حراك السويداء... هذه المرّة مختلفة
تاريخ النشر: 28th, August 2023 GMT
السويداء... هذه المرّة مختلفة
لا شك أن الأسد يدرك تماماً أن أي تحرّك ضد السويداء سيشكّل نهاية حتمية لحكمه.
واضح ارتباك النظام حيال حراك السويداء قراءة وسائل إعلامه تكشف حجم التخبّط تجاه الحراك، وعدم القدرة على صياغة سردية مقنعة ضدّه.
طبيعة الجبل الجغرافية عامل مؤثر في أي قرار عسكري قد يفكّر الأسد باتخاذه، فضلاً عن ارتباط جغرافي بين السويداء ودرعا، واحتمال تشكيلهما فضاء متمرّداً واحداً.
يتحدث الحراك عن مطالب كل السوريين ولا يقتصر على مطالب السويداء، ويطالب بتطبيق قرار مجلس الأمن 2254، وإخراج المعتقلين، وإخراج روسيا وإيران من سورية.
* * *
المؤشّرات عديدة عن اختلاف حراك السويداء الحالي عما سبقه على مدار السنوات الأخيرة، وهو ما دفع السوريين والخارج إلى الالتفات الجدّي إلى ما تشهده هذه المدينة الجنوبية، والتساؤل بشأن قدرة هذا الحراك في تحريك الجمود الحاصل في سورية.
لا بد من إدراك السياق الذي تجري فيه أحداث السويداء، بعد جمود مسار الانفتاح العربي على نظام الأسد، وتوتّر الأوضاع في شرق سورية، حيث تلوح نذُر تصادم بين القوات الأميركية والمليشيات الإيرانية والروسية، بالإضافة إلى ظهور مؤشّرات عن تململ بدأ يضرب حاضنة النظام في الساحل. وتأتي أهمية هذا السياق من إضعاف خيارات نظام الأسد في التعاطي مع حراك السويداء، مقابل منح الحراك زخماً أكبر وقدرة على التأثير.
اللافت في الحراك الحالي اتّساع نطاقه أفقياً وكثافته، إذ انضمّت قرى جبل العرب للحراك بقوّة، كما أعلنت عشائر البدو انضمامها له. وعمودياً، يبدو أن الحراك ضمّ رجال الدين، ونخب السويداء، وقطاعاتٍ مهمّة، مثل التجار، والعمال، والطلاب، والمزارعين، في المدينة والريف، بمعنى أن الحراك ضرب عميقاً في مجتمع السويداء، بحيث باتت ادّعاءات إعلام النظام بأن من يشارك هم فئات خارجة عن القانون أشبه بنكتة سمجة.
ولعل ما يميّز الحراك الحالي سماته الجديدة التي تربط الاقتصادي بالسياسي، إذ لا تقتصر مطالب الحراك على الجانب المعيشي، رغم مركزيّته في الحدث، بل تتعدّاها إلى المطالبة بالتغيير السياسي، ما يؤكّد إدراك أهل السويداء أن الخلاص من هذه الأوضاع الكارثية لن يتم إلا من خلال رحيل هذا النظام، وولادة ديناميكيات سياسية جديدة تضع سورية على طريق الخروج من أزمتها التي صنعها الأسد وحلفاؤه.
المميز أيضاً في هذا الحراك أنه يتحدّث عن مطالب السوريين جميعاً، ولا يقتصر على مطالب خاصة بالسويداء، فهو يطالب بتطبيق قرار مجلس الأمن 2254، وإخراج المعتقلين، وإخراج روسيا وإيران من سورية بوصفهما قوتين محتلّتين وناهبتين ثروات سورية، وهذا يدللّ على درجة وعي عالية نتيجة خبرة طويلة بالتعامل مع النظام، بقدر ما تؤشّر جذرية هذه المطالب إلى أننا أمام حراك، بالإضافة إلى عمقه وشموليّته، فهو أيضاً حراك قد يكون طويل الأمد.
كان واضحاً ارتباك النظام حيال حراك السويداء هذه المرّة، فقراءة وسائل إعلامه تكشف عن حجم التخبّط تجاه هذا الحراك، وعدم القدرة على صياغة سردية مقنعة ضدّه، كما تكشف قراءة صحافة حلفائه عن استشعارهم المخاطر التي ينطوي عليها حراك السويداء، ودقّهم ناقوس الخطر، عبر ربط الحراك بالتطوّرات الجارية على مستوى الإقليم، وخصوصاً الترتيبات التي تقوم بها القوات الأميركية في قاعدة التنف ومناطق شرق سورية.
