مقترحات القوى المدنية لوقف الحرب في السودان
تاريخ النشر: 28th, August 2023 GMT
1
صحيح أن وقف الحرب المدمرة والمستعرة في الخرطوم منذ 15 أبريل/نيسان الماضي، هي القضية المركزية التي تشكل جوهر خطاب كل المبادرات السودانية والإقليمية والدولية. ولكن، فيما عدا مبادرة منبر جدة برعاية المملكة السعودية والولايات المتحدة، فإن كل المبادرات الأخرى، بما في ذلك مبادرة الاتحاد الأفريقي ومبادرات المجموعات المدنية السودانية المختلفة، يقتصر خطابها على المطالبة أو ديباجة الوقف الفوري للحرب دون التقدم باقتراحات ملموسة حول الكيفية والآليات التي تحقق ذلك.
منبر جدة طرح التفاوض بين طرفي القتال كآلية لوقف الحرب، وتوصل الى إتفاق أولي تضمن سبعة بنود ركزت على تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية للمدنيين وحمايتهم، وكان بصدد بحث إمكانية التوصل لاتفاق طويل الأمد لوقف إطلاق النار، ولكنه عجز عن ذلك ثم توقف، وظلت نتائجه أقل بكثير من أمنيات وتوقعات الشعب السوداني في وقف القتل والدمار واحتلال منازل السكان المدنيين. ويومها، ومباشرة بعد التوقيع على ذلك الاتفاق الأولي، أعربنا عن تشككنا القوي في أن يلتزم طرفا القتال بما وقعا عليه، وذلك في ظل غياب الآليات المعروفة دوليا لمراقبة وحماية وقف إطلاق النار، ولخلق ممرات آمنة ومحمية لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين، وقلنا إنه بعدم توفير هذه الآليات، سيظل الاتفاق مجرد ورقة صماء في دفاتر الوسطاء.
وفي تقديرنا، أن آلية التفاوض بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع لوقف الاقتتال، في منبر جدة أو أي منبر آخر، ستظل عاجزة عن تحقيق هدفها الرئيسي في وقف العدائيات ما لم تستصحب عددا من الآليات الأخرى المتاحة والممكنة حسب الشرعية الدولية، للضغط على طرفي القتال بشأن وقف دائم للأعمال العدائية.
والآليات الأخرى هذه، تشمل منع تدفق الأسلحة والذخيرة إلى الطرفين، تجميد الأرصدة والحسابات في البنوك العالمية والإقليمية، العقوبات على المؤسسات والأفراد، وكذلك بحث فرض إعادة تموضع القوات المتحاربة وفرض المناطق الخضراء، أو منزوعة السلاح، مع الأخذ في الاعتبار تجربة قوات الأمم المتحدة في السودان وجنوب السودان ودارفور، (يوناميس و يوناميد).
هذه الآليات وغيرها المصاحبة لآلية التفاوض لوقف الحرب، يتطلب إقرارها وتنفيذها مشاركة دولية وإقليمية واسعة، وفي إطار الشرعية الدولية والقانون الدولي، كما يتطلب مشاركة دول الجوار، وخاصة مصر، ومشاركة الدول ذات العلاقة المباشرة بطرفي القتال أو أحدهما، كدولة الإمارات العربية المتحدة.
آلية التفاوض بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع لوقف الاقتتال، ستظل عاجزة عن تحقيق هدفها الرئيسي في وقف العدائيات ما لم تستصحب عددا من الآليات الأخرى المتاحة والممكنة حسب الشرعية الدولية
بالنسبة لمبادرات القوى المدنية السودانية، فبينما جميعها يشدد على الوقف الفوري للحرب، إلا أن أيا منها لم يتقدم بمقترحات عملية لكيفية تنفيذ هذا الوقف الفوري.
صحيح أن مجموعة الآلية الوطنية لدعم التحول المدني الديمقراطي ووقف الحرب ومجموعة تحالف القوى المدنية لوقف الحرب واستعادة الديمقراطية (مجموعة إعلان المبادئ) تقدمتا برؤية مشتركة جوهرها أن وقف الحرب والوقف الدائم لإطلاق النار يجب أن يتم عبر التفاوض، وأن يتزامن مع قيام القوى المدنية بتشكيل حكومة طوارئ تكون مسؤولة عن إدارة الأزمة الناجمة عن الحرب وآثارها وما بعدها. وكنا في مقالات سابقة قد أشرنا إلى أن تشكيل حكومة الطوارئ بعد توقف الحرب ومن كفاءات وطنية غير حزبية، أمر منطقي ومقبول ومطلوب، ولكنا تشككنا في استطاعة أي حكومة طوارئ أو حكومة منفى تشكلها القوى المدنية قبل توقف الحرب، أن تكون بمثابة آلية ناجعة لإيقاف الحرب.
