البريكس ليست عصا سحرية.. ولكن.. !!
تاريخ النشر: 28th, August 2023 GMT
في الوقت الذي انشغل فيه الكثيرون بحادث سقوط طائرة بريجوجين رئيس جماعة فاجنر العسكرية الروسية يوم الأربعاء الماضي خاصة وأن المصادر الغربية حرصت منذ الساعات الأولى للحادث على إثارة الشكوك في كيفية حدوثه وترجيح افتراض العمل المتعمد لاغتيال بريجوجين وربط ذلك بتمرده ضد الرئيس الروسي في يونيو الماضي، فإن مقتل رئيس جماعة فاجنر وستة من مساعديه كانوا برفقته على متن الطائرة الخاصة التي يمتلكها كاد يغطي على حدث سياسي واقتصادي شديد الأهمية تزامن مع سقوط الطائرة وهو انعقاد القمة الخامسة عشرة لمجموعة دول بريكس في الفترة بين 22-24 أغسطس الجاري في جوهانسبيرج بجنوب أفريقيا، وذلك نظرا لما سيترتب على تلك القمة من نتائج عديدة على المستويات السياسية والاقتصادية الاستراتيجية وعلى الشؤون العالمية سواء الآن أو في السنوات القادمة.
وإذا كان مقتل بريجوجين يشكل مادة إعلامية للجدل والتلاسن بين روسيا والغرب في إطار الصراع بين الجانبين، فإن قمة دول بريكس تشكل خطوات عملية للصراع السياسي والاقتصادي والاستراتيجي أيضا. وفي هذا الإطار فإنه يمكن الإشارة باختصار شديد إلى ما يلي:
أولا، إنه ليس من المبالغة القول بأن مجموعة بريكس قدمت بالفعل، حتى الآن على الأقل، نموذجا ناجحا، بل متميزا، إلى حد كبير في مجال التعاون الدولي الاقتصادي والسياسي، وعلى نحو يضيف إلى أدبيات التعاون على مستوى النظام الدولي. فعلى مدى العقود الماضية وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية تركز اهتمام التعاون الإقليمي على الدول المتجاورة جغرافيا - أي التي تنتمي إلى إقليم أو منطقة واحدة بحكم ما يربط بينها من وشائج – غير أن مجموعة بريكس كسرت تلك القاعدة، فعند تأسيسها عام 2006 تشكلت من روسيا والصين والهند والبرازيل ثم انضمت إليها جنوب أفريقيا عام 2011 وحملت اسم مجموعة " بريكس " ثم تدعم هذا الاتجاه غير المقيد بالمفهوم الإقليمي التقليدي وذلك في قمة جوهانسبيرج الأسبوع الماضي بقبول ست دول في عضويتها، هي مصر والسعودية والإمارات وإيران وإثيوبيا والأرجنتين. أما عنصر التميز الآخر لمجموعة بريكس فإنه يتمثل في أنها استفادت من الخبرة الدولية في مجال التنظيم الدولي وذلك بالحد من تأثير السياسة بقدر الإمكان والعناية بشكل أكبر بالتعاون الوظيفي، أي بالتعاون في المجالات غير السياسية ـ أي في المجالات التنموية والفنية وخدمة المصالح المشتركة والمتبادلة، واستفادت في هذا بخبرات الصين التي جعلت من التعاون الفني أساسا للتعاون. وتوسيع المصالح بين الدول خاصة في أفريقيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا والعالم ككل.
