة الأمريكيةاعلاناخترنا لك يعرض الآن Next المعاناة مستمرة في غزة وإسرائيل تنتقل لمرحلة ثانية من عملياتها في لبنان وحزب الله يتوعدها بالخيبة يعرض الآن Next الحمل في زمن الحرب: معاناة مضاعفة للنازحات في مراكز الإيواء بلبنان يعرض الآن Next استئناف مرفوض.. تأكيد حكم ابتدائي يقضي بسجن مواطنة روسية أمريكية تبرعت بحوالي 50 دولارا لأوكرانيا يعرض الآن Next خلال دفاعه عن صناعة النفط والغاز..الرئيس الآذري يهاجم الغرب في كوب 29: "معاييركم مزدوجة" يعرض الآن Next بلينكن يزور أوروبا لإجراء محادثات عاجلة بشأن أوكرانيا بعد انتخاب ترامب اعلانالاكثر قراءة محافظ شرطة باريس: منع دخول الأعلام الفلسطينية إلى الملعب في مواجهة فرنسا وإسرائيل اليوم الـ 402 للحرب: إسرائيل تستمر في قصف غزة ولبنان وتعلن إصابة 26 في الجبهتين.. ومقتل ضابط و5 جنود تقرير: تحقيق إسرائيلي يشتبه في كون نتنياهو زوّر وثائق للتملص من تقصيره في 7 أكتوبر/تشرين الأول مارس الجنس مع 400 من زوجات كبار الشخصيات أمام الكاميرا.. فضيحة مسؤول كيني يعتقد أنه مصاب بمرض الإيدز نجل ترامب يسخر من زيلينسكي بعد إعادة انتخاب والده: "أنت على بعد أيام من خسارة مصروفك" اعلان

LoaderSearchابحث مفاتيح اليومكوب 29الصراع الإسرائيلي الفلسطيني غزةإسرائيللبنانألمانيافرنسامنوعاتحزب اللهبنيامين نتنياهوشوكولاتةالحملالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesJob offers from AmplyAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactPress officeWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024

مقالات مشابهة

  • الأمم المتحدة:الصراع بين القوى السياسية تسبب في أكبر أزمة جوع في العالم
  • الصين الشعبية، مستمعاً سموه للجهود التي تقدمها الجامعة والتعاون بين الطرفين في المجال البحثي.
  • الصين تواجه موجة جرائم عنف نادرة في ظل الصعوبات الاقتصادية
  • المكسيك تعلن استعدادها لتهدئة العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين
  • الحرب في السودان: كيف يمكن مواجهة أزمة البطالة؟
  • خيارات رينارد لتعويض غياب سلمان الفرج ضد أستراليا
  • تايوان: الولايات المتحدة من تقرر عودة استخدام صواريخ هوك التي تم إيقافها
  • فوز ترامب يمنح "تيك توك" طوق النجاة في الولايات المتحدة
  • الحوثي يتحدى الولايات المتحدة: دعوة للبث المباشر من حاملة الطائرات التي استهدفتها القوة الصاروخية اليمنية
  • الصين تسعى إلى «تعايش سلمى» مع ترامب رغم احتمال نشوب حرب تجارية شرسة