عربي21:
2024-09-19@10:44:29 GMT

الانقلاب يترنح!

تاريخ النشر: 28th, August 2023 GMT

ماذا هناك؟!

هذا سؤال سيطر على خلال الفترة الماضية، وأنا أطالع مواقف البعض ممن ينتسبون للدوائر القريبة من السلطة الحاكمة في مصر، وهم وإن تكلموا بنصف لسان، وكتبوا بقلم مكسور، وافتقدوا للشجاعة اللازمة، إلا أن مواقفهم بدت لي في جانب منها أقرب إلى التمرد، أو أنها الرغبة في الهروب من السفينة، لافتقادهم اليقين في استمرار الأوضاع القائمة.



من الأفضل للذين عاشوا ضغوطاً نفسية على مدى السنوات العشر الماضية، أن يكتفوا بهذا القدر من هذه السطور، حتى لا يكونوا عبئاً عليها، أو أن تكون عبئا إضافياً على أعصابهم المرهقة. فضحايا الحروب والأزمات ومن رأوا قوة الخصم، ليسوا مؤهلين للفصل في أمور كهذه، والذين عاصروا العشرية السوداء في الجزائر واستكانوا للقوة الباطشة، لم يشاركوا في الثورة الجزائرية الأخيرة، بل سفّهوها لأنها تعتقد أنها قادرة على منع الاستهانة بالشعب الجزائري بترشيح بوتفليقة بوضعه الصحي المزري، والذين شاهدوا انقلاب البشير منذ البداية وكانوا من ضحاياه، كانوا إلى وقت قريب من اندلاع الثورة، يرون أن الدنيا دانت للحاكم الذي استطاع على مدى ثلاثين سنة من الحكم تأميم الدنيا، وإضعاف الأحزاب، وقتل الروح المعنوية للشعب السوداني!

ولماذا نذهب بعيداً، فضحايا العهد الناصري كان مستقراً في وجدانهم أن الرئيس عبد الناصر قادر على كل شيء، لأن حقائق الأمور كانت غائبة عنهم، والتي تكشفت بعد ذلك، وأن ناصر مر بأضعف حالاته في الفترة من 1964 إلى سنة 1968، عندما استطاع أن يتخلص من مراكز القوى في حكمه، ومن رؤساء مؤسسات القوة، وهتف بعدها: لقد سقطت دولة المخابرات!

أذاع الوزير السابق منير عبد النور أسراراً لم تكن معروفة، مثل سر تراجع الجنرال عن السفر لجنوب أفريقيا خوفاً من الملاحقة القضائية، وتحدث عن الاعتقالات على مجرد الرأي المعارض، وعدم ثقة المستثمرين الأجانب في الأوضاع الداخلية المصرية. ومن يعرفون الرجل يعرفون أنه أكثر حرصاً من أن يغامر على هذا النحو، فالمغامرة السياسية لم تكن سلوكه في شبابه، فكيف تكون في أرذل العمر؟!
وإذا كان هذا لم يمنع من أنه قام بأشرس حملة اعتقالات وهو في هذه الحالة، ومذبحة القضاة كانت وهو يعالج ضعفه، فالمستبد يكون أكثر شراسة في لحظة الضعف! فسوف يكون مفيداً أن يفارقنا القوم غير مستأنسين لحديث، ليمكننا مناقشة الأمر بسلاسة!

المواقف المعلنة:

ومن حسام بدراوي، إلى منير فخري عبد النور، ومرورا بجودة عبد الخالق، وإن سبقهم جميعاً عمرو موسى، الذي بدا بما قال يصلي صلاة مودع. ويمكن فهم ما أعلنوه من مواقف شبه شجاعة في حالة الأول، وأكثر من شجاعة في حالة عبد النور، أنهم يقدمون لأنفسهم إذا حدث ما توقعوه. وإن تراجع حسام بدراوي فإن الأمر كاشف على أنها ليست جينات الشجاعة التي دفعته لاتخاذ هذا الموقف، وهو لا يريد أن يتعرض لانتقام يحول دون رغبته في انتظار الترشح لمرحلة ما بعد الجنرال نيابة عن الحزب الوطني المنحل!

لقد أذاع الوزير السابق منير عبد النور أسراراً لم تكن معروفة، مثل سر تراجع الجنرال عن السفر لجنوب أفريقيا خوفاً من الملاحقة القضائية، وتحدث عن الاعتقالات على مجرد الرأي المعارض، وعدم ثقة المستثمرين الأجانب في الأوضاع الداخلية المصرية. ومن يعرفون الرجل يعرفون أنه أكثر حرصاً من أن يغامر على هذا النحو، فالمغامرة السياسية لم تكن سلوكه في شبابه، فكيف تكون في أرذل العمر؟!

عندما قام رئيس حزب الوفد نعمان جمعة بفصل منير فخري من عضوية الحزب، كان بديله الذي تطلع إليه هو عضوية لجنة السياسات في الحزب الوطني، وعندما شغل موقع وزير السياحة بعد الثورة وفي حكم المجلس العسكري، رضي على نفسه أن يكون مجرد "وكيل وزارة"، وغير المعلن في هذه الفترة أن أعضاء المجلس العسكري كانوا يشرفون على الوزارات، فيشرف أحدهم على وزارة أو أكثر. وعندما سألت في هذه الفترة مطّلعا على ما يجري خلف الكواليس، قال إن الوزير لا يتخذ قراراً الا بعد الرجوع للجنرال المكلف بأمر الوزارة، فما الذي يجعله يقبل الدنيّة في أمره، إلا أنها طبيعته الشخصية، وهي طبيعة لا تمكنه من أن يكون على النحو الذي ظهر به في مقابلة موقع "ذات مصر"!

النهاية بحسب إبراهيم عيسى:

لقد اكتشفنا أن إبراهيم عيسى يقدم برنامجاً في إحدى محطات الإذاعة المصرية المملوكة للشركة المتحدة، وقد أدهشنا أن يعيده القوم لشاشة إحدى القنوات التلفزيونية المملوكة للمتحدة أيضاً، جامعاً بينها وبين تقديمه برنامجا على قناة "الحرة" الأمريكية، وهو إكرام له من جانب السلطة لم ينله أحد من المحلقين حول القصر الرئاسي!

ومع هذا يكتب منشوراً على "تويتر"، وإن بدا لغير المطلع أنه يخاطب القوى السفلية فإنه واضح تماماً أنه يتوقع نهاية أليمة للنظام القائم: ".. نرى نفس الأحداث تتكرر بنفس الطريقة، بنفس البدايات، بنفس الأخطاء، بنفس النهايات"!

يا إلهي، إنه يتوقع نهاية الحكم، وإن كان لم يذكر في منشوره الغامض نوعاً ما نهايات من يقصد، لكن نهايات كل من حكموا مصر أليمة..

هل يقصد مثلا نهاية عبد الناصر بالهزيمة التي قصفت عمره، أم نهاية السادات بالاغتيال، أم نهاية مبارك بالثورة التي عزلته، أم نهاية محمد مرسي بالانقلاب العسكري؟ أم تراه ذهب بعيداً إلى الملك فاروق حيث نهايته بالانقلاب العسكري والطرد إلى خارج البلاد؟!

لسنا مطلعين على ما يجري داخل أورقة الحكم والمؤسسات الحاكمة، لكن كثيراً مما يقال لا بد من أن يكون مستنداً على مواقف داخل المؤسسات، وأن هذه الآراء التي تبدو تعبيراً عن توقعات بالنهاية هي تعبير عنها. وهناك سبب آخر، وهو أن البعض لشعوره بدنو الأجل، أجله أو أجل السلطة، فإنه يسجل موقفا لكي يمكنه أن يحاجج به إذا انتهى هذا الوضع البائس، وقد حملوا أوزاراً من زينة القوم!
كل ما قيل معلوم، ولن نضيف ما كتبه "الفلكي توفيق عكاشة" وصاحب التوقعات، التي يحسبها البعض تستند إلى مصادر داخلية وربما خارجية، فالمعروف ليس هناك مبرر لتكراره وحتى لا يضيع القصد وراء السر!

دنو الأجل وثورة الجياع:

لسنا مطلعين على ما يجري داخل أورقة الحكم والمؤسسات الحاكمة، لكن كثيراً مما يقال لا بد من أن يكون مستنداً على مواقف داخل المؤسسات، وأن هذه الآراء التي تبدو تعبيراً عن توقعات بالنهاية هي تعبير عنها. وهناك سبب آخر، وهو أن البعض لشعوره بدنو الأجل، أجله أو أجل السلطة، فإنه يسجل موقفا لكي يمكنه أن يحاجج به إذا انتهى هذا الوضع البائس، وقد حملوا أوزاراً من زينة القوم!

لقد كان سؤالي للمطلعين على الأحوال بقدر ما: ماذا هناك؟ فلا أرى شيئا على الأرض، وأنا من المؤمنين بأن فكرة الانقلاب العسكري على السيسي بدون حضور شعبي هي فكرة خيالية، وأن من يملكون القدرة على الحشد نفضوا أيديهم تماماً من الأمر منذ عام 2015، دعك من محاولة إحياء الموتى، بإعادة كل أزمة تمر بها البلاد إلى العدو الإخواني. والبديل هو فوضى لن تكون أبداً خلّاقة، وهذه ليست من الأمور التي يمكن أن توضع في حسبان الذين يبدون كما لو كانوا يتوقعون النهاية، حتى وإن كان من بينهم يساري مثل الوزير السابق جودة عبد الخالق، وبما يداعب خيال اليساريين عن ثورة الجياع!

قلت لمن أسالهم: ماذا هناك؟ إنكم تذكروننا بأنفسنا في السنة الأولى للانقلاب العسكري، وحديث الانقلاب يترنح، وهي العبارة المنسوبة للدكتور محمد الجوادي، والتي استخدمها متمردو الإخوان مادة للسخرية منا جميعا، بدلاً من أن يستخدمها السيسي ورجاله. يبدو أنهم كانوا يعلمون أن حكمهم لا يقف على أرض صلبة، وقد علمنا أنه كان خائفاً يترقب من السفر لجنوب أفريقيا خشية اعتقاله ومحاكمته، بعد عامين من الانقلاب.

قالها الجوادي والملايين في الشارع، ولا بد للمتابع أن يستقر في وجدانه أن هناك ساعة للصفر يحددها قادة التنظيم، فليس معقولا أن يكون الهدف من هذه المظاهرات العارمة، هو ممارسة رياضة المشي لمسافات طويلة، وكان الساخرون يعرفون قادتهم أكثر من الدكتور الجوادي!

قناعة كثيرين في دوائر أهل الحكم أن هذه الأوضاع لا يمكن أن تستمر، لهذا قرأنا من مكبر صوتها توقعات بالنهاية الأليمة (إبراهيم عيسى)، وتأكيدا على هذه النهاية (توفيق عكاشة)، فضلا عن تجرؤ من يفتقدون للشجاعة، وتمرد البعض الآخر في آرائه، وسوف تتسع دائرة الهجوم في الفترة المقبلة، وهم يرون نظام حكمهم على وشك الانهيار!
قلت لهم إن الرأي بأن الانقلاب يترنح كان مبنياً على أسس، وهذا الأداء من الداخل قائم على فكرة الحكم يترنح، دون أن يكون هناك ما يستندون إليه، إلا غضب شعبي جارف، هو عند كثيرين لن ينتج أثراً.

وكان الجواب أنه إذا جمعك لقاء مع الذين حملوا أوزاراً من زينة القوم، فسوف تسمع هجوماً حاداً على الأوضاع، ويتوقعون انفجار الموقف، ودوا لو أنهم كانوا خارج دوائر الحكم الآن، لدرجة أنهم يحسدون خالد صلاح، رئيس "اليوم السابع" السابق، الذي أراحوه بعزله، دون أن يمسوا ما حصل عليه من "أوزار من زينة القوم".. تمنوا لو كانوا مثله!

إن قناعة كثيرين في دوائر أهل الحكم أن هذه الأوضاع لا يمكن أن تستمر، لهذا قرأنا من مكبر صوتها توقعات بالنهاية الأليمة (إبراهيم عيسى)، وتأكيدا على هذه النهاية (توفيق عكاشة)، فضلا عن تجرؤ من يفتقدون للشجاعة، وتمرد البعض الآخر في آرائه، وسوف تتسع دائرة الهجوم في الفترة المقبلة، وهم يرون نظام حكمهم على وشك الانهيار!