من جانب آخر، فإن مجموعة بريكس تميزت ليس فقط بعلاقاتها الطيبة بوجه عام مع دول العالم الثالث، فهي لا تحمل أوزار تجارب الاستعمار الغربي، وتتسم بالمصداقية والرغبة في التعاون المثمر مع الدول النامية، فضلا عن أنها لم تظهر رغبة شديدة في الهيمنة أو فرض النفوذ على الدول النامية على النمط الذي تمارسه الدول الغربية وهو ما زاد من الثقة في التعاون معها من جانب الدول النْامية. صحيح أن روسيا والصين والهند تخوض معركة التصدي للهيمنة الأمريكية والغربية وتتبنى الدعوة لنظام دولي جديد عادل ومتعدد الأقطاب ولكن الصحيح أن ذلك يقوم على التعاون مع الدول النامية والابتعاد عن التجارب والممارسات السيئة والمخيفة لتلك الدول ذات الحساسية بالنسبة لكل ما يمس سيادتها بشكل مباشر أو غير مباشر وهو ما يطمئن في الواقع الدول النامية ويجعل من بريكس نموذجا جديدا وجذابا ويمتد أيضا على أوسع رقعة ممكنة ومن ثم إمكانية التوسع وضم الدول التي تتوفر فيها شروط الانضمام.
جدير بالذكر أن مجموعة بريكس هى بالفعل مجموعة اقتصادية ضخمة بحكم إمكاناتها الاقتصادية والبشرية ومواردها المتنوعة ومن ثم قدرتها على الأخذ بيد الدول النامية التي تتعاون معها اقتصاديا وتنمويا، فهي تساهم بنسبة 31.5 %ْ في الاقتصاد العالمي في مقابل 30.7% لمجموعة السبع الصناعية الكبرى وفقا لصندوق النقد الدولي، وحجم اقتصاد دول بريكس في نهاية العام الماضي بلغ 26 تريليون دولار، أي نحو ربع الاقتصاد العالمي، على أن الأكثر أهمية أن دول البريكس لم تقف مكتوفة الأيدي ولكنها تعمل ليس فقط على تطوير قدراتها على المستويين الفردي والجماعي، ولكنها تسعى أيضا إلى استكمال مؤسسات ومرافق البنية التحتية على مستوى يمكنها من السير نحو نظام اقتصادي عالمي جديد أكثر عدالة وتوازنا وأكثر إنصافا للدول النامية، ومن المعروف أنه تم إنشاء بنك التنمية الجديد برأسمال خمسين مليار دولار لتقديم مساعدات تنمية ومعونات طوارئ للدول النامية عند الحاجة والتخفيف من الضغوط التي يمارسها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على الدول التي تضطر إلى التعامل مع أي منهما بسبب ظروفها الاقتصادية. ومن ثم حظيت مجموعة بريكس باهتمام عدد كبير ومتزايد من الدول على امتداد العالم.
ثانيا، إذا كانت دول كثيرة في العالم عانت وتعاني من ضغوط مؤسسات التمويل الدولية بشكل أو بآخر، وتشعر بقدر من الأمل في التعاون مع مجموعة بريكس التي تقوم بالفعل بتنفيذ مشروعات ضخمة في العالم مثل مشروع الحزام والطريق الصيني ومشروع تشييد مائة مدينة ذكية متطورة بالقرب من مراكز التجارة تشيدها الهند، وما تقوم به روسيا من تطوير الشرق الروسي وربط ذلك كله لتعزيز شبكة التجارة العالمية، وما تعهدت به دول البريكس من معونات وتخفيف للديون وتعاون فني مع الدول النامية خاصة في أفريقيا، فإنه ليس غريبا أن تسعى عشرات الدول في العالم إلى الانضمام إلى عضوية البريكس أملا في الاستفادة من الفرص التي تقدمها ولتعزيز خططها التنموية أيضا وفي إطار المصالح المشتركة والمتبادلة و" بروح الانفتاح والشمول والتعاون المريح للجانبْين " وكانت الصين قد اقترحت خلال قمة بريكس التي عقدت عام 2017 في مدينة شيامن الصينية نموذجا للتعاون منفتحا على الدول النامية على شكل منصة للتعاون بين الأسواق الناشئة والدول النامية ومن ثم توسيع عضوية مجموعة بريكس في إطار آلية شاملة يقودها ويوجهها قادة دول بريكس من خلال آلية ثلاثية هي القمة، واجتماع وزراء الخارجية واجتماع الممثلين رفيعي المستوى للشؤون الأمنية وفي إطار يجمع بين السياسي والاقتصادي والثقافي، وبذلك يمكن القول بأن مجموعة بريكس تستكمل إطارها التنظيمي والمؤسسي، ويعد توسيع العضوية في القمة الأخيرة خطوة تاريخية على طريق استكمال البناء المؤسسي للمجموعة، وقد أشار " انيل سوكلال" منسق شؤون بريكس في جنوب أفريقيا إلى أن أكثر من 40 دولة تأمل في الانضمام إلى مجموعة بريكس، وفي قمة جوهانسبيرج الأسبوع الماضي طلبت 23 دولة الانضمام إليها منها 8 دول عربية، وتم قبول 6 دول فقط على أن تبدأ العضوية اعتبارا من الأول من يناير القادم.
