مرفت بنت عبدالعزيز العريمية

 

قبل أن تظهر الشركات الكبرى في العالم كانت المجتمعات تعتمد على فكرة الأسر المنتجة، والمشروعات متناهية الصغير كأساس اقتصادي والتبادل التجاري بين المجتمعات، فكانت الأعمال ترتبط بطبيعة المكان فإذا كانت المنطقة زراعية فإن أغلب أنشطتها تكون زراعية، وإن كانت قرى صيد فهي توفر خيرات البحر، أما إن كانت مناطق رعوية، فإن تجارة اللحوم والألبان ومشتقاتها هي السائدة وهكذا.

غير أن التطور الصناعي ونشوء الشركات الكبرى دفعت بالأنشطة الصغيرة إلى الظل لأنها افتقرت إلى الإمكانيات الفنية والمالية التي ميزت منتجات تلك الشركات، لكن هذا لم يوقف من ازدهار المشروعات الصغيرة التي لقيت الدعم من محبي الأصالة والجودة والصناعات التقليدية حتى دور الأزياء الكبرى ومصانع السيارات والشكولاتة العريقة حافظت على أصالتها لأنها اعتمدت على العمل اليدوي والحرفي لتمييز منتجاتها.

اليوم وأكثر من أي يوم مضى الشباب يميل إلى العمل الحُر، الذي يمنحهم مرونة في ساعات العمل وتحقيق ذواتهم وإبداعاتهم كمُتنفس لا تُحققه الوظيفة أيا كانت مصدرها، فلماذا لا تكون هناك استراتيجية خاصة لتوجيه رواد الأعمال والشباب نحو العمل الحر في قطاعات محددة كالصناعات الصغيرة في مجال الزراعة والقطاع السمكي والتكنولوجي والتعدين والمركبات، بدلا من ترك المجال مفتوح حتى أصبح السوق مشبعًا من الأنشطة المتشابهة كالأزياء والحلاقة والمقاهي والمطاعم؛ مما ساهم في تعثر الكثير منها وإغلاقها، مقابل غياب واضح للصناعات التي قد تنعش الاقتصاد وتنميته.

يقلل البعض من أهمية دور المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر في دعم الاقتصاد، علمًا بأنها تعد إحدى ركائز الاقتصادات المعاصرة، وأهميتها لا تتوقف عند دعم الاقتصاد المحلي بل تتجاوز ذلك بكثير إلى توفير مظلة أمان اجتماعي وأمني للمجتمع لذلك تهتم الحكومات بتنمية مشروعات الصغيرة ومشروعات متناهية الصغر والتي يكون عدد العاملين فيها بين الواحد إلى خمسين فرداً وأحيانا تقل عن المائة بقليل؛ لأنها الحل الأمثل لمشكلة البطالة وملف التوظيف، ليس ذلك فحسب؛ بل إنها قد تصبح الدولة قوة اقتصادية كبرى، إن استطاعت أن تنتقي نوع المشروعات التي تقود الاقتصاد العالمي، كما حدث مع الصين التي ركزت على تنشيط هذا القطاع ودعمه لمنع الهجرة الداخلية من القرى إلى المدن وطورت من المجتمعات المحلية في نفس الوقت دون الحاجة إلى أن تتحمل عبء التوظيف.

هناك عدة مميزات، فهذه المشروعات ترفع عن كهل الدولة مسؤولية البحث عن وظائف لأبنائها، بما توفره من مميزات ودعم مالي وفني للراغبين في الانخراط بها المجال، وتساهم في تطوير الصادرات وتحسين القوة التنافسية وبالتالي نمو النشاط الاقتصادي الإجمالي.

دول كالصين ودول جنوب شرق آسيا والهند صنعت اقتصادًا قويًا بالتركيز على المشروعات النوعية وتوجيه رواد الأعمال للعمل في مجالات الحيوية كالصناعة بأنواعها المختلفة والتكنولوجية والزراعة.

وقبل ذلك وضعت إطارًا قانونيًا وتنظيميًا قويًا وإصلاحات ضريبية وكفاءة إدارية وتسويقية وبنت استراتيجيات تكاملية بين المشروعات الصغيرة ومختلف قطاعات الدولة، مما جعلها تشكل رافدًا كبيرًا للسيولة النقدية وكبحت من نمو شبح البطالة؛ حيث تشكل المشروعات الصغيرة ما يقارب 68% من مجموع التجارة الخارجية، وتشغِّل ما يقارب 75% من العمالة، وتشكل التكنولوجية ما يقارب 80% من نسبة المنتجات، وتمثل ما يقارب 65% من إجمالي منتجات المشروعات الصغيرة براءات اختراع.

أما كوريا الجنوبية موطن كبريات الشركات التكنولوجية التي شهدت نموا اقتصاديا متسارعا في العقود الأخيرة، فإن قطاع المشروعات الصغيرة يسهم بنسبة 99% بالمئة من الأنشطة التجارية بمجموع عمالة يزيد عن 87% من أجمالي الأيدي العاملة بالبلاد.

