الاضرار المترتبة علي خطاب الكراهية في السودان … ونماذج تاريخية من هذا الخطاب .. تقرير: حسن اسحق
تاريخ النشر: 28th, August 2023 GMT
بروز خطاب الكراهية في الفترة الاخيرة، يسبب بعض الهواجس والمخاوف للمتهمين بالشأن العام السوداني، اضافة الي الحرب الدائرة بين الجيش السوداني ومتمردي الدعم السريع، ادت الي اشعال هذا الفتيل، ابرز دليل علي ذلك، القتل علي اساس العرق في حاضرة ولاية غرب دارفور الجنينة، ما كان قتل المليشيات العربية للمساليت الا علي هذا الاساس، لذا، يجب ان لا يتم تجاهل هذا الخطاب في الوقت الراهن، بسبب خطورته علي مستقبل السودان.
مواجهة خطاب الكراهية
خطاب الكراهية، حسب التعريف علي موقع منظمة الامم المتحدة، يشير الي الكلام المسئ الذي يستهدف مجموعة او فرد بناء علي خصائص متأصلة ’’ مثل العرق او الدين او النوع الاجتماعي ‘‘ والتي قد تهدد السلم الاجتماعي، واما خطة الامم المتحدة بشأن خطاب الكراهية تعرفه، بانه اي نوع من التواصل الشفهي او الكتابي او السلوكي الذي يستخدم لغة ازدرائية او تمييزية بالاشارة الي شخص او مجموعة علي اساس الهوية، او علي اساس الدين او الانتماء الاثني او العرق او اللون الي اخره.
في اطار جهود محاربة خطاب الكراهية، اطلق الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريش في يونيو 2019، خطة عمل، وخارطة طريق لكيفية دعم المنظمة لجهو الدول واستكمالها، تؤكد علي الحاجة الي مواجهة الكراهية بشكل شامل، وفي ظل الاحترام الكامل لحرية والرأي، والتعبير، مع العمل بالتعاون مع اصحاب المصلحة بالمعنيين، بما في ذلك، منظمات المجتمع المدني، ووسائل الاعلام، وشركات التكنولوجيا، ومنصات التواصل الاجتماعي.
خطورة خطاب الكراهية
خطورة هذا الخطاب علي الجميع، حسب منظمة الامم المتحدة شهد العالم العديد من الفظائع الجماعية، وفي العديد من الحالات، تم تحديد خطاب الكراهية، علي انه تمهيد للعديد من الفظائع الجماعية، تري ان استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والمنصات الرقمية لنشر الكراهية يعتبر حديث نسبيا، مثلا، الابادة الجماعية ضد التوتسي في رواندا عام 1994، بسبب عقود من خطاب الكراهية الذي ادي الي تفاقم التوترات العرقية من خلال نشر شائعات لا اساس لها، وتجريد التوتسي من صفة الانسانية، الي جانب المعلومات المضللة الي الوصم بالتمييز، والعنف علي نطاق واسع.
تغذية الحروب
يوضح المحامي والباحث القانوني عبدالباسط الحاج في هذا الشان، من اخطر الخطابات التي تغذي الحروب وتشعلها، هي خطاب الكراهية التي تقوم علي اساس الجنس، والاثنية، والقبيلة او اللون او الدين، يقول ان هذا جزء من الاشكال الذي يتخذه خطاب الكراهية، حيث يقوم علي تعبئة الاطراف، وجعلهم اهداف يجب التخلص التخلص منهم بشكل نهائي.
يوضح عبدالباسط ان خطاب الكراهية يترتب عليه ابشع انواع الجرائم، بحيث تشكل جريمة الابادة الجماعية، واحدة من اخطر نتائج خطاب الكراهية، اضافة الي ذلك، يترتب عليه فصل عنصري، وتمييز سلبي، او تنميط يفضي الي ظلم صارخ او استبعاد اجتماعي فظ.
يضيف عبدالباسط خطاب الكراهية في جميع المجتمعات، الا انه يختلف من مجتمع لاخر بحسب مستوي التعليم، و الضوابط التي تضعها الدولة من خلال القوانين الصارمة التي تجرم خطابات الكراهية، و تحاسب عليها، و قد تتخذ كذلك هذه الضوابط شكل سياسات عامة تضعها الدولة للحد من تنامي نزعة التمييز ، و التعالي مقابل المساواة، و العدالة في توزيع الفرص و المواطنة علي أساس الحقوق و الواجبات.
