"بريكس".. المنظومة الاقتصادية العالمية الجديدة
تاريخ النشر: 28th, August 2023 GMT
علي بن حبيب اللواتي
مجموعة "بريكس" هي تكتل اقتصادي برز خلال السنوات الأخيرة؛ حيث يضم خمس دول مؤسسة: روسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا والبرازيل، وتهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء.
وبريكس منظمة مؤثرة على الساحة الدولية، حيث تمثل دولها حوالي 42% من سكان العالم وتولي أهمية كبيرة للتنمية المستدامة والتجارة العادلة والعلاقات الدولية المتوازنة؛ حيث تؤمن بخلق شراكات استراتيجية اقتصادية متبادلة بين أعضائه.
وتعتبر الصين وروسيا أكبر اقتصادين في المنظمة، بينما تعتبر البرازيل والهند وجنوب أفريقيا من الاقتصادات الناشئة والمتنامية بسرعة ملفتة.
ومجموعة بريكس تسعى لإرساء نظام مالي جديد، ولتعزيز هذه الرؤية أنشأت بنكًا باسم "بنك التنمية الجديد" ومقره الصين؛ ليكون الممول المالي البديل عن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، اللذين تسيطر عليهما أمريكا وبعض الدول الغربية.
والهدف من إنشاء البنك تمويل ومساعدة وتمكين أعضائه لتحقيق التنمية المستدامة المستمرة والدول النامية.
وقد تمت الموافقة في أغسطس 2023 على توسيع العضوية بقبول انضمام كل من السعودية والإمارات ومصر وأثيوبيا والأرجنتين وإيران؛ كمرحلة أولى لتوسعته؛ وستليها مراحل توسعة أخرى بقبول انضمام دول أخرى حسب ما أعلن عنه.
ومن الأهداف المعلنة؛ تنمية وتمكين الدول النامية وبالتالي تطوير نوعية جودة الحياة لمجتمعاتها من خلال التطوير لاقتصادها وقدراتها؛ وكذلك تبادل الخبرات الفنية في مجالات عدة.
ولتحقيق ذلك فإنها تقدم التمويل المالي اللازم لتنفيذ مختلف أنواع مشاريع البنية التحتية والتطوير وذلك بشروط ميسرة تتناسب مع قدرات الدول المستدينة؛ فتسهل عليهم عملية تسديد تلك القروض الميسرة؛ ليكون تسديد الالتزامات المالية بالعملات الوطنية بعيدا عن الدولار؛ هذه الطريقة بالدفع تحافظ على السيادة الوطنية للدولة المستدينة على قراراتها الداخلية والخارجية وهذا لدفع عجلة التنمية فيها والتغلب على عقد نقص التمويل اللازم؛ وكذلك تؤمن بريكس بتشجع كل أنواع التبادل التجاري بين أعضائها وكذلك الشراكة الاقتصادية والاستراتيجية؛ وهذا التوجه سيقوي ويعزز المصالح المتبادلة المشتركة من دون التقليل من السيادة الوطنية؛ ويعتبر هذا التوجه إحدى قيم بريكس.
وللعلم أن النظام الحالي المالي الذي تسيطر عليه أمريكا من خلال البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وهما الذراع المالي للنظام الأمريكي حيث يفرضان شروطاً قاسية تعتبر مجحفة في حق الدول المستدينة؛ كالفوائد المرتفعة؛ والالتزام بمواقف دولية؛ وهذا يعتبر تدخل في القرارات السيادية الوطنية للدول المستدينة؛ وكذلك بإلزامهم بتنفيذ وصفة مركبة للموافقة على منحهم القروض؛ كإلغاء الدعم تدريجبا بأشكاله عن (الغذاء والمشتقات النفطية والكهرباء والماء؛ والطبابه والتعليم وكذلك زيادة الرسوم وفرض أنواع متعددة من الضرائب مما يؤدي إلى زيادة الصعوبات المعيشية لحياة المجتمع.
ويمكن طرح السؤال التالي: هل يُمكن لعُمان الانضمام إلى بريكس مع الاستمرار في التعامل بالدولار عالميا؟ نعم يمكن؛ وهذا سيوفر لعمان نظامين ماليين يمكنها أن تتعامل بواسطة أحدهما مع من تشاء حسب مصلحتها.
