لم يعد الوقت متاحاً لأحادية القيادة الأمريكية
تاريخ النشر: 28th, August 2023 GMT
في فترة سابقة أنبرى المتعصبون للإمبراطورية الامريكية يبشرون بأحادية السيطرة الأمريكية على العالم وعلى المجتمع الدولي .. حتى ظننا أن هذا القرن قرن أمريكي بامتياز لكن جرت مياه كثيرة تحت الجسور واستجدت قضايا وتبين ان البعبع الامريكي خيال من قش لا يهش ولا ينش واتضح إن الدور الأمريكي ينسحب إلى الداخل وان أمريكا بالكاد قادرة على أن تسند طولها في عالم متغير وعاصف .
وفي هذا المضمار تشير صحيفة الجارديان البريطانية على لسان كاتبها سايمون تيسدال الى ان عصر الولايات المتحدة الامريكية ولى كما ولت من قبله الامبراطورية البريطانية .. ولم يكتف سايمون تيسدال بهذه العبارات الصادمة حول أفول الدور الأمريكي وتعرض الامبراطورية الامريكية الى بداية انهيارات متوقعة إذ يؤكد ان الاوضاع التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط والعالم تشير إلى ترجع نفوذ أمريكا في العالم ويضيف : ان عصر القوة المهيمنة في العالم اقترب من نهايته ..
وهذه التأكيدات البريطانية ومن صحيفة بريطانية تعتبر من الصف الأول في التأثير وفي التعبير عن المزاج الغربي العام وتحديداً المزاج البريطاني .. هذه التأكيدات أقوى رسالة ميزت الواقع الجيوسياسي في العالم وفي المنطقة العربية .. وربما هذا الذي قاد الى اطلاق المراقبين توقعات توضح ان النفوذ الامريكي في الشرق الأوسط في السنوات المقبلة ربما سيؤدي ويقود إلى طغيان جهود اعادة تشكيل الخارطة الجيوسياسية للمنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط ..
هذه حقائق السياسة .. ومرتكزات النشاط الجيوسياسية للعديد من القوى الاقليمية الصاعدة أو للقوى الدولية التي تمتلك زخم الانشطة الاقتصادية المتدفقة , وهي ذات فاعلية مؤثرة جعلت أمريكا تقف امام أسئلة ملحة ومصيرية .. وقد كشفت هزال وهشاشة الإمبراطورية الأمريكية التي تشهد آلياتها وأدواتها تآكلاً واضحاً وفيما الرداء الأمريكي يتعرض للانكماش الواضح .. وهذا سوف يقود إلى تطورات عديدة في نطاقات اقليمية ودولية ربما لن تكون في مصلحة أمريكا أو في مصلحة دول الغرب التي تقودها أمريكا وسبق أن ورطتها في حرب مفتوحة مع الروس عبر الحصان الخاسر أوكرانيا التي نقلت الأزمة العميقة للرأس مالية إلى أوروبا ومفاصلها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ..
والواقع أن الامبراطورية الامريكية في الوقت الراهن لا تعيش امجادها التي كانت تمني نفسها بها .. وكان منظروها يؤكدون في العديد من نظرياتهم ان هذا القرن قرن أمريكي بامتياز .. لكن الذي جرى أن القرن الحادي والعشرين تحول إلى وبال والى ويلات امام أمريكا .. بدءاً من ازمة الرهن العقاري ووصولاً اليوم إلى أزمة الطاقة الخانقة .. وازمة التمرد الإقليمي على أمريكا وضربت النظرية الأمريكية في مقتل ولم تعد أمريكا احادية القطب , بل تعددت الأقطاب وتعدد النفوذ بكل صوره الاقتصادية والجيوسياسية , بل والعسكرية ورغم التفوق العسكري الأمريكي المهول لكنه ظل قاصراً ولم يحقق لأمريكا الابعاد السياسية التي كانت ترتجيها ..
وقد استطاعت الصين مؤخراً أن تمارس على واشنطن ضغوطاً اقتصادية عاصفة من خلال صناعة الليثيوم ووصولاً الى صناعة اشباه المواصلات .. وفي قادمات السنوات المنظورة سيكون على أمريكا ونظامها الرأسمالي المتوحش أن يواجه اشكالياته العديدة .. هذا النظام الذي اصبح يعاني من الكساح السياسي .. وأصبح في مرمى الاتهامات حتى من اقرب خلفائه الذين يرون في واشنطن مصدر توريط وذروة الاطماع التي لم تترك لحلفائها حتى متنفساً اقتصادياً جراء وقوع العالم أجمع في الأزمة الخانقة للطاقة وامن الطاقة . . ولم تحرك واشنطن أي جهد , بل تركت اوروبا لتحدياتها ولأزمتها في الطاقة .
