قبل فترة ذهبت في زيارة إلى تونس الجميلة ضمن وفد عماني يُمثّل الجمعية العمانية للكُتّاب والأدباء، للمشاركة في فعالية أدبية.
كانت مدة الزيارة خمسة أيام، ولكني قررت تمديد رحلتي إلى 11 يوما لأتعرف على تونس أكثر برفقة صديقتي الشاعرة شريفة بدري التي تربطني بها علاقة قوية منذ سنوات.
لن أتحدث عن الزيارة الرسمية التي امتلأت بالفعاليات، فقد اعتدت على الرفقة الطيبة في كل فعالية أشارك فيها، إذ يغدو الكل أخوة تجمعهم رابطة الوطن، وهذا ديدن كل عماني يمثل وطنه، ولا عن الكُتّاب التونسيين الذين أسعدونا بحضورهم الدائم لفعاليات الوفد العماني، كالشاعرة أماني الزعيبي والصحفي طارق امروي والكاتب رضا الكشتبان وغيرهم، فهذا من جميل خصالهم الذي عهدناه في كل محفل نلتقيهم به، ولكني سأتحدث عن رحلتي الأخرى، وعن الإنسان التونسي بالذات.


تقيم شريفة في سيدي بو زيد التي تبعد قرابة أربع ساعات عن العاصمة تونس، فقررت أن تاتي لاصطحابي، ولكني طلبت منها انتظاري في محطة الحافلات، وأوصلتني إلى هناك الصديقة الشاعرة فاطمة أحمدي وزوجها الصحفي عبد الرزاق بن علي، وقبل أن أسأل عن التذكرة كانت محجوزة من قبلهما، فركبت الحافلة الصغيرة، والتي يطلق عليها التونسيون اسم (اللواچ) وبقي السائق ينتظر الراكب الأخير ليكتمل العدد، فقرر الركاب تجميع قيمة التذكرة لينطلق ولا يتأخرون، وحين سألت عن مساهمتي رد الجميع باستنكار: لااااا. أنت ضيفتنا.
في الطريق تحدثت مع إحدى الراكبات، وعرفت أني ذاهبة لملاقاة صديقتي، وحين وصلنا كانت صديقتي لم تصل بعد، فأدهشتني تلك المرأة التي كان يستقبلها زوجها، ووالدها بعرض توصيلي، وحين اعتذرت بأني بانتظار صديقتي أصروا على الانتظار معي، ولكني كلمت صديقتي فأكدت لهم أنها في الطريق، ولن تستغرق إلا 5 دقائق للوصول، ورجوتهم ألا ينتظروا، فأخذت المرأة رقمي، وبعد 5 دقائق بالضبط اتصلت لتطمئن عليّ، وكنت حينها في سيارة صديقتي التي اعتذرت عن تأخرها بسبب خارج عن إرادتها لا مجال لذكره الآن.
ذهبت مع صديقتي إلى منزل عائلتها، لألتقي بأمها التي كنت أعرفها هاتفيًا من قبل، وهذه هي المرة الأولى التي ألتقيها حقيقة، لأجد احتفاء كبيرًا بي من العائلة، التي اعتبرتني واحدة منها، وما المقطع الذي عنونت به مقالي هذا:
وحدك وحدك في ها الزين
مثلك ما فماش اثنين
وحدك وحدك في ها الزين
بدرية يا نور العين
هذا المقطع جزء من أغنية تقليدية أضافت له أم صديقتي اسمي لتغني الأغنية لي، فرسمت عالما مدهشا لم أعتده، ولونت مسائي بفرحةٍ غامرة، وضحكات دافئة.
في سيدي بو زيد، كان التصحر يغزو الأراضي الزراعية، التي يعتمد عليها أهلها بزراعة الزيتون، واللوز، ولكن خَضار القلوب كان يقاوم الصحراء، فيجعلها جنة وارفة.
قضيت يومين كالحلم في منزل صديقتي، أصرت فيهما سلوى شقيقتها على طبخ كل الأكلات التونسية اللذيذة لتذيقني إياها، ولأنها طبّاخة ماهرة، استطاعت البقلاوة اللذيذة باللوز التي حملتها معي إلى عمان ترك أثرها على شفاه كل أفراد العائلة ليؤكدوا أن البقلاوة التونسية لا يُعلى عليها، فأرد عليهم ضاحكة هي بقلاوة سلوى.
بعدها ذهبنا أنا وشريفة في رحلة إلى القيروان، وتنفّست بها عبق التاريخ، ثم سوسة الحاضنة للبحر، والرحلات البحرية التي لا تتوقف، والمنستير والمارينا، وكنساء، لا بد من التوقف لزيارة المدينة العتيقة في كل مدينة نزورها، والتي يُقصد بها السوق التقليدية، والتي يمكن تسوق الملابس التونسية التقليدية، والقُفطان المغربي، والحلويات التونسية كالبقلاوة والمقروض وكعكة الورقة، والفواكه الطازجة كالفراولة التي لم أذق مثلها في كل حياتي، وودت لو أني أستطيع حمل كمية منها لأذيقها لعائلتي، ولكني خشيت من تلفها.
عدت بعد وداع صديقتي قبل رحلة عودتي بيوم، لأتمكن من الذهاب إلى المطار مبكرًا، وكما ودعتني الصديقة فاطمة أحمدي عند ذهابي إلى سيدي بو زيد، استقبلتني، لأتفاجأ باتصال الصديقة دارين جمعة، التي عرفت بوجودي في تونس متأخرا، وأصرت على استضافتي، فاضطررت لتقسيم يومي الأخير بينها وبين فاطمة.
أخذتني دارين في نزهة إلى البحيرة، وتغدينا معا، وحاولتْ كثيرا إقناعي بأن أقضي تلك الليلة في منزلها، إلا أن حجزي كان مؤكدًا، فلم أتمكن من تلبية دعوتها، وما إن ودّعتني دارين حتى استلمتني فاطمة التي تأسر قلوب العالَمين بلطفها العظيم، هي وكل أفراد عائلتها.
في اليوم التالي كانت فاطمة تودعني بدموعها في المطار، كما ودعتني شريفة بدموعها في سوسة، حين توادعنا؛ فعادت هي إلى سيدي بو زيد، وذهبت أنا إلى تونس العاصمة. ستة أيام، استوت فيها تونس على عرش قلبي بطيبة أهلها، ورغم جمال تونس الذي تمثّل في العديد من المناطق السياحية، والأثرية، كسيدي بو سعيد، وقرطاج في العاصمة، والتي ذهبت إليها برفقة الوفد العماني، والقيروان وسوسة والمنستير والبحيرة التي زرتها برفقة الصديقات، إلا أن الإنسان التونسي كان أجمل بكثير، وله أقول ما قالوه لي: (وحدك وحدك في ها الزين، مثلك ما فماش اثنين).