وهل يعني أن منظومة بريكس ستكسر قوة الدولار عالميا؟ في الواقع الحالي لا يمكن كسر هيمنة الدولار لكونه متجذر في النظام المالي العالمي، خاصة وأن 60% من احتياطات أموال البنوك المركزية في العالم بالدولار الأمريكي، والكثير من الدول تحمل سندات الخزينة الأمريكية بمليارات الدولارات؛ والتعاملات التجارية على مستوى العالم تتم بالدولار عبر نظام سويفت الأمريكي للتحويلات المالية؛ وكذلك فإن معيار تقييم العملات عالمياً حاليًا مبني على قيمة سعر الدولار وتقلباته.
هل ستصدر بريكس عملة خاصة بها؟ إصدار عملة ليس بالموضوع السهل فنيًا، فمثلا دول الخليج ورغم تشابه منظوماتها الاقتصادية تقريبا وكذلك الاجتماعية، إلا أنها لم تقدر على إصدار عملة موحدة حتى اليوم.
أما دول الاتحاد الأوروبي تمكنت من إصدار عملة اليورو المشتركة؛ حيث تعيش في بقعة جغرافية واحدة؛ وهياكل اقتصادياتها وكذلك تركيبة مجتمعاتها متشابهة، ولتحقيق هدفها أصدرت حزمة من التشريعات والقوانين لتمكن هياكلها الاقتصادية من التمازج؛ لتوفر الدعم المالي لبعض دوله كاليونان؛ حيث كان الهدف تسهيل التجارة البينية بين دول الاتحاد الأوروبي اقتصاديا، وتسهيل عبور وبيع البضائع المنتجة في كل دول الاتحاد.
أما دول البريكس فتتكون من دول من كل القارات؛ حيث توجد اختلافات عميقة في هياكلها الاقتصادية ومنظوماتها الاجتماعية والثقافية؛ فعليه لا يمكن إصدار عملة موحدة للتبادل التجاري لأعضائه الآن.
كيف تستفيد عمان إذا قررت الانضمام إليها مستقبلا؟ عند بيع عمان شحنات من نفطها وغازها إلى الصين أو دولة أخرى في منظومة بريكس، وطلبت تسديد قيمته بالريال العماني، ماذا سيكون أثره على قيمة الريال حينها؟ إذا أرادت عمان شراء منتجات من أعضاء بريكس فإنها لن تسدد فاتورتها بالدولار، وقتها يمكنها أن تسدد التزاماتها بالريال العماني، وهذا الإجراء سيخفف الضغط على البنك المركزي العماني لتوفير تلك المبالغ بالدولار.
هناك أيضًا ميزة لعمان أن تحصل قروضاً من بنك بريكس بشروط ميسرة (فائدة أقل ومدة سداد أطول) لتقيم المشاريع وكذلك لتسديد القروض السابقة ذات التكلفة العالية (خدمة الديون).
إذا اتفقت عمان والصين من خلال بريكس على إنشاء منطقة صناعية كبرى لتصنيع المنتجات الصينية وتصديرها مستفيدة من موقع عمان الاستراتيجي؛ وذلك من خلال عقود (التصميم والتمويل والتشغيل) يتبعها التصدير عبر الموانئ العمانية، بالتأكيد ستكون هناك عدة مصالح لعمان، ملخصها: توفير وظائف متعددة ومختلفة للشباب العماني في المدينة الصناعية، وتشغيل الموانئ بارتفاع أعمال التصدير وما يصاحبها من تشغيل للمواطنين في مختلف أعمال الشحن والتصدير، وتوطين التكنولوجيا والخبرات، وتشغيل بقية القطاعات التجارية؛ تحريك القطاع السكني والتجاري، ومنافذ جديدة لتحصيل مزيد من الضرائب والرسوم، وتطوير البنية الأساسية لتواكب متطلبات المدينة الصناعية كاستحداث شوارع ومدارس ومجمعات ومستشفى وأسواق... إلخ.
إن عماننا تتمتع بموقع جغرافي استراتيجي فريد؛ حيث تطل على عدة بحار وتتوسط ممرات مائية عالمية؛ وتتميز بروح شعب جميلة، وأحد أعمدة ركائز رؤية عمان 2040 الاستراتيجية يتمثل في تنويع مصادر الدخل، وبناء مدينة صناعية كبرى سيساهم بفعالية في تحقيق الرؤية.
إن إيجاد نظام مالي يقوم على الشراكة والتعاون وتبادل المنافع المرتبطة لأعضائه بتوزان واحترام يمكن اعتباره الطريق الأفضل للبشرية جمعاء.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
بين انفتاح وحذر وترقب.. مواقف الدول العربية من سوريا الجديدة
لم تكن الدول العربية بمنأى عما جرى في سوريا من سقوط النظام وهروب الرئيس المخلوع بشار الأسد إلى روسيا، تتويجا لمعركة ردع العدوان التي بدأت من ريف حلب الغربي وصولا إلى دمشق بعد 11 يوما من انطلاقها.
وجاء سقوط الأسد ونظامه في وقت كانت فيه العديد من الدول العربية قد انخرطت في مسار لتطبيع العلاقات معه، كما جاء تسلم هيئة تحرير الشام -التي قادت الإطاحة بالنظام- وزعيمها أحمد الشرع السلطة مؤقتا، ليثير التوجس لدى هذه الدول.
في اليوم الأول من سقوط النظام السوري، سارعت السعودية وقطر إلى التعبير عن اهتمامهما وترحيبهما بالوضع الجديد، وقالت وزارة الخارجية السعودية في بيان إن المملكة تعرب "عن ارتياحها للخطوات الإيجابية التي تم اتخاذها لتأمين سلامة الشعب السوري الشقيق وحقن الدماء والحفاظ على مؤسسات الدولة السورية ومقدراتها".
أما وزارة الخارجية القطرية، فقد أكدت في بيان "متابعة الدوحة باهتمام بالغ تطورات الأوضاع في سوريا"، وجددت موقف قطر الداعي لإنهاء الأزمة السورية، بحسب قرارات الشرعية الدولية وقرار مجلس الأمن 2254، بما يحقق مصالح الشعب السوري.
كما أصدر أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني قرارا بإنشاء جسر جوي لإرسال مساعدات لتقديم الدعم للشعب السوري، وقالت الخارجية القطرية إن القرار "يأتي في إطار موقف دولة قطر الداعم لسوريا ووقوفها باستمرار إلى جانب الشعب السوري الشقيق".
لقاء وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان (يمين) مع نظيره السوري أسعد الشيباني في الرياض (وكالة الأنباء السعودية) موقف موحّد في العقبةوبعد أيام من التغيير في سوريا، اتخذت الدول العربية موقفا موحدا إزاءه في اجتماعات العقبة بالأردن التي جمعت وزراء خارجية دول مجموعة الاتصال العربية، وهي الأردن والسعودية والعراق ولبنان ومصر، وأمين عام جامعة الدول العربية، وشارك فيها وزراء خارجية قطر والإمارات والبحرين، ودول إقليمية وغربية.
إعلانودعا البيان الختامي لاجتماعات العقبة -التي انعقدت في 14 ديسمبر/كانون الأول الماضي- إلى مساندة الشعب السوري واحترام خياراته، والبدء بعملية انتقال سياسي شاملة وفقا للقرار الدولي 2254، وتوسيع دور الأمم المتحدة للإشراف على عملية الانتقال.
وفُسر هذا الموقف من قبل معلقين على أنه دعوة لفرض وصاية دولية على سوريا، وعرقلة عمل السلطات الجديدة.
ولكن بعد ذلك بأيام، أظهرت بعض الدول العربية نوعا من الانفتاح الدبلوماسي على الإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع، وأجرت اتصالات رفيعة المستوى، فيما اختارت دول أخرى إجراء اتصالات أكثر حذرا، مقرونة بتصريحات تعبّر عن هواجس بشأن الوضع الجديد في سوريا، فيما تأخرت دول بعيدة عن المشهد السوري عن الاتصال لبعض الوقت.
اتصالات رفيعة
وفي مقدمة الدول العربية التي سارعت إلى إجراء اتصالات مع الإدارة السورية الجديدة جاءت قطر، التي كانت أول دولة تفتتح حملة الاتصالات الدبلوماسية المباشرة، تلتها السعودية التي كانت أول دولة تستقبل وفدا حكوميا سوريا إلى الخارج، والأردن التي أرسلت أول وزير خارجية عربي إلى دمشق، وتبعتها وفود رفيعة المستوى من البحرين والكويت وليبيا.