وفي ذات السياق، نتفق تماما مع ما جاء في مكتوب الصديق الأستاذ عبد الرحمن الغالي بعنوان (مقدمة في فقه الأولويات وضرورة التنازل) والذي يدعو فيه إلى إلتئام حوار وتفاوض بين القوى المدنية الرافضة للحرب، كلها دون عزل أو إقصاء، للاتفاق على رؤية وطنية لأسس وقف الحرب، تقدم إلى الوسطاء (في منبر جدة أو خلافه) ليتم التوصل لوقف إطلاق النار، ثم يعقد مؤتمر سلام قومي برعاية دولية واقليمية متوازنة تتفق عليها كل الأطراف وبمشاركة كل القوى السياسية السودانية دون عزل لأية جهة، يتم فيه الاتفاق على الأسس العامة لشكل الحكم ومؤسساته المدنية والعسكرية في الفترة الانتقالية، وينتهي المؤتمر بتكوين حكومة قومية مستقلة لا حزبية تمهد الطريق للانتخابات بعد الفترة الانتقالية.
ونعتقد أن هذا الطرح يمكن مناقشنه مقرونا باقتراحنا الذي طرحناه في مقال سابق ويقرأ أن تتوج العملية السياسية بتشكيل آلية قومية تضم قيادات كل القوى السياسية والنقابية والحركات المسلحة ولجان المقاومة والقوى الشبابية والقيادات النسائية والمجتمع المدني والشخصيات الوطنية، باستثناء دعاة استمرار الحرب، وذلك لإختيار قيادة الفترة الإنتقالية، رأس الدولة ورئيس الوزراء، على أساس النزاهة والأهلية والكفاءة والقدرة السياسية والتنفيذية، وبعيدا عن أي ترضيات أو محاصصات سياسية وحزبية.
ثم تواصل الآلية القومية الإطلاع بمهام التشريع والرقابة والمحاسبة، كمجلس تشريعي إنتقالي، إما حسب تكوينها المشار إليه أعلاه، أو يتم توسيعها بإضافة أعضاء آخرين، وفي هذه الحالة فلابد أن يتم ذلك بالتوافق والحرص على إختيار كفاءات وقدرات حقيقية، وليس لمجرد الترضيات والمحاصصات السياسية، مع مراعاة تمثيل المرأة والشباب ولجان المقاومة تمثيلا حقيقيا، وليس شكليا أو صوريا، ودائما التقيد بشرط الكفاءة والقدرة.
وخلال الفترة الانتقالية، فإن القيادات السياسية والحزبية مكانها هذه الآلية القومية/المجلس التشريعي، بينما القيادات العسكرية مكانها مؤسساتها النظامية ومجلس الأمن والدفاع القومي. لكن، مبادرات القوى المدنية لن تحقق أهدافها بدون تنسيق نشاطها في منبر يضم الجميع، غض النظر عن أي مواقف سياسية سابقة لهم، وأن تستند المجموعات المشاركة إلى قاعدة ملموسة تعمل على الأرض، ولعل الجبهة النقابية المكونة من قيادات النقابات والإتحادات المنتخبة ولجان التسيير، هي أنسب نواة تأسيسية لهذا العمل، وأن يتسم نشاط المنبر بالشفافية والبعد عن أي مؤثرات دولية أو إقليمية.
نقلا عن القدس العربي
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: القوى المدنیة لوقف الحرب وقف الحرب منبر جدة
إقرأ أيضاً:
خبراء: القمة المصرية الأردنية الفرنسية تأكيد لدور القاهرة المحوري لوقف الحرب على غزة
أكد محللون سياسيون وخبراء أردنيون، أن القمة الثلاثية المصرية الأردنية الفرنسية التي تعقد اليوم الإثنين، في القاهرة هي انعكاس حقيقي لواقع الجهود الكبيرة التي يقوم بها الرئيس عبدالفتاح السيسي وأخيه العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني؛ من أجل وقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وإنفاذ المساعدات لأهالي القطاع، مشددين على أن الجهد المصري الأردني لم ولن يتوقف في سبيل إعادة أمن واستقرار المنطقة وفي مقدمة ذلك وقف العدوان الإسرائيلي.
وقال الخبراء الأردنيون، في تصريحات لمدير مكتب وكالة أنباء الشرق الأوسط بعمان، إن دعوة الرئيس السيسي لعقد قمة ثلاثية بالقاهرة تجمع العاهل الأردني والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يزور القاهرة حاليا هو تأكيد للدور المحوري والرئيسي الذي تقوم به مصر من أجل التنسيق مع الأصدقاء والشركاء لوقف الحرب على غزة، معربين عن أملهم في أن تساهم هذه القمة في العمل العربي والدولي المشترك لوقف نزيف الدم الفلسطيني.