ثالثا، إنه مع الوضع في الاعتبار أن مجموعة بريكس يمكنها تعزيز التنمية مع دولها الأعضاء حيث ركزت قمة جوهانسبيرج على أهمية الجدية والعمل القوي لتحقيق الأهداف كفريق واحد، فإنه من المهم التأكيد على أن الجوانب الإيجابية للانضمام للبريكس لن تبدأ غدا ولا خلال أشهر قليلة، نعم هناك مشروعات قائمة ستتعزز بالضرورة على الأجل القصير وسيتم بحث مجالات جديدة ومختلفة والإعداد للتعاون فيها ولكن من المعروف أن العمل عبر المنظمات الدولية، ومنها بريكس، هو عمل يأخذ وقته خاصة بالنسبة للدول الحديثة العضوية، فالأمر ليس عصا سحرية ولا يقبل الاستعجال والقفز وحرق المراحل لأن ذلك لا يضمن النجاح ولكن ما يساعد على النجاح وتحقيق الأهداف الجماعية والفردية أن تحظى كل الخطوات بالدراسة المتأنية وأن تتوفر الإرادة السياسية القوية لتحقيق الأهداف المشتركة بما في ذلك الحد من الاعتماد على الدولار في المبادلات التجارية بوجه عام وزيادة الاعتماد على العملات المحلية في التجارة البينية بين الدول الأعضاء للحد قدر الإمكان من الحاجة للدولار هو ما سيستغرق بالضرورة بعض الوقت ولكنه سيتحقق في النهاية وهذه معركة شرسة ولن يتهاون فيها أي من الجانبين لا سياسيا ولا اقتصاديا ولا استراتيجيا.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: أن مجموعة بریکس الدول النامیة على الدول دول بریکس بریکس فی فی إطار
إقرأ أيضاً:
روسيا ترد على تهديدات ترامب لـ دول الـ«بريكس»
أعلنت روسيا، اليوم الجمعة، رفضها تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المتكررة، بفرض رسوم جمركية على مجموعة دول الـ"بريكس"، إذا أنشأت عملتها الخاصة، وذلك بحسب موقع "روسيا اليوم" الإخباري.
وقال الناطق باسم الكرملين ديميتري بيسكوف، إن "مجموعة البريكس التي تعد روسيا عضواً فيها، لا تتحدث عن إنشاء عملتها الخاصة، بل عن إنشاء منصات استثمارية مشتركة فحسب".
وأضاف: "هذه ليست المرة الأولى التي يدلي فيها ترامب بمثل هذه التصريحات، وهي ليست جديدة، إذ كانت هناك تصريحات مثل هذه من قبل عندما كان رئيساً منتخبا".
من جهتها، أكدت الخارجية الصينية بعد تهديدات ترامب هذه تمسكها بتعميق التعاون في مختلف المجالات مع شركائها في "بريكس".