قطرفقد استقبلت دمشق وزير الدولة بوزارة الخارجية القطرية محمد الخليفي في 23 ديسمبر/كانون الأول على رأس وفد في زيارة حملت دلالات رمزية، حيث وصل على متن أول طائرة تابعة للخطوط القطرية تهبط في مطار سوري بعد سقوط الأسد وبعد توقف دام 13 عاما. وخلال الزيارة، أعادت الدوحة فتح سفارتها في دمشق لأول مرة بعد إغلاقها في 2011.
وفي 5 يناير/كانون الثاني الجاري، استضافت الدوحة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، في أول محطة له ضمن جولة إقليمية شملت الإمارات والأردن.
كما وصل رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، يوم الخميس الماضي، إلى دمشق في زيارة "تأتي تأكيدا على موقف دولة قطر الثابت في دعم الأشقاء في سوريا"، وفقا للمتحدث باسم الخارجية القطرية.
إعلان السعوديةوفضلت السعودية البدء باتصالاتها الدبلوماسية مع القيادة السورية الجديدة عبر وفد برئاسة مستشار في الديوان الملكي، دون الإفصاح عن اسمه، حيث زار دمشق في 23 ديسمبر/كانون الأول والتقى الشرع.
واستجابة لدعوة رسمية من المملكة، أجرى الشيباني في 3 يناير/كانون الثاني الجاري زيارة على رأس وفد حكومي رفيع، ضم وزير الدفاع ورئيس جهاز الاستخبارات إلى السعودية، في أول زيارة خارجية لوفد حكومي سوري منذ سقوط الأسد.
والتقى أعضاء الوفد السوري بنظرائهم السعوديين، في تحرك رأى فيه مراقبون رغبة متبادلة في التقارب والانفتاح بين الطرفين.
مؤتمر صحفي للشيباني (يسار) والصفدي في عمّان (الجزيرة) الأردنوزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي بدوره يعد أول وزير خارجية عربي يزور دمشق منذ سقوط الأسد.
وعبّر الصفدي خلال زيارته في 23 ديسمبر/كانون الأول عن دعم بلاده للشعب السوري في المرحلة الانتقالية، ليصل إلى مرحلة مستقبلية يكون فيها نظاما سياسيا جديدا يبنيه السوريون، ويحمي حقوق كل السوريين. وقال الوزير الأردني إنه اتفق مع أحمد الشرع على التعاون في مكافحة تهريب المخدرات والأسلحة من سوريا إلى الأردن.
الكويتوفي 25 ديسمبر/كانون الأول الماضي، تلقى وزير الخارجية السوري الجديد اتصالا هاتفيا من نظيره الكويتي عبد الله علي اليحيا، مؤكدا دعم بلاده للخطوات التي اتخذتها حكومة دمشق الجديدة، بحسب وكالة الأنباء السورية (سانا). وأبدى اليحيا استعداد الكويت للتعاون بما يخدم مصالح البلدين، ويصب في استقرار سوريا.
وأجرى الوزير الكويتي رفقة الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم محمد البديوي، في 30 ديسمبر/كانون الأول، زيارة لدمشق، حيث التقيا بقائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني ورئيس جهاز الاستخبارات أنس خطاب.
إعلان ليبياولم تكن ليبيا بمعزل عن الحراك الدبلوماسي العربي تجاه دمشق، حيث تلقّى وزير الخارجية السوري اتصالا هاتفيا في 25 ديسمبر/كانون الأول من وزير الدولة للاتصال والشؤون السياسية الليبي وليد اللافي، نقل الأخير خلالها رسالة من رئيس حكومة الوحدة الوطنية، أكد فيها "موقف ليبيا الثابت" في دعم الشعب السوري والحكومة السورية الجديدة.
وأكد اللافي أهمية التنسيق المشترك في القضايا الإقليمية والتحولات الراهنة بما يخدم المصالح المشتركة ويسهم في تحقيق الاستقرار في المنطقة. وفي 28 من الشهر ذاته، زار اللافي على رأس وفد ليبي رفيع دمشق والتقى قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع.