بدرية البدرية
كاتبة وشاعرة عمانية

المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

فيديو.. مصرع طفل واصابة اثنين اخرين بحادث مروع بكركوك

فيديو.. مصرع طفل واصابة اثنين اخرين بحادث مروع بكركوك

مقالات مشابهة

  • بحضور نجوم الفن.. المخرج ياسر عطية يحتفل بزفافه على الفنانة فاطمة عادل (صور)
  • شقيقة ميدو عادل تحتفل بزفافها على المخرج ياسر عطية
  • بحضور 7 أساقف.. كوبتك أورفانز تحتفي بخدام برنامج لست وحدك
  • شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الإعلام السوداني فاطمة كباشي تشعل مواقع التواصل بتقليدها حركة قائد الجيش البرهان
  • جامعة الدول العربية ترحب بالتفاهمات الليبية الأخيرة والتي أدت إلى حل أزمة مصرف ليبيا المركزي
  • فيديو.. مصرع طفل واصابة اثنين اخرين بحادث مروع بكركوك
  • الجامعة العربية: نرحب بالتفاهمات الليبية الأخيرة والتي أدت إلى حل أزمة المركزي
  • إنّه ليس ثأرك وحدك!
  • ما هو الفرق بين السيارات الكهربائية والهجينة والتي تعمل بالوقود الأحفوري؟
  • «عنده 8 أخوات».. كيف تحدث حسن نصر الله عن علاقته بعائلته؟