وربما، لهذه الأسباب بدت استراتيجية النظام في إدارة الأزمة التي يواجهها في السويداء غير واضحة، فلا هو يتقدّم بتلبية المطالب الاقتصادية، ولا هو قادر على استخدام وسائل أخرى، كما اعتاد في مواجهة مثل هذه الأزمات، وما يزيد من إرباكه أنه يواجه، في الوقت نفسه، ما يشبه تمرّداً داخل بيئته الحاضنة في الساحل السوري، ويستخدم سياسة الاعتقالات لإسكات الأصوات التي نادت بإيجاد حلول للأوضاع الاقتصادية الصعبة، وحمّلت رأس النظام المسؤولية عمّا وصلت إليه أحوال البلاد.
عملياً، تبدو خيارات نظام الأسد ضعيفة جداً تجاه السويداء، بعد أن جرى تفكيك شبكات التأييد والقمع التي صنعها في جبل العرب، إذ أعلن شيوخ العقل الثلاثة وقوفهم مع الحراك ومطالبه، كما استطاعت القوى الفاعلة في السويداء، في الأشهر الأخيرة، تفكيك أكثر المليشيات الموالية للأسد والعاملة بإمرة أجهزته في السويداء، كما أن عناصر حزب البعث والمخبرين باتوا محاصرين من الأهالي.
لا يستطيع الأسد استخدام القوّة الصلبة في مواجهة حراك السويداء، إذ عدا عن أنه في هذه المرحلة تحت المجهر الأميركي، فهو لا يستطيع التقدير إلى أي مدى سيكون لذلك تداعيات على مستوى المنطقة، في ظل استنفار أميركي، وتأهّب إسرائيلي، وانزعاج أردني، كما أن طبيعة الجبل الجغرافية عامل مؤثر في أي قرار عسكري قد يفكّر الأسد باتخاذه، فضلاً عن الارتباط الجغرافي بين السويداء ودرعا، واحتمالية تشكيلهما فضاء متمرّداً واحداً، لذا لا بد أن النظام يضع في حساباته أن أي تصرّف غير محسوب بدقة، وربما موزون بميزان من الذهب، ستكون نتيجته خروج السويداء والجنوب السوري بجملته عن حكم النظام.
تحدّث الأسد في لقائه أخيراً مع قناة سكاي نيوز عربية عن نماذج التعاطي الغربي مع صدّام حسين ومعمر القذافي، ربما كان يدور في خاطره أن الدول الغربية هبّت ضد صدّام عندما أصبح يشكّل تهديداً لمكوّنات بعينها، الشيعة والأكراد، فأقامت لحمايتهم مناطق آمنة، وأن الحرب التي شنّها حلف الناتو على القذّافي كانت بسبب تهديده بالقضاء على ثوار بنغازي، ولا شك أن الأسد يدرك تماماً أن أي تحرّك ضد السويداء سيشكّل نهاية حتمية لحكمه.
حراك السويداء هذه المرّة مختلف، لأن أهل السويداء باتوا أمام مخاطر وجودية لم يعد ممكناً المناورة إزاءها، فالمحافظة بدأت تعاني من تفريغ لشبابها الذين هاجروا بالآلاف إلى الخارج، حتى إن جيلاً بكامله خرج، أو يستعد للخروج من السويداء. بالإضافة إلى وجود عمليات شراء للأراضي تقوم بها جهاتٌ تتبع لإيران، بمعنى أن هناك مخطّطاً لتغيير هوية المحافظة يجري على قدمٍ وساق، ولعل هذا ما دفع مختلف القطاعات والفئات إلى المشاركة في الحراك.
*غازي دحمان كاتب وباحث سوري
المصدر | العربي الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: سورية السويداء درعا حراك بشار الأسد الثورة السورية حزب البعث حلف الناتو
إقرأ أيضاً:
أمانة العاصمة.. حراك صيفي في مضمار العلم والجهاد
يمانيون../
حراك كثيف وإقبال متزايد.. حماس كبير ومعنويات عالية، أنشطة متعددة وبرامج متنوعة هادفة.. معارف وعلوم نافعة، وبناء ديني وثقافي وعلمي.. فوائد وثمار كبيرة.. إسناد وتفاعل مجتمعي واهتمام رسمي، ذلك ما تشهده الدورات الصيفية في أمانة العاصمة.
لم يكن كل ذلك ليتحقق لولا الاهتمام الرسمي والوعي المتنامي لدى المجتمع بأهمية الدورات الصيفية، بعد أن لمس ثمارها الإيجابية على أرض الواقع، ما جعل أولياء الأمور يدفعون بأبنائهم للالتحاق بهذه الدورات المفيدة.
أضحت مقار الدورات والأنشطة الصيفية في مختلف أحياء ومديريات الأمانة خلايا نحل في حراكها التوعوي والثقافي والعلمي والرياضي والاجتماعي، بغية بناء قدرات الطلاب والطالبات لتنشئة جيل متسلح بالوعي والبصيرة والثقافة القرآنية والهوية الإيمانية، يحمل روح المسؤولية للنهوض بمجتمعه ونصرة قضايا أمته.
وبالإضافة إلى سعي هذه الدورات والأنشطة إلى استثمار أوقات العطلة الصيفية في تنوير الطلاب والطالبات، فإنها تهدف أيضاً إلى توسيع مداركهم وتنمية مهاراتهم في مختلف المجالات، واكتشاف مواهبهم وإبداعاتهم المتعددة وصقلها بما يعود بالنفع عليهم وعلى أسرهم والمجتمع والأمة.
وتعمل الدورات والأنشطة الصيفية على تحصين الأجيال الناشئة بالعلم والمعرفة وحمايتها من سموم الحرب الناعمة والثقافات المغلوطة والمضللة والمنحرفة خصوصاً مع استهداف أعداء الأمة لها بمخططاتهم التآمرية التدميرية، وحربهم الرامية إلى استغفال وخداع وإفساد المجتمعات والسيطرة عليها والتحكم بها.
إقبال متزايد
المسؤولية الدينية في بناء الجيل الصاعد وتزويده بالعلم والمعرفة هي المنطلق الأساسي للدورات الصيفية، وذلك يأتي ترجمة لموجهات قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، وتوجيهات المجلس السياسي الأعلى.
لقد بات المجتمع في أمانة العاصمة وغيره من المحافظات أكثر وعياً وبصيرة من أي وقت مضى بأهمية الدورات الصيفية، وذلك ما يعكسه الإقبال المتزايد للطلاب والطالبات على الالتحاق بها.
وتشهد الدورات الصيفية في كافة الأحياء والمديريات تسابقاً بين طلابها وطالباتها لحصد ثمارها وفوائدها المتعددة فكرياً وثقافياً وتربوياً وبدنياً في أجواء مفعمة بالحماس والمعنويات العالية، وبذلك يستفيد المجتمع والوطن ويجني ثمار بناء جيل متسلح بالإيمان والوعي والمعرفة والعلم.
تنوع وتعدد الأنشطة حفز الطلاب والطالبات وبمعنويات عالية وحماس منقطع النظير على الإقبال عليها، والمشاركة الفاعلة فيها، بما في ذلك الأنشطة العلمية والرياضية والترفيهية والثقافية والزراعية والإبداعية والاجتماعية وغيرها.
اهتمام رسمي وتفاعل شعبي
تحظى الدورات والأنشطة الصيفية باهتمام وتفاعل رسمي ومجتمعي غير مسبوق لإنجاحها، لتقدم بذلك رسالة لأعداء الشعب اليمني والأمة، بأنهم لن يتمكنوا أبداً من أن يجعلوا الأجيال الصاعدة تابعة وخاضعة لهم، بل ستتصدى لمخططاتهم التآمرية، وتقود الأمة نحو النهضة والتطور.
وتشهد الدورات الصيفية زيارات ميدانية من قيادات الدولة والحكومة ورؤساء وأعضاء مجالس النواب والوزراء والشورى والقضاء والهيئات والمؤسسات العامة وقيادة السلطة المحلية ووكلاء الأمانة ومديري المكاتب التنفيذية والمديريات وقيادات مجتمعية وشخصيات اجتماعية.
وتجسد هذه الزيارات والاهتمام مستوى الوعي والتكامل بين الجانبين الرسمي والشعبي واستشعار الجميع للمسؤولية في الإسهام الفاعل لدعم وإنجاح هذه الدورات والأنشطة لدورها المثمر في تنشئة جيل متسلح بالعلم والمعرفة والثقافة القرآنية والهوية الإيمانية للنهوض بالأمة ومواجهة التحديات والمؤامرات التي يحيكها الأعداء ضدها، وتحصين هذا الجيل من الأفكار الهدامة والمغلوطة والحرب الناعمة.
حُسن التنظيم وتنوع الأنشطة
مما يميز الدورات الصيفية، حُسن التنظيم وتنوع الأنشطة التعليمية والتثقيفية والرياضية والترفيهية وغيرها، والتي من خلالها يكتسب الطلاب والطالبات الكثير من المعارف والعلوم والمهارات، ويصقلون مواهبهم المتعددة.
وجرى تنفيذ مئات الأنشطة المتنوعة اليومية والأسبوعية والنوعية في جميع المديريات حتى الآن، وبتنظيم متميز تحت إشراف آلاف العاملين والكوادر التعليمية والتربوية، ما يعكس المستوى المتطور للكادر التنظيمي والإشرافي على هذه الدورات.
وشملت تلك الأنشطة مسابقات في القرآن الكريم، ومسابقات منهجية ورياضية، وأخرى في مجالات متنوعة كالخطابة والإلقاء والشعر والإنشاد والمسرح والرياضة والثقافة والعلوم، مع الاهتمام بالابتكارات العلمية وصقل المواهب والمهارات.
كما شملت أنشطة ترفيهية وحرفية وزراعية ودروساً تطبيقية، فضلاً عن تنفيذ مبادرات اجتماعية وبيئية وإنسانية وحملات نظافة، وزيارات لرياض الشهداء والمساجد التاريخية، وغيرها من الأنشطة والفعاليات.
ويعيش طلاب وطالبات الدورات الصيفية طوال فترة التحاقهم بها، أجواء إيمانية معززة بالقيم والأخلاق الحميدة التي يتم غرسها في نفوسهم وتطبيقها في سلوكياتهم، ويتعلمون أيضاً مبادئ وقيم التعاون والإحسان والنزاهة والأخوة الإيمانية.
رسالة إلى الأعداء
واعتبر أمين العاصمة، الدكتور حمود عباد، المشاركة المجتمعية الواسعة لإنجاح الدورات الصيفية، رسالة واضحة وقوية إلى أعداء الوطن والأمة، بأن الشعب اليمني مستعد وعلى جهوزية عالية لمواجهتهم جيلاً بعد جيل، من خلال بناء أجيال قوية متسلحة بالعلم والمعرفة والثقافة القرآنية.
وأكد أن الإقبال الكثيف والمتزايد للطلاب والطالبات على الدورات الصيفية في كافة المديريات، يُعد انعكاساً للوعي المتنامي لدى أولياء الأمور بالفوائد الكبيرة والثمار العظيمة التي سيجنيها أبناؤهم من خلال المشاركة في هذه الدورات استغلالاً للعطلة الصيفية.
وأشار الدكتور عباد إلى أن ما يتلقاه النشء والشباب في هذه الدورات يسهم في بناء وتنمية شخصياتهم وتعزيز سلوكياتهم ليكونوا عناصر فاعلة في المجتمع والأمة، فضلاً عن فوائد الدورات الصيفية في صقل مواهبهم وتنمية إبداعاتهم ومهاراتهم في مختلف المجالات.
وأشاد بالجهود الكبيرة للكوادر والمعلمين والجهود المجتمعية والرسمية من أجل إنجاح أنشطة الدورات وتحقيق أهدافها، معتبراً تلك الجهود بمثابة حجر الزاوية في مواجهة أعداء الوطن والأمة.
تحصين من الغزو الفكري
من جانبه اعتبر وكيل أول الأمانة رئيس اللجنة الفرعية للأنشطة والدورات الصيفية خالد المداني، الدورات الصيفية خطاً دفاعياً يفشل خطط الأعداء الرامية إلى إفساد الجيل وحرفه عن المسار الإيماني الصحيح، كما أنها تعمل على الارتقاء بالأجيال وتنويرها بالمعرفة والثقافة القرآنية، ما يمكنها من إحداث تغيير حقيقي في واقعها.
ولفت إلى أهمية الدورات الصيفية وغايتها السامية في تحصين وحماية النشء والشباب من مخاطر الغزو الفكري والحرب الناعمة والثقافات المغلوطة والمضللة التي يستهدف بها الأعداء أجيال الأمة لتبقى خانعة وتابعة لهم.
ووصف المداني هذه الدورات بمنارات العلم والمعرفة التي تعزز قيم ومبادئ العزة والكرامة والحرية والاستقلال التي سعت إليها ثورة 21 سبتمبر.. مشيراً إلى دورها الكبير في إنشاء أجيال تسير بهدى الله والقرآن الكريم وتستجيب لأوامره وتنتهي عما نهى عنه، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر كما أراد الله عز وجل.
وأوضح أن الدورات الصيفية تنطلق من رؤية تربوية ترتكز على الثقافة القرآنية والهوية الإيمانية للشعب اليمني وتبني جيلاً قادراً على التمييز والتحليل، متحملاً للمسؤولية، ينشأ على مكارم الأخلاق، ويكتسب المهارات والقدرات العالية لفهم العدو ومؤامراته وكيفية التصدي لها، وتحصنه من المد الصهيوني والتضليلي عبر وسائل الإعلام وشبكات التواصل وشاشات الهاتف والتلفاز.
وأكد وكيل أول الأمانة أن الشعب اليمني أصبح أكثر وعياً وإدراكاً لما يحيكه أعداء الأمة ضدها، وذلك ما يعكسه الإقبال المتزايد عاماً بعد عام للالتحاق بالدورات الصيفية من قبل الطلاب والطالبات، وحرص أولياء الأمور على ذلك.
سبأ – ماهر الخولاني