عن ترجمة شيخ المدرسة التنكزيّة.. مدخل لبحوث في علم الاجتماع وفن تاريخ القدس
تاريخ النشر: 28th, August 2023 GMT
بيني وأخي الشيخ الدكتور محمد خالد كُلّاب المُبحِّث في الحديث، والنِّقَاب المفتِّش في علومه وتراجمِ أعيانه... وَشِيجة قديمة لا وَتِيرة فيها، رغم أنّ يميني لم تصافح يمينه، ولم تلتمع عيناي ببريق عينيه في مواجهة قطًّ، وقد أسعدني قبل نحو عام بأن أكتب تصديراً لكتاب جديد له مع البحّاثة المقدسي الشيخ يوسف الأوزبكي يترجم لصاحب كتاب "مثير الغرام إلى زيارة القدس والشام" شهاب الدين أبي محمود المقدسي شيخ المدرسة التنكزية في القرن الثامن الهجري الذي خلَف فيها شيخها الإمام خليل بن كيكلدي العلائيّ، وهي المدرسة التي أنشأها نائب الشام تنكز الناصري عام 729ه عند باب السلسلة.
والشهاب أبو محمود كان من تلامذة الإمام الذهبي أيضاً، والطريف أن ابنته كانت من شيوخ أئمة كبار كابن حجر العسقلاني وابن فهد.
ولأن الشهاب عاش أكثر حياته في القدس فإنك تراه شديد التعلق بها وبأخبارها فكتب عن أخبار تميم الداري وقومه الذين ينتمون إلى الخليل في جنوبي القدس، وعن أحاديث المعراج، وانتقى من كتاب فضائل بيت المقدس لأبي المعالي ابن المرجّى المقدسي وهو من أنفس الكتب المسندة في هذا الباب، ولكن الكتاب الذي اشتهر به الشهاب المقدسي ونال عناية الناس واهتمامهم هو كتاب مثير الغرام.
وأكثر ما يلفت النظر في هذا الكتاب هو العناية الفائقة بصحيح البخاريّ، وكان الاهتمام به سماعاً وتصحيحاً وضبطاً ومقابلة ونسخاً قد ازداد جداً في القدس، التي كان فيها منه نسخ للمزي والميدومي والمنذري والرملي...، ونجد الشهاب يقرؤه على عديد من شيوخه عدة مرات، كما يأتيه الناس من كل مكان لسماعه عليه، وكان من جملة من سمعه عليه مجد الدين الفيروزبادي صاحب القاموس المحيط، وتقي الدين القلقشندي.
ولم يكن هذا المجلس مختصاً بطلبة الحديث والمتشرّفين بحمل الأسانيد، فقد كان يحضره مسؤولوا القدس ونوابها وقيادتها من سلك القضاء والأمن ووكلاء الجاليات وممثليهم وأهل القدس والزائرين والمقدّسين لحجّتهم وأئمة المسجد الأقصى وخطباؤه وكان مفتوحاً للرجال والنساء والأطفال... وبالتالي فإن مجلس السماع بات من الأحداث المشهودة والمناسبات المذكورة التي يجتمع عليها الناس، بل كان من أسباب الإقامة الطويلة في القدس.
ولم يكن هذا السماع في المدرسة التنكزية فحسب، بل سجلت متابعات الأستاذين هنا تلك المساحة الجغرافية الواسعة التي تتحرك فيها هذه المجالس، مما يؤكد شعبيّتها، فقد جلسوا للسماع في الخانقاه الدويدارية عند باب شرف الأنبياء، وهي خانقاه صوفية وقفها النائب الشهير علم الدين سنجر الجاولي في أواخر العصر الأيوبي، ورصدنا سماعاً في المدرسة الملكية أو مدرسة الجوكندار التي بنيت عام 741 على يد الحاج ملك الجوكندار الناصري فوق الرواق الشمالي بالمسجد الأقصى بين المدرسة الفارسية والمدرسة الأسعردية.
وهناك سماع في الخانقاه الفخرية، ومسجد المغاربة وعند باب حِطّة ولدى قبة المعراج وعند قبة السلسلة وباب السلسلة وفي رواق الكريميّة وفي صدر المسجد الأقصى وفي الزاوية الختنية ومدرستها التي كشفت السماعات فيها معلومات جديدة عن واقفها ذكرها المؤلفان.
وكانت قبة الصخرة أشرف المواضع التي يقرؤون فيها صحيح البخاري والكتب المسندة الأخرى.