وإن كانت تسمى مشروعات صغيرة إلا أنها عملاقة من حيث أثرها الاقتصادي والاجتماعي على الدول والدخل القومي.

إن نجاح المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر يظهر من خلال نتائج إسهاماتها في الناتج المحلي ومعالجتها لمشكلة البطالة، وإن لم تحقق أي أثر، فذلك يعني أننا بحاجة إلى مراجعة استراتيجيات ملف تنمية المشروعات الصغيرة وتقييمها وتوجيهها إلى المسار الصحيح، فلا جدوى من دعم مشروعات لا تحقق أثرًا اقتصاديًا واجتماعيًا ولا تعالج مشكلة البطالة.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

وزير السياحة يتفقد مبنى المجلس الأعلى للآثار بالعباسية .. صور

أجرى شريف فتحي وزير السياحة والآثار اليوم جولة تفقدية لمبني المجلس الأعلى للآثار بالعباسية، وذلك لمقابلة الموظفين والعاملين بالقطاعات والإدارات المختلفة  للمجلس والتعرف عن قرب على آليات ومستجدات سير العمل بأهم المشروعات الجارية.

رافق الوزير  خلال الجولة الدكتور محمد إسماعيل خالد الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار وعدد من رؤوساء القطاعات وقيادات المجلس.

وحرص  الوزير على التحدث مع عدد من رؤوساء القطاعات والإدارات المركزية المختلفة وموظفي المجلس، والاستماع إلى مطالبهم وأرائهم ومقترحاتهم بشأن تطوير العمل بالمجلس والارتقاء بأنشطته،  مثمناً المجهود الذي يقومون به لكشف المزيد عن أسرار الحضارة المصرية العريقة وتاريخها عبر الاكتشافات الأثرية التي يقومون بها بكافة المواقع الأثرية على مستوي الجمهورية، والدور الفعال لدفع حركة العمل والحفاظ على آثار مصر وتراثها الحضاري، مؤكداً ضرورة تضافر كل الجهود للارتقاء والنهوض بالمجلس وإداراته وأنشطته المختلفة، واستمرار الجهد لتحقيق أفضل النتائج، وتنفيذ الاستراتيجيات المتعلقة بأسلوب العمل، مشيراً إلى الاستعداد لتوفير كافة سبل الدعم بما يضمن الوصول بمنظومة العمل لأعلى مستوياتها.

 

ومن جانبهم، قام العاملون بالترحيب وتقديم التهنئة للسيد الوزير بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، موجهين له الشكر على الدعم الكبير الذي يقدمه لملف الآثار، والذي سيعمل على تحفيزهم والقيام بمزيد من الاكتشافات والانتهاء من العديد من المشروعات الأثرية، وأن تشهد الفترة المقبلة المزيد من الإنجازات.

كما تضمنت الجولة تفقد عدداً من الإدارات والمكاتب الفنية لقطاعات المجلس، حيث اطَّلع  الوزير على ما تقوم به هذه الإدارات من مهام لاسيما طرق وشروط تسجيل المباني والمواقع في عداد قائمة الأثار المسجلة.

كما عقد الوزير اجتماع مصغر مع الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار ناقشا خلاله مستجدات الأعمال بعدد من المشروعات الجارية والموقف التنفيذي لها تمهيداً لافتتاحها في أقرب وقت بالإضافة إلى مناقشة مشاريع التطوير وإعادة التأهيل لبعض المواقع الأثرية والمتاحف على مستوى الجمهورية وتحسين التجربة السياحية بها.

مقالات مشابهة

  • الضرائب تكشف عن حوافز تشجيعية لأصحاب المشروعات الصغيرة (فيديو)
  • وزير السياحة يتفقد مبنى المجلس الأعلى للآثار بالعباسية .. صور
  • 241 مليون جنيه لتمويل المشروعات الصغيرة خلال العام الجاري بقنا
  • "دور المشروعات الصغيرة في مسيرة التنمية" ضمن نقاشات ثقافة الفيوم
  • «غولدمان ساكس»: 25 % احتمال ركود الاقتصاد الأمريكي في 2025
  • رئيس هيئة الرقابة المالية السابق: «تبسيط المعاملات الضريبية وتشجيع المشروعات» إجراءات صحيحة ثمارها مؤجلة
  • رئيس مصلحة الضرائب: وضعنا نظاما متكاملا لتسهيل إجراءات المشروعات الصغيرة
  • غرفة صناعة الأخشاب: التسهيلات الضريبية تدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة
  • مناقشة فن إدارة وتسويق المشروعات التجارية بمحافظة مسقط
  • ‏الشهري: الأهداف التي تلقاها النصر كانت من أخطاء في بناء الهجمة.. فيديو