إن قناعتي الشخصية أن السيسي سيفلت من الانتخابات القادمة، بواسطة التزوير، وعدم جديتها، وسوف يستكمل الشكل كما هي العادة بحضور المدفوع لهم أمام اللجان، لمهمة الرقص، ولتصوير الأمر على أنه تعبير عن الحشود كما جرى من قبل!

والمطلوب الآن من كل من يرغب في الترشيح للانتخابات البرلمانية القادمة ضمن قوائم أهل الحكم أن يدفع الواحد منهم مليون جنيه ضمن الدعاية الانتخابية للسيسي، وبالتأكيد سوف يتنافسون في حشد الحثالة أمام اللجان، لتزكيتهم عند من يضعون القوائم، إن لم تجر انتخابات البرلمان والرئاسة في وقت واحد، وهو أمر لم يحسم، والهدف من الجمع هو ضمان الحشد للتصوير الخارجي!

لكن القادم بعد الانتخابات سيكون الأسوأ في تاريخ مصر المعاصر، وبدون أي أمل في أي حل للأزمة الاقتصادية، وقد بدا الجنرال فاقداً تماماً للقدرة على إعطاء الأمل ولو الكاذب منه كما فعل من قبل، وليس من باب العبقرية أن نقول إنه بعد الانتخابات سيتم تعويم آخر للدولار، وهذه هي الدورة الأخيرة له، ويلزمه تعديل الدستور، ولن تكون الأجواء مواتية هذه المرة، فالإدارة فاقدة لأي حماس له، لا يزعجها إلا اذا تبدى أن البديل له هم الإخوان، الذين سيعودون للانتقام، ولهذا تسرف أبواقه الإعلامية في الحديث حد الملل عن الإخوان، ومماراستهم، ومؤامراتهم على نظام السيسي!

بيد أن دوائره لا تعتقد أنه سيصل إلى مرحلة يكون متاحاً له التفكير في تعديل الدستور، وقد اختلفت قناعتي مع قناعتهم، ربما لأنني أيضاً يسري عليّ ما يسري على الذين تعرضوا للهزيمة على مدى عشر سنوات كاملة، فصرت كضحايا العشرية السوداء في الجزائر، وضحايا عمر البشير في السودان، وهم يقولون إن قناعتهم أن الأوضاع لن تستمر بهذا الشكل، وأن السفينة وصلت لنهايتها، بينما أنا كالإخوان المتقاعدين وهم يسخرون من مقولة الانقلاب يترنح!

بيد أن لدينا معطيات أخرى عن رفض داخلي ستتسع دائرته، ليتأكد الجنرال أن الهامش الديمقراطي في عهد مبارك والذي يراه سبباً في الثورة عليه لم يكن منحة من الرئيس، ولكنه بحكم قوانين الطبيعة، وأنه وهو يضغط على الزناد في مواجهة أي صوت معارض، أضعف معارضيه التقليديين، لكن المعارضة خرجت من داخل البيت، وكأنه فرعون الذي ربّى موسى في قصره.

دعونا نتابع!

twitter.com/selimazouz1

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه مصر السيسي الانتخابات المعارضة مصر الإنقلاب السيسي المعارضة الانتخابات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة اقتصاد سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة إبراهیم عیسى عبد النور أن یکون أن هذه لم تکن

إقرأ أيضاً:

كيف انتهى الحكم العماني في شرق أفريقيا؟ كتاب يجيب (2من2)

الكتاب: "كيف انتهى الحكم العماني في شرق أفريقيا؟ زنجبار أندلس أفريقيا المفقود، دراسة وثائقية"
الكاتب: صالح محروس محمد محمد
الناشر: مؤسسة الانتشار العربي، الإمارات، 2023م
عدد الصفحات: 208

التوجه الإسرائيلي لأفريقيا:


توجهت إسرائيل مع بداية عام 1957م إلى القارة الإفريقية حين أصبحت الدول المانحة للمساعدات الإفريقية، وتركزت المساعدات على النواحي الفنية، وفي تنجانيقا بدأت مشروعاً زراعياً في موانزا فكانت أولى الخطوات الإسرائيلية؛ لاختراق القارة الإفريقية عبر شركة التنمية الزراعية، الشركة الإسرائيلية الحكومية المهتمة بنظم الري، وتحسين الإنتاج في المنطقة، ومن ثم أسست شركات مشتركة في تنجانيقا وإسرائيل للمساهمة في تعمير الأراضي، واستصلاحها، وبناء القرى والمشروعات الزراعية، وهكذا كان التغلغل الإسرائيلي في تنجانيقا حيث قدمت إسرائيل القروض والمساعدات لها، ما دفع إسرائيل لتقوية نفوذها في تنجانيقا مقاطعة الدول العربية لها، والكسب السياسي والاقتصادي.