تجريد الضحايا من الانسانية
بينما يقول احمد بن الاسود مدير مركز الامم المتحدة للاعلام لبلدان الخليج بالمنامة، بان اسوأ الفظائع الجماعية في التاريخ الانساني كان يغذيها خطاب الكراهية تجاه مجموعة من السكان، بما في ذلك الفئات الضعيفة، مما كان يعزز التمييز والتهميش، مشيرا الي ان هذه الجرائم المروعة لم تكن حتمية، ولسوء الحظ لم يتم سماع المناشدات اليائسة للضحايا، لانه تم تجريدهم من الانسانية نتيجة لخطاب الكراهية، ويجب تذكر الماضي، باعتباره امر بالغ الاهمية من اجل حماية المستقبل.
يشير احمد الي امر مهم للغاية، تحديدا في عالم اليوم، حيث يشهد العالم عودة مقلقة لمظاهر كراهية الاجانب، والعنصرية والتعصب، والامر الاكثر اثارة للقلق هو ان تقنيات الاتصال الجديدة قد جعلت تاثير الكراهية اكثر تدميرا، من اي وقت مضي، موضحا يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي ان تنشر خطاب الكراهية كالنار في الهشيم، وتعمل علي تقسيم الناس، وتهدد السلام العالمي، لا يوجد مجتمع او بلد في العالم في مامن من لا عقلانية الكراهية، بما في ذلك العالم الافتراضي.
اكد احمد ان الامم المتحدة لها تاريخ طويل في حشد العالم ضد الكراهية بجميع انواعها للدفاع عن حقوق الانسان، وتعزيز سيادد القانون، ويمتد تاثير خطاب الكراهية الي مختلف المجالات التي تركز عليها الامم المتحدة، بما في ذلك حماية حقوق الانسان، ومنع الفظائع، وتعزيز السلام، وتحقيق المساواة بين الجنسين، وتتصدي الامم المتحدة للكراهية من خلال، تنفيذ مبادرات تثقيفية، وحملات الخطاب الايجابي، وفهم الاسباب الجذرية ومعالجتها، اضافة الي تعزيز الاندماج والمساواة في الحقوق.
التربية الاسرية - وخطاب الكراهية
يري مسرور اسود، مفوض حقوق الانسان في العراق ان خطاب الكراهية تصنعه وتسببه عوامل عديدة، تبدأ من التربية الاسرية، تليها المدرسة، اوضح ان ما يتسبب في انتشار خطاب الكراهية الخطاب الديني المتشدد، وتساعد في ذلك ايضا وسائل الاعلام، و التواصل الاجتماعي التي اصبحت المنبر الاول الان لخطاب الكراهية، باعتبارها وسيلة اعلام مجانية للجميع، ايضا غياب التشريعات التي تعاقب علي بث خطاب الكراهية في الدول العربية.
يقول مسرور ان اخطر خطابات الكراهية هي التي تستند الي البعد الديني او العقائدي، كون صاحبه يعتقد خطا انه بكراهيته للمخالف في الدين يتقرب الي الله، بل يصل الامر ببعض من يتطرف في كراهيته للاخر ان يسلك سلوكا عنيفا تجاهه، هذا السلوك يقود الي ارهاب حقيقي مكتمل الاركان يعمل فقك علي اقصاء الاخر ونبذه، ويصر علي انهاء وجوده بشكل كامل.
تهديد تماسك الدولة السودانية
نفذ التضامن السوداني لمناهضة التمييز العنصري (تسامي) بالتعاون مع منظمة فريدم هاوس، في شهر ابريل الماضي، وقفة من أمام المحكمة الدستورية، وحتى نصب الشهيد عبدالفضيل ألماظ في إطار محاربة العنصرية وخطاب الكراهية، وذلك لرمزية المحكمة في تحقيق العدالة، ورمزية البطل، وتمسكه بسودانيته عندما سئل خلال المحاكمة عن قبيلته.
وأشارت إيمان فضل السيد، وهي إحدى المشاركات في المسيرة، الي الحاجة لوقف خطاب الكراهية والعنصرية الذي أصبح يهدد تماسك الدولة السودانية، ومشروع الدولة الوطنية، وأهداف ثورة ديسمبر المجيدة، ويعيق العدالة الانتقالية، ونوهت لدور الاعلام في هذا الصدد فضلاً عن دور مراكز البحوث في رصد هذا الخطاب وتحليله لتحديد جذوره الاجتماعية والاقتصادية.