المصدر: ٢٦ سبتمبر نت
إقرأ أيضاً:
وول ستريت جورنال: ترامب يقلب النظام العالمي الذي بنته أميركا رأسا على عقب
قالت صحيفة وول ستريت جورنال إن احتضان الرئيس الأميركي دونالد ترامب للرئيس الروسي فلاديمير بوتين جعل الحلفاء القدامى للولايات المتحدة ينظرون إليها، لا باعتبارها حليفا غير موثوق به فقط، بل باعتبارها تهديدا محتملا لأمنهم.
وذكرت الصحيفة -في تقرير بقلم ياروسلاف تروفيموف- أن بقاء أميركا لمدة 80 عاما كقوة خيرية نسبيا مهيمنة في العالم، جذب لها شركاء وحلفاء راغبين في التعاون، وذلك يعود إلى مبادرتين رئيسيتين أطلقتهما استجابة للاضطرابات التي أحدثتها الحرب العالمية الثانية.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2جيروزاليم بوست: هل معاهدة كامب ديفيد للسلام في خطر؟list 2 of 2صحف عالمية: ترامب يرضي اليمين الإسرائيلي وحكم غزة صعب دون رضا حماسend of listكانت الأولى عقد مؤتمر بريتون وودز عام 1944، الذي كرس فكرة التجارة الحرة والتعريفات الجمركية المنخفضة، وأدى إلى ازدهار غير مسبوق بالنسبة للغرب، وكانت الثانية قيادة إنشاء حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهو التحالف الذي انتصر في الحرب الباردة وضمن السلام في أوروبا.
ولتشكيل هذا النظام من الفوضى، وعلى أنقاض الحرب العالمية الثانية، كما كتب دين أتشيسون، المستشار الرئيسي للرئيسين فرانكلين روزفلت وهاري ترومان المعادي للانعزاليين الذين ينادون بشعار "أميركا أولا"، يجب أميركا أن "تبذل جهدا خياليا فريدا من نوعه أكثر حتى من ذلك الذي بُذِل في فترة الحرب السابقة".
إعلان
البحث عن رد
ورأت الصحيفة أن إرث هاتين المبادرتين بدأ يتراجع بسرعة مذهلة بسبب مساعي ترامب الذي استهدفت إدارته الثانية أقرب حلفاء أميركا برسوم جمركية عقابية، وأمرت بوقف مفاجئ للمساعدات العسكرية لأوكرانيا، وجمدت المساعدات الخارجية، وتميل إلى إعادة تنظيم جيوسياسي جانح لروسيا الاستبدادية، على حد تعبير الصحيفة.
وقد دفعت تحركات ترامب هذه بقية العالم -حسب الصحيفة- إلى البحث عن رد، وقال النائب الكندي إيفان بيكر، مرددا وجهة نظر أصبح عليها إجماع أوروبا "لقد غيرت الولايات المتحدة من وقوفها مع الديمقراطيات مثل كندا وفرنسا واليابان، وهي تقف الآن مع الدكتاتوريين مثل بوتين، ويجب أن يشعر الناس في البلدان الحرة في جميع أنحاء العالم بالقلق الشديد".
وفي خطاب دراماتيكي، طالب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بحملة إعادة تسليح كبرى، وقال إن أوروبا لا يمكنها السماح لواشنطن وموسكو بتحديد مستقبلها، وبالتالي يجب عليها الآن الاستعداد لأميركا التي لم تعد إلى جانبها.
وإذا كان ترامب -كما ترى الصحيفة- شكك أثناء رئاسته الأولى، علنا في قيمة التحالفات والتجارة الحرة، وأعرب عن إعجابه بالزعماء الاستبداديين واحتقاره للديمقراطيات الأخرى، لا سيما في أوروبا، فإنه اليوم يعود بلا معارضة تقريبا لمتابعة هذه الدوافع بقوة غير مقيدة وبلا مثيل، مضيفا إليها المطالبات المفترسة بأراضي الغير، مثل كندا وغرينلاند وقناة بنما وحتى قطاع غزة.
وقال مايكل فوليلوف، المدير التنفيذي لمؤسسة لوي للأبحاث في أستراليا، إن "ترامب في ولايته الأولى، اعتقد أن أميركا كانت ضحية للخداع، وكان رد فعله هو التقشف، أما في ولايته الثانية، فيدفعه الاعتقاد نفسه لطلب المزيد من أموال الحماية والمزيد من الأراضي، وهو مستعد لاستخدام الإكراه للحصول على هذه الأشياء".
إعلانوحذرت إيفلين فاركاس، المديرة التنفيذية لمعهد ماكين، من أن المزيج المتفجر من مذهب ترامب التجاري الجديد واحتضانه التفكير الإمبراطوري الذي يشبه القرن التاسع عشر قد يدفع العالم نحو حريق جديد، لأن "كلا من جانبي سياسته الخارجية، المكون الأمني وكذلك المكون التجاري والاقتصادي، يحملان الكثير من الخطر، ليس فقط بالنسبة للولايات المتحدة، بل والعالم".
وذكرت وول ستريت جورنال أن الولايات المتحدة، التي لم تكن دائما قوة عالمية حميدة، لم تحاول طوال قرن من الزمان الاستيلاء بشكل دائم على أراضي دول أخرى، رغم أنها دعمت الانقلابات والدكتاتوريات القمعية في أميركا اللاتينية وأفريقيا وآسيا، وغزت واحتلت العراق عام 2003.
غير أن حروب ترامب التجارية -كما تقول الصحية- وإذلاله الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وتهديداته لكندا وبنما والدانمارك، وتهميشه الحلفاء الأوروبيين أدت إلى تآكل هذا الإرث في جميع أنحاء العالم، وغيّرت صورة أميركا في آسيا "من دولة محررة إلى دولة هدامة"، كما قال وزير الدفاع السنغافوري نغ إنغ هين، أحد أقرب شركاء واشنطن الآسيويين.
والسؤال الحاسم الذي يطرحه الحلفاء الآسيويون على أنفسهم هو الآن: هل إدارة ترامب، بعد أن بدت وكأنها تقبل حق روسيا في منطقة نفوذ بأوروبا، ستسعى أيضا إلى إيجاد تسوية مماثلة فوق رؤوسهم لتقاسم العالم مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، خاصة بعد أن قال وكيل وزارة الدفاع الأميركية للشؤون السياسية إلبريدج كولبي إن تايوان، رغم أهميتها الكبيرة بالنسبة للولايات المتحدة، ليست "مصلحة وجودية؟".
الصين أم أوروبا؟وفي هذا السياق، قدمت الصين نفسها للأوروبيين على أن نهجها الدبلوماسي يؤكد على السلام والصداقة وحُسن النية والتعاون المربح للجانبين، معربة عن فظاعة تعامل ترامب معهم، واتفقت معهم على أن مستقبل أوكرانيا لا ينبغي أن تقرره واشنطن وموسكو وحدهما.
إعلانويأتي ذلك -حسب الصحيفة- في وقت أدركت فيه الحكومات الأوروبية أن الولايات المتحدة تتحول من حليف إستراتيجي إلى مفترس، مما يعني أن إعادة التوازن أمر لا مفر منه، وإن كانت لا تزال تتشبث بالأمل في أن الرابطة عبر الأطلسي التي استمرت 8 عقود من الزمان سوف تبقى بطريقة أو بأخرى.
وتساءلت ريم ممتاز، المحللة في مؤسسة كارنيغي بباريس، هل الأوروبيون قادرون على أن يصبحوا القطب الرابع، بحيث لا يتم استيعابهم في مجالات نفوذ روسيا ولا الولايات المتحدة ولا الصين، أم إنهم مقتنعون بأنهم لا يستطيعون ذلك، ومن ثم سيكون هناك تقسيم لأوروبا".
وقال المارشال الجوي المتقاعد إدوارد سترينغر، رئيس العمليات السابق في هيئة أركان الدفاع البريطانية، إن نوعا من "تحالف شرق الأطلسي"، ربما يشمل كندا، قد يحل محل الناتو في السنوات المقبلة، وأوضح "أن أوروبا لديها فرصة عابرة لمواجهة التحدي الذي يفرضه بوتين وترامب بشكل مباشر وغير مباشر".
وقال ثورستن بينر، مدير معهد السياسات العامة العالمية في برلين، متحدثا عن أوروبا "لقد اتبعنا دائما مبدأ الأمل في الأفضل، ولكننا الآن نستعد أخيرا للأسوأ، بأن تصبح الولايات المتحدة قوة معادية علنا متحالفة مع روسيا"، وتساءل: هل فات الأوان؟
في حين أن تآكل التحالفات بين الولايات المتحدة والديمقراطيات الأخرى يصب في مصلحة الصين، فإن الفائز الأكبر في النهاية قد يكون أوروبا، كما يرى الأدميرال البحري الأميركي المتقاعد جيمس ستافريديس، الذي يقول "إن الأحداث التي تنسحب فيها الولايات المتحدة من الممكن أن تدفع أوروبا إلى التوحد والإرادة والوحدة، وتجعلها قوة أكثر أهمية في العلاقات الدولية".