هل يمنع الشرع من زيارة المتوفى قبل مرور 40 يوما من موته
تاريخ النشر: 28th, August 2023 GMT
التمسك بالكتاب والسنة من صفات المتقين وقال الشيخ الالباني رحمه الله إنه لا حرج على المسلم في زيارة القبر في أي وقت، وزيارة القبور من الأمور المستحبة، لما فيها من تذكر الموت والآخرة والاعتبار والاتعاظ بحال من سبق والسلام على المؤمنين والدعاء لهم، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يزور أهل البقيع ويقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية.
وقد ندب النبي صلى الله عليه وسلم لزيارتها وعلل ذلك بتذكيرها الآخرة، كما في صحيح مسلم وغيره أنه صلى الله عليه وسلم قال: كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها. وفي رواية: فإنها تذكركم الآخرة. رواها أحمد، وصححها الأرناؤوط.
ولا نعلم ما يخالف هذا إلا ما كان سابقاً من النهي المنسوخ بحديث مسلم، وبخصوص ما إذا كانت تجوز زيارتها قبل الأربعين، فجوابه أن ذلك يجوز، وقد أفتى الشيخ ابن عثيمين بأن موضوع الأربعين لا أصل له حيث قال: أما بالنسبة لزيارة القبور بعد أربعين يوماً: فهذا لا أصل له، بل للإنسان أن يزور قريبه من ثاني يوم دفنه ولكن لا ينبغي للإنسان إذا مات له الميت أن يعلق قلبه به وأن يكثر من التردد على قبره، لأن هذا يجدد له الأحزان وينسيه ذكر الله - عز وجل - ويجعل أكبر همه أن يكون عند هذا القبر وربما يبتلى بالوساوس والأفكار السيئة والخرافات. انتهى.
ولكن أهل العلم قد اختلف في زيارة النساء للقبور، فجوزها الجمهور، وسبب الخلاف فيها ما ثبت من لعنة الزوَّارات في حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه: لعن الله زوارات القبور. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وصححه الألباني.
وعموم قوله صلى الله عليه وسلم: كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، فإنها تذكركم الآخرة. رواه أحمد وصححه الأرناؤوط، وقد ذكر الحاكم في المستدرك نسخ الحديث الأول بالثاني.
وقال ابن عبد البر: قيل كان النهي عاماً للرجال والنساء ثم نسخ بالإباحة العامة ـ أيضاً ـ لهما، فقد زارت عائشة قبر أخيها عبد الرحمن، وكانت فاطمة تزور قبر حمزة، وقيل إنما نسخ للرجال دون النساء، لأنه صلى الله عليه وسلم لعن زوارات القبور، فالحرمة مقيدة بذلك دون الإباحة لجواز تخصيصها بالرجال دونهن بدليل اللعن. انتهى.
ووفق القرطبي بينهما ونصره الشوكاني فوفق بحمل اللعن على من تكثر الزيارة نظراً لصيغة المبالغة الواردة في الحديث، وجواز الزيارة من غير إكثار، ويدل لرجحان الجواز من غير إكثار ما في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عائشة ـ رضي الله عنها: أن جبريل قال له: إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم، قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ قلت: كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال: قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين المسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون.
ويدل له كذلك إقراره صلى الله عليه وسلم للمرأة التي مر بها تبكي عند قبر، كما في البخاري من حديث أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر، فقال: اتقي الله واصبري.
قال ابن حجر في الفتح محتجاً بالحديث على جواز زيارة النساء للقبور: موضع الدلالة منه أنه لم ينكر على المرأة قعودها عند القبر، وتقريره حجة، ومحل هذا إن علمت السلامة من وقوع محرم كمخالطة الأجانب وتضييع البيوت، أو قيامهن بالصياح، أو غير ذلك.
