جريدة الرؤية العمانية:
2025-03-10@13:35:57 GMT

قوانين الطبيعة بين الهدفية والسببية

تاريخ النشر: 28th, August 2023 GMT

قوانين الطبيعة بين الهدفية والسببية

 

أ. د. حيدر بن أحمد اللواتي **

في العصور السابقة عندما كان يتفشى مرض الطاعون في مُجتمع من المجتمعات، كان الإنسان يقتصر في مواجهته للمرض على استخدام وسائل معينة؛ كعزل المرضى وعدم الاختلاط بهم ثم يقف متفرجًا ومنتظرًا حتى يزول المرض، بينما رأينا مثلًا في زمن كورونا كيف استطاع العلم وفي فترة وجيزة أن يقدم حلولًا أنقذت البشرية.

ومن هنا فإن قوة علوم الطبيعة تظهر وبصورة واضحة في قدرتها على حل التحديات التي يواجهها الإنسان، ولا يقتصر الأمر على ذلك، فإن هذه العلوم تزيد من قدرة الإنسان على التنبؤ بالأحداث المستقبلية والاستعداد لها؛ فالإنسان الأول تمكن من معرفة الشروق والغروب وتمكن من معرفة الفصول الأربعة، وبناءً على هذه المعرفة قام بالتخطيط لزراعة المحاصيل المختلفة. واليوم ومع تطور العلوم، فلقد تمكن الإنسان من التنبؤ بحدوث العواصف، كما استطاع أن يتعرف على جنس الجنين وهو في بطن أمه؛ مما مهّد للأبوين التخطيط والتهيئة للمولود الجديد، فكيف استطاع الإنسان أن يتنبأ بالحوادث القادمة؟

إنَّ هذه القدرة إنما يتمكن الإنسان منها من خلال النظريات العلمية التي يضعها علماء الطبيعة، فهذه النظريات العلمية لا تفسر له الظاهرة الطبيعية فحسب؛ بل تمكن الإنسان من التنبؤ بالمستقبل. ولكن كيف يتوصل العلماء الى النظريات العلمية وكيف نحكم على نظرية ما بأنها نظرية علمية؟

عندما يرى العلماء ويرصدون ظاهرة طبيعية مُعينة، فإنهم يحاولون تفسير هذه الظاهرة، وفي بداية محاولاتهم التفسيرية يطرحون فرضًا مُعينًا أو عددًا من الفرضيات، ولكن من أهم ضوابط هذا الفرض أن يكون فرضًا قابلا للقياس والتجريب، فلا يعد الفرض علميًا إذا لم يكن بالإمكان إخضاعه للتجربة، كأن يفترض أن الجن أو السحر كانا وراء تلك الحادثة أو أن الله تعالى هو الذي سبب الحادثة. فبغض النظر عن صحة الفرض من عدمه، فنحن في علوم الطبيعة نقتصر على الفروض القابلة للتجريب، وبما أن هذه الفرضيات من عالم ما وراء الطبيعة؛ فهي خارجة عن نطاق علوم الطبيعة، وهذا لا يعني أن أنها فروض غير صحيحة أو غير منطقية، ولكن تقع ضمن نطاق علوم الفلسفة أو العلوم الدينية ولا تقع ضمن علوم الطبيعة بشكل مباشر.

ولكي تتحول الفرضية الى نظرية علمية لا بُد من أربع قيود أساسية؛ وهي: أن نستطيع من خلال الفرض أن نُفسِّر الظاهرة الطبيعية وألّا تتعارض مع الحقائق العلمية الأخرى، وأن يكون التفسير قائمًا على العلل المسببة للظاهرة وليس من خلال علل غائية. وأخيرًا أن يتنبأ الفرض ويكشف عن وجود ظاهرة أو ظواهر أخرى جديدة لم تحدث بعد، وهذه الظواهر الأخرى يمكن الكشف عنها إما عبر حواسنا الخمس أو عبر امتداداتها، وهذا ما يميز النظرية العلمية ويسبغ عليها البعد العلمي.

قد تُطرح فرضية تتمكن من تفسير الظاهرة بدون أن تتعارض مع الحقائق العلمية، ولكن هذا التفسير لا يفسر لنا أسباب الظاهرة، وانما يفسرها على ما يُعرف بالتفسير الغائي؛ فالإيمان بوجود قوة مجهولة تدفع الأشياء والكائنات الحية نحو أهداف معينة لا يكشف لنا مصير تلك الأشياء وحركتها، فمثلًا عندما يدّعي أحدنا أن سبب حدوث الزلال المدمر في تلك منطقة ما، إنما هو لانتشار الفاحشة، وهو كما نرى تفسير ممكن، ولا يتعارض مع الحقائق العلمية، ولكنه تفسير غائي، ولا يمكننا من خلال هذا التفسير الغائي أن نضع قانونًا علميًا تجريبيًا، نستطيع من خلاله التنبؤ بحدوث الزلزال، فنقول مثلا "كلما انتشرت الفواحش سيحدث زلازل مدمر"، ولذا فلا تُصنف هذه الفرضيات بأنها فرضيات علمية.

أما الفرضية التي تقتصر على تفسير الظاهر العلمية فتظل فرضًا، ولا يمكن لها أن ترتفع الى مستوى النظرية العلمية أو القانون العلمي؛ بل لا بُد لها لكي تصبح نظرية علمية، أن تتنبأ بعدد من الظواهر العلمية التي يمكن الكشف عنها تجريبيًا ورصدها في الواقع الخارجي، وكلما كانت النظرية دقيقة في التنبؤ بظاهرة جديدة، كلما ارتفعت قيمتها ومصداقيتها وقربها من الحقيقة، ولذا عادةً ما تكون النظرية العلمية مُصاغة رياضيًا لأنَّ الصيغة الرياضية تكون ذات دقة عالية لطبيعتها الكمية.

وهكذا نجد أن النظرية العلمية تساهم في الكشف عن ظواهر طبيعية ما كُنّا نعرفها من قبل، ثم تقوم بدراسة تلك الظاهرة الطبيعية الجديدة، وفي أثناء دراستها لتلك الظاهرة الجديدة، تطرح فرضيات جديدة تتحول بعضها إلى نظريات لتكشف لنا عن ظواهر طبيعية جديدة، وهكذا تستمر حركة العلم بين الفرضيات العلمية والنظريات العلمية والظواهر الطبيعة والتي نطلق عليها الحقائق العلمية؛ فعلوم الطبيعة لا تجتر الماضي ولا تمجّد تاريخ العلم ونظرياته ولا تقدسهما؛ بل تنقلب عليهما وتصحح من مسارهما، ولذا فهي علوم نشطة وحية وإبداعية تتطور بسرعة كبيرة، لتساهم في إثراء المعرفة وتخلق تقنيات أفضل وأكثر تقدما، ولكنها في ذات الوقت علوم قلقة، لا يقر لها قرار تترقب وتبحث بكل شفافية وموضوعية.

النقد الذاتي هو الركن الركين لهذه العلوم، ووظيفة علمائها لا تتمثل في إثبات النظريات العلمية، وتمجيد أصحابها وتقديسهم؛ بل في دحض تلك النظريات ونقدها وتحديد قدراتها، ولو نظر علماء الطبيعة إلى نظرياتهم العلمية وإلى أصحابها بنظرات القداسة والرهبة، لأصاب الشلل هذه العلوم ولما تطورت قيد أنملة.

 

*******************

 

** سلسلة من المقالات العلمية تتناول علوم الطبيعة، وتُجيب على أسئلة ما إذا كانت هذه العلوم مجموعة من الحقائق التي لا يعتريها شك ولا شبهة، أم أنها محض ظنون لا يُقر لها قرار وتتغير بتغير الزمان؟

 

 

** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

تشمل رخصة القيادة والمخالفات..قوانين مرورية جديدة في الإمارات اعتباراً من 29 مارس

تشهد دولة الإمارات في 29 مارس(آذار) الحالي بدء سريان قانون المرور الجديد الذي يتضمن تعديلات هامة تعزز السلامة المرورية وتواكب التطورات في مجال النقل وتقنياته وتسهم في إحداث تغيرات نوعية لاسيما على صعيد رخصة القيادة في الدولة والمخالفات المرورية والمركبات ذاتية القيادة، فما هي أبرز ملامح هذا القانون؟

ينص القانون الجديد على تعديل تصنيف المركبات لمواكبة التوسع في استخدام المركبات ذاتية القيادة والسيارات الكهربائية وتحديد آليات معينة لفحصها وترخيصها وتجديدها، حيث يُصدر مجلس الوزراء قراراته بشأن شروط وإجراءات التجربة والتشغيل لهذه التقنيات.


مجلس المرور الاتحادي

ويتضمن القانون العمل على تشكيل مجلس المرور الاتحادي على أن تحدد اختصاصاته ونظام عمله بقرار من مجلس الوزراء بناءً على اقتراح من وزير الداخلية، كما سيشرع القانون استخدام أدوات تقنية حديثة لضمان السلامة المرورية وضبط المخالفات.


رخصة القيادة

ويشمل القانون تعديلات هامة تتعلق برخصة القيادة في الإمارات إذ يُحدد شروطاً جديدة لها، وهي السماح بمنحها لمن يبلغ سن 17 سنة، كما يلزم القانون مدربي القيادة بالحصول على تصاريح خاصة لتدريب الغير، ويشدد على عدم السماح للمتدرب بقيادة المركبة ضمن المناطق المؤهلة إلا بعد التأكد من قدراته في السيطرة على القيادة.


سائقي المركبات

ويحدد القانون الجديد التزامات على السائقين تمنعهم من توقيف مركباتهم في الطرقات أو الأرصفة بقصد الإصلاح، ويحظر استخدام المركبات التي تصدر ضجيجاً، وكذلك يمنع استخدام أجهزة التنبيه داخل المدن إلا في حالات الطوارئ، ويحظر نقل المركبات أو المواد الخطرة أو الحمولات غير الاعتيادية إلا بموجب تصريح من السلطة المختصة.


قوانين تتعلق بالمشاة

كما يتضمن المرسوم بقانون اتحادي الذي اعتمدته الحكومة الإماراتية في 2024 بشأن تنظيم السير والمرور، أحكاماً شاملة تسري على المشاة أثناء مرورهم في الطرق، ومن أبرزها عدم جواز عبور المشاة الطرق التي تزيد السرعة المقررة فيها عن 80 كيلومتراً في الساعة، وتحميلهم مسؤولية مدنية أو جزائية عند عدم التزامهم.


أولوية المرور

وبحسب المرسوم الجديد، تكون الأولوية للمركبات القادمة من طريق رئيسي، وفي حال وُجِدَ دوار أو تقاطع للطريق، تكون الأولوية للقادم من الجهة اليسرى، علماً أن الأولوية في جميع الأحوال تكون للمواكب الرسمية، ومركبات الدفاع المدني أثناء قيامها بالواجب، ومركبات نقل المرضى والجرحى أثناء قيامها بمهامها والمركبات العسكرية عند سيرها بصورة القوافل ومركبات الشرطة عند استعمالها للأصوات التحذيرية واللوحات الضوئية والمركبات التي تقدم الخدمات الضرورية "حسب قرار الوزراء".


المخالفات

ونص المرسوم على فرض عقوبات رادعة لمخالفي القانون، إذ يعاقب بالحبس وغرامة لا تقل عن 20,000 درهم كل من يسيء استخدام لوحة أرقام المركبات، وتبلغ العقوبة السجن وغرامة تصل إلى 200,000 درهم لكل من يقود مركبة تحت تأثير المخدرات أو المؤثرات العقلية. كما يُعاقب الهارب من موقع الحادث بالحبس مدة تصل إلى سنة وغرامة تصل إلى 100,000 درهم.
ويعاقب القانون بالحبس وغرامة لا تقل عن 50,000 درهم لكل من تسبب في وفاة شخص نتيجة خطأ ناجم عن استخدام مركبة، مع مضاعفة العقوبات في حالات معينة، مثل القيادة أثناء جريان السيول في الأودية.

مقالات مشابهة

  • باحثة بجامعة بنها تحصل علي تدريب متقدم وتبادل للخبرات العلمية في قسم علوم الحيوان بمدينة لاريسا باليونان
  • “البكورية الحلقية” زهرة الحدود الشمالية تزين الطبيعة
  • مواطن يتبرّع للإفراج عن 49 معسرًا بالظاهرة
  • تشمل رخصة القيادة والمخالفات..قوانين مرورية جديدة في الإمارات اعتباراً من 29 مارس
  • الأعلى للجامعات يعلن مد فترة التقدم لعضوية اللجان العلمية والمحكمين
  • البحث العلمي ومكتبة الاسكندرية يعقدان المؤتمر الدولي ربط علوم التراث بتراث العلوم
  • قوانين كبلر.. كيف مهدت الطريق لفهم حركة الكواكب؟
  • لن تصدق.. تأثير السكريات الطبيعة على الجسم في رمضان
  • قوانين الحشد والمساءلة تشعل الخلافات وتعطل البرلمان العراقي
  • الأمم المتحدة تدعو العراق الى إقرار قوانين لحماية المرأة من العنف