دور وسائل الاعلام السالب في نشر الكراهية
بينما يروي الناشط ادم هارون سردية تاريخية عن الابادة الجماعية في سريبرينيتشا في البوسنة والهرسك، بسبب الدعاية القومية المستمرة من خلال وسائل الاعلام الموالية للحزب ادت الي شيطنة السكان المسلمين البوسنيين، اضافة الي دور حملات الكراهية والتضليل في التحريض علي جرائم الحرب واضفاء الشرعية عليها في حرب البوسنة ما بين 1992- 1995، وكاعدا يتامرون ضد الصرب، وهذا المشهد يتكرر الان في ولاية غرب دارفور، خاصة استهداف قبيلة المساليت علي اساليب قبلي بحت ومحاولة ابادتهم.
قال هارون، قام المتطرفون الصرب باسكات صوت المعارضة، في 1995، في ذلك الوقت، قتلت القوات الصربية في غضون ايام قليلة 8000 رجل وصبي من المسلمين البوسنيين في سيريبرينيتشا، هي بلدة تقطنها اغلبية مسلمة في شرق البوسنة، وتم اعلانها منطقة امنة تحت حماية الامم المتحدة، حسب التقارير للامم المتحدة خلفت حرب البوسنة اكثر من 100 الف قتيل و20 الف مفقود، والان تقوم المجموعات العربية باستئصال المساليت من اراضيهم التاريخية في المنطقة.
ishaghassan13@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: التواصل الاجتماعی خطاب الکراهیة فی وسائل الاعلام الامم المتحدة هذا الخطاب بما فی ذلک من خلال
إقرأ أيضاً:
السياسة الأمريكية تجاه السودان: من صراعات الماضي إلى حسابات الجمهوريين الباردة
شهدت العلاقة بين الولايات المتحدة والسودان محطات متباينة عبر التاريخ، حيث تأرجحت بين الانخراط الدبلوماسي والعقوبات الاقتصادية، وكان السودان دائمًا في موقع حساس داخل الاستراتيجية الأمريكية تجاه إفريقيا والشرق الأوسط. منذ استقلال السودان، تعاملت واشنطن معه وفق اعتبارات الحرب الباردة، فكانت تدعمه حين يكون في المعسكر الغربي، وتضغط عليه حين يميل نحو المعسكر الشرقي أو يتبنى سياسات معادية لمصالحها. خلال السبعينيات، دعمت إدارة نيكسون والرؤساء الجمهوريون الذين جاؤوا بعده نظام جعفر نميري، خاصة بعد أن طرد الأخير الخبراء السوفييت وتحول إلى التحالف مع الغرب، لكن هذا الدعم لم يكن بلا مقابل، فقد جاء مشروطًا بفتح السودان أمام المصالح الأمريكية، سواء في ملفات الاقتصاد أو الأمن الإقليمي.
مع وصول الإسلاميين إلى السلطة عام 1989 بقيادة عمر البشير، دخل السودان في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، خاصة بعد استضافته لأسامة بن لادن وجماعات إسلامية أخرى، وهو ما أدى إلى تصنيفه دولة راعية للإرهاب في 1993. العقوبات الاقتصادية التي فرضتها واشنطن عزلت السودان دوليًا، لكنها في ذات الوقت لم تمنع النظام من بناء تحالفات بديلة مع الصين وروسيا وإيران، ما جعل السودان يتحول إلى ساحة مواجهة غير مباشرة بين القوى الكبرى. ومع اشتداد الحرب في جنوب السودان، لعبت الولايات المتحدة دورًا غير مباشر في دعم المتمردين، وهو ما قاد إلى اتفاق السلام في 2005 الذي مهّد لانفصال الجنوب عام 2011. غير أن واشنطن، ورغم دورها الحاسم في تقسيم السودان، لم تفِ بوعودها تجاه الخرطوم، إذ استمر الحصار الاقتصادي لسنوات طويلة بعد الانفصال، ما زاد من تعقيد المشهد الداخلي وأدى إلى أزمات اقتصادية وسياسية عميقة.