ثم إنا ننبه إلى أن ذكرى الأربعين ونحوها من كل مأتم يجتمع فيه الناس يقام للميت بدعة في الدين لم تعهد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عهد أصحابه ولا في القرون المشهود لهم بالخير، والخير كله في الاتباع وترك الابتداع.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: النبی صلى الله علیه وسلم ـ رضی الله
إقرأ أيضاً:
جمعة رجب
غداً هي أول جمعة من شهر رجب الأصب، وهذه الجمعة المباركة الميمونة خلدها أبناء شعبنا منذ القدم، لا لشيء إلا لأنها كانت المحطة الأولى التي دخلوا فيها إلى الإسلام، والقصة كما نعرف مشهورة، وهي أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بعث إلى اليمن الصحابي خالد بن الوليد فظل ستة شهور يتنقل في عدة مناطق ولم يتوصل إلى شيء، ما اضطر الرسول الأعظم أن يوفد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الذي ما إن وصل إلى صنعاء حتى دعا كل أقيال ووجهاء اليمن للاجتماع في الحلقة بصنعاء وهو السوق الذي سُمي بهذا الاسم حتى اليوم، وبمجرد أن ألقى عليهم رسالة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ارتفعت الأصوات تُشهر الدخول في الإسلام، ولذلك خلد اليمنيين هذا اليوم وأعطاه الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين عليه السلام طقوساً خاصة بأن جعله محطة إيمانية اجتماعية للتآلف بين الأُسر وبث المحبة بين اليمنيون، ولإسلام اليمنيون مكانة خاصة عند الكثيرين كونها كانت النقلة النوعية التي ارتقت بالإسلام إلى مرحلة جديدة تهلل معها وجه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالبُشر .
وقد تطرق إلى هذه المحطة الكثيرون ومنهم العلامة الأستاذ المرحوم عبدالرحمن الشرقاوي صاحب كتاب (علي إمام المتقين)، جاء ذلك في مقال له نشره في مجلة روز اليوسف المصرية التي رأس تحريرها مدة من الزمن، فأكد أن الواقعة تستند إلى أدلة ثابتة في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، ومنها قوله تعالى ( مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) صدق الله العظيم، وقول الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم (جاء المدد جاءكم أهل اليمن هم أرق قلوباً وألين أفئدة )، أو كما قال، إضافة إلى آيات وأحاديث أخرى جعلت الرسول صلى الله عليه وآله سلم يخر ساجداً شكراً لله وقرأ سورة “النصر”.
ويضيف الأستاذ الشرقاوي “لذلك يعظم أهل اليمن هذا الحدث في المكان والزمان فالمكان صنعاء أعرق وأقدم المدن في الجزيرة العربية على الإطلاق، والزمان أول جمعة من شهر رجب الأصب الذي أصبح من الأيام المقدسة يحتفي به اليمنيون من باب التعظيم والثناء والشكر للخالق سبحانه وتعالى وإجلال صاحب الرسالة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ومن حمل رسالته وجمع أقيال ووجهاء اليمن في صعيد واحد الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام”.
أكتفي بما أوردت من مقال الأستاذ الشرقاوي، وأعتقد أنه يُمثل إجابة واضحة على الذين يتقولون بأحاديث غير منطقية وهدفها الكيد فقط، كأن يقولوا إن الحوثي ابتدع عيداً جديداً بحسب وصفهم، والمشكلة أن كثيراً منهم عاشوا المناسبة في العقود الماضية حيث ظل اليمنيون يحتفلون بهذه الجمعة حتى بعد الثورة بسنوات إلى أن جاء المد الوهابي عن طريق الإخوان المسلمين أولاً وبعد ذلك تبناه النظام وحاول أن يُلغي كل شيء جميل في حياتنا يتعلق بالدين أو الهوية اليمنية ويبدله بخزعبلات وأشياء لا تفيد الإسلام ولا اليمنيين، وهذه هي المعضلة التي حاول أتباع الوهابية أن يسيئوا إلى الدين وإلى معالمه الحقيقية بإشاعة مبدأ التكفير والتفسيق والابتداع، فكل شيء لديهم لا يوافق أفكارهم بدعة وضلالة، كما قال أحد العلماء رحمه الله إنهم هم البدعة وهم الضلالة وهم من جعلوا الآخرين يستهدفون الدين بأدواته ومن خلال أبنائه، إذ لا تزال آثار مشاكلهم قائمة حتى اليوم في عدد من الدول الإسلامية، وبات الإسلام في الغرب بالذات موضع تهوين ورفض، وهذه هي الجرائم الكبيرة التي ارتكبها محمد بن عبدالوهاب وسار على نهجه الحُكام من آل سعود حتى اليوم .
أما نحن في اليمن فسنظل نحتفي بهذا اليوم ونرفع قدره لأننا بذلك نرفع قدر الإسلام ونُعلي مكانته، كما أشار إلى ذلك العلامة الشرقاوي، أهنئ كل أبناء شعبنا وقيادة المسيرة بهذه المناسبة العظيمة، ومن نصر إلى نصر إن شاء الله، والله من وراء القصد ..