البحرينوكان ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، سباقا إلى إرسال رسالة موجهة بشكل مباشر لقائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع عبر سفارة المنامة في دمشق يوم 13 ديسمبر/كانون الأول، أعلن فيها استعداده للتشاور وتقديم الدعم لسوريا، فيما تدرّجت المنامة في خطوات الاتصال الدبلوماسي مع الإدارة الجديدة.
ففي 25 من الشهر نفسه، تلقى الشيباني اتصالا هاتفيا من نظيره البحريني عبد اللطيف الزياني الذي أثنى على خطوات القيادة السورية الجديدة، بحسب "سانا". وزار وفد رفيع المستوى برئاسة رئيس جهاز الأمن الإستراتيجي الشيخ أحمد بن عبد العزيز آل خليفة دمشق في 28 ديسمبر/كانون الأول.
وفي زيارة أخرى، استقبل أحمد الشرع ووزير الخارجية الشيباني في 8 يناير/كانون الثاني الجاري وفدا من البحرين برئاسة عبد اللطيف الزياني.
اتصالات حذرة
في المقابل، لم تُخفِ بعض الدول العربية مخاوفها بشأن الوضع الجديد في سوريا، وهي مصر والعراق والإمارات ولبنان، وإن كان لكل منها مخاوفها الخاصة.
وفي حين استمرت بعض هذه الدول، مثل مصر والعراق في المحافظة على مسافة من الإدارة السورية الجديدة رغم الاتصالات المباشرة، بادر البعض الآخر، مثل الإمارات ولبنان في إبداء المزيد من الانفتاح على الوضع السوري الجديد.
إعلان الإماراتفي أول تعليق للإمارات على سقوط الأسد، قال المستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي أنور قرقاش -بالتزامن مع فرار الأسد إلى روسيا- إن سوريا ليست في مأمن بعد، وإن وجود التشدد والإرهاب لا يزال مصدرا أساسيا للقلق.
وفي اليوم التالي، دعت الإمارات، في بيان لوزارة الخارجية، الأطراف السورية إلى تغليب الحكمة للخروج بما يلبي طموحات السوريين بكافة أطيافهم، وشددت على ضرورة حماية الدولة الوطنية السورية بكافة مؤسساتها، وعدم الانزلاق نحو الفوضى.
وبالتزامن مع وصول وفود عربية إلى دمشق في 23 ديسمبر/كانون الأول الماضي، أجرى وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان اتصالا هاتفيا بنظيره السوري، ناقشا خلاله "تعزيز العلاقات الأخوية الوطيدة بين البلدين والشعبين الشقيقين"، بحسب وكالة الأنباء الإماراتية (وام). وفي محطته الثانية بجولته الإقليمية، زار الشيباني أبو ظبي والتقى نظيره الإماراتي.
مصروفي أول اتصال مباشر بين الجانبين، تلقى وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني اتصالا من نظيره المصري بدر عبد العاطي في 31 ديسمبر/كانون الأول، أكد الأخير خلاله وقوف مصر بشكل كامل مع الشعب السوري ودعم تطلعاته المشروعة، داعيا كافة الأطراف السورية إلى إعلاء المصلحة الوطنية.
وشدد المتحدث الرسمي باسم الخارجية المصرية أن الوزير عبد العاطي أكد كذلك على أهمية أن تتبنى العملية السياسية مقاربة شاملة وجامعة لكافة القوى الوطنية السورية، تعكس التنوع المجتمعي والديني والطائفي والعرقي داخل سوريا.
ولم ترسل مصر حتى الآن وفدا دبلوماسيا للقاء الإدارة السورية الجديدة، كما لم تستقبل وفدا سوريا في المقابل.
العراقفي تعليقها الأول على التغيير في سوريا، شددت حكومة بغداد على "ضرورة احترام الإرادة الحرّة" للسوريين، والحفاظ على وحدة أراضي سوريا. وذكر رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أن "ثمة حالة من القلق من طبيعة الوضع في الداخل السوري"، داعيا السلطات الجديدة إلى أن "تعطي ضمانات ومؤشرات إيجابية حول إعدادها عملية سياسية لا تقصي أحدا".
وأوفد السوداني في 26 ديسمبر/كانون الأول رئيس جهاز المخابرات حميد الشطري على رأس وفد إلى دمشق، ونقلت وكالة الأنباء العراقية الرسمية عن "مصدر رفيع" في بغداد، أن الإدارة السورية أبدت تفهما لمطالب العراق ومخاوفه.
وأجرى وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين اتصالا هاتفيا مع الشيباني، أكد خلاله أن "استقرار وأمن البلدين مترابطان"، وأعرب عن تقديره لجهود الجانب السوري في حماية البعثة العراقية.
إعلان
لبنان
بعد سقوط النظام السوري، عرف لبنان مرحلتين من التعامل مع الوضع الجديد في سوريا، فبينما ظلت الحكومة اللبنانية بمنأى عن الاتصال بالإدارة السورية الجديدة، بادر الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط على رأس وفد من الحزب التقدمي الاشتراكي إلى زيارة دمشق وعقد لقاء مع الشرع في 22 ديسمبر/كانون الأول.
وبعد يومين، أجرى وزير الخارجية اللبناني عبد الله بوحبيب اتصالا هاتفيا بنظيره السوري، أكد خلاله وقوف بيروت مع الحكومة السورية الجديدة، واتفق الجانبان على تكثيف الجهود لتعزيز استقرار المنطقة.
وفي 11 يناير/كانون الثاني الجاري، استقبل قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني رئيس مجلس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي بعد أيام من اتصال هاتفي بين الشرع وميقاتي، إثر إشكال حدودي.
ورغم الاتصالات المباشرة الرفيعة بين الجانبين، ظل الترقب والقلق سيد الموقف لدى بعض مكونات الحكومة اللبنانية القريبة من حزب الله، ومع انتخاب البرلمان اللبناني لقائد الجيش جوزيف عون رئيسا للجمهورية، بعد فراغ دام أكثر من عامين، اكتسبت العلاقات السورية اللبنانية زخما، مع تحول حزب الله وحلفائه إلى صفوف المعارضة، وتكليف عون لنواف سلام المقرب من آل الحريري بتشكيل حكومة جديدة.
واعتبر عون في خطاب القسم عقب أدائه اليمين الدستورية في 9 يناير/كانون الثاني أن ثمة "فرصة تاريخية لبدء حوار جدي وندي مع الدولة السورية لمعالجة كافة المسائل العالقة معها". وفي اليوم التالي، هنأ قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع عون في اتصال هاتفي.
اتصالات متأخرة
وبحلول نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي وبداية يناير/كانون الثاني الجاري، أجرى وزراء خارجية كل من سلطة عمان واليمن والسودان والمغرب اتصالات هاتفية هي الأولى من نوعها لبلادهم بوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني.
إعلانوأكد وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، في اتصاله، دعم بلاده للشعب السوري وتأييده لسيادة سوريا ووحدة أراضيها، مشددا على "القواسم المشتركة بين البلدين وضرورة تعزيز العلاقات الدبلوماسية بما يخدم مصالح الدولتين".
من جهته، أكد وزير الخارجية اليمني شايع الزنداني "موقف القيادة السياسية والحكومة اليمنية إلى جانب الأشقاء في سوريا"، مشيرا إلى "وقوف الحكومة اليمنية إلى جانب الحكومة السورية الجديدة، وتهانيها للشعب السوري بمناسبة انتصاره".
وبارك وزير الخارجية السوداني علي يوسف الشريف للشعب السوري انتصاره، مؤكدا "دعم السودان للشعب السوري الشقيق بما يحقق الأمن والاستقرار والسلم"، وأكد على "توسيع العلاقات بين البلدين وزيادة التعاون".
كما أكد وزير الخارجية العُماني بدر بن حمد البوسعيدي، في اتصال هاتفي مع نظيره السوري، موقف بلاده "الثابت والداعم لاحترام إرادة الشعب السوري"، مؤكدا عمق "الروابط والعلاقات التاريخية المتينة بين الشعبين العُماني والسوري".
وأتبعت عُمان الاتصال بزيارة لوفد يرأسه الشيخ عبد العزيز الهنائي المبعوث الخاص لسلطان سلطنة عمان إلى دمشق في 11 يناير/كانون الثاني الجاري.
ولم ترد أخبار عن إجراء أي من الجزائر أو تونس أو موريتانيا أيَّ اتصال بالإدارة السورية الجديدة.