الدكتور محمد بزبز الحياري باحث ومحلل سياسي أردني، قال إن القمة الثلاثية المصرية الأردنية الفرنسية بالقاهرة تأتي في ظل الصمت والغياب الدولي المريب بعد استمرار الحرب على غزة وإكمال حلقات الإبادة الجماعية والتدمير الممنهج لكامل للقطاع الذي تقوم به حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف وبدعم كامل من الإدارة الأمريكية الذي يصل حد الشراكة، والذي أدى إلى مأساة إنسانية تاريخية تتفاقم يوما بعد يوم.
وأضاف الحياري، أن القمة الثلاثية تمثل دفعة نوعية في توقيت دقيق ومناسب في مسار التحركات السياسية والدبلوماسية المتعلقة بالحرب على غزة والقضية الفلسطينية بشكل عام والذي تقوم به مصر والأردن بتنسيق مشترك منذ بداية الحرب وحتى الآن، مشيرا إلى أن التنسيق بين القاهرة وعمان عالي المستوى ومتكامل ويهدف إلى استغلال كل جهد دبلوماسي وسياسي وعلاقات دولية مع القوى الدولية المؤثرة بالإضافة لرغبة فرنسا في القيام بدور سياسي إنساني أكثر فاعلية، يجعل من القمة الثلاثية فرصة نادرة ومواتية للضغط على إسرائيل لوقف هذه الحرب الجائرة.
واعتبر أن اختيار فرنسا لمصر والأردن وقيادتهما للتنسيق معهما والبناء على جهودهما المستمرة والدؤبة لوقف الحرب، وعقد القمة بالقاهرة له دلالة واضحة على عمق العلاقات التاريخية والاستراتيجية بين البلدان الثلاث والدور المستقبلي بشأن القضية الفلسطينية وخصوصا مع مصر والأردن أصحاب الدور التاريخي والإنساني مع حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
بدوره، قال ضرار الشبول الصحفي بقناة عمان تي في الأردنية، إن القمة الثلاثية بالقاهرة تأتي في توقيت مهم جدا نظراً لما يشهده قطاع غزة من وحشية غير مسبوقة، مؤكدا أن دعوة الرئيس السيسي للقمة ومشاركة الملك عبدالله الثاني تعكس مدى مساعيمها الثابتة والراسخة لتحقيق الدعم الكامل للشعب الفلسطيني، وضمان أن تكون الجهود الدولية موجهة نحو التوصل إلى حل دائم للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهو جل اهتمام عمان والقاهرة.
وأشار الشبول إلى أن توقيت القمة الثلاثية بالقاهرة يعكس الحجم الكبير للتنسيق الدبلوماسي وعالي المستوى بين مصر والأردن، الذي لم ينقطع منذ العدوان الإسرائيلي على غزة والضفة، موضحا أن المشاركة الفرنسية والانخراط في المساعي السياسية الأردنية المصرية، والذي يأتي لتأكيد لموقف زعيمي البلدين الداعم والمساند لحقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية نقطة إيجابية يجب استغلالها.
ولفت إلى أن القمة الثلاثية ليست مجرد اجتماع دبلوماسي بل رسالة أوروبية واضحة بأن القضية الفلسطينية لا تزال في صدارة الأولويات وخصوصا لدى الأردن ومصر وتأكيد فرنسي بحضور الرئيس ماكرون، لدعم القيادة الأوروبية ومن قبلها القيادة العربية في القمة العربية غير العادية التي عقدت في مارس الماضي في القاهرة، منوها إلى أن الدعم الأوروبي والدولي للموقف المصري الأردني يمثل إدراكا متزايدا بأن الأمن والاستقرار في المنطقة لا يمكن تحقيقهما إلا عبر إنهاء الاحتلال وحل الدولتين.
من جانبها، أعربت رزان السيد الصحفية بجريدة الأنباط الأردنية، عن أملها أن تكون هذه القمة بداية لبناء موقف دولي ضد الانتهاكات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني ووقف فوري للعدوان على غزة، مؤكدة أن دعوة الرئيس السيسي لهذه القمة ومشاركة الملك عبدالله الثاني ترسيخ لمدى التنسيق والتشاور الدائم والمستمر بين القاهرة وعمان بشأن القضية المركزية للبلدين وهى القضية الفلسطينية.
وشددت رزان، على ضرورة أن يتفهم المجتمع الدولي خطورة الأوضاع الراهنة في المنطقة وكذلك التحذيرات التي يطلقها الرئيس السيسي وأخيه الملك عبدالله الثاني بشأن استمرار هذا الصراع ليس فقط على المنطقة فحسب بل على العالم أجمع، معتبرا أن حضور الرئيس الفرنسي لهذه القمة هو تأكيد للموقف الأوروبي الراغب في إنهاء الوضع القائم والعمل المشترك مع مصر والأردن لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.
ونوهت بأن حرص العاهل الأردني على المشاركة في كافة القمم والمؤتمرات والمحافل الدولية هو تأكيد على دوره الريادي في تحقيق السلام بالمنطقة وخصوصا إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 67، مؤكدة أن الجهد المصري الأردني لا يتوقف في سبيل الحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة.