يوم الأربعاء قَبل الماضي جاءني زميلي الهندي، وعلى وجهه ابتسامة عريضة، سعيدًا متهللًا، لِيخبرَني بنجاح محاولة بلاده الهبوط على القمر، ويتأكَّد بالمرَّة من نشْرِ الخبر في الصفحة الأخيرة بالجريدة، وانتشر الاحتفال بهذا الإنجاز بَيْنَ الجالية الهنديَّة بجميع أطيافها وطبقاتها، من عامل النظافة حتى المدير التنفيذي، في مظاهرة وطنيَّة، تعكس التطوُّر الذي وصلت إليه الهند، ليس على مستوى العلوم والفضاء فحسب، وإنَّما على المستوى الاجتماعي.
من حقِّ الهنود أن يحتفلوا، ومن حقِّ رئيس وزرائهم أن يتيهَ فخرًا ويقولَ بملء فيه: الهند الآن على القمر، وإنَّنا وصلنا إلى حيث لَمْ تتمكَّن أيُّ دولة أخرى من الوصول إليه، فقَدْ جاء الهبوط بعد أيَّام قليلة من فشل مهمَّة المَرْكبة الروسيَّة لونا 25، التي فقدوا السيطرة عليها وتحطَّمت بعد اصطدامها بالقمر.
نجحت الهند في الهبوط على القمر، وخطَتْ مَرْكبتها الفضائيَّة خطواتها الأولى بالقرب من القطب الجنوبي للقمر، وهبطت مِنْها الكبسولة الفضائيَّة «فيكرام» وسارت على سطح القمر، لتنضمَّ الهند إلى نادي النُّخبة الذي يضمُّ الولايات المُتَّحدة والاتِّحاد السوفيتي السَّابق والصين.
لِتثبتَ الهند يومًا بعد يوم أنَّها قادرة على إتيان ما كان يعتقد البعض أنَّه مستحيل، وتقطع ألسنة السَّاخرين والمتنمِّرين، من عيِّنة « أنت فاكرني هندي»، بعدما وصلت القمر بأقلِّ التكاليف، حيث اتَّبعت منذ سبعينيَّات القرن الماضي سياسة تنمية مدفوعة بالاستثمار في العلوم الفضائيَّة، لدعم خدمات الاتِّصالات والتلفزة، وتسويق الهند كمنافس قوي في مجال العلوم والتكنولوجيا، وكانت أوَّل دولة في العالَم تضع مسبارًا فضائيًّا يَدُور حَوْلَ المريخ في العام 2014، بتكلفة 73 مليون دولار فقط، وأصبحت وكالة الفضاء الهنديَّة «إيسرو» قِبلة للزبائن الراغبين في الحصول على أعلى جودة وأفضل سعر، بعيدًا عن الاستعراض و»البروباجندا» الغربيَّة.
نجحت الهند في السنوات الأخيرة في تصدير فكرة ناعمة، تقول إنَّ لدَيْها أفضل الباحثين والمهندسين، لِتفتحَ الباب لاستثمارات أجنبيَّة ضخمة، ليس في مجال الفضاء فحسب، ولكن في كافَّة مجالات العلوم والتكنولوجيا.
الفضل فيما وصلت إليه الهند من تقدُّم يَعُودُ لاختيارها التعليم كأولويَّة، ففي العام 1960 قال زعيمها نهرو: إنَّ العِلْم وحده هو القادر على حلِّ مشكلات الجوع والفقر ونقص الخدمات والأُمِّيَّة والخرافة والعادات والتقاليد البالية. إنَّ المستقبل للعِلْمِ ولِمَن يتَّخذون العِلْم صاحبًا.
وهناك مادَّة في الدستور الهندي تدعو كُلَّ مواطن هندي إلى التعلُّم وتنمية فكره العِلمي، وبالإصرار على العِلْم استطاعت الهند رغم المليار وأربعمائة مليون نسمة في إيجاد الحلول لكثير من مشكلاتها، وظهر من بَيْنِهم عباقرة شباب صغار تجدهم اليوم على «اليوتيوب» يبسطون الكيمياء الكوانتية، والذَّكاء الاصطناعي وتحليل البيانات والفيزياء النوويَّة.
وللأسف يلجأ بعض الباحثين وطلاب جامعيين عرب، إلى طلبة هنود في المرحلة الثانويَّة ليشتروا مِنْهم أبحاثًا ومشاريع تخرُّج جاهزة في مجالات البرمجة والذَّكاء الاصطناعي، لِكسَلِهم وانشغالهم بتفاهات، تعطِّلهم عن البحث والاطلاع وإعمال العقل، والنتيجة تراجع مكانة الطبيب والمهندس والعالَم العربي في الخارج، وتبوُّؤ الهندي مكانة الصدارة، فاليوم هناك طبيب هندي من كُلِّ خمسة يعملون في مجال الرعاية الصحِّيَّة في المملكة المُتَّحدة، وعالِم هندي من كُلِّ ستة علماء يحملون الدكتوراه في العلوم أو الهندسة في الولايات المُتَّحدة، وثلث العاملين في وادي السيليكون بأميركا من أصلٍ هندي، ويشغل الهنود أرقى الوظائف في شركات التقنية، والمؤسَّسات العملاقة مِثل جوجل وميتا وأبل.
محمد عبد الصادق
Mohamed-abdelsadek64@hotmail.com
كاتب صحفي مصري
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
آخر تطورات الحالة المدارية في خليج البنغال.. عاجل
عواصم - الوكالات
يتوقع خبراء أرصاد تطور الحالة الجوية في منطقة جنوب خليج البنغال إلى منخفض جوي خلال اليومين المقبلين، ثم قد يتحول إلى عاصفة مدارية قبل أن يؤثر على الهند في أواخر الأسبوع المقبل، ومن المتوقع دخول الحالة المدارية إلى اليابسة بجنوب الهند.