ولم تكن هذه الجغرافيا مقتصرة على القدس، بل تحركت صوب الجغرافيا المحيطة ولاسيما في سماع الأجزاء التي تتعلق بهذا المكان، فقد سمع الشهاب عن شيخه العلائي مثلاً جزءاً في ذكر كليم الله موسى وما يتعلّق بقبره سنة 735ه، وذلك في الموضع المسمى اليوم بالنبي موسى قرب أريحا في برّيّة القدس، كما كانوا يسمعون أجزاء في موضوع نبي الله إبراهيم الخليل وما يتعلق بقبره في مسجد الخليل؛ ومن طرائف ما تثبته السماعات أن هذه المجالس كانت في البيوت أيضاً، ومن ذلك ثبت السماع بمنزل أسد الدين محمد بن محمد الهكّاري الطوريّ الذي كان يسكن في جبل الطور في ظاهر القدس.
وفي العموم فإن هذه الترجمة مختلفة جداً عما كنا نقرؤه من التراجم فقد استخرجها الباحثان من قلب السماعات المخطوطة وانتزعا منها مداخل لبحوث جديدة في علم الاجتماع وفن التاريخ المتعلق بالقدس، وأتمنى حقاً أن يطالع المحبّون للدراسات المقدسية هذا الكتاب ليعرفوا قدر الفائدة المغموسة فيه.
(المدرسة التنكزية اليوم مركز أمني يدير منه المحتلّ سلطته على المسجد المقدس الأقصى، وتحوّل إلى موضع تعبُّد لطائفة من القطعان الشاردة المجنونة المتسللة في الظلام)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الحديث كتاب القدس القدس فلسطين كتاب حديث كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
مجلة "داون" تسلط الضوء على "الزينيبات" في اليمن.. الجناح النسائي العسكري للحوثيين وأنشطتهن (ترجمة خاصة)
من القصص الأقل شهرة في الصراع اليمني أن جماعة الحوثي، لديها كتيبة عسكرية نسائية بالكامل تُسمى "الزينبيات". تتكون الكتيبة من نساء وفتيات صغيرات من الطبقات الاجتماعية الأكثر ضعفًا ومن المهمشين (يمنيات يُزعم أنهن من أصول أفريقية ويواجهن التمييز)، وقد تم تدريبهن وفقًا لبروتوكولات الحرس الثوري الإسلامي الإيراني.
تأسست "الزينبيات" في محافظة صعدة منذ أكثر من عقد، ونشطت خلال النزاعات الستة بين أنصار الله والدولة. ومع ذلك، ازدادت أهميتها بعد سيطرة أنصار الله على اليمن في سبتمبر 2014. وتمثل دورها بشكل أساسي في جمع المعلومات الاستخبارية وتقديم الدعم اللوجستي لأنصار الله، بالإضافة إلى نشر أيديولوجية الجماعة. وقد أفادت التقارير أن كتيبة "الزينبيات" تدربت في العاصمة اليمنية صنعاء، ولبنان، وإيران. يُزعم أن تأسيسها استلهم من تجربة قوات الباسيج شبه العسكرية في إيران، إلا أن مقارنات جرت أيضًا مع قوة الحسبة التابعة لما يُسمى بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ووحدة فراجا الأمنية النسائية الإيرانية.
من بين أنشطة الزينبيات المشاركة في التجمعات النسائية، وتجنيد النساء والأطفال، وجمع المعلومات عن معارضي أنصار الله. في عام 2017، ظهرت الكتيبة لأول مرة علنًا في عرض عسكري بصنعاء. المعلومات حول هيكلها وعدد مجنداتها غير متسقة أو واضحة، ولكن يُقدر عددهن بأكثر من 4000 امرأة في عام 2022. ما هو معروف علنًا هو أن الزينبيات تتكون من أربع وحدات تشرف عليها زوجات وأخوات قادة أنصار الله: وحدة عسكرية؛ ومجموعة إلكترونية تُعنى أيضًا بوسائل التواصل الاجتماعي؛ ووحدة احتجاز؛ ووحدة تجسس وقائية تتجسس على المجتمع اليمني.
يمكن القول إن أخطر وحدة على الحريات في اليمن هي وحدة التجسس الوقائي، التي تخترق التجمعات النسائية غير الرسمية لجمع المعلومات. ففي الثقافة اليمنية، يُقيّد وصول الرجال، حتى العسكريين منهم، إلى الأماكن المخصصة للنساء. لذا، تستطيع الزينبيات سدّ هذه الفجوة دون انتقام من قبائل المجتمع أو نخبه. علاوة على ذلك، يمنح نشر الوحدة جماعة أنصار الله نفوذًا ونفوذًا كاملين على جميع شرائح المجتمع، مما يجعل الزينبيات أداة قوية، وإن كانت غالبًا ما تكون خفية، في أنظمة حكمها وقمعها.
تشمل أنشطة الكتيبة مداهمة مساجد النساء لإجبار الحاضرات على الاستماع إلى محاضرات تُشيد بجماعة أنصار الله، وترسيخ فكرة أن سلطتهن وقيادتهن شرعية، نظرًا لاعتبار أعضائها من نسل النبي محمد. وقد أفادت التقارير بأن جهاز أمن الزينبيات نفّذ اعتقالات واعتداءات ضد ناشطات معارضات لأنصار الله، وفضّ احتجاجات نسائية، بل وقام بمهام أكثر دناءة. وردت تقارير تفيد بتورط الزينبيات في تعذيب النساء المعتقلات لإجبارهن على الإدلاء باعترافات مسجلة.
على سبيل المثال، قبل عدة سنوات، روت ناشطة مُفرج عنها تُدعى عائشة قصة اختطافها وسجنها في سجن سري بصنعاء. تعرضت لاعتداءات جسدية يومية، لدرجة أنها فقدت الوعي عدة مرات. كما أفادت بتعرضها للتحرش الجنسي والتهديد بالاغتصاب إذا لم تقبل الاتهامات الباطلة بتعاونها مع التحالف الذي تقوده السعودية. قاومت لمدة شهرين، ثم وافقت أخيرًا على تسجيل اعتراف مصور مقابل إطلاق سراحها. ومع ذلك، بعد تسجيل الفيديو، بقيت مسجونة لمدة عام وشهرين إضافيين.
من أشهر أفعال الزينبيات احتجاز النساء اللاتي احتججن للمطالبة بدفن جثمان علي عبد الله صالح عام 2017 بعد اغتياله. في النهاية، دفن أنصار الله صالح في مكان مجهول، بحضور عدد قليل من أفراد عائلته. كان المتظاهرون واثقين من أن الرجال لن يهاجموهم، لأن مهاجمة النساء بهذه الطريقة مرفوضة في الأعراف اليمنية، لكنهم فوجئوا برد الفعل العنيف من المسلحين وأعضاء الزينبيات. بعد أيام قليلة، قاموا بتفتيش المنازل بحثًا عن عسكريين موالين لصالح أو حزبه السياسي. بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، شاركوا في الضغط على النساء لحضور مراسم التعبئة في صنعاء وإب وحجة، بهدف دعم غزة وبناء القدرة العسكرية لأنصار الله للتضامن مع فلسطين ولبنان.
في السنوات الأخيرة، دأبت الزينبيات على القيام بزيارات مفاجئة للمنازل "لتشجيع" النساء على التبرع بالمال والمجوهرات لتمويل المجهود الحربي، ولا يزال هذا السلوك مستمرًا. وهناك شهادات من ربات البيوت زعمن أنه في حال رفضهن التبرع، سيُحرمن من غاز الطهي. ووفقًا لمصادر أنصار الله، تمكنت الزينبيات في ديسمبر/كانون الأول 2024 من جمع حوالي 100 ألف دولار من خلال هذه الأساليب لتطوير القوة الصاروخية للجماعة.
في وقت سابق، عام 2020، تورطت جماعة أنصار الله في مداهمة حفلات التخرج لمنع التجمعات المختلطة ومنع الموسيقى. علاوة على ذلك، شاركت الزينبيات في الإيقاع بالسياسيين الذين يُبدون اختلافهم مع قيادة أنصار الله من خلال إجراء مكالمات ودردشات غير لائقة معهم، ثم ابتزازهم. وقد أفاد تقرير الشبكة اليمنية للحقوق والحريات بـ 1444 انتهاكًا ضد النساء اليمنيات ارتكبتها الزينبيات بين ديسمبر 2017 وأكتوبر 2022.
تكمن أهمية الزينبيات في أنها تُظهر كيف يوسع أنصار الله نطاق أدوات القمع ويرسّخها في المناطق التي يسيطرون عليها. في عام 2020، مُنحت الكتيبة رتبًا عسكرية رسمية، ونُشرت أعضاؤها في جبهات القتال مقابل حوافز مالية. تُثير الزينبيات قلقًا بالغًا لأنهن، كإناث، لديهن القدرة على الاندماج في أعمق نسيج المجتمع اليمني. وقد أُثير هذا القلق أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في عام 2020. في فبراير 2021، فرضت الأمم المتحدة عقوبات على المدير العام الراحل لقسم التحقيقات الجنائية، سلطان زابن، لاستخدامه الزينبيات في عمليات المراقبة وتعذيب وإساءة معاملة النساء المحتجزات.
يعكس إضفاء الطابع المؤسسي على الزينبيات مدى تسليح أنصار الله للأدوار الجندرية للوصول إلى مساحات كانت يصعب الوصول إليها تقليديًا. من خلال هذه الكتيبة، أنشأن آلية قوية للمراقبة والتلقين والقمع. إن توسيع حجم الكتيبة وقدراتها قد يؤدي إلى تآكل الحريات المدنية بشكل كامل في المناطق التي لا تزال تحت سيطرة أنصار الله.
يمكن الرجوع للمادة الأصل: هنا
ترجمة خاصة بالموقع بوست