لكن حكومة شامتي " حكومة الاستقلال " شديدة العداوة لإسرائيل وكانت لها علاقات روابط قوية مع مصر، فقد كان هناك أثر مصري عميق في زنجبار ليس فقط سياسياً، ولكن ثقافياً ودينياً، وأكد الزنجباريون حق الفلسطينيين في دولتهم، وكانت جريدة موانجزي باللغة العربية، مشروعاً فلسطينياً للدفاع عن القضية الفلسطينية، ولكن إسرائيل لم تهمل الأثر الكبير لزنجبار في شرق افريقيا كونها نقطة مهمة في محور الدبلوماسية الإسرائيلية في شرق إفريقيا (ص76)

قامت إسرائيل بدور بارز في أحداث يناير عام 1964م، وخططت لها بمساعدة بريطانيا، ونفذ خططها للانقلاب رجل الأعمال اليهودي ميشا فينسيبر الذي قام بتنفيذ مخطط الحكومة الإسرائيلية بحماية عبيد كارومي، ونقله إلى البر حتى لا يقتل لأنه أنسب شخص للقيادة بعد الغزو، كما قدمت الحكومة الإسرائيلية الدعم المالي والأسلحة لأوكيلو الأوغندي ورجله عبر مكتب رجل الأعمال اليهودي ميشا الذي كان صديقا لعبد الله قاسم هانجا الذي سافر إلى الجزائر وأقنع أحمد بن بيلا رئيس الجزائر أنذاك لتزويده بالأسلحة، التي وصلت عبر سفينة ليلة تنفيذ الإنقلاب. (ص77)

تطرق الكاتب في الباب الثالث لأحداث يناير الأسود في زنجبار عام 1964م بكثير من التفاصيل عبر الوثائق، وما أسفرت عنه الوثائق من ضحايا ولاجئين عرب ضاقت بهم السبل، ظهرت في السنوات الأخيرة من الاحتلال البريطاني لسلطنة زنجبار؛ أنها أًصبحت هدفاً للنفوذ الشيوعي الصيني في شرق افريقيا، وانتقل العديد من الطلاب الصينيين لزنجبار، فتأثرت إلى حد كبير بالسياسات المعتمدة على المبادئ الاشتراكية، وأكدت بريطانيا علمها بذلك، واعتبرت أن المسألة الشيوعية هي الأخطر في زنجبار، وذلك بمثابة خطر لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية التي خافت أن تصبح  زنجبار كوبا لإفريقيا. (ص79)

إن الغزو الأجنبي الذي تم في زنجبار  بتاريخ 12/1/1964م، قام به رجل أجنبي، ونفذه أجنبي مع تأييد محلي محدود، فقد كان أوكيلو أوغندي جاء للعمل في بمبا عام 1959م، وانضم إلى الحزب الوطني الزنجباري الذي حصل منه على مبلغ ثلاثين كمساعدة من الحزب الوطني الزنجباري، الذي اعتبره لا قيمة له، في الوقت الذي كان يدعو الحزب الوطني لوحدة الزنجباريين كان هو في الخفاء يدعو إلى وحدة الأفارقة ضد الاستعمار العربي. واتفق مع قيادة الحزب أنه ينوي تكوين قوة ثورية من رجال الاتحاد الأفروشيرازي ضد العرب، وجمع رجالاً من اتحاد عمال زنجبار وبمبا، وكذلك من فدائيي حزب الأفروشيرازي، فأغلبهم من رجال البر، وليس من القوى السياسية الموجودة. (ص94)

