تعليق على رؤية الدعم السريع للحل الشامل
تاريخ النشر: 28th, August 2023 GMT
تعليق على رؤية الدعم السريع للحل الشامل
*السؤال (المركب من سؤالين) الذي نناقشه:*
*هل الدعم السريع مؤهل لتقديم أي رؤية؟.*
*هل قحت المركزي مؤهلة لتحتكر تمثيل المجتمع المدني؟*.
وتاتى الإجابة عبر التركيز على تناول عدة نقاط على النحو التالي:
???? *أولا:ارتكب الدعم السريع جرائم موثقة قل وجود مثيل لها على مدى التاريخ الحديث:*
1/ القتل، التمثيل بالجثث، طرد المواطنيين من منازلهم، احتلال المنازل واحتلال المستشفيات والمرافق الخدمية والأحياء السكنية وتحويلها الى ثكنات عسكرية ومنصات انطلاق عسكرية، حرق أكثر من 9 اسواق في العاصمة، الهجوم على أكثر من 45 بعثة ديبلوماسية، سرقة أكثر من 63 بنك وفرع بنك، إختطاف النساء من العاصمة وتنقلهن الى دارفور لاغتصابهن وتعذيبهن، نشرهم فيديوهات اغتصابهم للنساء، إطلاق سراح أكثر من 10 ألف سجين من عتاة المجرمين في جرائم القتل والمخدرات واغتصاب الأطفال، إختطاف المواطنيين والقيادات السياسية والعسكرية والمجتمعية، قتل والي ولاية غرب دارفور والتمثيل بجثته، اختطاف عدد كبير من النساء وما زلن تحت التعذيب والاغتصاب… الخ.
2/ تمت إدانة هذه الجرائم عالميا وتحميل الدعم السريع المسؤولية عليها، بواسطة كل من الحكومة الأمريكية، الحكومة البريطانية، بعثة الامم المتحدة في السودان، الاتحاد الاوروبي، مجلس حقوق الانسان في جينيف، منظمات حقوق الطفل، منظمة هيومان رايت ووتش، منظمة أطباء بلا حدود، منظمة أطباء حول العالم … الخ.
3/ تمت إدانة هذه الجرائم داخليا، وتحميل الدعم السريع المسؤولية عليها بواسطة الاحزاب السودانية(الحزب الشيوعي، الحزب الاتحادي الأصل، الحزب الاتحادي الديمقراطي، حزب الأمة بقيادة السيد مبارك الفاضل) وغيرها من عشرات الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني.
4/ شهادة ملايين الضحايا السودانيين ضد الدعم السريع عن الجرائم التي ارتكبها في حقهم.
5/ لكل تلك النقاط، فان الدعم السريع عبارة عن منظمة إرهابية، يتم الاعداد لملفات كل هذه الجرائم وتقديمها الى محكمة الجنايات الدولية والمحاكم السودانية.
???? *ثانيا:الدعم السريع هو من بدأ شن الحرب في الخرطوم:*
1/ شهادة فولكر بيرتس ممثل الأمين العام للأمم المتحدة خلال لقاءه مع مجلة ديرشبيغل الألمانية بتاريخ 4 أغسطس 2023، التي أثبت فيها ان الدعم السريع هو من بدأ الحرب.
2/ شهادة القيادات السياسية ورؤساء الأحزاب ورؤساء الحركات المسلحة الذين كانوا يقودون الوساطات بين قيادة الجيش وقيادة الدعم السريع(الذين أثبتوا أن عبدالرحيم دقلو، قبيل اندلاع الحرب بسويعات، كان قد اوصد الباب في وجه وساطتهم وصرح لهم أنه سيتم وضع الكلابيش في يد البرهان ومعاونيه).
3/ قرائن الأحوال المثبتة، والتي حدثت قبيل اندلاع الحرب(تحركات آلاف الجنود والاف عربات الدعم السريع الى مطار مروي، مطار الخرطوم، المدينة الرياضية، القيادة العامة للجيش … الخ. وغير ذلك من ترتيبات الاستعداد للحرب، زيادة عدد الجنود من 20 ألف الى 120 الف، و استيراد الأسلحة مثل الطائرات المسيرة ومضادات الطائرات وغيرها).
فالدعم السريع هو الذى بدأ الحرب واشعلها ويتحمل المسؤولية كاملة عنها وعن نتائجها.