خلال فترة حكم دونالد ترامب، تغيرت الاستراتيجية الأمريكية تجاه السودان من المواجهة المباشرة إلى نهج "المقايضة"، حيث تم ربط أي انفتاح أمريكي بمدى استعداد السودان لتقديم تنازلات سياسية وأمنية، وكان أبرز الأمثلة على ذلك اشتراط واشنطن تطبيع العلاقات مع إسرائيل مقابل إزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب في 2020. هذا النهج عكس طبيعة السياسة الخارجية لإدارة ترامب التي قامت على البراغماتية المطلقة، بعيدًا عن أي التزامات أخلاقية أو ديمقراطية. هذه الواقعية الصارمة قد تعود مجددًا في حال وصول الجمهوريين إلى السلطة مرة أخرى، مما يعني أن تعامل الولايات المتحدة مع السودان سيكون محكومًا باعتبارات المصالح الجيوسياسية وليس بدعم التحول الديمقراطي.
من المرجح أن تعتمد الإدارة الجمهورية القادمة، سواء بقيادة ترامب أو أي بديل آخر، على سياسة المقايضة بدلًا من الدبلوماسية التقليدية. السودان قد يجد نفسه أمام معادلة واضحة: ماذا يمكنه أن يقدم مقابل الدعم الأمريكي؟ في ظل هذه البراغماتية، فإن القوى المدنية التي لا تمتلك أدوات ضغط حقيقية قد يتم تجاهلها، فيما يتم التركيز على الفاعلين العسكريين باعتبارهم الأقدر على فرض الاستقرار، حتى لو كان ذلك على حساب التحول الديمقراطي. كذلك فإن الإدارة الجمهورية قد تستخدم العقوبات بشكل انتقائي، فتضغط على قوات الدعم السريع باعتبارها مرتبطة بروسيا وفاغنر، بينما تغض الطرف عن الانتهاكات التي يرتكبها الجيش السوداني إذا كان ذلك يخدم المصالح الأمريكية في الإقليم.
التحالفات الإقليمية ستكون أيضًا محورًا أساسيًا في الاستراتيجية الأمريكية تجاه السودان، إذ من المتوقع أن تتعامل واشنطن مع الملف السوداني عبر قنوات غير مباشرة، مثل مصر والإمارات، بدلًا من التدخل المباشر. هذه المقاربة قد تؤدي إلى صفقات سرية تعيد ترتيب الأوضاع بما يخدم القوى العسكرية المدعومة من هذه الدول، وهو ما سيجعل أي حل سياسي محتمل بعيدًا عن التوافق الوطني الحقيقي. في سياق أوسع، فإن السودان قد يتحول إلى ورقة ضغط في الصراع بين الولايات المتحدة وروسيا، حيث قد تسعى واشنطن إلى منع موسكو من توسيع نفوذها في البحر الأحمر عبر قاعدة بورتسودان، كما قد تستخدم الأزمة السودانية للضغط على الصين التي تمتلك استثمارات ضخمة في البلاد.
المسألة الأكثر حساسية في العلاقة بين السودان والإدارة الجمهورية القادمة ستكون ملف إسرائيل، إذ أن واشنطن قد تربط أي دعم سياسي أو اقتصادي بمزيد من التنازلات السودانية تجاه تل أبيب، سواء من حيث التعاون الأمني أو الاقتصادي. ترامب، في ولايته الأولى، استخدم سياسة فرض التطبيع كشرط مسبق للدعم، ومن المرجح أن يعود إلى نفس الأسلوب إذا فاز بولاية ثانية. هذه السياسة قد تضع السودان في مأزق داخلي، حيث أن التطبيع ما زال ملفًا خلافيًا في الساحة السودانية، ما يعني أن أي ضغط أمريكي في هذا الاتجاه قد يفاقم التوترات الداخلية.
في النهاية، فإن مستقبل العلاقة بين السودان والولايات المتحدة في ظل الجمهوريين سيتحدد وفق معادلة المصالح البحتة، بعيدًا عن أي التزام بدعم الديمقراطية أو الاستقرار طويل الأمد. واشنطن قد تدعم حلًا عسكريًا سريعًا للأزمة السودانية إذا كان ذلك يخدم مصالحها الإقليمية، لكنها لن تلتزم بمساعدة السودان على بناء نظام سياسي مستدام. كما أن السودان قد يجد نفسه في قلب صراع بين القوى الكبرى، حيث تسعى واشنطن إلى احتوائه ضمن استراتيجيتها لمواجهة النفوذ الروسي والصيني، مما قد يعقد الأزمة أكثر بدلًا من حلها. في ظل هذه التعقيدات، فإن السودان سيكون أمام خيارات صعبة، إما الخضوع للضغوط الخارجية وقبول حلول مفروضة، أو مواجهة سيناريو صراع طويل الأمد يعمّق أزماته السياسية والاقتصادية.
zuhair.osman@aol.com