في زنجبار قوي أوكيلو علاقته بالشرطة فعرف أماكن السلاح، ومراكز الشرطة في زنجبار ومخازن السلاح، ومتن علاقته بسيف بكري رئيس اتحاد شباب الحزب الأفروشيرازي، وكانت كل الاتحادات التجارية تحت سيطرة رجال البر الذين تحالفوا مع حزب الأفروشيرازي، وعليهم اعتمد، وليس على أفارقة زنجبار  قال:" إن رجال البر أثق بهم أما أفارقة زنجبار فلديهم ولاء قديم وارتباطات مع العرب لذا كان معظم قواته من البر مما جعلنا نسمي ما حدث غزواً أجنبياً"، فتكونت مجموعته الأولى من 27 كينياً، و2 روديسيين، و4 تنجانيقا، وموزمبيقي، 3 أوغندا،2 من مالاوي، 2 من زنجبار فكان نواة الجيش الخاص لأوكيلو من 42 مرتزقاً، عندما بدأ هجومه وصل عددهم نحو 1500رجل معظمهم من الشباب ما بين 20-30 لا يعملون(ص 95).

أدى الغزو الأجنبي لزنجبار عام 1964 إلى تغيير جوهري في من يحكمون جمهورية زنجبار وبمبا، حيث انتهى حكم العمانيين الذي استمر نحو ثلاثة قرون منذ مجيئ اليعاربة لمحاربة البرتغال بعد استنجاد إمارات شرق إفريقيا بهم في الستينيات من القرن السابع عشر الميلاديالحقيقة أن هناك اختلافاً في عدد الذين قتلوا، واحتجزوا، كذلك في أعداد اللاجئين نتيجة الانقلاب الموجه ضد العرب، فتم نهب محلاتهم، وأصبحت كلمة عربي مبرراً لرجال أوكيلو للقتل، والنهب واغتصاب النساء فيقول بترسون: " أثناء الأحداث إن مع نهاية الأسبوع الأول من اندلاع الحرب فر أكثر من 2000عربي من زنجبار إلى المخيمات، وكانت أوضاع المخيمات سيئة للغاية ومرعبة"، فما تعرضوا له إبادة جماعية لكونهم عرب، فقتل حوالي 5000 في أحداث زنجبار أغلبهم من العرب، وشرد من العرب مثلهم. (ص106)

بحسب الكاتب كان العرب يساقون جماعات إلى القتل والاعتقال من قبل رجال أوكيلو، ويقول: "إن عدد القتلى زاد عن عشرين ألف عربي، ويوضح كيف كان رجال أوكيلو يجمعون جثث الموتي في سيارات النقل، ويرمونها في المقابر الجماعية كالقمامة، وأوضح تجاهل وسائل الاعلام، وحقوق الإنسان والأمم المتحدة للمذبحة، يضيف الكاتب" لجأ العديد من الأفراد إلى ممبسة، ثم إلى دار السلام في البر الإفريقي، وكانت حكومة كينيا مستعدة لنقل اللاجئين، ولقد وصل السلطان وحاشيته إلى ممبسه على سفينة السيد خليفة بشكل غير معلن، وكانت الحكومة الكينية سريعة الإدراك أن حضور السيد السلطان ربما يستفز المجموعة العربية هناك"، ومن ثم وافقت الحكومة الكينية على أن تحمل السلطان سفينة إلى لندن بتاريخ 17يناير عام 1964م، وحصل السلطان وأسرته على حق اللجوء السياسي شرط عدم المقاومة وأو العودة إلى زنجبار مدى الحياة. (ص106)

ارتبط الموقف الأمريكي من انقلاب عام 1964م بما عرف الحرب الباردة، ففي عام 1960م حققت الشيوعية نجاحاً في الجزائر، وكوبا، وشمال فيتنام، وأصيبت الولايات المتحدة بالقلق من انتشار الاشتراكية في زنجبار، وسبق وأن حصلت على موافقة بريطانيا في إقامة قاعدة صواريخ أمريكية لوكالة ناسا الأمريكية في زنجبار، واعترفت الولايات المتحدة الامريكية بدولة زنجبار الجديدة بزعامة عبيد كارومي  1964م، كما سارعت إسرائيل بالاعتراف بزنجبار. (ص122)