???? *رابعا: الشراكة السياسية بين قحت المركزي والدعم السريع:*
1/ أوضح حميدتي في أول اتصال له بعد الحرب، مع قناة الحدث، بأنه شن الحرب لثلاثة أهداف وهي قتل البرهان، تطبيق الاتفاق الإطاري، تسليم السلطة لقحت المركزي. كما أوضح نصا: (أن الاتفاق الإطاري هو سبب هذه الحرب. وأنه ليس وحده وانما تقف معه وتدعمه قحت المركزي).
2/ في لقاءه مع مجلة ديرشبيغل الألمانية بتاريخ 4 أغسطس 2023 كال ممثل الأمين العام للأمم المتحدة فولكر بيرتس، الاتهامات للشركاء المحليين (قحت المركزي) والدوليين (الرباعية والثلاثية والثنائية)، وذكر انهم لم يستطيعوا تقدير الموقف قبل اندلاع الحرب تقديرا صحيحا، ولو قدروه لكان في امكانهم منع اندلاع الحرب لذا فانهم يتحملون جزء من المسؤولية.
3/ ذكر خالد سلك أن مشكلة الدمج كانت المعضلة الرئيسية. اقترح الجيش أن تتم في فترة قصيرة وتحت الضغط وافق أن تكون سنتين ويخضع خلالها الدعم السريع تحت سلطة القائد العام للقوات المسلحة. اقترح الدعم السريع 22 سنة. بينما اقترحت قحت 10 سنين ويكون الدعم السريع غير خاضع لسلطة القائد العام للقوات المسلحة. من هذا المقترح يثبت بوضوح انحياز قحت المركزي لرؤية الدعم السريع للدمج وهي عبارة قنبلة موقوته تتحمل قحت المركزي المسؤولية عن انفجارها في يوم 15 أبريل.
4/ بعد اندلاع الحرب، لم تستطع قحت المركزي إدانة الدعم السريع عن كل الجرائم التي ارتكبها(بل طالبت بالحفاظ عليه واشراكه في العملية السياسية وبعد أن جمع بينهما تحالف الوثيقة الدستورية الاولى والمعدلة، ثم تحالف الاتفاق الإطاري، الان يجتمعان معا في أديس أبابا ويتبنى كل منهما رؤية الاخر، ويطرحانها للرأي العام وفي الإعلام بذات البنود والحلول والمقترحات).
5/ الدعم السريع في جوهره هو قوة عسكرية، كان تابع للقوات المسلحة، وهو ليس بحزب سياسي، ولا حركة عسكرية مناطقية، بل وحتى الحل النهائي المقترح منه يوصي بدمجه في القوات المسلحة. إذا بهذه الصفات فان الدعم السريع ليس مؤهلاً لتقديم اي برامج سياسي. ولكن الثابت الصحيح هو أن قحت هي الجهة الوحيدة التي أدخلته في عالم السياسة وهي من كونت معه الشراكات السياسية وهي الان تريد أن توظف بندقيته العسكرية كرافعة تقدم رؤيتها السياسية من خلالها.
???? *خامسا:بنود الرؤية السياسية المشتركة بين قحت المركزي والدعم السريع:*
1/ القفز فوق جرائم الدعم السريع وعدم تحميله المسؤولية عنها.
2/ ادماج الدعم السريع في الحياة السياسية والعسكرية التي تحدد مستقبل السودان.
3/ القفز فوق تجربة قحت المركزي في الحكم خلال الفترة السابقة منذ العام 2019 وماصاحبها من فشل سياسي واقتصادي وأمني شامل وعمالة كاملة واستغلال للنيابة وتغييب متعمد للمحكمة الدستورية .. الخ. من بعد كل ذلك منحها فرصة أخرى للحكم دون أي تفويض انتخابي.
4/ اعتبار قحت المركزي هي الممثل الرئيسي للمجتمع المدني السوداني.
5/ بناء سودان جديد وفق رؤية قحت المركزي. كما قال نصا : (نحن وحدنا من نهندس العملية السياسية ونحدد للأطراف الأخرى الأدوار التي تقوم بها والزمن المناسب).
6/ التضليل الإعلامي والتسطيح الشعبي وسرقة المصطلحات وافراغها من مضمونها واستخدامها وفق رؤية قحت الأحادية وتنفيذها بانتقائية.
7/ تجاوز مهام الفترة الانتقالية وإستغلالها لمعالجة قضايا ذات طبيعة غير انتقالية.
8/ عزل حزب المؤتمر الوطني والحركة الاسلامية وواجهاتهما عن الحياة السياسية والمجتمعية، وتفكيكهما ومصادرة ممتلكاتهما وطرد عضويتهما من المؤسسات العامة والخاصة وتكوين لجنة وقانون ومحاكم خاصة لهذا الغرض.
???? *سادسا: الدمج و الإقصاء:*
من اللافت جدا في رؤية قحت المركزي والدعم السريع المشتركة هو دمج الدعم السريع في القوات المسلحة وفي الحياة السياسية، رغم جرائمه التي مايزال يرتكبها، مقابل عزل قادة التيار الإسلامي العريض بحجة الجرائم والفساد، رغم أن المحكمة العليا قد قالت حكمها في كل القضايا المرفوعة ضد قياداته، وهو حكم نهائي وفق قانون التفكيك نفسه. اذاً ماهو معيار العزل؟ هل هو ارتكاب الجرائم؟ وهل هنالك في التاريخ البشري كله جرائم أكثر بشاعة واكثر عددا من التي مايزال يرتكبها الدعم السريع؟ هل معيار العزل السياسي هو الغضب الشعبي وكراهية الجماهير للفئة المعزولة؟ ألم تطرد الجماهير كل قيادات قحت المركزي من محطة 7 و باشدار والشهداء امدرمان؟ ومن بيوت العزاء؟و من المساجد؟.
الم تطوق الجماهير اجتماع قاعة الصداقة؟ واجتماع مجلس الوزراء وتقصفه بالحجارة؟
الم تحصب الجماهير قيادات قحت في عطبرة وفي ولايات دارفور؟
الم تجبن قحت المركزي عن اقامة اي مخاطبة جماهيرية خلال السنتين الأخيرتين؟
الم يغلق خالد سلك في وجه الجماهير حتى صلاحية كتابة التعليقات والردود على منشوراته في وسائل التواصل الاجتماعي؟ بالمقابل فان التيار الإسلامي العريض ظل يقيم مناشطه الجماهيرية وزياراته ومؤتمراته ومختطباته واستنفاراته الولائية، بانتظام وحيوية وقبول شعبي واسع(كما تفعل بعض القوى السياسية) عدا قحت المركزي التي ظلت معزولة ومطرودة شعبيا عزلا تاما، طيلة السنتين الأخيرتين.
???? *سابعا:وجهة نظر الشعب السوداني في الرؤية المشتركة لكل من قحت المركزي والدعم السريع:*
هذه الرؤية هي استمرار لنفس ما جاء في الوثيقة الدستورية وفي الاتفاق الإطاري. هي نفسها الرؤية قبل اندلاع الحرب والتي أدت في النهاية الى اندلاعها.
هذه الرؤية مرفوضة من قبل كل من: حزب الأمة بقيادة السيد مبارك المهدي، الحزب الاتحادي الأصل بقيادة مولانا محمد عثمان المرغني، الحزب الاتحادي الديمقراطي بقيادة د. إشراقة سيد، الحزب البعث بقيادة محمد وداعة الله، تجمعات سياسية وأحزاب أخرى وحركات مسلحة على راسها بروف التيجاني السيسي، د. فرح عقار، اركو مناوي، د. جبريل ابراهيم، د. مهندس ابراهيم مادبو، د. محمد جلال هاشم … الخ. كما وتقف ضدها شخصيات قومية على رأسها د. الوليد مادبو، عبدالعزيز بركة ساكن، بروف عبدالله علي ابراهيم، د. أمجد فريد، سندريلا فاروق كدودة، وكثير من الصحفيين المعروفين( د. مزمل ابوالقاسم ، محمد محمد خير، عادل الباز… الخ).
???? *سابعا: الإدعاء والسرقة السياسية:*
ليس من الحكمة أن تغمض قحت المركزي عينيها عن الحقيقة وتستمر في نفس سياسة الإدعاء والتضليل الذاتي وتتوهم بأنها الممثل الرئيسي للمجتمع المدني السوداني. لن تفلح محاولاتها في سرقة صوت المجتمع المدني كما فشلت حين سرقة ثورة ديسمبر فافشلتها. ان الفشل المتراكم لقحت المركزي واصرارها العنيد بالاستمرار في ادعاءاتها هي هدية كبيرة تقدمها قحت المركزي الى حزب المؤتمر الوطني وهو وحده المستفيد منها سياسيا ومعنويا.
رغم الخسائر الفادحة والجرائم الفظيعة التي تقع على رؤس الشعب السوداني بسبب تقديرات قحت المركزي الخاطئة حسب شهادة فولكر بيرتس.
???? *خاتمة*
ان كانت قحت المركزي صادقة في سعيها لحل الاشكالات السودانية، فعليها اولا ان تتواضع، ولا تتحدث عن الاقصاء، ولا عن احتكار تحديد الاجندة والفئات التي ستسمح لها او تمنعها في المشاركة. وعليها ان تترك هذا المجهود لجهات أخرى اكثر مصداقية ومقبولية وحيادية وجدارة. لقد مرت خمسة سنوات من عمر الفترة الانتقالية ويجب أن تتوجه القوى السياسية الى الجماهير لتحديد من يمثلها عبر صناديق الانتخابات لا عبر القاعات المظلمة لعقد الصفقات المشبوهة.
بقلم د. محمد عثمان عوض الله
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الاتفاق الإطاری اندلاع الحرب الدعم السریع أکثر من من الم
إقرأ أيضاً:
عودة النازية وسياسات الترويع والتدمير
رغم مرارة الحرب الكارثية المدمرة إلا أنها كشفت الكثير من الحقائق، وهي ليست مواجهة عسكرية وحسب، بل لم نشهد مواجهة حقيقية بين طرفيها، المتفقان في هدفهما وهو المواطنين العزل، وثوار ديسمبر علهم يأمنون غضبتهم والشوارع التي لا تخون. لذا دفع الثمن الملايين من أبناء وبنات شعبنا خاصة الفقراء.
والحرب ذات أبعاد مترابطة، ومعقدة منها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية. في تقديري إنها من حروب ما بعد الحرب العالمية الثانية؛ التي استمدت الكثير من مرتكزات الحرب النازية وأيدلوجية النازية تفوق الجنس الآري، وتحقيق الهيمنة على الأعراق والأديان والقوى المناوئة للنازية وذلك عبر تحطيمهم ماديًا ومعنويًا، وإباحة كل فعل لتحقيق هذا الهدف، حتى الإبادة الجماعية وهنا تنتفي كل المعايير الإنسانية، الأخلاقية منها والموضوعية.
هل ثمة مبرر لهذه الوحشية والبربرية التي لا تألفها النفس السوية؟. فوسائط التواصل تعرض بشاعة أفعال طرفي الحرب، من قطع للرؤوس وبقر للبطون وتلاعب بأحشاء القتلى، بالإضافة للقتل العشوائي والقصف بالبراميل المتفجرة والأسلحة المحرمة دوليًا! وتعذيب المختطفين والمعتقلين لدرجة استحالوا هياكل عظمية، ومات الآلاف تعذيبًا وجوعًا وحرمانًا من العلاج وأصيب الكثيرون بالذهول.
بالإضافة للاغتصاب الوحشي والتفاخر به، وشنق المواطنين في الميادين العامة وترويع الأطفال حتى جحظت أعينهم لما يرونه من أهوال.
هذا وغيره لا يمكن تبريره بأنه تفلتات فردية؛ لأشخاص كما يدعون، وإنما أفعال مدروسة ومصممة وفق أسس الحرب النازية. وهي وسائل استخدمها الكثيرون من مجرمي الحروب كنتنياهو وصدام حسين وبشار الأسد لقهر شعوبهم، ولكنهم يتهربون حين يحاصرون.
الإسلام السياسي في السودان له إرث طويل في هذه الأساليب، مثل إعلانهم الجهاد في الجنوب بعد انقلابهم في 1989 فأبادوا الملايين وعصفوا بوحدة السودان، وحربهم بجبال النوبة في التسعينات بقيادة الحسيني والي كردفان حينها، وحرب الأرض المحروقة والإبادة الجماعية في دارفور وقامت بها نفس الأطراف الشريكة في الحرب اليوم. ولا زالت الحركة الإسلامية تفرخ المليشيات مسخرة لها إمكانيات الدولة، ويصدر بعضها إلى خارج الحدود.
وصف الألماني سيبيرج (Seeberg) الحرب بأنها "لا تثبت تفوق القوة الجسدية فحسب، بل تثبت تفوق القوة الأخلاقية والثقافية، وأن الحرب هي الحكم الأكبر في تاريخ العالم فالبعض يصعد والآخر ينحدر". فالأنظمة الاستبدادية والشمولية تلجأ للعنف والحرب والبطش بشعوبها للاستمرار في السلطة أمام عجزها عن نيل تأييدهم ورضاهم
فنظام الإنقاذ ليستمر في الحكم لمدة ثلاثين عامًا استعان بالقمع والعنف بما فيها الحروب المتتالية، لإدراكهم للفجوة الكبيرة والمتزايدة بينهم والشعب وأن مصالحهما على طرفي نقيض. وحرب 15 أبريل هي تصاعد واستمرار لما سبقها من عنف وحروب راهنوا عليها للاستمرار في الحكم، تمامًا كما فعل هتلر وصدام ونتنياهو والأسد، وكما يفعل الآن البرهان وزمرته، في امتداد لتاريخ طويل في محاولات الإفلات من الجرائم التي ارتكبوها في حق شعبهم مستعينين بالحصانات المطلقة والقوانين الداعمة لارتكاب هذه الجرائم وإطلاق سراح من حوكم منهم أمثال قتلة الشهيد أحمد الخير.
التبريرات "التافهة" للوحشية
كما استندوا على الأجهزة الإعلامية التي تشن الحرب النفسية على عدوهم الشعب/ المواطنين العزل بغرض الترهيب والترويع وتشريع العنف والتضليل والكذب والمراوغة وكل ما هو ممكن لاستمرارهم في السلطة، تمامًا مثل جوزيف جوبلز أحد أساطير الحرب النفسية، وصانع أسطورة هتلر. ومعروف أنه صاحب مقولة "أكذب، أكذب حتى يصدقك الناس"، وقد أكد أن هدفه هو بث الخوف والرعب لتحطيم الخصوم إعلاميًا ولترسيخ أيدلوجية الدولة النازية. وقد اتبعت نهجه كل تنظيمات الإسلام السياسي الإرهابية، مثل القاعدة وداعش وجيش النصرة وكتائب البراء... الخ، وخلق التبريرات والفتاوى اللازمة لإضفاء صفة القداسة والقبول على أفعالهم وأقوالهم في مواجهة موجات الغضب والاستنكار والرفض الواسع الذى يخلق الإحتقان الاجتماعى ومزيد من العنف المضاد، ويكشف طبيعتها الإرهابية للعالم الخارجي الذى تسعى لكسبه وتحرج القوى الداعمة لها أمام العالم أجمع. إعلام القتلة في هذه الحرب يعكس خوفهم ويكمل جرائمهم المادية، ودوره في إدارة الحرب النفسية لكسر أعدائهم (الشعب) ومحو ثورة ديسمبر من قلوبهم وعقولهم إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
يصورون ضحايا الحرب وكل رافضيها، كمجرمين وكفار ومتعاونين وعملاء. ويشبهونهم بالحشرات والثعابين حتى يتم استبعادهم من دائرة الأخلاق والبشر، وبأنهم خطر على المجتمع ومهددون لأمنه وسلامته لا بد من التخلص منهم وتجوز إبادتهم (عبد الحي يوسف مفتي السلطان).
وتصوير مرتكبي جرائم الحرب خاصة الذبح وقطع الرؤوس وبقر البطون بأنهم أبطال تتم ترقيتهم ومكافأتهم وتمجيدهم لتوسيع استخدام هذه الأساليب والدعوة للتفوق في الوحشية كما تفعل كتائب البراء وما يتبعها، بالتكبير والتهليل والتفاخر. فهذا يخدم محاولات التطبيع والتعود على هذه الجرائم من قبل جنودهم ومؤيديهم بل وتصويرها بأنها بطولة مقدسة وجهاد يجب دعمه.
ليس غريبًا توثيق هذه الجرائم الفظيعة بالتصوير وعرض هذا السلوك الوحشى من خلال أجهزة الإعلام والسوشيال ميديا، فقد ظنوا أنها كافية لتطويع إرادة الشعب وإجبارهم على إخلاء مناطقهم بلا عودة وجعل الأحياء منهم في حالة خوف ورعب مستمر. ونسي هؤلاء الوحوش في غمرة هيجانهم أنهم بذلك يقدمون دلائل إدانتهم أمام العالم وأمام العدالة القادمة لا محالة؛ ويخلقون أعداءهم بالغبن، وبعضهم يعد العدة للثأر والانتقام. وبكل هذا يزيدون عزلتهم عن الشعب.
خطاب الصلف والغطرسة من القادة الإسلاميون لقواعدهم خاصة صغار الضباط والجنود والمستنفرين، والكذب والادعاء بما هو فوق قدرتهم؛ وأحيانًا باستخفاف واستهتار بعقول سامعيهم، ما هو في جوهره إلا تهديد ووعيد، فتعابير "لحس الكوع" و"أكسح- أمسح- قشو"؛ إلى "الحرب دي بتنتهي في 6 ساعات" و"مافي زول أرجل مننا"، والوعيد بإقصاء كل من لا يقف معهم في حربهم الدامية. كله مماثل لخطاب المستبد الآخر نتنياهو الذى يحلم بالقضاء على حماس والمقاومة الفلسطينية وإبعاد الفلسطينيين من وطنهم، مع أنه يعلم تمامًا بأنهم فشلوا في ذلك منذ العام 1948 وأن حلمه لن يتحقق، مثلما يعلم الإسلاميون أن جذور الشعب السوداني عميقة وممتدة، وأن جذوة ثورة ديسمبر ستظل متقدة.
من ناحية أخرى، إعلام الحرب المليشيوي يتبنى التضليل والتلفيق والمراوغة والسعي للانحطاط بالصراع السياسي والاجتماعي وصرف الأنظار عن الواقع، ومحاولة تسخير الثقافة والدين لمصلحتهم. هذه الأساليب البالية خبرها شعبنا طوال سنوات الإنقاذ المريرة.
كما سعى إعلام الحرب لإثارة الهلع الأخلاقي (moral panic) ، مثل محاولة تشويه اعتصام الثورة في القيادة بوصف الثائرات؛ وبل حتى المغتصبات؛ بالعاهرات، بدلًا من إدانة مرتكبي هذه الجرائم وسطهم، لكنهم يستلهمون حديث عرابهم الترابي عن "الغرباوية" الذي رواه عن "البشير". لقد كشفت هذه الحرب عن درجة العداء السافر للنساء والشابات خاصة لدورهن المشهود في ثورة ديسمبر فعملوا على استدعاء كل الأسلحة الذكورية النتنة المادية والثقافية والاجتماعية تمامًا مثل الأسلحة العسكرية لينكلوا بالنساء مثل ذلك الشاب الوضيع الذي خاطب "مريومة" جارته ببذاءة وتهديد لأنها في زعمه سقت الدعامة ماء، والاسترقاق والاستعباد الجنسي وأعمال السخرة وكلما يندى له الجبين خجلًا هي الرجولة التي يقصدونها خاصة مفصلي الفتاوى الذين يعتبرون النساء إماءً، وجزء من غنائم الحرب، وغيرها من المفاهيم الغابرة.
إن مرتكبى هذه الجرائم من جميع المليشيات الانقاذية قد خضعوا لتدريب منهجي ليستطيعوا القيام بهذه الأدوار. ليس تدريبًا عسكريًاً وحسب، بل وتدريب أيديولوجي (غسيل مخ) ونفسي يحولهم من الحالة الإنسانية إلى الحالة الوحشية حتى يتواءموا مع الأدوار المرسومة لهم.
قادة الإسلاميين أخرجوا من السجون ليواصلوا حربًا انتقامية من الشعب السودانى بعد أن تبدى خطل بقاء حكمهم إلى الأبد. وعرفوا جسارة الشعب السودانى المتمسك بثورته، وانكشفت حقيقة حقدهم وفسادهم وجبنهم وأحاطهم الرعب والهلع مما سيحيق بهم، وكشفت الحرب أيضًا نفوس قياداتهم السادية المفعمة بالحقد والخوف والهلع.
إن الآثار النفسية والاجتماعية العميقة لهذه الحرب لا تصيب الضحايا العزل فقط بل وتصيب القتلة ومرتكبي الجرائم الفظيعة بسبب ما فعلت أياديهم والخوف على أنفسهم من الانتقام والثأر، ولا شك أنها ستخلف ألاف من ذوي الاضطرابات النفسية وهذا أمر لا بد من التفكير فيه ومعالجته ضمن قضايا العدالة الانتقالية وإلا فستستمر دوامة العنف والحرب.
السلام لن يتحقق بوقف القتال فقط، العدالة وعدم الإفلات من العقاب هي الجسر للوصول للسلام. وإعادة الاعتبار الإنساني للضحايا والناجين من الحرب بالتأهيل النفسي والاجتماعي بمعناه الواسع ضرورة لاستعادة حياتهم.
وسيكون مصير قادة الحرب وتدمير الوطن مثل نيرون وهتلر وصدام والأسد والبشير.
ليلهم الخوف والكوابيس والخيانة،
ونحن قدامنا الصباح.