أدى الغزو الأجنبي لزنجبار عام 1964 إلى تغيير جوهري في من يحكمون جمهورية زنجبار وبمبا، حيث انتهى حكم العمانيين الذي استمر نحو ثلاثة قرون منذ مجيئ اليعاربة لمحاربة البرتغال بعد استنجاد إمارات شرق إفريقيا بهم في الستينيات من القرن السابع عشر الميلادي، ثم أسرة البوسعيد في النصف الأول من القرن الثامن عشر إلى 12/1/1964م، إذ قامت بريطانيا دور في القضاء على هذه الأسرة، ومساعدتها أوكيلو على الانقلاب ومساهمة إسرائيل في القضاء على الحكم العربي في زنجبار حيث قامت بمساعدة المتمردين بالمال والسلاح من أجل القضاء على الدولة التي كانت تسعى لإقامة علاقات مع الرئيس عبد الناصر العدو اللدود لإسرائيل ولتقويض الدولة المصرية. (134ص)

أشاعت بريطانيا الدعاية المغرضة ضد العرب لزرع بذور الحقد، والكراهية ضدهم، وإظهارهم على أنهم تجار رقيق، وصنعوا تماثيل توضح أن العربي يجر الأفريقي بالسلاسل إلى سوق الرقيق بالإضافة إلى أنهم وحدهم ملاك الأراضي، ومزارعي القرنفل والصفـوة، وأن الأفارقة لا يجدون طعاماً ولا فرص عمل.

كما قدمت الحكومة الإسرائيلية الدعم المالي والأسلحة لأوكيلو الأوغندي الأجنبي ورجاله عن طريق مكتب رجل الأعمال اليهودي ميشا فينسيبر،  وحزب نيريري في تنجانيقا بواسطة أوسكار كمبونا السكرتير العام لحزب تنجانيقا القومي، الذي كان صديق شخصي لعبد الله قاسم هانجا(كان على علاقة بإسرائيل عبر السفارة الإسرائيلية في دار السلام)، الذي سافر إلى الجزائر واقنع أحمد بن بلو رئيس الجزائر آنذاك لتزويده بالأسلحة لسبب ظاهري وهو استخدامها تحت قيادة لجنة الحرية التي كان رئيسها، وبالفعل أبحرت سفينة محملة بالأسلحة اسمها ابن خلدون ليلة الانقلاب بالإضافة إلى الأسلحة التي جاءت من إسرائيل إلى السفارة الإسرائيلية في دار السلام.

تكمن أهمية هذه الدراسة في أنها دراسة وثائقية تتناول أحداث 1964 م في زنجبار متعددة المصادر تعالج التشويه الذي تم لما حدث، وقلب الحقائق خاصة الدراسات الغربية عن الأحداث، كما اعتمد الباحث على ملفين من الأرشيف البريطاني، ووثائق المخابرات الأمريكية عن تلك الأحداث.

يختم الكاتب دراسته بقوله: "هذه صفحة مهمة من صفحات التاريخ العربي الحديث والمعاصر والتخطيط الغربي للقضاء على ما هو عربي وإسلامي ومحاولة القضاء على الدول العربية الواحدة تلو الأخرى. وضرب المناطق الحيوية والغنية في الدول العربية. ومن عجائب القدر أن العرب الذين قادوا الحركة الوطنية وسعوا لاستقلال زنجبار أن يكون جزاؤهم القتل والتشريد ويهجروا من بلادهم التي سعوا إلى تحريرها".

اقرأ أيضا: كيف انتهى الحكم العماني في شرق أفريقيا؟ كتاب يجيب (1من2)

مقالات مشابهة

  • ناصر الجديع: يجب أن يكون هناك تحرك للحد من السوق السوداء
  • 10 سنوات من الانقلاب.. الحوثيون يحتفلون في عز معاناة الشعب اليمني
  • ترامب: لا يجب أن يكون لدينا عداوة مع الدول التي تمتلك أسلحة نووية
  • حكم جريء في قضية ابتزاز إلكتروني: تعرف على تفاصيل الحكم الصادر عن محكمة صيرة!
  • الحباشنة .. كل شاب أردني يحب أن يكون مثل الشهيد الجازي
  • كيف انتهى الحكم العماني في شرق أفريقيا؟ كتاب يجيب (2من2)
  • كيف انتهى الحكم العماني في شرق أفريقيا؟ كتاب يجيب (2 من2)
  • توفر نظام التشغيل iOS 18.. قد لا يكون هاتفك iPhone متوافقًا معه
  • هل يكون فرانسيس البابا الأخير؟.. خبير بشؤون الفاتيكان يجيب
  • الحكم المحلي تناقش خطة مواجهة طوارئ الأودية في زليتن